مصباح المنهاج - كتاب الطهارة المجلد 7

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : مصباح المنهاج/ تاليف محمد سعيد الطباطبائي الحكيم.

مشخصات نشر : نجف : دار الهلال، 1427 ق.= 2006 م.= 1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره:964-8276-54-4 ؛ ج.1:964-8276-54-4 ؛ ج. 4 964-8276-42-0 : ؛ ج.5: 964-8276-43-9 ؛ ج.7: 964-8276-83-1 ؛ ج. 8:964-8276-84-8 ؛ ج.5: 964-8276-85-5

وضعيت فهرست نويسي : برون سپاري.

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 4 و 5 (چاپ اول: 1426ق. = 2005م. = 1384).

يادداشت : ج. 3 و 7 و 8 ( چاپ اول: 1430 ق.= 2009 م.= 1388)

يادداشت : ج.9(چاپ؟: ؟؟13).

يادداشت : چاپ قبلي: محمدسعيد طباطبايي حكيم، 1415 ق. = 1994م.= 1373.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج.1. كتاب التجارة.- ج. 4 و 5 و 7 و 8 . كتاب الطهاره

موضوع : اصول فقه شيعه

رده بندي كنگره : BP159/8/ ط2م6 1385

رده بندي ديويي : 297/312

شماره كتابشناسي ملي : 1041894

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

الجزء السابع

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 4

(5)

ادامة المقصد الخامس: في غسل الاموات وفيه فصول

الفصل الثالث: في التكفين

يجب تكفين الميت (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين. ولعنة الله عل أعدائهم أجمعين. اللهم أعن ووفق وأرشد وسدد.

(1) بلا إشكال ظاهر، وفي الجواهر: "وهو كالتغسيل وغيره من أحكامه لا خلاف نصاً وفتوى في وجوبه" ،بل هو من الضروريات الفقهية التي قد تلحق بالضروريات الدينية. وفي معتبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام): "إنما أمر أن يكفن الميت ليلقى ربه عزوجل طاهر الجسد، لئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه، لئلا..."(1). ويظهر من جملة من كلماتهم والنصوص المفروغية عنه.

كما أنه يظهر من جملة من النصوص الواردة في التغسيل وجوب تكفين كل من يجب تغسيله، لذكرها بعد الفراغ من بيان التغسيل(2). ومقتضاها - كإطلاق بعض النصوص - عمومه للرجل والمرأة والصبي، بل هو المستفاد من بعض النصوص

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت وغيرها.

ص: 5

(6)

بثلاثة أثواب (1).

الصريحة الواردة في المرأة والصبي(1) وربما يستشكل في دلالة بعضها، إلا أن في الباقي كفاية. والظاهرعدم الإشكال أيضاًفي كون وجوبه كفائياً. ويظهرالوجه فيه مماتقدم في التغسيل.

(1) إجماعاً، كما في الخلاف والغنية، وما في كلام جملة من الأصحاب من نسبته للمشهور تارة وللأكثر أخرى إنما هو بلحاظ خلاف سلار حيث ذكر أن أسبغ الكفن سبع قطع، ثم خمس، ثم ثلاث، وأن الواجب قطعة واحدة. ومن ثم ادعى إجماع من عدا سلار في المعتبر ومحكي الذكرى وكشف الرموز وغيرها. وقال في الجواهر في رده:" وهو ضعيف، للإجماع المنقول مستفيضاً أو متواتراً كالسنة على خلافه".

ويشهد للمشهور جملة من النصوص، كموثق سماعة:" سألته عما يكفن به الميت. قال: ثلاثة أثواب... "(2) ومعتبر عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: الميت يكفن في ثلاثة سوى العمامة والخرقة يشد بها وركيه، لكيلا يبدو منه شيء. والخرقة والعمامة لابد منهما وليستا من الكفن"(3).

وعليه وعلى غيره مما تضمن عدم زيادة الكفن على الثلاثة من النصوص الكثيرة(4) ينزل ما تضمن عدّ الخمسة بتمامها من الكفن، كمعتبر معاوية بن وهب عنه (عليه السلام): "يكفن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه وإزار وخرقة يعصب بها وسطه وبرد يلف فيه وعمامة يعتم بها ويلقي فضلها على صدره"(5).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 1، وباب: 22 منها حديث: 5، وباب: 2 من أبواب التكفين حديث: 5، 9، 16، 18، وباب: 14 منها حديث: 4، وباب: 25 منها حديث: 1، وباب: 26 منها حديث: 1، 2، وباب: 13 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، وباب: 15 منها حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب التكفين حديث: 6.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 12.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 13.

ص: 6

كما لابد من البناء على استحباب ما زاد عليها بعد خروجه عن الكفن، للمفروغية ظاهراً عن عدم وجوب غير الكفن. ولاسيما مع التصريح في صحيح زرارة ومرسلة يونس الآتيين بأن ما زاد على الثلاثة سنة خارج عن الفريضة.

كما أن مفروغيتهم عن عدم الفرق في الكفن المفروض بين الرجل والمرأة تلزم بحمل النصوص الظاهرة في زيادة المرأة على الرجل على الاستحباب، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمس: درع ومنطق وخمار ولفافتين "(1) ومعتبر عبد الرحمن بن أبي عبدالله:" سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة في كم تكفن؟ قال تكفن في خمسة أثواب أحدها الخمار "(2) ومرسل يونس عنهما (عليهما السلام):" الكفن فريضته للرجال ثلاثة أثواب، والعمامة والخرقة سنة، وأما النساء ففريضته خمسة أثواب"(3).

ولاسيما مع أن مقتضى الأول التفصيل بين المرأة العظيمة الجثة وغيرها، وهو مع عدم بناء الأصحاب عليه لا يناسب الحكم الإلزامي، بل الاستحباب الذي يتأكد مع عظم الجثة.

هذا وقد استدل لسلار بصحيح زرارة: "قلت لأبي جعفر (عليه السلام): العمامة للميت من الكفن هي؟ قال: لا إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله، فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة، فما زاد فمبتدع. والعمامة سنة..."(4).

وقد استشكل فيه غير واحد بأنه مستلزم للتخيير بين الأقل والأكثر.

ويندفع بأنه إن أريد به امتناع التخيير المذكور، فقد حقق في محله أنه ممكن عقلاً إذا لم يستند الغرض من الأمر للأقل وحده دائماً، بل له وحده في ظرف انفراده للأكثر بمجموعه في ظرف تحققه، وهو ممكن في المقام. ولاسيما مع كون إلباس الثوبين غير

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 9، 18، 7.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 7

المستوعبين للبدن سابقاً على إلباس الثوب المستوعب له، حيث يستند للأول ستر ما تحته، وللثاني في ستر ما يزيد عليه، وللثالث ستر باقي البدن، ولا دخل للاحق في أصل ستر ما تحت السابق، بل في تكثيفه.

وإن أريد به منافاته لمدعى سلار من اختصاص الواجب بالواحد، فما ذهب إليه سلار لا دليل عليه، وما دل عليه الصحيح لا قائل به. فهو كما ترى، لوضوح أن التخيير لو تم فالثلاثة أفضل فردي التخيير، وحيث لا فرق عملي بين ذلك وبين وجوب الواحد مع استحباب الزائد فلا طريق لإحراز مخالفة مراد سلار لمفاد النص، لقرب عدم توجهه للخصوصية المذكورة، ونظره لمقام العمل الذي لا يفرق فيه بين الوجهين.

على أن الجمود على لسان الصحيح وإن كان يقتضي التخيير بين الأقل والأكثر ولو بالنحو المذكور إلا أن المفهوم منه عرفاً هو وجوب الثوب التام وحده وشدة استحباب ضم الثوبين الآخرين له، وجعل الثلاثة أحد طرفي التخيير بل أولهما لأهمية الاستحباب المذكور، حتى لا ينبغي ترك العمل به.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر أنه لا مجال لما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) من أنه بعد ظهور الصحيح في التخيير بين الأقل والأكثر الممتنع فلابد من تأويله بحمله على الفرق بين حالتي الاختيار والاضطرار، أو البناء على التصحيف بالنحو المناسب لإحدى النسخ الآتية، أو حمله على التقية.

فالأولى الإشكال في الاستدلال المذكور بما ذكره غير واحد من أن الصحيح وإن روي ب - (أو) كما تقدم في التهذيب حسبما هو الموجود في الطبعة الحديثة، والوسائل عن التهذيب، إلا أنه روي بالواو في الكافي حسبما هو موجود في الطبعة الحديثة، وحكاه غير واحد عنه، كما حكي عن بعض نسخ التهذيب، وهو الذي اقتصر عليه في المعتبر المطبوع في مقام نقل الرواية، وحينئذٍ لا يصلح شاهداً لسلار، بل يتعين حمله على وجوب كون أحد الأثواب الثلاثة تاماً، فيطابق المشهور.

ص: 8

وأما حمله على التخيير، ليناسب كلام سلار، فهو موقوف على استعمال الواو في التخيير، وهو غير ثابت ولا عرفي.

كما حكى في الروض عن كثير من النسخ، وفي الحبل المتين عن بعض نسخ التهذيب، وفي المدارك عن كثير منها، وفي كشف اللثام عن أكثرها، وفي الرياض عن أكثر المعتبرة حذف العاطف والمعطوف هكذا:" الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه ".وهو الذي اقتصر عليه في المطبوع من التذكرة، كما حكاه في المدارك عن المعتبر وجملة من كتب العلامة، فيكون قوله:" تام... "بيان حال الكفن المفروض الذي هو ثلاثة أثواب، فيطابق المشهور أيضاً.

وكيف كان فلا مجال للاستدلال بالحديث مع الاختلاف المذكور في نقله، فضلاً عن رفع اليد به عما سبق المعتضد بما عرفت من الأصحاب. مع موافقة القول بالاكتفاء بالثوب التام لبعض العامة.

هذا وفي صحيح عبدالله بن سنان:" قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): كيف أصنع بالكفن؟ قال: تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه. قلت: فالإزار؟ قال: لا، إنها لا تعد شيئاً، إنما تصنع لتضم ما هناك... ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف، وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه"(1). ومقتضى ذيله انحصار الكفن بالقميص والعمامة، وحيث ثبت استحباب العمامة يكون مقتضاه انحصار الواجب بالقميص.

نعم مقتضى صدره المفروغية عن كون الإزار من الكفن، لظهور السؤال والجواب فيه في احتمال بدلية الخرقة عن الإزار، والردع عن ذلك بأنها لا تعد من أجزاء الكفن، لتجزي عن الإزار، بل تجعل لغرض خاص أجنبي عنه.

لكنه يقتضي نحواً من التدافع بين الصدر والذيل، لا ظهور الحديث في كون الكفن هو القميص والإزار معاً، وقد يدفع التدافع بحمل الصدر على استحباب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8.

ص: 9

(10)

(الأول): المئزر (1).

الإزار والذيل على بيان الكفن الواجب، وعلى كل حال فهو لا يناسب المشهور من كون الكفن ثلاث ثياب.

نعم لابد من رفع اليد عن ظاهر الحديث، لعدم القائل بمضمونه على جميع الوجوه، لأن الظاهر كون مراد سلار الثوب التام الشامل لتمام البدن كما حكاه عنه في التذكرة، ويناسبه استدلالهم له بما تقدم لا الاكتفاء بالقميص، كما قد يظهر من الصحيح. ولاسيما مع ما أشرنا إليه من التدافع في الحديث، ومع تضمنه العمامة دون غيرها مما يظهر من النصوص أنه أهم منها، حيث يقرب التقطيع فيه وعدم نقله بتمامه، وأن بقية القطع قد ذكرت في تتمته. فلاحظ.

(1) كما هو ظاهر أو صريح كثير من الكتب، كالمقنعة والمبسوط والنهاية والاقتصاد والخلاف وإشارة السبق والغنية والمراسم وإن كان مستحباً عنده والوسيلة والسرائر والمعتبر والتذكرة وغيرها، وإن عبر في بعضها بالإزار، لتحديد بعضهم موضعه من الجسد بما يناسب المئزر المذكور، وتصريح آخر بفرشه عند تهيئة الكفن بعد القميص أو عليه أو لفه على الميت قبله، وغير ذلك مما يشهد بإرادتهم من الإزار المئزر بالمعنى المذكور في المتن، الذي يأتي صحة إطلاقه عليه لغة وعرفاً.

وهو داخل في معقد الإجماع المدعى في الخلاف والغنية ومحكي الذكرى والتنقيح وشرح الجعفرية. وكأن مرادهم به الإجماع ممن يرى وجوب الثلاثة، دون سلار، كما صرح به في المعتبر. كما قد يكون بلحاظه نسب للأكثر أو المشهور في كلام جماعة. وبالجملة: لا يظهر الخلاف فيه من المفيد إلى عصر صاحب المدارك.

لكن يظهر من الصدوق أن الواجب بدله ثوب فوق القميص يلف جميع الجسد، وأن الحبرة تقوم مقام الثالث. قال في المقنع: "ثم يكفن في قميص غير مزرور ولا مكفوف، وإزار يلف على جسده بعد القميص، ثم يلف في حبر يماني عبري أو

ص: 10

ظفاري نظيف" وفي الفقيه: "وغاسل الميت يبدأ بالكفن فيقطعه، يبدأ بالنمط فيبسطه ويبسط عليه الحبرة... ويبسط الإزار على الحبرة، ويبسط القميص على الإزار... ويأخذ جريدتين... ويلفها جميعاً..." ثم قال في بيان التكفين بعد إكمال الغسل: "ثم يضع الميت في أكفانه ويجعل الجريدتين معه إحداهما من عند الترقوة ويلصقها بجلده، ويمد عليه قميصه من الجانب الأيمن، والجريدة الأخرى عند وركه من الجانب الأيسر ما بين القميص والإزار ثم يلفه في إزاره وحبرة".

نعم قال بعد ذلك: "وقبل أن يلبسه قميصه يأخذ شيئاً من القطن... ويشد فخذيه إلى وركه بالمئزر شداً جيداً، لئلا يخرج منه شيء" .لكن عدم ذكره المئزر عند إعداد الكفن وذكر الفائدة المتقدمة له، يناسب كون المراد به اللفافة المستحبة الخارجة عن الكفن والتي أشير إليها في صحيح عبد الله بن سنان المتقدم، وقد تبع في العبارة المذكورة الرضوي. وهو المناسب لما في الهداية، حيث قال بعد أن ذكر إعداد قطع الكفن بالوجه المتقدم مع حذف واختصار: "ويلفها جميعاً وبعد مئزراً".

كما يناسب ذلك ما حكاه في المعتبر وغيره عن ابن الجنيد: "لا بأس أن يكون الكفن ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجاً أو ثوبين وقميصاً" .لما يأتي في الاستدلال للقول المذكور من تقريب ظهور إطلاق الأثواب في الشمول، ولا يجري فيه ما يأتي من المخرج عن ذلك في النصوص. وهو المناسب أيضاً لما في محكي رسالة علي بن بابويه وكلام ابن أبي عقيل من جعل الإزار فوق القميص، كما يأتي توضيحه في آخر الاستدلال للقول المذكور.

وقد تنبه لذلك في المدارك ومال للتخيير المذكور في كلام ابن الجنيد، وتبعه فيما حكي في المفاتيح والكفاية والذخيرة وشرح الفقيه للأمين الاسترابادي.

ومنه يظهر الإشكال فيما في حاشية المدارك، من أنه لا يظهر من الفقهاء مخالف، وأن الصدوق موافق. والكتاب لم تعلم منه المخالفة، ولا تأمل أحد في هذا الحكم قبل صاحب المدارك، وبعض من تبعه، بل ربما يكون مقلداً له.

ص: 11

كما ظهر أنه لا مجال للاستدلال على وجوب المئزر بالإجماع، ولاسيما مع أنه يبعد جداً إطلاعهم على أدلة خفيت علينا بعد كثرة النصوص الواردة في المسألة، فاللازم النظر في مفادها.

وقد استدل بجملة منها للمشهور.

منها: ما تضمن التعبير عن أحد الأثواب بالإزار(1). بدعوى: أنه وإن أريد بالإزار في كلام الفقهاء في المقام ما يقابل المئزر، وهو ما يلف تمام البدن، إلا أن المراد به في النصوص المئزر، لتراد فهما، كما يستفاد من جملة من كتب اللغة، كالصحاح ومختاره والنهاية وحكي في لسان العرب وكتب الفقه عن غيرها. ولاسيما مع ما صرحوا به من أن معقد الإزار هو الحقو حيث لا يناسبه كون المراد به ما يلف تمام البدن.

ويؤيده كثرة استعماله بمعناه في كثير من النصوص الواردة في الحمام(2) ، وفي الاستمتاع بالحائض(3) ، وفي لباس المصلي(4) ، وفي الإحرام(5).

مضافاً إلى ما في بعض نصوص المقام من القرائن الدالة على ذلك، مثل ما تقدم في صحيح عبدالله بن سنان من ردع توهم إجزاء الخرقة عن الإزار، إذ لو أريد به ما يلف تمام البدن لم يكن منشأ للتوهم المذكور، وقوله (عليه السلام) في معتبر معاوية بن وهب المتقدم: "يكفن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه، وإزار، وخرقة يعصب بها وسطه، وبرد يلف فيه..." (6) لأن توصيف البرد وحده بأنه يلف عليه مشعر أو ظاهر في عدم كون الإزار كذلك، وقوله (عليه السلام) في موثق عمار: "ثم تكفنه... تبدأ فتبسط اللفافة طولاً... ثم الإزار طولاً حتى يغطي الصدر والرجلين... ثم الخرقة عرضه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8، 13. وباب: 14 منها حديث: 3، 4.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 1 باب: 9، 11، 12، 14، 15، 18، 31، 39. من أبواب آداب الحمام.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 26 من أبواب الحيض.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 3 باب: 22، 23 من أبواب لباس المصلي.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 9 باب: 50، 51، 53 من أبواب تروك الإحرام.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 13.

ص: 12

قدر شبر ونصف، ثم القميص، تشد الخرقة على القميص بحيال العورة وبالفرج حتى لا يظهر منه شيء..."(1) ، حيث صرح فيه بأن الإزار يلف الصدر والرجلين، ولو كان المراد به ما عبر عنه الفقهاء بالإزار في المقام لكان يلف تمام البدن.

لكن تفسير الإزار بالمئزر بالمعنى المذكور وإن كان مسلماً واستعماله فيه شايع، إلا أنهم صرحوا باستعماله في معان أخر لا تناسب المعنى المذكور، ففي القاموس أنه الملحفة، وحكاه في لسان العرب عن اللحياني، ثم قال:" وقيل: الإزار كل ما واراك وسترك. عن ثعلب. وحكي عن ابن الأعرابي: رأيت السروي يمشي في داره عرياناً. فقلت له: عرياناً؟! فقال: داري إزاري "،وفي مجمع البحرين:" وفي كلام البعض من أهل اللغة: الإزار بالكسر ثوب شامل لجميع البدن... وفي الصحاح(2) وغيره: الميزر الإزار يلتحف به "بل إطلاقه في كلام متقدمي الأصحاب كالشيخين على ما يلف جميع البدن يشهد بقِدَم المعنى المذكور عند العرف.

والإنصاف: أن النظر في مجموع النصوص والاستعمالات يناسب استعمال الإزار في الثوب الساتر مع الاختلاف في المستور باختلاف الاستعمالات والموارد، فيراد به تارة: خصوص موضع المئزر المعهود الذي يطلق عليه في عرفنا الوزرة.

وأخرى: ما فوقه مع عدم استيعاب البدن، كما يناسبه ما تقدم في موثق عمار، وما في صحيح رفاعة:" حدثني من سمع أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلي في ثوب واحد متزراً به. قال: لا بأس به إذا رفعه إلى الثندوتين(3)"(4). وقريب منه خبر سفيان بن السمط(5) لأن الاتزار لبس الإزار.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(2) لم أجد عاجلاً ذلك في الصحاح.

(3) الثندوة من الرجل كالثدي من المرأة.

(4) وسائل الشيعة ج: 3 باب: 22 من أبواب لباس المصلي حديث: 3.

(5) وسائل الشيعة ج: 3 باب: 22 من أبواب لباس المصلي حديث: 5.

ص: 13

وثالثة: تمام البدن حتى الرأس، كما يناسبه ما تقدم من تفسيره بالملحفة(1) أو نحوها في كلام بعضهم، واشتهر عرفاً، وجرى عليه الفقهاء في المقام.

وحينئذٍ إن كان المراد من الاستدلال المتقدم بنصوص الإزار نفي وجوب الأخير فقد يكون في محله، لنهوض بعض القرائن المتقدمة وغيرها مما يأتي إن شاء الله تعالى به. وإن كان المراد به إثبات كفاية الأول فهو لا يخلو عن إشكال بعد ما تقدم، بل هو لا يناسب ما تقدم في موثق عمار. وأشكل من ذلك ما لو أريد به وجوبه وعدم جواز خلو قطع الكفن عنه، كما قد يظهر من بعض كلماتهم.

ومنها: ما تضمن التكفين بثوبي الإحرام، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام): "كان ثوبا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار. وفيهما كفن" (2) ومعتبر يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): "اني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه، وعمامة كانت لعلي بن الحسين، وفي برد اشتريته بأربعين ديناراً..." (3) بضميمة ما يذكر في كتاب الحج من أن ثوبي الإحرام إزار يتزر به ورداء.

وفيه مع عدم وضوح تعيين الإزار في الإحرام بنحو يطابق المئزر بالمعنى المذكور، بل هو محتاج إلى نظر في الأدلة لا يسعه المقام -: أن ذلك حيث لم يتضمن وجوب التكفين في ثوبي الإحرام فلا ينهض بإثبات وجوب ما يناسبهما في الكفن. مضافاً إلى أن التكفين بثوبي الإحرام لا يستلزم إلباسهما للميت على نحو لبس الحي لهما في الإحرام، بل لا إشكال في عدم وجوب التردي بالرداء، وحينئذٍ يمكن بسط الإزار طولاً بنحو يلف به تمام البدن أو أكثره، كما يمكن جعل الثوبين أو أحدهما من أجزاء الكفن المستحبة.

********

(1) إن فسرت الملحفة بما يغطي تمام البدن ولو فسرت بما يغطي تمام الجسد المقابل للرأس كما يظهر من بعضهم كان ذلك مناسباً للمعنى الثاني.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب التكفين حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 14

بل قد اقتصر عليهما وعلى القميص والبرد في معتبر يونس، فإما أن يكون البرد هو المستحب ويكون بأحد ثوبي الإحرام اللف الواجب، وحينئذٍ يمكن حصوله بهما معاً، أو يكون البرد هو الواجب، ويكون أحدهما مستحباً، ولا طريق معه لإثبات وجوب المئزر.

كما أن صحيح معاوية بن عمار يعارض ما تضمن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفن في ثوبين صحاريين وثوب حبرة(1) ، وفي موثق سماعة: "والصحارية تكون باليمامة" (2) وفي موثق زرارة: "ثوبين صحاريين وثوب يمنة عبري أو أظفار"(3). قال الشيخ:" الصحيح عندي من ظفار، وهما بلدان ".وقيل:" يمنة بالضم بردة من برود اليمن، وظفار حصن بها "فإن مقتضى مجموع ذلك أن الثوبين الصحاريين ليسا يمانيين، وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكفن إلا بثوب يماني واحد كما هو صريح مرسل عيسى بن المستفاد(4) ، فإذا كان ثوبا إحرامه يمانيين كان أحدهما في كفنه لا كلاهما، فينافي مفاد صحيح معاوية بن عمار. فلاحظ.

ومنها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين"(5) ، بدعوى: أن المنطق هو المئزر، حيث ذكر غير واحد من اللغويين أن المنطق كمنبر والنطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها فترسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض، والأسفل ينجرّ على الأرض، ووجوبه في المرأة يستلزم وجوبه في الرجل، لعدم الفرق بينهما إلا في المستحبات.

وفيه: أن الصحيح حيث تضمن لفافتين فليس حمل المنطق فيه على الوجوب واللفافة الثانية على الاستحباب بأولى من حمل اللفافتين على الوجوب وحمل المنطق

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 3، 6، 11، 17.

(2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 6، 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 11.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 9.

ص: 15

على الاستحباب ولو بتنزيله على الخرقة التي يشد بها وركا الميت، لعدم بعدها عن التفسير المتقدم الذي لا يتضح انطباقه على المئزر، ولاسيما مع تفسيره أيضاً بكل ما يشد به الوسط كالمنطقة. ويناسبه ما في صحيحي العيص بن القاسم وعمرو بن أبان في حديث إحرام أسماء بنت عميس وهي نفساء من قوله (عليه السلام): "فأمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستثفرت وتمنطقت بمنطق وأحرمت"(1) ، بناءً على روايته هكذا في الوسائل حسب ما في الطبعة الحديثة وروى نحوه في مجمع البحرين في مادة (نطق). لكن في المطبوع حديثاً من الكافي:" وتنطقت بمنطقة"(2) ، ومن التهذيب: "تمنطقت بمنطقة"(3). إلا أن يستدل به أيضاً بملاحظة ما يظهر من اللغويين من أن المنطق والمنطقة والنطاق بمعنى واحد.

هذا وقد يستدل للقول الآخر المتقدم من ابن الجنيد وغيره وهو وجوب ثلاثة ثياب شاملة أو ثوبين شاملين وقميص بأمرين:

الأول: ما تضمن أن الكفن ثلاثة أثواب - كصحيح محمد بن مسلم المذكور، وموثق سماعة ومرسل يونس(4) المتقدمين في أول المسألة - بضميمة ما تضمن الاجتزاء بثوبين وقميص، كمعتبر بن يعقوب المتقدم قريباً وغيره. قال سيدنا المصنف (قدس سره):" وكأن الوجه في اعتبار الشمول في الأثواب الثلاثة أو الثوبين من أن الثوب أعم من الشامل قطعاً، ولذا يشمل القميص هو أن ظاهر تكفين الميت بالثياب أو إدراجه فيها هو ستره بكل واحد منها على نحو الشمول... وفيه: أنه لو سلم كون الشمول مأخوذاً في التكفين والإدراج في أنفسهما فلا نسلم ظهورهما لو أضفنا إلى المتعدد في الشمول بالإضافة إلى كل واحد من المتعدد، بل يجوز أن يكون على نحو التجزئة والتبعيض".

********

(1) وسائل الشيعة ج: 9 باب: 49 من أبواب الإحرام حديث: 2.

(2) الكافي ج: 4 ص: 444.

(3) تهذيب الأحكام ج: 5 ص: 389.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 6، 7، 9.

ص: 16

وأما الاستدلال على إرادة الشمول في كل ثوب بما في ذيل صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: كتب أبي في وصيته أن أكفنه في ثلاث أثواب، أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص... وعممه بعد بعمامة. وليس تعد العمامة من الكفن، إنما يعد ما يلف الجسد"(1). فهو في غير محله إذ الظاهر أن المراد من الجسد فيه ما يقابل الرأس، والمراد بلفه لفه في الجملة ولولا بنحو الاستيعاب، كما يناسبه ما في صدره من عدّ القميص من أجزاء الكفن، مع وضوح عدم استيعابه الجسد المقابل للرأس، فضلاً عما يعمه.

نعم قد يشعر به خبر سهل بن اليسع الأشعري: "سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟ قال: أحب ذلك الكفن. يعني: قميصاً. قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: لا بأس والقميص أحب إلي"(2). إذ لو أريد بالإدراج في الثلاثة ما يعم ستر بعضها لبعضه لم يصلح للمقابلة بالقميص، نظير ما تقدم في كلام ابن الجنيد.

إلا أن في كفاية ذلك في الحجية على إرادة الاستيعاب في الثوب إشكالاً بل منعاً. ولاسيما مع احتمال أن يكون منشأ المقابلة بين القميص والإدراج هو ابتناء التكفين بالأول على الإلباس وبالثاني على اللف، لا بلحاظ الاستيعاب وعدمه، ومع عدم ثبوت صحة سند الحديث، وعدم ظهوره في الوجوب، بل في مجرد الاجزاء، وعدم تضمن غيره مما ورد مورد الإلزام التعبير بالإدراج في الأثواب، ليتوهم صلوح الخبر للقرينية على ذلك. مضافاً إلى ما يأتي من ظهور بعض النصوص في عدم ابتناء إطلاق التحديد بالأثواب الثلاثة على الاستيعاب.

ثم إنه قد يدعى أن ما تضمن تحديد الكفن بالأثواب الثلاثة حيث كان وارداً مورد العمل فلابد من وفائه بالبيان بنحو يترتب عليه العمل ولو بضميمة القرائن الحالية الارتكازية أو غيرها، وحيث لا يراد منه الإطلاق بنحو يكتفي بمسمى

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 10، 5.

ص: 17

الثياب الثلاثة، كثلاث مآزر أو مئزرين ولفافة أو غيرها، لما هو المرتكز من أن لكل ثوب غرضاً يفي به لا يفي به غيره، وهو لا يناسب التخيير الذي يقتضيه الإطلاق، فلابد من كون المراد الثياب الثلاثة بكيفية خاصة لا يجتزأ بغيرها، وحيث لم تعين تلك الكيفية حين التحديد تعين حملها على الاستيعاب، لعدم المرجح لأجزاء بدن الميت، ولاسيما مع ثبوت لزوم الاستيعاب في بعضها. فهو نظير ما لو قيل في بيان التغسيل: صب عليه ثلاثاً، وعلم بلزوم الاستيعاب في بعض الصبات.

ودعوى: أن الغرض الارتكازي من التكفين هو ستر الميت، وهو يقتضي الاكتفاء باستيعاب المجموع، لا كل واحد من الثياب. مدفوعة بأن ذلك لا يناسب لزوم الاستيعاب في أحدها، لأن وجوب ضم غيره إليه لابد أن يكون لغرض زائد على ستره، وحينئذٍ يجري في الباقي ما تقدم من لزوم الحمل على الاستيعاب بعد عدم إرادة الإطلاق، لما تقدم، وعدم القرينة على التعيين.

لكن هذا الوجه وإن كان قريباً في نفسه، إلا أنه لا يتضح بنحو يصلح للاستدلال. ولاسيما مع تضمن بعض النصوص ما لا يناسب ابتناء التحديد على الاستيعاب، كصحيح محمد بن مسلم المتقدم، إذ لو ابتنى تكفين الرجل فيه بثلاثة أثواب على استيعاب كل منها لم يتجه مقابلته بالخمسة المذكورة في المرأة التي منها الدرع والمنطق، ولا استثناء العمامة والخرقة في قوله (عليه السلام) في معتبر عبدالله بن سنان:" الميت يكفن في ثلاثة سوى العمامة والخرقة "(1) وكذا ما تضمن التكفين في خمسة منها الخرقة والعمامة أو الخمار(2). ومن هنا لا يبعد ابتناء التحديد بعد عدم إرادة الإطلاق منه، لما تقدم على الإشارة لثياب معهودة، مستوعبة أو غيرها، وحيث خفيت علينا يكون التحديد مجملاً من هذه الجهة. فلاحظ.

الثاني: صحيح حمران بن أعين:" قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا غسلتم الميت منكم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 12.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 13، 18.

ص: 18

فارفقوا به... فقلت: فالكفن؟ قال: يؤخذ خرقة فيشد بها سفله، ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك، وما يضع من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن"(1). بدعوى: ظهور اللفافة فيما يلف تمام البدن.

وأنكر ذلك شيخنا الأعظم وسيدنا المصنف (قدس سرهما). لكنه كما ترى مخالف لمقتضى إضافة اللفافة للميت المستفادة من مساق الكلام. ولاسيما مع وروده في مقام تعليم الكيفية الملزم بوفاء البيان به مع القطع بعدم إرادة مسمى اللف، وعدم القرينة على تعيين قسم خاص من الجسد له. ولعله لذا كان الظاهر مفروغيتهم عن الاستدلال على وجوب الإزار الشامل للبدن بما تضمن الأمر باللفافة.

وأما دعوى: أن قوله (عليه السلام): "وبرد يجمع فيه الكفن" ظاهر أو مشعر بعدم تحقق الجمع بغير البرد. فهي مندفعة مع عدم نهوض ذلك بالخروج عن ظاهر اللفافة بقرب كون الغرض به التنبيه على لزوم كون البرد مستوعباً، لعدم ظهوره في نفسه في الاستيعاب، بخلاف اللفافة، حيث لا يحتاج فيها للتنبيه على ذلك، لظهورها في نفسها فيه ولاسيما مع وصف البرد بأنه يجمع فيه الكفن، لا أنه يجمع فيه الميت، فإن جمع اللفافة للميت نفسه لا تنافي اختصاص البرد بجمع الكفن. ومن هنا كان الظاهر تمامية الاستدلال بالصحيح. كما لا يبعد حينئذٍ تنزيل صحيح محمد بن مسلم المتقدم عليه على النحو الذي تقدم.

نعم قد يكون مقتضى الجمع بينهما وبين موثق عمار(2) المتقدم المصرح فيه بأن الإزار يغطي الصدر والرجلين تنزيل اللفافة فيها على ما يلف الجسد المقابل للرأس، أو على الأفضلية، مع كون الواجب لف ما عدا الرأس. وما عن الذكرى وقد يظهر من جماعة ممن يأتي في تحديد المئزر من حمل موثق عمار على الاستحباب. غير ظاهر الوجه، حيث لا مخرج عن ظهوره في الوجوب، لأن نصوص المئزر مجملة من حيثية سعته ومطلقة من حيثية كيفية لفه على الميت، وهو من سنخ المبين أو المقيد. ولا ينافيه

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5، 4.

ص: 19

ما تقدم في معتبر معاوية بن وهب(1) من توصيف البرد باللف دون الإزار، إذ قد يكون منشؤه عدم وجوب كون الإزار لافاً لتمام جسد الميت، بل لما عدا الرأس منه. كما لم يتضح من النصوص ما ينافي ذلك.

بل قد يؤيده ما تضمنه موثق عمار المذكور ومرسل يونس(2) من إلباس الميت القميص أولاً ثم الإزار ثم اللفافة أو الحبرة، حيث يقرب جداً كون الأعلى هو الأوسع الأشمل. بل جعل المئزر بالمعنى الذي ذكره المشهور على القميص بعيد جداً، لا يناسب الطريقة المألوفة في كيفية اللباس، كما لا يناسب الغرض الارتكازي منه، وهو ستر العورة، ولذا صرح من بنى عليه بكونه تحت القميص، بخلاف جعل الإزار الشامل لتمام البدن أو ما عدا الرأس عليه، فإنه مناسب للمألوف جداً. ومن ثم أشرنا آنفاً إلى قرب كون ذلك هو المراد لعلي بن بابويه وابن أبي عقيل حيث ذكرا أن القميص تحت الإزار. وإن أطلقا الإزار، ولم يوضحا المراد منه فيما حكي من كلامهما.

نعم قد لا يناسب ذلك توهم إجزاء الخرقة عن الإزار الذي أشير إليه في صحيح عبدالله بن سنان(3) المتقدم. لكن في كفاية ذلك في الخروج عن مقتضى الجمع المتقدم بين النصوص إشكال، بل منع، لعدم خلوّ الصحيح عن الإجمال، وعدم التصريح فيه بالتوهم المذكور، وإنما يحمل عليه بدلالة الاقتضاء، بنحو لا يبلغ مرتبة الظهور الحجة. ولاسيما مع احتمال أن يكون قول السائل: "قلت: فالإزار؟" يراد به السؤال عن أن الإزار هو الثوب الثاني من أثواب الكفن، لتوهم أن الخرقة هي الثوب الأول، فيجعل الإزار بعدها، ويكون الردع عن ذلك لبيان أن الكفن يبدأبالقميص، فيناسب ما ذكرنا.

ومن جميع ما تقدم يظهر أنه لا مجال لما ذكره في الجواهر احتمالاً ولم يرتضه،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 13.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8.

ص: 20

وفي طهارة شيخنا الأعظم (قدس سره) أنه حكي عن بعض معاصريه، من التخيير بين الإزار الشامل والمئزر بالمعنى المتقدم، جمعاً بين صحيح حمران ونصوص الإزار ونحوها مما تقدم الاستدلال به للمئزر.

إذ فيه: أنه فرع نهوض تلك النصوص بإثبات الاكتفاء بالمئزر المذكور بحيث تصلح لرفع اليد عن ظهور الصحيح وغيره في الوجوب التعييني، وقد عرفت عدم نهوضها بذلك. مضافاً إلى عدم مناسبة التخيير المذكور لموثق عمار.

ومثله ما ذكره في الجواهر احتمالاً من استحباب المئزر. إذ لو أريد به أنه أفضل فردي التخيير فهو فرع البناء على التخيير. مع أنه لو تم فمقتضى الجمع العرفي أفضلية الأشمل. ولو أريد به استحباب ضمه للإزار الشامل فلا دليل عليه، لظهور نصوص الإزار في الاكتفاء به، وليس عليه دليل آخر ليحمل على الاستحباب.

ثم إن ما تقدم من الوجه وإن لم أعثر على مصرح به من الأصحاب، إلا أن كلام الصدوق لا يأباه، لقرب حمل ما صرح به في الفقيه من لف الميت بالإزار والحبرة على استحباب شمول الإزار للرأس، وحمل ما صرح به في المقنع من لفّ الجسد به عليه أيضاً، أو على لفّ الجسد المقابل للرأس، لا مع الرأس، أو يكون ذلك منه مبنياً على العمل بظاهر صحيح حمران وإهمال غيره، كموثق عمار، أو تنزيله عليه اجتهاداً منه في ذلك.

كما أن كلام المفيد لا يخلو عن إجمال، لأنه وإن ذكر المئزر بنحو يظهر منه إرادة المعنى الذي ذكره المشهور، إلا أنه ذكر معه اللفافيتن ثم قال: "والسنة أن يكون إحدى اللفافتين حبرة يمنية" ،وقد يظهر من ذلك وجوب اللفافة الثانية وأن السنة مختصة بكونها حبرة، المستلزم لكون المئزر هو المستحب.

هذا مع اضطراب الأصحاب في ذلك، واختلاط الواجب بالمستحب في عبارات جملة منهم، والاطمئنان بعدم عثورهم على أدلة لم تصل إلينا. ومن هنا لا مجال لرفع اليد عن مفاد النصوص لو خالف المشهور عندهم.

ص: 21

ويجب أن يكون ساتراً ما بين السرة والركبة (1).

وأما دعوى: لزوم رفع اليد عن ذلك لمخالفته للسيرة المستمرة، حيث يبعد جداً رفعهم اليد عما هو الواجب مع شدة اهتمامهم في مثل ذلك بكثير من المستحبات. فهي مندفعة بأن المتولين لذلك غالباً لما كانوا جماعة مخصوصين من عامة الناس فسيرتهم مستندة للتعليم من أهل العلم تبعاً للفتاوى المشهورة فلا يبعد خطؤها تبعاً لخطأ تلك الفتاوى. ولا يحرز اتصالها بعصور المعصومين (عليهم السلام) بنحو يعلم باستنادهم لهم، ويمتنع خطؤها عادة. ومن ثم لا مجال للخروج بها عن مفاد النصوص الذي ذكرناه. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم. ومنه نستمد العون والتسديد.

(1) كما في المسالك والروض والروضة والرياض، وفي الحدائق أنه مراد الأصحاب، وفي جامع المقاصد أنه يجب أن يستر السرة والركبة، وفي المقنعة والمراسم من سرته إلى حيث يبلغ من ساقيه، وعن المصباح ومختصره من سرته إلى حيث يبلغ المئزر. والجميع لا يخلو عن إشكال، لصدق المئزر عرفاً بدون ذلك، كما اعترف به سيدنا المصنف (قدس سره) وسبقه إليه في الجواهر. وتحديد معناه العرفي بالأول في الروض والرياض وعن بعض مشايخنا، وبالثاني في جامع المقاصد. ممنوع.

ومثله ما عن بعض مشايخنا من الاستشهاد للأول بما تقدم من اللغويين من أن معقد الإزار الحقو، بدعوى: محاذاة الحقو للسرة. إذ فيه مع أنه لا ينهض بتحديد أسفل المئزر -: أن أعلى الحقو أسفل من السرة.

وكذا الاستدلال بما في صحيح الحلبي في الاستمتاع بالحائض: "تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها"(1) ، وفي موثق أبي بصير:" تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقيها وله ما فوق الإزار"(2). لعدم ظهورهما في تحديد الإزار، بل تحديد موضع الاستمتاع. بل قد يظهر منهما عدم مطابقة الحد المذكور للإزار. نعم لا إشكال في عدم كفاية ستر

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 26 من أبواب الحيض حديث: 1، 2.

ص: 22

(23)

(الثاني): القميص (1).

العورة فيه، وإن احتمل كونه حكمة لوجوبه، حتى احتمل في الروض كفايته.

هذا وتقدم عن الذكرى استحباب ستره الصدر والرجلين، وقد يرجع إليه ما في المبسوط والنهاية من استحباب كونه من صدره إلى الرجلين، وأن الوجه فيه حمل موثق عمار على الاستحباب، وتقدم الإشكال فيه.

وأشكل منه ما يظهر من الوسيلة ومحكي الجامع من استحباب ما يبلغ من الصدر إلى الساقين، وفي المسالك والروض والروضة من استحباب ستره ما بين صدره وقدمه. حيث لا يطابق حتى موثق عمار لو حمل على الاستحباب.

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب المذكور في كتب جماعة من قدماء الأصحاب ومتأخريهم، كما تقدم من كتب الصدوق الثلاثة، وكذا المقنعة والمبسوط والخلاف والاقتصار وإشارة السبق والغنية والوسيلة والسرائر والشرايع والنافع والتذكرة والمنتهى ومحكي مصباح المرتضى وصريح العماني وغيرهم. وهو داخل في معقد إجماع الخلاف والغنية، كما حكي دعواه عليه عن الذكرى والتنقيح وشرح الجعفرية، ونسب للمشهور في التذكرة والمختلف وغيرهما.

ويقتضيه جملة من النصوص المتقدمة عند الكلام في وجوب الثياب الثلاثة وفي وجوب المئزر، كصحيحي عبدالله بن سنان ومحمدبن مسلم ومعتبرمعاوية بن وهب(1) وصحيح حمران وموثق عمارومرسل يونس(2).

وتقدم عن ابن الجنيد التخيير بين ثياب ثلاثة يدرج فيها الميت وثوبين وقميص، ووافقه في المعتبر والروضة والمدارك والمستند والحدائق حاكياً له عن جملة من متأخري المتأخرين، وقد يظهر من ذكر الصدوق في الفقيه المرسل الآتي بناؤه عليه. جمعاً بين

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8، 9، 13.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3، 4، 5.

ص: 23

النصوص المذكورة وخبر سهل بن اليسع: "سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟ قال: أحب ذلك الكفن. يعني: قميصاً. قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: لا بأس به، والقميص أحب إلي"(1). ومرسل الفقيه:" وسئل موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الميت يموت أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟ قال: لا بأس بذلك، والقميص أحب إلي"(2).

وقد يستشكل في الاستدلال المذكور مضافاً إلى ضعف الحديثين بقرب اتحاد المرسل مع خبر سهل، والاختلاف بينهما بسبب النقل بالمعنى. والخبر لا ظهور له في استحباب مطلق القميص، بل خصوص القميص الذي يصلي فيه، فلا ينافي وجوب مطلق القميص. قال في الرياض بعد ذكر ذلك: "وهو وإن كان بعيداً، إلا أنه لا بأس بالمصير إليه جمعاً بين الأدلة" .بل عن بعض مشايخنا أن ظاهر الخبر في نفسه وحكاه في الجواهر عن بعضهم.

وفيه: أن المسؤول عنه أولاً وإن كان هو خصوص ثياب الصلاة، إلا أن الجواب بأنه الكفن المحبوب، ثم قوله (عليه السلام): "يعني: قميصاً" ظاهر في رجحان القميص من بين ثياب الصلاة، لا لكونه من ثياب الصلاة، بل لخصوصية كونه قميصاً، فيكون راجحاً من الجهتين معاً، وذلك هو الذي نبه السائل لمعرفة حكم القميص مطلقاً، حيث قابله بالدرج في الأثواب الثلاثة الذي لا يصدق مع كون أحدها قميصاً، لعدم صدق درج الميت الذي هو عبارة عن إدخاله وتضمينه بإلباسه القميص، لعدم استيلائه عليه، كما أجاب (عليه السلام) بترجح القميص، لا بترجح ثوب الصلاة. ومن ثم يكون حمل القميص في الذيل على خصوص قميص الصلاة بعيداً جداً. كما لا مجال لتكلفه في مقام الجمع مع نصوص القميص، لسهولة الجمع عرفاً بحمل تلك النصوص على الاستحباب.

فالعمدة ضعف سند الحديث، لروايته عن محمد بن سهل عن أبيه، وسهل وإن نص النجاشي على توثيقه، إلا أن ولده محمداً لم ينص على توثيقه أحد. وإن كان

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 5، 20.

ص: 24

(25)

يجب أن يكون ساتراً ما بين المنكبين إلى نصف الساق (1)

من القريب جداً استفادة وثاقته من رواية غير واحد من الأجلاء عنه ومنهم أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج البرقي من قم لأنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل. بل في تنقيح المقال عن الخرائج أنه روى تكفين أحمد له بكفن أرسله له الإمام (عليه السلام) في حياته، وهو مشعر أو ظاهر في تفقد الإمام (عليه السلام) له واختصاص أحمد به. مضافاً إلى تصريح النجاشي برواية جماعة لكتابه الظاهر في اهتمامهم به واشتهاره بينهم، وأن للصدوق طريقاً إليه في مشيخة الفقيه، فإن ذلك بمجموعه يوجب الوثوق بظهور وثاقة الرجل بين الأصحاب، كما هو المناسب لظهور تعويل الصدوق على الخبر من إثباته مضمونه في الفقيه، وعمل المحقق به خروجاً عن ظهور النصوص الأخر في تعين القميص مع عدم بنائه على التسامح في الأسانيد وعدم ظهور عمل معتد به جابر له لو كان ضعيفاً.

وأما ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من مانعية إعراض المشهور عن الخبر من التعويل عليه. فهو في غاية الإشكال، لعدم تحقق الإعراض الموهن بعد عمل مثل الصدوق وابن الجنيد والمحقق بالخبر، واحتمال كون اقتصار جملة من الأصحاب على القميص لأنه أفضل أو أحوط، لا للجزم بوجوبه لوهن الخبر. ولاسيما مع ظهور اضطرابهم في المسألة. فتأمل جيداً. والله سبحانه وتعالى العالم.

(1) كما في جامع المقاصد والمسالك والروض والروضة ومحكي فوائد الشرايع وشرحي الجعفرية وغيرها. وفي المسالك والروضة تعليله بأنه المتعارف. قال في الجواهر: "وربما يحتمل الاكتفاء به وإن لم يبلغ نصف الساق. وهو مشكل، لندرته في زمان صدور الأخبار" وسبقه إليه في الرياض.

قال سيدنا المصنف (قدس سره): "لكن لو تم ففي وجوب الأخذ به تأمل" .والوجه فيه عدم صلوح الغلبة لتقييد الإطلاق المذكور، كما تكرر غير مرة. إلا أن توجب تحديد مفهوم القميص عرفاً بمقتضاها كما قد يظهر من المستند في المقام بحيث يبتني

ص: 25

(26)

(الثالث): الإزار (1).

إطلاقه على غيرموردها على المجاز أو النقل، ودون إثبات ذلك خرط القتاد. ومقتضى الأصل الاكتفاء بالأقل، بناء على ما هو التحقيق من الرجوع للبراءة مع الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

نعم في موثق عمار المتقدم: "ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ثم القميص تشد الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج حتى لا يظهر منه شيء" وفيه أيضاً: "ثم بالخرقة فوق القميص على إلييه وفخذيه وعورته"(1). ومقتضاهما ستر القميص للعورة، بل مقتضى الثاني ستر الإليين والفخذين أيضاً. وهو المناسب لما يظهر منه ومن مرسل يونس(2) من كونه أول الثياب الملبوسة. ولا يبعد لزوم المقدار المذكور وإن صدق القميص بدونه، تعويلاً على ذلك. فتأمل.

هذا وفي الروضة استحباب كونه إلى القدم، وفي المسالك أنه يجوز بإذن الورثة أو وصية الميت النافذة، واحتمل في الروض جوازه ولو مع عدمهما. وأطلق في جامع المقاصد جوازه معللاً بأنه الغالب. ولعله يرجع إلى أن الغلبة المذكورة مانعة من حمل إطلاق ما تضمن أن الكفن من أصل المال على إرادة غير الغالب من القميص. ويشكل مع تسليم الغلبة بأنه بعد فرض إطلاق القميص بنحو يشمل ما لا يصل إلى القدم وجواز الاقتصار على ذلك يحتاج جواز فرض ما زاد عليه على الورثة إلى دليل. ويأتي في المسألة الثانية والثلاثين ما ينفع في المقام. وكيف كان فلم يتضح الاستحباب الذي تقدم من الروضة. غاية ما يدعى حسن الاحتياط بالزيادة لو فرض احتمال عدم صدق القميص على ما دونه للشبهة المفهومية.

(1) بلا إشكال ظاهر، وهو داخل في معقد إجماع الخلاف والغنية وغيرهما مما تقدم، بل لعله متيقن منه كما يظهر منهم المفروغية عنه عند تعرضهم

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4، 3.

ص: 26

(27)

ويجب أن يغطي تمام البدن (1)

للخلاف في غيره.

ويقتضيه غير واحد من النصوص المتقدمة وإن لم يعبر عنه فيها بالإزار، كصحيح محمد بن مسلم المتضمن في المرأة للفافتين(1) ، ومعتبر معاوية بن وهب المتضمن للفه بالبرد(2) ، وموثق عمار المتضمن للفافة(3) ، وصحيح حمران المتضمن للفافة وبرد يجمع فيه الكفن(4). من دون أن يظهر لها معارض عدا ما قد يستفاد من عدم ذكره في صحيح عبدالله بن سنان(5) ، الذي تقدم الكلام فيه في آخر الكلام في وجوب ثلاثة ثياب. فراجع.

(1) بلا إشكال ظاهر، وهو المتيقن من اللف واللفافة اللذين تضمنهما ما تقدم من النصوص. نعم قد يقصران عن إثبات وجوب تغطية أعلى الرأس وأسفل القدمين. لكن لا يبعد استفادته تبعاً، لفهم أن الغرض من اللف ستر تمام البدن. ولاسيما بملاحظة قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة المتقدم:" إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يواري فيه جسده كله"(6) ، حيث لا إشكال ظاهراً في كون التخيير بين الثلاثة أثواب والثوب التام من سنخ التخيير بين الأقل والأكثر. ويكون الأمر أظهر على نسخة إبدال (أو) بالواو بناء على ما تقدم عند الكلام في وجوب الثياب الثلاثة. وأما على نسخة حذف (وثوب) فمقتضاه ستر تمام البدن بتمام الثياب، لا بخصوص الثوب الأخير. وحينئذٍ يمكن تتميم المدعى بصحيح حمران المتضمن أن الثوب الأخير يجمع الكفن(7). إذ مقتضاه أنه مع قصور ما تحته يجب الستر به، ومع الستر بما تحته يكون هو فوقه.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 9، 13.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4، 5.

(5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8، 1.

(7) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 27

وبالجملة: لا ينبغي التأمل بعد النظر في مجموع النصوص والفتاوى في اعتبار كون الثوب الأخير الذي عبر عنه في كلماتهم بالإزار مستولياً على تمام البدن.

بل في جامع المقاصد أنه يجب أن يكون بحيث يشد من قِبَل الرأس والرجلين، وجرى على ذلك في الروض والرياض ومحكي فوائد الشرايع وشرحي الجعفرية. وصرح باستحباب ذلك في المسالك والروضة وكشف اللثام وغيرها مع التصريح بمطلق الستر ولو بالخياطة. لكن لا دليل على الوجوب، بل ولا الاستحباب. إلا أن يرجع إلى رجحان الاحتياط عقلاً، خروجاً عن شبهة الخلاف. وما في الرياض من عدم تبادر الستر بالخياطة من الأخبار. غير ظاهر بنحو يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق أو الأصل.

هذا وفي جامع المقاصد أيضاً: "ويعتبر في الجميع شمول البدن في جانب العرض. وينبغي أن يكون عرض اللفافة بحيث يمكن جعل أحد الجانبين على الآخر. كما يشهد به الأخبار، ويشعر به كونها لفافة وفوق الجميع".

أقول: أما شمول الجميع للبدن في جانب العرض فلا ينبغي التأمل فيه في الأثواب الثلاثة. والظاهر عدم الإشكال فيه بينهم. أما الإزار الذي تعرضت له النصوص فإن كان هو المئزر الذي ذكره المشهور فمن الظاهر أخذ اللف في مفهومه، لابتناء استعماله على عقد طرفيه بعد لفه، وعليه يبتني ما تقدم منهم التصريح به من أن معقد الإزار هو الحقو. وإن كان هو الإزار الذي ذكره الصدوق وذكرناه فقد تقدم أن الدليل عليه صحيح حمران المتضمن للفافة، وموثق عمار المصرح بتغطية الصدر والرجلين مع بسطه وجعل الميت مستلقياً عليه.

وأما القميص فمن الظاهر خياطته بنحو يحيط بالبدن. وأما ما تعارف في عصورنا من إطلاقه على ما له جانبان يلتقيان بالأزرار، فلا يبعد كونه مستحدثاً، كما يناسبه ما تضمن الأمر بشق القميص ونزعه من الرجلين من النص(1) والفتوى. نعم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8.

ص: 28

مقتضى التصريح في جملة من النصوص(1) بأنه لا يزر جواز ظهور ما يتعارف ظهوره من الصدر مع عدم الزر.

وأما الإزار الذي تعرض له الأصحاب وأرادوا به الثوب الشامل، فما تقدم في وجه استيعابه طولاً يقتضي لزوم استيعابه عرضاً، كما لا يخفى.

وأما ما ذكره أخيراً من كون الإزار المذكور بحيث يجعل أحد جانبيه على الآخر ولا يكتفى بمجرد اتصالهما فما ذكره هو والشهيد الثاني في الروض من شهادة الأخبار به لم يتيسر لي ما يشهد له، إذ لم أعثر إلا على الرضوي: "وتلفه في إزاره... وتبدأ بالشق الأيسر وتمد الأيمن، ثم تمد الأيمن على الأيسر"(2) ، ومن البعيد إرادتهما له.

نعم لا ينبغي التأمل في ظهور النصوص المتضمنة لعنوان اللف واللفافة فيه. وما في الروض من تحقق اللف بمجرد شمول البدن ولو بالخياطة، بعيد جداً عن المفهوم العرفي لها.

إلا أن تنزل على كون اللف لأجل ستر البدن أو مستحباً، جمعاً مع صحيح زرارة الظاهر في وجوب موارة الكفن لتمام جسد الميت لا غير. ولعله لذا صرح غير واحد بكفاية ذلك وإن استحب ما زاد عليه. عدا السيد في الرياض، معللاً بعدم تبادر الستر بمثل الخياطة من النصوص، نظير ما تقدم منه في الستر طولاً. وهو غير ظاهر. إلا أن يرجع لما ذكرناه من عدم صدق اللف بدونه.

فإن أمكن رفع اليد عنه بصحيح زرارة على ما تقدم فهو، وإلا تعين البناء على وجوبه. ثم إن الظاهر جريان نظير الكلام المذكور في الإزار الآخر الذي ذكرناه أو ذكره الصدوق، لأن عمدة الدليل عليه صحيح حمران(3) المتضمن لعنوان اللف، وموثق عمار(4) المتضمن لتغطية الصدر والرجلين. بل قد يجري ذلك في المئزر الذي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8، 13، 21. وباب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3. وباب: 28 من أبواب التكفين حديث: 2.

(2) الرضوي ص: 17. ومستدرك الوسائل ج: 2 باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 1.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5، 4.

ص: 29

ذكره المشهور، حيث لا يبعد ابتناء استعماله على اللف. فلاحظ.

بقي شيء. وهو أن المذكور في المقنعة والمبسوط والنهاية أن المئزر تحت القميص، وجرى عليه في التذكرة والمنتهى وظاهر السرائر، وصرح بوجوبه في القواعد، ونسبه في محكي الذكرى للمشهور تارة كما في كشف اللثام وللأصحاب أخرى، ثم قال:" ونقل الأصحاب فيه الإجماع ".قال في مفتاح الكرامة:" هذا الإجماع المستفيض نقله كما يظهر من نسبته للأصحاب ما وجدته. لكنه معلوم، لأن الأصحاب بين مصرح بالترتيب المذكور هنا وآت بلفظ (ثم) أو عاطف بالواو مقدم المئزر على القميص والقميص على الإزار...".

ولم أعثر على ما يشهد لذلك من الأخبار، وإن كان هو المناسب لطبيعة اللباس، بناء على أن المراد بالمئزر ما ذكره المشهور، كما تقدم في آخر الكلام فيه. والذي تضمنه موثق عمار ومرسل يونس(1) أن القميص تحت الإزار، وتقدم أن المناسب لذلك كون الإزار هو الذي ذكرناه أو ذكره الصدوق، لا المئزر الذي ذكره المشهور. ولاسيما مع ما في موثق عمار من أنه يغطي الصدر والرجلين.

وبناءً على ما تقدم من أن الواجب هو الإزار المذكور يتعين المحافظة على الترتيب الذي تضمنه الحديثان، كما جرى عليه الصدوق، وحكاه في الحدائق عن علي بن بابويه وابن أبي عقيل، وإن أطلقا الإزار ولم يحدداه. وأما بناءً على وجوب المئزر الذي ذكره المشهور، فإن كان الحديثان المذكوران من أدلته كما ذكره غير واحد لزم العمل بمضمونهما في الترتيب أيضاً. ومن ثم كان كلام المشهور مضطرباً لا يناسب أدلتهم، كما يظهر مما تقدم أيضاً.

وبما ذكرنا يظهر أن الاحتياط بمطابقة مفاد النصوص وما ذكره المشهور لا يكون إلا بالجمع بين المئزر والإزار الذي ذكرناه أو ذكره الصدوق، مع كون الأول تحت القميص أو ما هو بمنزلته لو قيل به، والثاني فوقه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3، 4.

ص: 30

(31)

والأحوط وجوباً في كل واحد منها أن يكون ساتراً لما تحته غير حاكٍ عنه، وإن حصل الستر بالمجموع (1).

(1) قال في جامع المقاصد:" وهل يشترط أن يكون كل واحد من هذه الأثواب بحيث يستر العورة في الصلاة، أم يكفي حصول الستر بالمجموع؟ الظاهر الأول، لأنه المتبادر من الأثواب، ولأنه أحوط. وإلى الآن لم أظفر في كلام الأصحاب بشيء من ذلك نفياً وإثباتاً ".ووافقه في الروض والروضة مقتصراً في الأول على التبادر في مقام الاستدلال عليه، مع اعترافه بأنه خلاف ظاهر صحيح زرارة المتقدم، وفيه:" الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله"(1). وجرى عليه في الروضة ومحكي شرح الجعفرية.

وظاهرهما المفروغية عن وجوب الستر في الجملة بالمجموع أو بكل واحد. ويقتضيه صحيح زرارة المذكور، لعدم صدق المواراة بدون ذلك.

وأما ما في الحدائق من حمل قوله (عليه السلام): "يواري فيه جسده" على مجرد لزوم استيعاب الكفن للجسد وشموله في مقابل نقصه عنه، كما هو المناسب للتأكيد بقوله: "كله" ،فيكون ذلك مؤكداً لقوله: "تام لا أقل منه" .ولذا مال لعدم اعتبار الستر حتى بالمجموع، عملاً بالأصل. ويناسبه ما سبقه إليه المحقق الأردبيلي في محكي مجمع البرهان من قوله: "لا أعرف دليل كون الأثواب بحيث تستر البدن لوناً وحجماً".

فهو كما ترى، لأن إرادة الاستيعاب والشمول لا تنافي إرادة الستر أيضاً، كما هو ظاهر أو صريح عنوان المواراة، فهو مسوق لبيان لزوم استيعاب الأثواب الموارية للجسد، لا مجرد استيعاب الأثواب ولو لم تكن موارية. ويعضد الصحيح في ذلك معتبر الفضل بن شاذان: "إنما أمر أن يكفن الميت ليلقى ربه عزوجل طاهر الجسد، ولئلا تبدو عورته لمن يحمله أن يدفنه. ولئلا ينظر [يظهر] الناس على بعض حاله وقبح

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 31

منظره"(1).

بل لا يبعد كون الستر مأخوذاً من مفهوم الكفن لغة، فعن ابن الأعرابي أن الكفن بالسكون التغطية، وعن بعضهم أنه الأصل لإطلاق الكفن على ثياب الميت. وقد يناسبه ما في الحديث الذي ذكره اللغويون:" أهدى لنا شاة وكفنها "أي: مما يغطها من الرغفان، وقولهم:" كفنت الخبزة في الملة، وكفنت الجمر بالرماد إذا واريتهما بهما ".لكن في أساس البلاغة أن ذلك مجاز، وأن الكفن ثياب الميت، وحينئذٍ يحتاج إثبات أخذ الستر في مفهومه لدليل. نعم لا يبعد كون مصحح الإطلاق المجازي المذكور هو ستر الشاة والخبزة والجمر بالأمور المذكورة، لا مجرد كونها تحتها، فيناسب أخذ الستر في مفهوم كفن الميت.

والعمدة الحديثان المتقدمان المؤيدان بذلك، وبمناسبة اعتبار الستر للغرض الارتكازي من التكفين، حيث قد يقرب لأجله انصراف النصوص والفتاوى إليه. ويكون عدم ذكره في كلام قدماء الأصحاب وجملة من متأخريهم للمفروغية عنه بسبب الانصراف المذكور، لاللخلاف فيه، بل يبعد منهم جداً الخلاف فيه.

هذا وأما مواراة كل ثوب لما تحته فما تقدم من جامع المقاصد في وجه اعتباره من أنه المتبادر من الثوب وكونه أحوط لا ينهض بإثباته، لوضوح عموم الثوب الرقيق الذي لا يواري عرفاً، ولذا تضمنت النصوص التنبيه لعدم الاجتزاء به في الصلاة(2) ، وجواز ترقيق المرأة الثياب لينظر إليها من يريد تزويجها(3).

إلا أن يرجع ذلك منه إلى دعوى الانصراف في خصوص المقام ونحوه من موارد الأمر بلبس الثوب أو إلباسه أو نحوهما، لأن الغرض النوعي من اللبس هو الستر، ولاسيما في مثل الكفن الذي يبعد إرادة التجمل منه. لكن في بلوغه حداً يصلح

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21، 22 من أبواب لباس المصلي.

(3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 36 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث: 11.

ص: 32

معه التوقف في الإطلاق إشكال، فضلاً عن أن ينهض بإثبات التقييد. كما أن الاحتياط لا يصلح وجهاً لإثبات الوجوب مع ما هو التحقيق من الرجوع في مثل المورد من موارد الشك في شرط الواجب للبراءة، فضلاً عن أن يخرج به عن الإطلاق لو تم.

وكذا الاستدلال عليه بما في الغنية من الإجماع على عدم جواز التكفين بما لا تجوز الصلاة فيه. إذ هو لو تم ظاهر في عدم جواز اشتمال الكفن على ما تبطل الصلاة فيه ولو مع غيره كالنجس وأجزاء ما لا يؤكل لحمه، لا اعتبار كون كل قطعة من الكفن مما تجوز به الصلاة منفرداً، بنحو لا تكفي فيه الثياب الثلاثة التي لا يستر كل منها وتستر بمجموعها، وإن جازت بها الصلاة، حيث لا إشكال في كفاية ذلك في اللباس المعتبر فيها.

وعن بعض مشايخنا الاستدلال على ذلك بانحلال التكليف بتكفين الميت إلى تكاليف ثلاثة، وحيث أخذ الستر في معنى الكفن لزم كون كل واحد من الأكفان ساتراً، وإلا لم يكن كفناً. ولا يخفى أنه لو تم أخذ الستر في مفهوم الكفن فإن كان مجموع الثياب كفناً واحداً لم يعتبر الستر إلا في مجموعها وإن قلنا بأنها واجبات انحلالية استقلالية، لأن وجوب كل واحد منها بنفسه أعم من أن يكون كفناً تاماً، وإن كان كل منها كفناً لزم كونه ساتراً وإن قلنا بأنها واجبات ارتباطية، إذ لا مانع من وجوب ثلاثة أكفان بنحو الارتباطية.

وعلى ذلك لا أثر لوحدة التكليف بها بنحو الارتباطية وتعدده بنحو الانحلال في ذلك، ليهم تحقيقه هنا، بل العمدة في وجوب كون كل منها ساتراً بعد الفراغ عن أخذ الستر في مفهوم الكفن دعوى: أن كل ثوب كفن، كما قد يناسبه إطلاق الأكفان بالجمع على ما يكفن فيه الميت من القطع في النصوص(1) واستعمالات العرف.

لكن التعبير عنها بالكفن بنحو الإفراد أظهر وأشيع، بل الجمع في نفسه نادر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9. وباب: 22 منها حديث: 5. وباب: 35 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 33

جداً. وحمل الإفراد على الجنس لو أمكن في بعض الموارد ليس بأولى من حمل الجمع على كونه بلحاظ تعدد ثياب الكفن الواحد. على أنه بناءً على أخذ الستر في مفهوم الكفن فحيث يضاف الكفن للميت يكون ظاهراً في ستر تمامه الذي لا يكون إلا بمجموع الثياب، حيث لا إشكال في عدم وجوب الاستيعاب في بعضها. ولو تعدد المستوعب كان ستر الميت مستنداً لأولها لو كان صفيقاً، وما بعده يستر ما تحته لا الميت. وبالجملة: لو لم يكن ظاهر الكفن تمام الثياب فلا أقل من عدم ثبوت صدقه على كل منها، ليتم الاستدلال المذكور.

هذا وأما ما تقدم من الروض من ظهور صحيح زرارة في الاكتفاء بستر المجموع فلا مجال له بناء على روايته بأو، حيث يكون ظاهراً في اعتبار مواراة الثوب الواحد لو اقتصر عليه من دون نظر لحال الثياب الثلاثة لو كفن بها. واحتمال رجوع "يواري..." للكفن لا للثوب المذكور مخالف لظاهر تركيب الكلام. وكذا بناء على روايته بالواو، بناء على ما تقدم في توجيهه، حيث يدل على اعتبار كون الثوب الأخير موارياً وحده من دون نظر لغيره. بل قد يستفاد منه اعتبار ذلك في بقية الثياب، لعدم الفصل بينها في ذلك، أو لأن المفهوم من الأدلة عدم الفرق بين الثياب إلا في مقدار السعة والشمول. وإن كان كلاهما غير خال عن الإشكال.

نعم بناءً على روايته بحذف العاطف والمعطوف معاً فقد يدعى ظهوره في الاكتفاء بمواراة الثياب الثلاثة التي هي الكفن المفروض بمجموعها وعدم اعتبار مواراة كل منها. لكنه يشكل بأنه ليس مسوقاً لبيان اعتبار أصل المواراة، بل اعتبار استيعابها لتمام الجسد. فهو إنما يدل على كفاية استناد مواراة تمام الجسد لمجموع الثياب، وعدم اعتبار كون كل منها موارياً له بتمامه الذي هو ممتنع لما تقدم من استناد مواراة الجسد لأول الثياب، ولا نظر له إلى اعتبار كون كل منها موارياً لما تحته أوعدمه.

ومن هنا ينحصر الوجه في البناء على عدم اعتبار ذلك بالأصل أو الإطلاق، بناءً على ما سبق من عدم وضوح الانصراف لخصوص الساتربنحو يمنع من الإطلاق،

ص: 34

(35)

(مسألة 26): لابد في التكفين من إذن الولي على نحو ما تقدم في التغسيل (1)، ولا يعتبر فيه نية القربة (2).

فضلاًعن أن يكون دليلاًعلى التقييد.

(1) وتقدم الاستدلال عليه هناك بما يجري في المقام وسائر أفعال التجهيز.

(2) كما نبّه له غير واحد في العصور المتأخرة، وفي الجواهر أنه ينبغي القطع به فيما عدا التغسيل من أحكام الميت. وقال: "ولعله بعد ظهور الإجماع من الأصحاب على ذلك لأن المفهوم من الأدلة بروز هذه الأمور إلى الخارج من غير اعتبار لها. ولظهور وجه الحكمة فيها، وأنها ليست من الأمور التي يقصد بها تكميل النفس ورياضتها والقرب ونحو ذلك".

لكن الإجماع وإن كان مناسباً لعدم تنبيه جمهور الأصحاب لاعتبار ذلك مع الحاجة للتنبيه له لو كان معتبراً، لغفلة عامة الناس عنه بسبب كون الغرض الظاهر منه لهم مواراة البدن وستره، إلا أن في كفاية ذلك في استفادة الإجماع الحجة إشكالاً أو منعاً. ولاسيما مع تعارف قيام المغسل به المناسب لوحدة الداعي لهما، حيث قد يغفل مع ذلك عن التنبيه له اكتفاء بظهور اعتبار النية في الغسل.

وما ذكره بعد الإجماع لا ينهض بالاستدلال ما لم يبلغ حدّ القطع، الذي عهدته على مدعيه. بل أنكره في المستند. قال: "ولذا لا يسقط التكليف بحصول ذلك الستر من غير المكلف، كريح أو سيل أو نحوه" .وإن كان ما ذكره لا يخلو عن إشكال، كما يظهر مما يأتي. فالعمدة في وجهه ما حقق في مبحث التعبدي والتوصلي من الأصول من أن مقتضى الأصل في الأوامر التوصلية.

لكن في الروض بعد التعرض للتحنيط والتكفين: "والنية معتبرة فيهما، لأنهما فعلان واجبان. لكن لو أخل بها لم يبطل الفعل. وهل يأثم بتركها؟ يحتمله، لوجوب العمل، ولا يتم إلا بالنية، لقوله (عليه السلام): لا عمل إلا بنية. وعدمه أقوى، لأن القصد

ص: 35

بروزهما للوجود كالجهاد... ولكن لا يستتبع الثواب إلا إذا أريد بها التقرب إلى الله تعالى، كما نبه عليه الشهيد (رحمه الله) في القواعد" .ولا يخفى التدافع بين اعتبار النية وعدم وجوب الإعادة ولا الإثم بتركها.

ومن ثم قرب في المستند وجوب الإعادة بتركها، لوجوب امتثال الأمر المتوقف عليها عرفاً. وإن كان يشكل بأن الامتثال بمعنى موافقة الأمر وإن كان واجباً عقلاً غير موقوف على النية، وبمعنى التعبد به وقصد امتثاله موقوف على النية قطعاً إلا أنه غير واجب عقلاً، ويحتاج وجوبه واعتباره في المأمور به شرعاً للدليل. والحديث المذكور في الروض لا ينهض به، كما تقدم في مبحث النية من الوضوء، وأطلنا الكلام فيه وفي غير ذلك من جهات المسألة في الأصول.

نعم الظاهر توقف حصول الثواب على النية، كما تقدم من الروض، لأن إطلاق أدلة الثواب وإن اقتضى عدمه، إلا أن مناسبة الثواب للجزاء على الطاعة وشكر الله تعالى للعبد على فعله قرينة عامة على التقييد بالنية، كما في سائر الموارد التي أطلق فيها الثواب على العمل.

ويناسبه ما في مرسل ابن أبي عمير: "سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم. فقلت: فيتركه لغير الله. قال: نعم صيانة لنفسه" (1) ونحوه خبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد(2). فإن تأكد الراوي من كون الترك لغير الله تعالى شاهد بعدم مألوفيته له، وعدم مناسبته لما تقتضيه القواعد العامة الارتكازية في استحقاق الثواب، وإن كان هو مقتضى إطلاق كثير من أدلة الثواب.

على أن ذلك مقتضى الحديث المتقدم من الروض ونحوه، حيث يكون حاكماً على الإطلاقات المذكورة، بناء على ما هو الظاهر من وروده لبيان إناطة الثواب بالنية، كما تقدم في مبحث اعتبار النية من الوضوء، وذكرناه في مبحث التعبدي والتوصلي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 14 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 9 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 18.

ص: 36

(37)

(مسألة 27): إذا تعذرت القطعات الثلاث اقتصر على الميسور (1)

من الأصول.

ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر، حيث قال: "مع احتمال أن يقال هنا بحصول الثواب مع عدم النية، لظواهر الأدلة ما لم ينو العدم. بل ربما ظهر من المحكي عن الأردبيلي حصوله معه أيضاً. وهو لا يخلو من وجه" .والأمر سهل، لخروجه عن محل الكلام من تعيين الحكم الشرعي أو الوظيفة العملية.

بقي الكلام في حكم وقوع الفعل من غير المكلف، كالصبي. وإطلاق دليل التكليف وإن كان قد يمنع منه ويقتضي مباشرة المكلف، إلا أنه لا إطلاق يقتضي ذلك في المقام، كما يظهر بمراجعة ما تقدم في المسألة السادسة عشرة في تغسيل الصبي للميت. بل ذكرنا هناك أن مقتضى إطلاق جملة من النصوص الشارحة لتغسيل الميت الاجتزاء بتغسيل الصبي له. وقد يجري نظيره في المقام. بل إجزاؤه في التغسيل مع كونه تعبدياً يقتضي إجزاءه في التكفين بالأولوية العرفية. ولا أقل من كونه مقتضى أصالة البراءة فيهما، على ما أوضحناه هناك.

بل الأصل المذكور يقتضي الاجتزاء هنا بحصول النتيجة من غير الفاعل المختار، كالريح، وإن لم يجتزأ به هناك، لكون الغسل تعبدياً يعتبر فيه النية. وأما ما يظهر مما تقدم من المستند من المفروغية عن عدم إجزائه، فهو غير ظاهر الوجه. بل يبعد بناء المتشرعة على ذلك، إذ لازم عدم الاجتزاء به أنه لو أوقعت الريح في أثناء تكفين الميت بعض أجزاء الكفن في الموضع المناسب له من بدن الميت لزم رفعه وإرجاعه إلى محله بيد المكلف، وهو أمر مغفول عنه بعيد عن مقتضى السيرة بعد كون الغرض الارتكازي من التكفين ستر بدن الميت الحاصل بذلك.

(1) كما في العروة الوثقى. والمتيقن منه وجوب الميسور من القطع الثلاث، لا من أبعاضها، فيرجع لما في الدروس والروض والروضة من الاقتصار على الممكن

ص: 37

من العدد. أما كلمات الأصحاب الأخرى فلا تتضمن الإطلاق المذكور على اختلاف فيها. فقد قيد في الخلاف والسرائر وغيرهما وجوب القطع الثلاث بالقدرة والاختيار، وصرح بالاقتصار على ما يستره في المبسوط، وعلى الإزار في الوسيلة والنافع والمعتبر حاكياً عن ابن الجنيد والمرتضى، كما صرح بوجوب قطعة واحدة مع الضرورة في الشرايع والتذكرة والمنتهى والقواعد وجامع المقاصد، بل في التذكرة والرياض دعوى الإجماع عليه، وفي الحدائق نفي الخلاف فيه، وفي الجواهر نفي وجدانه، كما نفى شيخنا الأعظم والفقيه الهمداني الإشكال فيه، وفي النهاية: "وإن لم يكن للميت ما يكفن به من هذه الثياب وكانت له قميص مخيطة فلا بأس أن يكفن فيها إذا كانت نظيفة".

وكيف كان فحيث كان مقتضى الأصل سقوط المركب الارتباطي بتعذر بعض أجزائه فوجوب الميسور في المقام إما أن يبتني على كون التكليف بأجزاء الكفن منحلاً إلى تكاليف متعددة لا يكون تعذر امتثال بعضها مسقطاً للآخر، كما استظهره في الجواهر وتقدم عن بعض مشايخنا، أو على وجوب الميسور في الارتباطيات.

والأول لا يناسب أدلة الكفن وأدلة تحديده، لظهورها في وحدة التكليف، وتعلقه بمجموع الكفن، نظير ما تقدم في التغسيل عند الكلام في وجوب الغسلة مع تعذر خليطها من المسألة الثامنة.

والثاني لا مجال للاستدلال عليه بقاعدة الميسور، لما تكرر غير مرة من عدم ثبوتها كلية، لا بالإجماع، ولا بالعموم، ولا بالاستصحاب، على ما أوضحناه في التنبيه الخامس من تنبيهات مسألة دوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين من كتابنا (المحكم في أصول الفقه). كما لامجال للاستدلال عليه في خصوص المقام بالنصوص، لعدم وفائها به على عمومه.

ومثله الاستدلال في كلماتهم تارة: بأنه حال ضرورة، فيقتصر على الممكن. وأخرى: بأنه مع عدم الكفن يدفن عارياً، فالاقتصار على بعضه أولى. وثالثة: بالإجماع المستفاد مما تقدم من تصريحاتهم.

ص: 38

لاندفاع الأول بأن الضرورة إنما تقتضي سقوط المتعذر، ولا تقتضي وجوب الباقي إلا بضميمة أحد المبنيين السابقين اللذين عرفت حالهما. والثاني بأنه لا يقتضي الوجوب، بل غايته الاستحباب. لو لم يناقش فيه بأنه فرع اهتمام الشارع ببعض الكفن، ولا يلزم منه إتلاف المال بلا مسوغ. والثالث بعدم ثبوت الإجماع على عموم وجوب الميسور بعد قصور أكثر كلماتهم عنه، واختصاصها بوجوب قطعة واحدة أو خصوص الإزار أو القميص.

والذي ينبغي أن يقال: الظاهر عدم الإشكال تبعاً للمرتكزات المتشرعية في عدم سقوط الكفن رأساً بتعذر شيء منه، وهو المتيقن مما تقدم من كلماتهم. وقد يستفاد من بعض النصوص، كموثق عمار: "قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر، فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس عليهم إلا إزار، كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه [به]. قال: يحفر له ويوضع في لحده، ويوضع اللبن على عورته، فيستر عورته باللبن وبالحجر ثم يصلى عليه... ولا يصلى عليه وهو عريان حتى توارى عورته"(1). وقريب منه مرسل محمد بن أسلم، إلا أن فيه:" إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا..."(2). لظهور السؤال فيهما في المفروغية عن وجوب التكفين لو كان معهم فضل ثوب يكفنونه به. ولا يراد به التكفين التام، لعدم مناسبته لحالهم، ولا لقوله: "فضل ثوب..." .كما يناسبه أيضاً ما يأتي عند الكلام في مقدار الواجب عند تعذر التام.

هذا ولا يبعد وجوب الثوب الساتر لتمام بدن الميت مع القدرة عليه، كما صرح به من تقدم، لارتكاز أن ذلك هو الغرض المهم من التكفين، وأن وجوب ما زاد على

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

ص: 39

ذلك لغرض زائد عليه.

ويناسبه التعليل في معتبر الفضل بن شاذان(1) المتقدم عند الكلام في وجوب كون الكفن ساتراً غير حاك لما تحته، وموثق الفضل بن يونس الكاتب فيمن لم يترك ما يكفن به ولم يكن له من يقوم بأمره، وفيه بعد السؤال عن تكفينه من الزكاة: "قال: كان أبي يقول: إن حرمة بدن المؤمن ميتاً كحرمته حياً، فوارِ بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكاة"(2) ، لأن تشبيه بدن الميت بالحي في الحرمة وتفريع التكفين على ذلك يناسب اهتمام الشارع بستره، لأن ذلك هو المفهوم من مقتضى الحرمة عرفاً. فتأمل.

والظاهر أنه إليه يرجع ما تقدم من جماعة من وجوب قطعة واحدة مع الضرورة الذي هو معقد الإجماع ونفي الخلاف والإشكال المتقدمة، لارتكاز أهمية الثوب التام، ولذا صرح في جامع المقاصد بتقديم الإزار حينئذٍ. ولاسيما مع سوقه في كلام بعضهم في مقابل قول للعامة بوجوب ثوب واحد تام حتى مع الاختيار، ومع ما في التذكرة والمنتهى من وجوب تتميم ستره لو نقص الثوب بحشيش ونحوه.

نعم لا مجال للاستدلال عليه بفعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بحمزة (عليه السلام) كما في المنتهى إذ لم أعثر على ما تضمن ذلك عدا ما في صحيح إسماعيل بن جابر وزرارة من قوله (عليه السلام) بعد الحكم بدفن الشهيد في ثيابه بدمائه:" دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها، ورداه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) برداء فقصر عن رجليه، فدعا له باذخر فطرحه عليه"(3). وهو كما ترى قد تضمن دفن حمزة (عليه السلام) في ثيابه، ومن الظاهر الاكتفاء بها في الشهيد، فلابد من حمل ترديته بالرداء على الاستحباب، ويخرج عما نحن فيه. على أنه معارض بما تضمن تجريد حمزة من ثيابه، كما تقدم عند الكلام في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 33 من أبواب التكفين حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

ص: 40

تكفين الشهيد.

ومثله الاستدلال لما ذكرناه من وجوب الثوب الشامل بما تقدم في صحيح زرارة من قوله (عليه السلام): "إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام..." (1) بدعوى حمل الثلاثة على الاختيار والواحد على الضرورة. إذ فيه: أنه لا شاهد على الحمل المذكور. مع عدم نهوض الحديث بإثبات كفاية الثوب المذكور بعد اختلاف نسخه، على ما سبق في أول الكلام في التكفين. فالعمدة في إثبات الثوب الشامل ما تقدم.

ثم إنه لو تعذر الثوب الشامل فوجوب الثوب الناقص قريب جداً للمرتكزات، كما تقدم من النهاية، خصوصاً بملاحظة مناسبته لاحترام الميت الذي أشير إليه في موثق الفضل بن يونس، لأن الاحترام المذكور قابل للتبعيض ارتكازاً، كالاهتمام بستره الذي أشير إليه في معتبر الفضل بن شاذان. ومقتضاه تقديم الأشمل من الثوبين.

ولو استشكل في ذلك فلا مجال للإشكال في وجوب ما يستر العورة، كما صرح به في الرياض والجواهر، لأنها أولى من سائر أجزاء البدن بالستر. ولاسيما مع ذكرها بالخصوص في معتبر الفضل بن شاذان وموثق الفضل المتقدمين.

نعم لا مجال للاستدلال عليه بما تقدم في موثق عمار ومرسل محمد بن أسلم من سترها باللبن ونحوه، ولا ما في الثاني من اشتراط ذلك بما إذا لم يجدوا ثوباً يستر عورته. لاحتمال أن لا يكون ذلك واجباً بملاك التكفين، بل لأجل الصلاة عليه، كما قد يناسبه قوله (عليه السلام) في الموثق: "ولا يصلى عليه وهو عريان..." ونحوه المرسل وغيره(2).

هذا وأما وجوب غير ذلك كالثوبين مع القدرة كما هو مقتضى المتن وغيره مما تقدم فيشكل إقامة الدليل عليه، فضلاًعن الدليل على وجوب ضمّ أبعاض الثوب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 8.

ص: 41

وإذا دار الأمر بينهما يقدم الإزار (1) وعند الدوران بين المئزر

المتعذر بتمامه للثوب الميسور. وإن كان كلاهما مقتضى قاعدة الميسور التي استدل بها غير واحد في المقام وغيرها مما تقدم التعرض له. فلاحظ.

(1) كما في كشف الغطاء وتقدم من جامع المقاصد. وتأمل في الجواهر في وجوبه وإن كان أحوط. ووجوبه ظاهر بناء على ما سبق منّا. وأما بناء على عموم وجوب الميسور في المقام أو مطلقاً، فلقرب صدق تمام الميسور على الإزار عرفاً وبعضه على غيره وإن كانا متباينين حقيقة، بعد كونه أقرب للتكفين التام، ومحققاً لأكثر مما يحققه غيره من فائدته.

ولا أقل من كونه أهم بسبب ذلك، فيرجح مع التزاحم، سواءً قلنا بأن التكليف بقطع الكفن انحلالي أم ارتباطي، إذ على الأول يكون المورد من صغريات التزاحم بين التكليفين الذي يرجح معه الأهم بلا إشكال.

وعلى الثاني فالمورد وإن لم يكن من صغريات التزاحم بين التكليفين، بل من موارد العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين المتباينين بعد فرض سقوط التام بالتعذر، إلا أن ابتناء التكليف بأجزاء المركب على الميسور مستلزم عرفاً لتمامية ملاك التكليف بكل جزء، ولذا يجب لولا المزاحم ولو مع تعذر غيره. فمع فرض اختلاف الأجزاء في الأهمية لابد من كون المجعول شرعاً هو الأهم بعينه. فالأهمية في المقام تستلزم جعل الأهم كما تستلزمه في التزاحم الحكمي.

نعم لو لم يحرز فعلية الملاك في كل جزء واحتمل عدم فعلية ملاك الأهم في ظرف التزاحم لم تجد أهميته في نفسه في إحراز جعله. لكنه لا يناسب عرفاً كون المورد من صغريات قاعدة الميسور.

ومن هنا لم يتضح الوجه فيما عن بعض مشايخنا (دامت بركاته) من التوقف في الترجيح بالأهمية في الواجبات الضمنية الارتباطية. فتأمل جيداً.

ص: 42

(43)

والقميص يقدم القميص (1)، وإن لم يكن إلا مقدار ما يستر العورة تعين الستربه (2)، وإذا دار الأمر بين ستر القبل والدبر تعين ستر القبل (3).

(مسألة 28): لا يجوز اختيار التكفين بما لا تجوز الصلاة فيه (4)

-

(1) كما في جامع المقاصد وكشف الغطاء، وجعله في الجواهر أحوط وإن تأمل في وجوبه. ويظهر الحال فيه مما تقدم منّا عند الكلام في وجوب الميسور وفي وجه ترجيح الإزار.

هذا بناءً على وجوب المئزر، وأما بناء على ماتقدم منامن وجوب الإزار الشامل لتمام البدن عدا الرأس فيكون الترجيح له على القميص لو تم ترجيح القميص على المئزر. بل لا يبعد ترجيحه وإن كان ناقصاً إذا كان أشمل من القميص.

(2) كما تقدم من الرياض والجواهر. وتقدم وجهه.

(3) كما في كشف الغطاء لأهميته ارتكازاً فيتعين. ولاسيما مع معلومية أن الاهتمام بستر العورتين انحلالي لا ارتباطي.

(4) كما في الغنية والوسيلة والسرائر والنافع والقواعد والدروس وجامع المقاصد والمسالك والروض والروضة وكشف اللثام، وفي الغنية دعوى الإجماع عليه، وعن محكي مجمع البرهان: "وأما اشتراطهم كون الكفن من جنس ما يصلى فيه وكونه غير جلد فكأن دليله الإجماع" .لكن ذلك لا ينهض دليلاً على الكلية المذكورة بحيث يستغنى معه عن الدليل على الصغريات بعد الاقتصار على الحرير في كثير من الكتب، كالمبسوط والنهاية والاقتصاد والشرايع والتذكرة والمنتهى والإرشاد وغيرها، وبعد ظهور بعضها في أن المعيار على دليل الصغريات، كالمعتبر، حيث تضمن الإشارة للكلية المذكورة والاستدلال على بعض صغرياتها وإهمال إجزاء ما لايؤكل لحمه منها.

ص: 43

اختياراً (1) للرجال (2)، فلا يجوز بالحرير (3)،

ومثله الاستدلال بصحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لاتجمروا الأكفان ولاتمسحوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم" (2) بضميمة عدم جواز الإحرام فيما لا تجوز الصلاة فيه.

إذ فيه مع عدم وضوح الدليل على الكلية المذكورة في الإحرام -: أن التنزيل المذكور لا مجال للبناء على عمومه بنحو اللزوم بعد كثرة اختلاف الميت عن المحرم في الأحكام حتى إذا مات حال الإحرام، حيث لا يجري عليه من أحكام المحرم إلا منعه من الطيب حتى الكافور، وبعد كون تطيب الميت بغير الكافور الذي هو مورد التنزيل مكروهاً لا محرماً.

ومن ثم لا يبعد حمله على الكراهة بلحاظ الأمور المبتنية على التزيين والتجمل وإن كان ذلك أيضاً قد لا يناسب ما تضمن التكفين بالثياب الجيدة المزينة. فتأمل. ومن هنا لا مجال للتعويل على الكلية المذكورة في حكم صغرياتها، بل يلزم النظر في دليل حكم صغرياتها.

(1) كما في كشف اللثام ولعله مراد الكل.

(2) كما في الوسيلة والنافع والدروس وجامع المقاصد والروضة وكشف اللثام. ولعله مراد الكل، كما يناسبه تفريعهم عليه حرمة التكفين بالحرير. ولاسيما مع تصريح جملة منهم بعموم المنع منه للمرأة مع جواز الصلاة لها فيه.

(3) كما هو المعروف بين الأصحاب المصرح به في كلام جماعة كثيرة، كالشيخ

********

(1) لصحة طريق الصدوق (قدس سره) إليه، إذ ليس فيه من قد يتوقف فيه عدا القاسم بن يحيى وجده الحسن بن راشد، والظاهر وثاقتهما، كما أوضحنا ذلك عند الاستدلال برواية الخصال على الاستصحاب من الأصول، فلا يهم مع ذلك عدم ثبوت اعتبار طريق الكليني للحديث عن محمد بن مسلم.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 44

(45)

ومن بعده طبقة بعد طبقة. وادعى الإجماع عليه في المعتبر ومحكي شرحي الجعفرية والمفاتيح، كما ادعي عليه أيضاً بعد تقييده بالمحض في التذكرة ومحكي الذكرى وظاهر نهاية الأحكام. ولعله المتيقن مما تقدم من الغنية من دعوى الإجماع على عدم التكفين فيما لا تجوز الصلاة فيه. ولعله استظهر في الحدائق عدم الخلاف فيه. وما عن الكفاية من نسبته للمشهور غير ظاهر الوجه.

وكيف كان فعمدة الدليل عليه مضمر الحسن بن راشد: "سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب [القصب] اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال: إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس"(1).

وقد يستشكل فيه بضعف سند الحديث، لاشتراك الحسن بن راشد بين البغدادي الثقة الذي هو من وكلاء الإمام الهادي (عليه السلام) وأصحابه وأصحاب أبيه (عليه السلام)، ومولى بني العباس الذي اختلف في وثاقته، وإن كان الظاهر أنه ثقة من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) والطفاوي المضعف الذي هو من أصحاب الرضا (عليه السلام) أو في طبقتهم. ويندفع كما نبه له غير واحد بأن الظاهر في المقام كون الراوي هو البغدادي، لأن راوي الحديث عنه هو محمد بن عيسى الذي هو من رواة الشخص المذكور، ولا يروي عن مولى بني العباس، بل عن حفيده القاسم بن يحيى، ولا عن الطفاوي، بل الراوي عن الطفاوي ليس إلا علي بن السندي. ولأن الصدوق قد روى المضمر مرسلاً عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، وقد عرفت أن البغدادي من أصحابه دون الآخرين.

ومثله الإشكال بأن البأس أعم من الحرمة، ولو أريد منه الحرمة في المقام سقط المضمر عن الحجية بإعراض الأصحاب، لأنهم بين مقيد للحرير بالمحض، ومطلق فيشمل ما كان الخليط فيه أكثر ما لم يكن الحرير مستهلكاً أو لا يشمل المخلوط أصلاً كما هو الظاهر ومعبر بما لا تجوز الصلاة فيه، فيختص بما إذا كان حريراً محضاً. ومن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 23 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 45

ثم ادعى في الجواهر القطع بعدم الحرمة في بعض أفراد مفهوم الشرطية التي تضمنها المضمر.

لاندفاعه بظهور البأس في المقام في الحرمة، وبناء المشهور على الجواز في بعض الصور قد يكون لبنائهم على اشتراك الكفن مع لباس الصلاة في الحكم. فإن تم فهمهم كان قرينة على حمل النهي في المضمر على الكراهة في بعض الأفراد، لا على رفع اليد عن ظهوره في الحرمة رأساً، بل يكون ذلك بنفسه دليلاً على حرمة الحرير المانع من الصلاة. وإن لم يتم فلا موجب لرفع اليد عن ظهوره في عموم الحرمة لتمام أفراد المفهوم. فلاحظ.

هذا وقد يستدل بنصوص أخر قد تصلح لتأييد المضمر ولا تستقل بالاستدلال.

منها: ما تضمن النهي عن التكفين بكسوة الكعبة، كخبر مروان بن عبد الملك:" سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شيئاً فقضى ببعض [ببعضه] حاجته، وبقي بعضه في يده هل يصلح بيعه؟ قال: يبيع ما أراد ويهب ما لم يرده ويستنفع به ويطلب بركته. قلت: أيكفن به الميت؟ قال: لا "(1) وغيره، بدعوى: أن النهي عن التكفين به مع الترخيص في الانتفاعات الأخرى ليس إلا لكونه حريراً، كما استظهر ذلك في المنتهى والذكرى وغيرهما.

وفيه: أنه لا قرينة على ذلك، ولا على أن الكسوة لا تكون إلا حريراً، بل قد يكون لمنافاته لتكريم الكسوة، لتعرضها به للنجاسة، أو لكونها سوداء أو مزخرفة، فيكره التكفين بها.

ومنها: صحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم المتقدم عند الكلام في عموم عدم جواز التكفين بما لا تجوز الصلاة فيه، بضميمة ما تضمن عدم جواز الإحرام بالحرير. وفيه بعد تسليم عدم جواز الإحرام بالحرير أن الصحيح لا ينهض بعموم تنزيل الميت

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 46

منزلة المحرم، كما سبق.

ومنها: مرسل الدعائم عن علي (عليه السلام): "أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى أن يكفن الرجال في ثياب الحرير"(1). ولا مجال للتعويل عليه مع ضعفه، ومع قوة ظهوره في اختصاص النهي بالرجال مع عدم بناء المشهور عليه. ونحوه الرضوي:" لا تكفنه في كتان ولا ثوب إبريسم"(2).

وأضعف من ذلك التمسك له تارة: بإعراض السلف عنه مع اهتمامهم بإجادة الأكفان والتنوق فيها، كما تضمنته النصوص(3) أيضاً. وأخرى: باستصحاب حرمة لبسه حال الحياة.

لاندفاع الأول بعدم الدليل على الإعراض، وعدم دليليته على الحرمة. والثاني بأن المحرم حال الحياة اللبس على اللابس، وحرمة إلباسه على الغير لو تم متفرع على حرمة لبسه بعنوان حرمة الإعانة على الإثم، والمشكوك بعد الوفاة تحريم التكفين والالباس على الغير بعنوانه، من دون أن يحرم عليه. وكفى بهذا في تعدد الموضوع المانع من جريان الاستصحاب لو غض النظر عما هو التحقيق من كفاية الموت فيه في استصحاب الأحكام التكليفية.

ومن هنا كان الظاهر انحصار الدليل عليه بالمضمر المعتضد بمعروفية الحكم بين الأصحاب، وتكرر دعوى الإجماع عليه منهم، حتى أن الشيخ حمل حديث السكوني الآتي على التقية لموافقته للعامة، حيث يظهر منه معروفية المنع عندنا. ولعله لذا قال في محكي مجمع البرهان: "كأن دليله الإجماع".

هذا وأما الاستدلال على الجواز في رواية إسماعيل بن أبي زياد السكوني من

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 2.

(2) الرضوي: 18.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب التكفين.

ص: 47

قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "نعم الكفن الحلة، ونعم الأضحية الكبش الأقرن"(1). فهو موقوف على اختصاص الحلة بالحرير، ولا يتضح ذلك بعد مراجعة كلمات اللغويين، فقد قيل: إن الحلة هي كل ثوب جيد، وقيل: هي رداء وقميص وتمامها العمامة، كما قيل: إنها ثلاثة قميص وإزار ورداء، وقيل أيضاً: الحلل الوشي والحبرة والخز والقز والقوهي والمروي والحرير. نقل ذلك في لسان العرب، وفي نهاية ابن الأثير ومختار الصحاح: إنها برود اليمن، وفي القاموس: إنها برد أوغيره، إلى غير ذلك من كلماتهم، وبعضها كما ترى صريح في أنها قد لا تكون حريراً، كما يناسبه ما في الحديث المنقول في لسان العرب من أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كسا علياً (عليه السلام) حلة سيراء، لوضوح أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكسوه ثوب حرير وإن كان قد يهديه له.

وهو المناسب للحديث المستدل به أيضاً، لظهوره في رجحان التكفين بالحلة، لا في مجرد جوازه، مع إجماع المسلمين على عدم رجحان التكفين بالحرير، بل هم بين قائل بالحرمة، وقائل بالكراهة مطلقاً، أو في غير المرأة من دون أن يحكم بالاستحباب فيها على ما نقله في المعتبر والتذكرة والمنتهى. فلا يبعد أن يبتني رجحان الحلة على تحقق الكفن الكامل بها، لأنها ثلاثة أثواب، كما تقدم من بعضهم، أو لاشتمالها على القميص، كما تقدم من آخر.

ومن هنا يظهر أنه لا مجال لما تقدم من الشيخ من حمله على التقية على تقدير انحصار الحلة بالحرير، بل الأولى رده مع ضعف السند بمخالفة الإجماع.

ثم إن مقتضى إطلاق بعضهم وصريح جماعة عدم الفرق بين الرجل والمرأة، ومنهم مدعو الإجماع في المسألة، بنحو قد يظهر منهم دخوله في معقد الإجماع، بل هو كالصريح من قوله في الذكرى:" ولا في الحرير للرجل والمرأة باتفاقنا ".ويقتضيه إطلاق المضمر ونصوص النهي عن التكفين في كسوة الكعبة والرضوي، وإعراض السلف، بخلاف باقي الوجوه المتقدمة لو تمت.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 23 من أبواب التكفين حديث: 2.

ص: 48

(49)

ولا بما لا يؤكل لحمه (1)

ومن ثم استشكل في العموم للمرأة في المنتهى ومحكي نهاية الأحكام. قال في الأول:" هل يحرم تكفين النساء فيه عندي إشكال ينشأمن جوازلبسهن له في الصلاة، بخلاف الرجل، ومن عموم النهي".

لكن جواز لبسهن له في الصلاة لا يستلزم جواز تكفينهن به، لينافي عموم النهي الذي اعترف به، بل غاية ما يدعى العكس، وهو أن عدم جواز اللبس في الصلاة يستلزم عدم جواز التكفين، وهو لا ينفع في المدعى.

هذا وقد صرح في المسالك ومحكي فوائد الشرايع بعدم الفرق بين الصغير والكبير. ويظهر الوجه فيه مما تقدم.

(1) قطعاً، كما في جامع المقاصد. وهو المستفاد من كل من ذكر عدم جواز التكفين بمالا تجوز الصلاة به ممن تقدم، كما ينحصر الدليل عليه بما تقدم في الاستدلال للكبرى المذكورة مما سبق ضعفه. ويظهر منه عدم تمامية الإجماع في المقام، إذ تقدم عدم تماميته على الكبرى المذكورة، وليس للمقام خصوصية فيه عدا ما تقدم من جامع المقاصد من دعوى القطع، حيث ذكر في الجواهر أنها ممن لا يعمل بالظنيات تجري مجرى الإجماع. لكنه ممنوع.

وأما الاستدلال على ذلك بأنه مقتضى قاعدة الاشتغال بعد عدم ثبوت إطلاق للكفن يقتضي جواز ذلك. ففيه مع أن المرجع في مثل المقام البراءة -: أن الإطلاق مقتضى ما تضمن تحديد الكفن بثلاثة أثواب ونحوه مما تقدم، فإن جملة من ذلك وإن كان وارداً لبيان الكفن من حيثية العدد، فقد يتوقف في ثبوت الإطلاق من جهة أخرى كجنس الثياب، إلا أن الاقتصار في صحيح حمران(1) وموثق سماعة(2) المتقدمين

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 6.

ص: 49

ولا بالنجس (1) حتى إذا كانت نجاسته معفواً عنها (2) بل الأحوط

على التحديد بذلك في جواب السؤال عن الكفن ظاهر في الإطلاق من حيثية الجنس أيضاً، بل وغيرها أيضاً، عدا حيثية سعة الثياب، لما تقدم عند الاستدلال لوجوب الإزار الشامل. فراجع.

وأشكل من ذلك ما في كشف الغطاء من عدم جواز استصحاب الكفن لشيء من أجزاء ما لا يؤكل لحمه. إذ هو خال عن الدليل. والكبرى المتقدمة لو تمت إنما تمنع من خصوص التكفين به، دون مثل ذلك.

(1) إجماعاً، كما في الذكرى. ويقتضيه في الجملة الإجماع المتقدم دعواه على عدم جواز التكفين بما لا يجوز الصلاة فيه، وإن تقدم عدم تمامية الكبرى المدعى عليها، فلا ينفع الاستدلال بها في المقام. وفي المعتبر:" ويشترط طهارة الأكفان. وهو إجماع. ولأنه لو لحقها نجاسة بعد التكفين وجب إزالتها، فقبل التكفين أولى".

والاستدلال المذكور متين جداً قد تبعه فيه غير واحد. ولعل عدم تعرض كثير منهم لاعتبار الطهارة في الكفن للاستغناء بما ذكروه من وجوب تطهيره مما يصيبه بعد التكفين به. ويأتي الكلام فيه في المسألة الواحدة والثلاثين إن شاء الله تعالى، أو لما تقدم من جملة منهم من عدم جواز التكفين بما لا تجوز الصلاة فيه.

ودعوى: أن ما تضمن إزالة النجاسة التي تصيب الكفن بعد التكفين به مختص بالنجاسة الخارجة من الميت، دون الخارجية التي هي محل الكلام.

مدفوعة بإلغاء خصوصية المورد المذكور عرفاً. بل وجوب تجنب النجاسة الخارجية أولى عرفاً من وجوب إزالة النجاسة الخارجة من الميت نفسه. ولاسيما مع كون إزالتها أصعب ومع توقع الابتلاء بها بعد الدفن من دون أن تزال.

(2) كما هو مقتضى إطلاق معقد الإجماعين المتقدمين. وكذا الاستدلال المتقدم، لأن إطلاق ما تضمن إزالة النجاسة الخارجة من الميت يعم ما لو كانت معفواً عنه

ص: 50

وجوباً أن لا يكون من جلد المأكول (1).

في الصلاة.

وأما ما عن بعض مشايخنا من أن إلحاق النجاسة الكثيرة الخارجية بالنجاسة الخارجة من الميت، للعلم بعدم الفرق، لا يستلزم إلحاق النجاسة الخارجية القليلة به بعد قصور الإطلاق عنه.

فيشكل بأن الإلحاق ليس للعلم بعدم الفرق، بل لإلغاء خصوصية مورد النصوص عرفاً، وفهم العموم منهاولوبضميمة الأولوية العرفية المشارإليها آنفاً، وهو يقتضي الإلحاق في الموردين، لفهم أن المعتبر طهارة الكفن. وإلا فلو بني على الاقتصار على مورد العلم بعدم الفرق وفتح باب التشكيك في خصوصيات الموارد فلا وجه للتوقف في خصوص ما يعفى عنه في الصلاة، بل يلزم التوقف في كثير من الصور المتصورة بلحاظ نوع النجاسة وقدرها.

نعم لو انحصر الدليل على اعتبار طهارة الكفن بكبرى عدم جواز التكفين بما لا تجوز الصلاة فيه للزم العفو عما يعفى عنه في الصلاة. لكن تقدم عدم تمامية الكبرى المذكورة. مع عدم انحصار الدليل بها لو تمت.

(1) فقد منع منه في المعتبر والتذكرة وجامع المقاصد والروض والمسالك والمدارك ومحكي نهاية الأحكام والذكرى والبيان والموجز وشرحي الجعفرية وكشف الالتباس وغيرها، وعن حواشي الشهيد الثاني نسبته للأكثر.

خلافاً لما في الروضة من جواز التكفين به. بل قد ينسب لكل من اقتصر على المنع مما لا يجوز الصلاة فيه - كالغنية والوسيلة والنافع والقواعد والدروس - فضلاً عمن اقتصر على المنع من الحرير، كبعض من تقدم. لكنه لا يخلو عن إشكال، لقرب كونهم بصدد بيان الشرط في ثياب الكفن بعد المفروغية عن لزوم كونه من سنخ الثياب التي يأتي القول بعد صدقها على الجلود.

ص: 51

وكيف كان فقد استدل عليه في المعتبر وغيره بما حاصله: أن الثياب إنما تصدق عرفاً على المنسوج ونحوه دون مثل الجلود، وحيث تضمنت الأدلة شرح الكفن بثلاثة أثواب فلا مجال للاجتزاء بالجلود.

وبذلك يخرج عن إطلاق القميص واللفافة لو فرض صدقهما في أنفسهما على الجلد، لأنه وإن كان بينهما حينئذٍ عموم من وجه، إلا أنه لا يبعد كون ظهور التحديد بالأثواب أقوى من ظهور التحديد بالقميص واللفافة. ولاسيما مع اشتمال بعض النصوص على ذكر القميص واللفافة في شرح الأثواب(1) ، واشتمال آخر على أخذ اللف أو الجمع في البرد(2) الذي هو من سنخ الثياب.

على أنه يشكل صدق القميص أو اللفافة على الجلد، إذ الظاهر أن القميص أخص من الثياب مطلقاً، لا من وجه، وإطلاقه على ما يكون من الجلد يحتاج للتقييد به، نظير إطلاق الماء على المضاف، فلا يكشف عن العموم. كما أن اللفافة وإن كانت شاملة له بمقتضى مادة اللف، إلا أن الظاهر الإشارة بها إلى ما يلف به من الثياب للمفروغية عن كون الكفن منها، لا مطلق ما يلف به ولو مثل الحصير، ولا أقل من الإجمال المانع من الاستدلال.

وأشكل من ذلك دعوى صدق الثياب على ما يتخذ من الجلد كالفروة، فضلاً عما يكون على هيئة القميص والسراويل ونحوهما، لأن الثوب هو اللباس وما يستر به. إذ فيها: أن الثوب وإن فسر باللباس في لسان العرب والقاموس وغيرهما، إلا أن الظاهر أنه تعريف لفظي يراد به الإشارة لما من شأنه أن يكون لباساً، وهو الثياب المنسوجة ونحوها، ولذا يصدق عليها الثياب وإن لم تلبس، لا مطلق ما يلبس فعلاً أو قوة مما لا يكون من ذلك، فضلاً عن مطلق ما يستر به، كالحصير لو اتزر به شخص وورق بعض الأشجار الكبيرة ونحوهما، حتى لو كان على صورة القميص أو

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 5، 9، 10، 13، 14.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 13، وباب: 14 منها حديث: 5.

ص: 52

السراويل أو نحوهما. بل الظاهر أن صدق الثياب حينئذٍ مشروط بالإضافة والتقييد، ولا تفهم من الإطلاق إلا تبعاً.

ويناسب ما ذكرنا ما في مفردات الراغب، حيث قال:" أصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة... فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم: ثاب فلان إلى داره، وثابت إلي نفسي... ومن الرجوع إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة الثوب، سمي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدرت له... ".فلاحظ.

ومثله دعوى: لزوم الخروج عما يظهر في اعتبار كون الكفن من سنخ الثياب بما في معتبر الفضل بن شاذان المتقدم من أنه إنما أمر بتكفين الميت لئلا تبدو عورته ويظهر الناس على حاله وقبح منظره(1) ، لظهوره في أن الغرض من التكفين هو ستر جسد الميت الحاصل بالجلد.

لاندفاعها بأنه لا ظهور للحديث في بيان التعليل الذي هو موضوع الحكم، وعليه مداره سعة وضيقاً، بل في بيان الحكمة أو العلة لأصل التشريع من دون أن ينافي اعتبار ما هو زائد على الستر في الكفن، كما هو الحال في كل أو جل التعاليل التي تضمنها هذا الحديث للأحكام، وإلا فمن المعلوم كثرة الخصوصيات المأخوذة في الكفن غير الدخيلة في الستر. بل لا يظن من أحد البناء على الاكتفاء بمطلق الساتر ولو كان مثل الحجر والطين مما لا يصدق عليه الثياب قطعاً، وإن أمكن أن يستر به بنحو ستر قطع الكفن.

فالإنصاف أن الوجه المتقدم قريب جداً. وإن كان في بلوغه مرتبة القطع بقصور الثوب عن الجلد المانع من الرجوع لأصل البراءة - بناءً على ما هو الظاهر من أنه المرجع في أمثال المقام - إشكال.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 53

وأما وبره وشعره فيجوز التكفين به (1).

وأشكل منه الاستدلال في التذكرة وغيرها على المنع بأن نزع الجلود عن الشهيد مع اهتمام الشارع بدفنه على حاله وبما عليه لا يناسب تكفين غيره بها. بل في جامع المقاصد والروض أن عدم جوازه أولى.

لاندفاعه - مضافاً إلى عدم وضوح الدليل على عموم نزع الجلود عن الشهيد - بأن جواز نزع الجلود أو وجوبه مع زيادتها على الثياب التي يحتاج لأن يدفن فيها، لا ينافي تكفينه بها بحيث يكتفى بها عن غيرها.

ومن ثم فالظاهر ابتناء الكلام في المقام على ما تقدم الكلام فيه من قصور عنوان الثياب عن الجلود وصدقه عليها.

بقي في المقام أمران:

الأول: أنه حيث سبق عدم الدليل على المنع من التكفين بأجزاء ما لا يؤكل لحمه فلا يفرق في الجواز أو المنع بين أقسام الجلد الطاهرة.

الثاني: أنه يلحق بالجلد ما يشبهه من الأجسام المنبسطة غير المتحللة الأجزاء، كالمطاط والنايلون المشابه له والقرطاس ونحوها. وإن كان التزام القائل بالجواز في الجلد بعموم الجواز لها بعيداً. نعم لو كان النايلون منسوجاً على نحو نسج الثياب فلا إشكال في صدق الثياب عليه. وقد يلحق به الملبد على إشكال.

(1) كما في المعتبر والتذكرة وجامع المقاصد والروض وكشف اللثام ومحكي نهاية الأحكام والذكرى وشرح الجعفرية. وهو الظاهر من كل من اقتصر على المنع مما لا تجوز الصلاة فيه، كالوسيلة والغنية والنافع والدروس وغيرها. ونسبه في المسالك للمشهور.

خلافاً لما عن ابن الجنيد فمنع من الوبر. قال شيخنا الأعظم (قدس سره): "وربما يحكى عنه المنع عن الشعر أيضاً" .ولم يتضح الوجه له عدا ما قيل من أن الكفن أمر شرعي

ص: 54

(55)

فيحتاج للبيان.

لكن يكفي في البيان إطلاق النصوص المتضمنة لشرح الكفن بالأثواب الثلاثة، حيث لا إشكال في صدق الثوب على ما يتخذ من الصوف والوبر ونحوهما، وصدق أصنافه من القميص والإزار واللفافة وغيرها. مع أن كون الكفن أمراً شرعياً لا يمنع من الرجوع مع إجماله للأصل. ومقتضاه على التحقيق في المقام وأمثاله البراءة كما سبق.

بقي أمران:

الأول: منع في كشف الغطاء من التكفين بالذهب والمذهب. ويقتضيه ما في جامع المقاصد من تعليل اشتراط كون الحبرة غير مذهبة بامتناع الصلاة فيه للرجال. بل قد يبتني عليه كلام كثير ممن قيد الحبرة المستحبة بأن لا تكون مذهبة. وإن أمكن أن يبتني على وجه آخر يأتي التعرض له في محله إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فهو إنما يتجه بناء على الكبرى المتقدمة التي سبق عدم الدليل عليها، وعلى عدم جواز الصلاة فيه للرجال، الذي وقع الكلام فيه في محله. نعم لو لم يكن الذهب منسوجاً كالثياب، بل مطرقاً كالقرطاس جرى فيه ما سبق.

وأما ما قيل من أنه تضييع مال غير مأذون فيه، فهو - لو تم، على ما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى عند الكلام في استحباب الحبرة - إنما يقتضي حرمة تضييع الذهب بإبقائه في الكفن حين الدفن، لا حرمة نفس التكفين بالثوب المشتمل عليه، أو إبقاء الكفن على الميت حين دفنه.

على أنه لو فرض حرمة إبقائه لذلك فلا مانع من الاجتزاء به، بمعنى فتحقق امتثال أمر الكفن به ما دام على الميت وإن وجب نزعه والتكفين بغيره، بحيث لو بقي على الميت يحصل الإثم بإبقائه دون عدم تكفين الميت، لأن المورد من صغريات اجتماع الأمر والنهي، لثبوت الأمر بعنوان التكفين والحرمة بعنوان تضييع المال، ومنشأ انتزاع العنوانين متعدد، وقد ذكرنا في محله أن ذلك هو المعيار في موضوع مسألة الاجتماع،

ص: 55

(56) (56)

وأما في حال الاضطرار فيجوز بالجميع (1).

وأن المورد يكون معه واجداً لملاك كلا الحكمين، وإن لزم العمل فيه على مقتضى النهي مع إمكان امتثال الأمر بغيره. ومقتضى ذلك الاجتزاء به عن الأمر في غير العبادات، ومنه التكفين. فلاحظ.

الثاني: قال في الخلاف بعد أن ذكر ثياب الكفن المفروض: "وصفتها أن تكون من قطن محض أبيض، ليس كتان ولا من ابريسم ولا أسود... دليلنا: إجماع الفرقة. ولأن الذي اعتبرناه من العدد واللون والصفة لا خلاف أنه يجوز، وإن اختلفوا في كونه أفضل، فالاحتياط فعل ذلك، لأن ما عداه فيه خلاف".

ومقتضى مساق كلامه وجوب الصفة المذكورة، إلا أنه لا يبعد كون مراده الاستحباب، كما يناسبه ما ذكره عند استدلاله بالاحتياط من الخلاف في كونه أفضل، ونفي الكتان والابريسم والأسود، مع أنه لو أراد الوجوب لكان المناسب نفي كلما خالف الصفة المذكورة، بخلاف ما لو كان مراده الاستحباب، حيث يكون تخصيصه النفي بهذه الأمور لخصوصيتها في المرجوحية.

وهو المناسب للنص والفتوى، حيث ادعى الإجماع على استحباب كون الكفن قطناً أبيض، ودلت بعض النصوص على جواز التكفين بغيره، على ما يأتي عند الكلام في مستحبات التكفين إن شاء الله تعالى.

(1) أما الجواز التكليفي الراجع لعدم الإثم في التكفين بها فهو مقتضى الأصل بعد كون مقتضى الأدلة المتقدمة - لو تمت - عدم مشروعية التكفين بها، بمعنى قصور الكفن المفروض عنها، لا حرمة التكفين بها تكليفاً، لأن ذلك هو الظاهر من الأدلة الواردة في بيان الماهيات التي هي مورد الأحكام الشرعية، التي يهتم بتحصيلها بتمام ما يعتبر فيها. وربما يأتي ما ينفع في المقام.

نعم قد يدعى الحرمة بملاك التبذير وإتلاف المال بلا إذن شرعي. لكن ل

ص: 56

يبعد الاكتفاء في منع صدق التبذير بوجود الغرض العقلائي، ومنه في المقام احتمال المشروعية - لكونه تكفيناً اضطرارياً، أو بدلاً عن التكفين - الحاصل بالنظر للأدلة وكلمات الأصحاب. على أنه لا يتم فيما لو علم بتلف المال على كل حال.

وأما الجواز الوضعي الراجع لصحة التكفين به، بحيث يكون كفناً مشروعاً، المستلزم لوجوبه تكليفاً، لعموم وجوب التكفين، فهو المصرح به في كلام غير واحد، منهم شيخنا الأعظم (قدس سره) قال: "فالأظهر وجوب الستر بكل واحد من هذه عند الانحصار. لما استفيد من أخبار علة تكفين الميت. ومن كون حرمته ميتاً كحرمته حياً. ومن أن أصل ستر بدن الميت مطلوب. مضافاً إلى إطلاق ثلاثة أثواب في بيان الكفن الواجب. وانصراف أدلة المنع عن المذكورات إلى حال الاختيار".

لكن الوجوه الثلاثة الأول راجعة إلى وجه واحد تقدمت الإشارة إليه عند الكلام في تعذر الكفن التام، وهو اهتمام الشارع الأقدس بستر بدن الميت. وهو لا يقتضي إلا ستر تمام بدن الميت بها، لا وجوب تكفينه بثلاثة ثياب منها على نحو التكفين بالكفن الاختياري.

وأما الوجه الأخير فهو لو تم لا يجري في الجلد الذي يبتني المنع منه على عدم صدق الثياب عليه، لوضوح أنه لا يفرق في عدم صدقها بين حالتي الاختيار والاضطرار، فلا يدخل في إطلاق تحديد الكفن بالثياب الثلاثة ليهتم بعموم المانعية لحالة الاضطرار. وإنما ينفع الوجه المذكور في غير الجلد مما تقدم المنع منه.

وأما دعوى قصور إطلاق الأمر بالتكفين بالثياب الثلاثة حتى عن غير الجلد بحكم التبادر والانصراف، كما ذكره في الرياض في بعض الموارد. فهي ممنوعة، لعدم الوجه في الانصراف المذكور، ولذا احتيج إثبات أصل المانعية منها ولو في الاختيار للدليل المخرج عن الإطلاق. ومن هنا يلزم النظر في إطلاق دليل الشرطية بنحو يشمل الاضطرار، ليلزم سقوط التكفين، أو قصوره عنه ليكون المرجع إطلاق الأمر بالتكفين بالثياب الثلاثة. وحيث كان الدليل مختلفاً باختلاف الأمور المذكورة فاللازم

ص: 57

النظر في كل منها على حدة. وهي أمور:

الأول: الحرير. وقد سبق أن عمدة الدليل عليه مضمر الحسن بن راشد(1). وعن بعض مشايخنا تقريب قصور إطلاقه عن صورة الاضطرار بأن قوله (عليه السلام) فيه: "إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس" لما لم يكن وارداً لبيان الحرمة التكليفية فيما لو لم يكن القطن أكثر، بل لبيان البأس الوضعي الراجع لعدم الاجتزاء به عن الكفن حينئذٍ، فعدم الاجتزاء إنما يصحح إطلاقه في مورد الاختيار وإمكان التكفين بغيره، حيث يكون التكليف معلوماً والتردد في سعة المأمور به بنحو ينطبق على المشكوك ليجتزأ بالمشكوك عنه، أما في مورد الاضطرار وانحصار الأمر بالمشكوك فالشك إنما هو في ثبوت التكليف للقدرة على متعلقه أو سقوطه للتعذر، ومعه لا معنى لإطلاق الإجزاء وعدمه، بل يتعين بيان ثبوت التكليف وعدمه.

نعم لو كان بيان عدم التكفين بالحرير بلسان اشتراط عدمه - كما لو قيل: يشترط في الكفن أن لا يكون حريراً - أو بلسان النهي - كما لو قيل: لا يكفن بالحرير - اتجه إطلاقه بنحو يشمل حال الاضطرار وانحصار الأمر به.

ويشكل بأن السؤال في المضمر لما كان عن أنه هل يصلح التكفين بالثياب المذكورة كان ظاهر الجواب عدم صلوحها للتكفين إذا لم يكن القطن أكثر. ومقتضى إطلاقه العموم لحال الانحصار بها، نظير ما اعترف به في فرض بيان عدم التكفين بالحرير بلسان النهي، بل لعله أظهر، وليس في السؤال والجواب من التعبير بالإجزاء أو نحوه عين ولا أثر، ليجري ما ذكره.

على أن ما ذكره إنما يقتضي عدم التعبير بالإجزاء أوعدمه في خصوص الاضطرار، لأن الشك معه في أصل ثبوت التكليف، ولا يمنع من عموم التعبير بعدم الإجزاء لحال الاضطرار، لبيان عدم تحقق الماهية المأمور بها ذاتاً بالفرد المشكوك ولو مع الاضطرار إليه والانحصار به. فتأمل جيداً.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 23 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 58

وكيف كان فالظاهر عموم المضمر الذي هو دليل الشرطية لحال الاضطرار، وحيث لا دليل على مشروعية التكفين به حاله - من إجماع أوغيره - لينهض بالخروج عنه، يتعين البناء على عدم وجوب التكفين به حينئذٍ.

وأما ما عن الذكرى من احتمال مشروعية التكفين به، بل ترجيحه على وبر غير المأكول وعلى النجس، لجواز صلاة النساء فيه اختياراً، مع عدم جواز الصلاة بغير المأكول حتى للنساء، ولا بالنجس إلا اضطراراً.

فهو كما ترى! لعدم نهوض الوجه المذكور بإثبات حكم شرعي، إذ لا دخل لجواز صلاة النساء في الثوب في جواز التكفين به عندهم، كما لا تنهض بذلك الأدلة الشرعية. ومن هنا لا مخرج عن مقتضى إطلاق المضمر من عدم مشروعية التكفين بالحرير.

نعم لو انحصر الأمر به ولم يوجد غيره حتى الممنوعات الأخر، لم يبعد وجوب ستر بدن الميت به - وإن لم يكن كفناً - لما تقدم من ظهور اهتمام الشارع الأقدس بستره. ولا أقل من جوازه، من دون أن ينافيه المضمر، لأنه إنما تضمن عدم صلوحه للتكفين، لا النهي عن لف الميت به وستره، ليتوقف في جوازه، كما في الرياض وغيره.

وأشكل من ذلك ما يظهر من محكي الذكرى من احتمال عدم جواز ستر العورة به إلا حال الصلاة، وأنه ينزع بعدها. وأشكل منه ما يظهر من جامع المقاصد عدم ستر العورة به حتى حال الصلاة بل يوضع في القبر بحيث لا ترى عورته ثميصلى عليه.

إذ فيهما أنهما خاليان عن الدليل، لأن عدم صلوحه للتكفين لا يقتضي المنع عن ستر العورة به حال الصلاة بل مطلقاً قطعاً حتى لو فرض ابتناء عدم التكفين على حرمة اللبس حال الحياة، حيث قد لا يصدق اللبس بذلك، خصوصاً إذا اقتصر على ستر القبل، لإلقاء الميت على ظهره.

الثاني: أجزاء ما لا يؤكل لحمه. وقد سبق عدم الدليل عليه عدا الإجماع المدعى

ص: 59

على عدم جواز التكفين بما لا تجوز الصلاة به، وصحيح محمد بن مسلم المتضمن تنزيل الميت منزلة المحرم(1). كما سبق عدم نهوضهما بالاستدلال.

ولو فرض نهوضهما به فالإجماع دليل لبي يلزم الاقتصار على المتيقن منه، وهو حال الاختيار. وأما الصحيح فإطلاق التنزيل فيه يشمل حال الاضطرار، فإذا تم عدم جواز الإحرام فيما لا يؤكل لحمه حتى مع الاضطرار تعين عدم مشروعية التكفين به معه أيضاً. وحينئذٍ يجري في ستر عورة الميت به وجميع بدنه ما تقدم في الحرير من الوجه والخلاف، لعموم كلماتهم المتقدمة للمقام.

الثالث: النجس. وقد تقدم الاستدلال عليه بفحوى ما دل على إزالة النجاسة الخارجة من الميت عن الكفن. وعن بعض مشايخنا أنه لا يدل على كون الطهارة شرطاً في الكفن الواجب، ليتمسك بإطلاقه مع التعذر، بنحو يستلزم تعذر الكفن، بل قد يكون واجباً فيه بنحو تعدد المطلوب، فسقوطه بالتعذر يقتضي سقوط أصل وجوب التكفين ولو بالنجس.

ويشكل بأن الجمود على الأمر بغسل الكفن أو قرضه لا يقتضي وجوب طهارة الكفن مطلقاً - ولو بنحو تعدد المطلوب - بنحو يجب تبديل الكفن لو تعذر تطهيره. بل وجوب إزالتها عن خصوص الكفن الذي أصابته - مادام كفناً - بنحو لو تعذر إزالتها عنه لم يجب تبديله مع التمكن، ولا يظن التزامهم بذلك، وإن ذكره في الجواهر احتمالاً في ذيل الكلام في وجوب إزالة النجاسة الخارجة من الميت عن الكفن.

وحينئذٍ لا وجه لوجوب التبديل إلا ما أشرنا إليه آنفاً من ظهور الأوامر والنواهي الواردة في خصوصيات متعلق الأمر في الشرطية والمانعية الراجعة لتقييد المأمور به، بحيث لا يجزي المأتي به عنه مع مخالفة مقتضى الأمر والنهي، إذ على ذلك يكون تنجس الكفن بالنجاسة الخارجة من الميت موجباً لخروجه عن الكفن الواجب، فيجب تطهيره أو تبديله بالكفن الطاهر بمقتضى عموم وجوب التكفين.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 60

نعم ذلك إنما يقتضي حمل الأدلة المذكورة على شرطية الطهارة في الكفن وعدم وجوبها استقلالاً بنحو تعدد المطلوب، ولا يقتضي إطلاق الشرطية بنحو يشمل حال التعذر، بحيث يدفن الميت عارياً لو تعذر تطهير الكفن مما يخرج من الميت وتبديله، لأن الأمر لايقتضي إلا الحث مع القدرة، فيدل على الشرطية معها لا مطلقاً، وإنما يتم ذلك فيما لو لم يكون الأمر بداعي الحث، بل لمجرد بيان الشرطية في مقام تحديد المأمور به، كما لو سئل عن الوضوء، فقيل: اغسل وجهك ويديك وامسح رأسك ورجليك ببلة وضوئك. فإن مقتضى إطلاق السؤال طلب تحديد الوضوء مطلقاً، ومقتضى أصالة مطابقة الجواب للسؤال ورود الأمر لتحديد الوضوء كذلك، فيدل على عموم الجزئية والشرطية لحال التعذر. وليس الأمر في المقام كذلك، لعدم ورود الأمر بإزالة النجاسة التي تصيب الكفن لمجرد بيان الشرطية في مقام تحديد الكفن الواجب، بل للحث عليه، وإنما استفيدت الشرطية بالقرينة المتقدمة، حيث تناسب عدم كون الحث عليه لكونه واجباً مستقلاً، بل لأنه شرط، من باب الانتقال من المعلول للعلة. وحيث كان الحث مختصاً بحال القدرة تعين قصور الشرطية المستفادة منه عن حال التعذر.

على أنه لا يظن بالأصحاب البناء على عموم مانعية النجاسة الخارجة من الميت من تمامية الكفن الواجب، بحيث لو تعذر تجنبها لاستمرار خروجها - كما يكثر الابتلاء به في الدم ونحوه - أولتعذر إزالتها أوتبديل الكفن بغيره، يجوز دفن الميت بلا كفن. ويرجع ذلك إلى تقييد دليل مانعية النجاسة الخارجة من الميت لو فرض عمومه بنفسه بصورة القدرة على إزالتها.

وحينئذٍ لا مجال لاستفادة عدم جواز التكفين بالنجس مع الاضطرار بالأولوية المشار إليها آنفاً، بل يتعين الرجوع معه لإطلاق تحديد الكفن بالأثواب الثلاثة القاضي بوجوب التكفين به. نعم لا يبعد وجوب تقليل النجاسة مهما أمكن، لمناسبة الارتكازيات لحمل دليل وجوب إزالة النجاسة المذكورة على الانحلال.

الرابع: المذهب. والكلام فيه نظير الكلام فيما يتخذ مما لا يؤكل لحمه لو كان

ص: 61

(62)

(مسألة 29): لا يجوز التكفين بالمغصوب (1)

دليله كبرى عدم جواز التكفين بما لا تجوز الصلاة فيه. أما لو كان منشؤه لزوم تضييع المال غير المأذون فيه فالمتعيين قصوره عن فرض الاضطرار، حيث لا إشكال في صلوح وجوب التكفين للمنع من صدق التضييع والتبذير، وفي تحقق الإذن في إتلاف المال.

نعم قد يدعى عدم وجوبه للضرر، وهو مبني على تحديد الكفن الواجب إخراجه من التركة من حيثية القيمة. ويأتي في المسألة الثانية والثلاثين الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

هذا كله في مقتضى الأدلة في كل واحد من هذه الأمور لو انحصر الأمر به. أما لو تردد الأمر بينها، بحيث يمكن التكفين بكل منها دون غيرها، فاللازم بناء على ما تقدم تقديم أجزاء ما لا يؤكل لحمه والمذهب على النجس، لعدم وضوح الدليل على مانعيتها حتى مع الاختيار، ثم تقديم النجس على الحرير، لإطلاق دليل عدم جواز التكفين بالحرير بنحو يشمل حال الاضطرار إليه، بخلاف النجس.

بقي الكلام في الجلد، حيث سبق تقريب عدم صدق الثوب عليه، فإن تم لم يشرع التكفين به مطلقاً ولو مع انحصار الأمر به، فضلاً عن أن يقدم على غيره. بل غاية الأمر وجوب ستر الميت به مع الانحصار، بناءً على ما سبق من اهتمام الشارع بستره. إلا أن يكون جلد ميتة فيأتي الكلام فيه. وإن لم يتم تعين جواز التكفين به اختياراً ووجوبه مع الاضطرار، ويقدم على النجس. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم.

(1) قطعاً، كما في جامع المقاصد، وإجماعاً، كما عن الذكرى، وفي الجواهر: "إجماعاً محصلاً ومنقولاً" .ولعل عدم تعرض جماعة له لوضوحه، أو لعدم كونهم بصدد الموانع الثانوية، وإلا فمن البعيد جداً الخلاف فيه.

وكيف كان فقد يستدل عليه تارة: بعدم جواز الصلاة فيه، كما يظهر من

ص: 62

الروض. وأخرى: بالنهي عن إتلاف مال الغير، كما في الحدائق أو بعدم جواز التصرف فيه، كما في الجواهر.

ويشكل الأول بأن المتيقن من الكبرى المذكورة - لو تمت في نفسها وغض النظر عما تقدم - ما يمتنع الصلاة فيه لأخذه بعنوانه مانعاً منها، كالحرير والنجس، دون مثل المغصوب مما لا يكون مانعاً منها بعنوانه، بل لامتناع التقرب به، المفروض اعتباره في الصلاة دون التكفين.

وأما الثاني فهو بنفسه لا يقتضي إلا حرمة التكفين تكليفاً ووجوب نزعه بعد التكفين به وإرجاعه لمالكه من دون أن يمنع من وفائه بملاك التكفين وإجزائه عنه ما دام على الميت، لأن المقام من صغريات مسألة اجتماع الأمر والنهي، نظير ما تقدم في التكفين بالمذهب بناء على حرمة التكفين به، لاستلزامه تضييع مال غير مأذون فيه. ولازم ذلك أنه مع التكفين به وعدم نزعه يكون العقاب على التصرف في مال الغير ومنعه عنه وإتلافه عليه، لا على ترك تكفين الميت، نظير تطهير المسجد بالماء المغصوب.

لكن قال سيدنا المصنف (قدس سره) بعد ما أشار لما ذكرنا: "اللهم إلا أن يقال: إن المراد من التكفين الواجب ليس مطلق فعل التكفين، ولذا لا يجب بذل الكفن، بل هو اللف بالكفن المبذول، فاللف بغيره ليس من أفراد الواجب ولو مع قطع النظر عن الوجوب. فتأمل جيداً".

وكأنه أراد بذيل كلامه أن اللف بغير الكفن المبذول خارج عن الواجب تخصيصاً وملاكاً، لا لفعلية النهي عنه مع دخوله فيه ذاتاً وواجديته لملاكه، ليجزي عنه مع كونه محرماً، كما هو مختاره (قدس سره) في مورد مسألة اجتماع الأمر والنهي.

ويشكل ما ذكره (قدس سره) بأن عدم وجوب بذل الكفن إنما يستلزم تقييد وجوب التكفين ببذل الكفن وواجديته، لا تقييد الكفن الذي يجب التكفين به بغير المبذول ونحوه، بحيث يخرج عنه المغصوب تخصيصاً، ويكون فاقداً للملاك، كي لا يجزي عنه.

ص: 63

(64)

حتى مع الانحصار (1). وفي جلد الميتة إشكال (2). والأحوط وجوباً مع الانحصار التكفين به (3).

وتظهر الثمرة المهمة لذلك في حق غير الغاصب المكلف بإرجاع المغصوب لمالكه وحفظه له، حيث له - بناء على ما ذكرنا - الاجتزاء بالتكفين بالمغصوب ما دام الميت مكفناً به في الخروج عن التكليف الكفائي بالتكفين، ولا يجب عليه تبديله بغيره، كما هو الحال بناء على القول بخروج المغصوب تخصيصاً وملاكاً. كما تظهر الثمرة أيضاً في حق الغاصب نفسه لو تعذر عليه إرجاع المغصوب لمالكه، حيث له الاجتزاء بما وقع منه من التكفين بالمغصوب حينئذٍ على ما ذكرنا، بخلافه على القول الآخر.

(1) قطعاً، كما في جامع المقاصد والروض والجواهر، وبه صرح في محكي الذكرى وغيره. ويظهر الوجه فيه مما أشار إليه سيدنا المصنف (قدس سره) ويأتي إن شاء الله تعالى من عدم وجوب بذل الكفن، حيث يستلزم ذلك تقييد وجوب التكفين بصورة بذل الكفن، ولا يجب مع عدمه، كما تقدم.

بل لو فرض وجوب البذل على مالك الكفن كفائياً لا يسوغ التكفين بملكه بدون إذنه. نعم لو تعين الأخذ منه لعدم القدرة على الأخذ من غيره لم يبعد حينئذٍ جواز الأخذ منه مع تعذر استئذانه من باب ولاية الحسبة. فتأمل.

(2) يعني: مع الانحصار، حيث تقدم منه (قدس سره) الإشكال في التكفين بالجلد، والجزم بعدمه في النجس مع عدم الانحصار، أما مع الانحصار فقد تقدم منه الجزم بجواز التكفين بهما معاً. وإنما خصه بالإشكال للقول بعدم جواز الانتفاع بالميتة.

(3) لعدم ثبوت حرمة الانتفاع بالميتة. ولا أقل من عدم صلوح احتماله لرفع اليد عن احتمال وجوب التكفين بالنظر لما تقدم منه. أما بناء على ما ذكرنا من الإشكال في وجوب التكفين بالجلد حتى مع الانحصار فيزيد الأمر إشكالاً بلحاظ حرمة الانتفاع بالميتة وإن لم يثبت.

ص: 64

(65)

(مسألة 30): يجوز التكفين بالحرير غير الخالص، بشرط أن يكون الخليط أزيد من الحرير على الأحوط وجوباً (1).

بل قد يشكل حتى وجوب ستر بدن الميت به، لعدم وضوح اهتمام الشارع بالستر بمثله. بل لعله بنظر المتشرعة أبعد عن احترامه وأقرب لهتكه وتوهينه. ومن ثم فالأمر في غاية الإشكال.

(1) تبعاً لما تضمنه مضمر الحسن بن راشد من تعليق نفي البأس على ما إذا كان القطن أكثر. وهو وإن كان مختصاً بما إذا كان الخليط قطناً، إلا أنه قد يعم لغيره بإلغاء الخصوصية عرفاً. بل قد يدعى الأولوية فيه، لأنه إذا لم يكف أصل وجود القطن الذي يستحب التكفين فيه في رفع مانعية الحرير بل لابد أن يكون أكثر فغير القطن مما لا يستحب التكفين فيه أو يكره أولى بذلك. فتأمل.

هذا وكأن توقف سيدنا المصنف (قدس سره) - كالسيد الطباطبائي في العروة الوثقى - عن الجزم بالاشتراط لما ذكره في مستمسكه - وأشرنا إليه عند الاستدلال بالمضمر على عدم التكفين بالحرير - من ظهور كلمات الأصحاب (رضي الله عنهم) في عدم البناء على الاشتراط بذلك واكتفائهم بعدم استهلاك الخليط، لأنهم ما بين مقيد للحرير بالمحض، ومطلق له، ومعبر بما لا تجوز الصلاة فيه. قال (قدس سره): "والجميع غير شامل للممزوج بما يعتد به..." فتكون الرواية مهجورة. ولذا ادعى في الجواهر القطع بخلاف مفهوم الرواية في بعض الأفراد.

لكن سبق أن ذلك لا يستلزم هجر الرواية بنحو يسقطها عن الحجية، لقرب أن يبتني على استيضاحهم اشتراك الكفن مع ثياب الصلاة في الشرائط بنحو يكون قرينة توجب رفع اليد عن ظهور الرواية في بعض الأفراد في الحرمة والبناء على الكراهة.

ولعله عليه يبتني مافي الوسيلة والقواعد والتذكرة والدروس وعن غيرها من إطلاق كراهة التكفين بالممزوج بالحرير. وإليه يرجع ما في المبسوط من كراهته مع

ص: 65

(66)

(مسألة 31): إذا تنجس الكفن بنجاسة من الميت (1) أو من غيره (2) وجب إزالتها (3)

الاختيار. وإلا فهجرهم للمضمر لا يناسب ذكرهم له في الموضع المناسب له من كتب الحديث، واستدلالهم به في الفقه، بل ظاهر الكليني والصدوق العمل بمضمونه.

وكيف كان فلا مجال لرفع اليد بذلك عن المضمر، ولا عن ظهوره في الحرمة بعد عدم وضوح الوجه في اشتراك الكفن مع ثياب الصلاة في الشروط، كما تقدم.

ومنه يظهر ضعف ما ذكره الشيخ (قدس سره) من عدم جواز التكفين بالمخلوط بالحرير مع الاختيار، كما في النهاية، أو مطلقاً، كما في الاقتصاد وعن القاضي. فإنه مع عدم الشاهد له مخالف لصريح المضمر.

(1) كما هو مورد النص والمتيقن من الفتوى.

(2) كما هومقتضى إطلاق بعضهم. ويقتضيه ما سبق منهم من اعتبار طهارة الكفن، إذ يبعد حمله على خصوص طهارته قبل التكفين به. ويستفاد من النصوص تبعاً، لإلغاء خصوصية موردها - وهو ما يخرج من الميت - عرفاً. بل قد يستفاد منها ثبوت الحكم فيه بالأولوية على ما تقدم عند الاستدلال لاعتبار الطهارة في الكفن.

(3) كما نسبه لظاهر الأصحاب في الجواهر مستظهراً اتفاقهم عليه، ويظهر من كثير من كلماتهم المفروغية عنه وأن الخلاف إنما هو في كيفية الإزالة. ويقتضيه صحيح الكاهلي عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشيء بعد ما يغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض عنه" (1) وصحيح ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر [و] عن غير واحد من أصحابنا عنه (عليه السلام): "قال: إذا خرج من الميت شيء

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 24 من أبواب التكفين حديث: 3 واللفظ له. وباب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 66

بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن"(1). ونحوه صحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابه(2).

كما قد يستفاد مما تضمن غسل النجاسة الخارجة من الميت، كمعتبر الكاهلي والحسين بن المختار - بناءً على ما تقدم في تحديد مساحة الكر من وثاقة محمد بن سنان - عنه (عليه السلام):" سألناه عن الميت يخرج منه شيء بعد ما يفرغ من غسله. قال: يغسل ذلك، ولا يعاد عليه الغسل "(3) وقريب منه حديث روح بن عبد الرحيم(4) الذي لا يبعد كونه موثقاً. وفي مرفوع سهل:" إذا غسلت الميت ثم أحدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث، ولايعاد الغسل"(5). لأن إطلاق غسلها قديظهرفي غسلهاعن الكفن أيضاً.

اللهم إلا أن يقال: بعد معلومية عدم إرادة غسله عن كل ما أصابه، حتى مثل الدكة التي يوضع عليها، والسرير الذي يحمل عليه، فلا إطلاق له، والمتيقن منه غسله عن جسد الميت، كما يناسبه المقابلة بعدم إعادة الغسل، وغايته أن يحمل على غسله عما يلزم تطهيره من شؤون الميت من دون تعيين لها، لأن الغرض منه ليس مجرد بيان وجوب الغَسل كي يلغو الأمر بغسله عما يلزم تطهيره، بل الاقتصار عليه مع المفروغية عن وجوبه في مقابل ضم إعادة الغُسل إليه. وحينئذٍ يكون مجملاً لابد معه من تعيين ما يلزم تطهيره. فالعمدة نصوص القرض.

لكن في المدارك: "ولولا تخيل الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بعدم وجوب القرض والغسل مطلقاً تمسكاً بمقتضى الأصل، واستضعافاً للروايات الواردة بذلك".

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 24 من أبواب التكفين حديث: 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 24 من أبواب التكفين حديث: 1.

(3و4) ، وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 2، 1.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 67

(68)

ولو بعد الوضع في القبر (1) بغسل أو بقرض (2)

وفيه: أن الظاهر اعتبار ما عدا المرفوع من النصوص المتقدمة، حيث ثبت في محله وثاقة الكاهلي والحسين بن المختار، مع اعتبار سند حديثيهما، كما ثبت حجية مراسيل بن أبي عمير والبزنطي، ولاسيما مع رواية الأول منهما عن عدة من أصحابنا، لظهوره في شيوع الحديث بين مشايخهما في الرواية. مضافاً إلى انجبارها بعمل الأصحاب حتى لو لم يبلغ مرتبة الإجماع الحجة في نفسه.

ومنه يظهر ضعف ما في الوسيلة، حيث عدّ من مستحبات باب غسل الميت قرض ما أصاب الكفن مما خرج منه بالمقراض. إلا أن يحمل - كما ذكره غير واحد - على استحباب خصوصية القرض، لا أصل الإزالة.

(1) لم أعثر في كلماتهم على التشكيك في وجوب الإزالة بعد الوضع في القبر، وإنما يظهر ذلك من بعضهم في تطهير جسد الميت، على ما تقدم في المسألة الثالثة عشرة في أحكام التغسيل.

نعم عن فوائد الشرايع: "الأصح وجوب غسلها وإن كان بعد وضعه في القبر إذا أمكن ولم يشق التحرز عن الغسالة، فإن شق كثيراً قرضت، إلا أن يفحش فيلزم من قرضها هتك الميت أو فساد الكفن، فيترك بحاله".

وقد يظهر منه عدم وجوب التطهير بالغسل في الفرض بعد الوضع في القبر لو تعذر فيه وتوقف على إخراجه منه. وكأنه يبتني على ما تقدم من جامع المقاصد في المسألة الثالثة عشرة في فصل غسل الميت من حرمة إخراج الميت من القبر، وتقدم ضعفه.

(2) اختلفت كلمات الأصحاب في المقام، فقد أطلق قرض الكفن في المبسوط والنهاية والوسيلة - وإن عدّه في المستحبات، كما سبق - وحكي عن ابني البراج وسعيد.

ص: 68

وذكر الصدوق في الفقيه وأبوه في محكي رسالته أن الكفن يغسل مما أصابه حتى يوضع الميت في قبره، فإن خرج منه شيء بعد ذلك لا يغسل بل يقرض. وجرى على ذلك في السرائر والمعتبر والشرايع والنافع والتذكرة والمنتهى والإرشاد والقواعد والدروس وجامع المقاصد والروض وغيرها. وفي الروض ومحكي الكفاية أنه المشهور، وفي المدارك أنه قول الصدوقين وأكثر الأصحاب.

وقد استدل له غير واحد باستبقاء الكفن، والنهي عن إتلاف المال قال في جامع المقاصد: "وعلى هذا فإنما يقرض في القبر مع تعذر غسله" ونحوه في الروض، وزاد: "والجماعة أطلقوا" .وفي الجواهر: "ولعله مراد من أطلق تنزيلاً لإطلاقهم على غلبة التعذر فيه" .لكن حمل إطلاقهم على غلبة التعذر فيه لا يكفي، بل لابد من حمله على تعذر التطهير بعد الوضع في القبر ولو بإخراج الميت منه، ولا يتضح غلبة تعذر ذلك. بل من القريب بناؤهم على وجوب القرض أو جوازه بعد الوضع في القبر مطلقاً للاهتمام بعدم إخراج الميت من القبرأوللتسهيل. نعم صرح بالتقييد بالتعذر في محكي البيان وما تقدم من فوائد الشرايع.

وكيف كان فيشكل أصل الاستدلال بأن إطلاق نصوص القرض المتقدمة كاف في الترخيص في الإتلاف المذكور وفي الاجتزاء بالكفن معه.

ومثله ما في المنتهى من أنه مقتضى الجمع بين طائفتي النصوص المتقدمة المتضمنتين للقرض والغسل. إذ فيه - مع أن المتيقن من نصوص الغسل غسل جسد الميت، كما تقدم -: أنه لا شاهد للجمع المذكور من النصوص. ولاسيما مع ما في نصوص القرض من فرض خروج النجاسة بعد ما يكفن أو بعد ما يغسل. حيث يقوى ظهوره في الإطلاق جداً.

نعم يشهد به الرضوي: "فإن خرج منه شيء بعد الغسل فلا تعد غسله، ولكن أغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده، فإن خرج منه شيء في لحده لم تغسل كفنه، ولكن قرضت من كفنه ما أصاب من [أصابه الشيء] الذي خرج منه ومددت

ص: 69

أحد الثوبين على الآخر"(1).

لكن تكرر عدم حجيته في نفسه. كما أنه لا يظهر من المشهور التعويل عليه في المقام وغيره، حيث لم يشيروا له، وإنما عبر بعبارته تقريباً الصدوقان في الفقيه ومحكي الرسالة.

ولاسيما مع غموض أمر الرضوي من عدم معروفيته بين الأصحاب واشتماله على ما لا يناسب نسبته للإمام (عليه السلام)، بل هو بكتب المصنفين من اتباع الأئمة (عليهم السلام) أنسب. ومن مشابهة كثير من عبارات الفقيه والهداية والمقنع والمقنعة والمنقول من رسالة علي بن بابويه لعباراته مما يؤيد نسبته له (عليه السلام) واعتمادهم عليه. ولاسيما مع انحصار الدليل به على جملة من الأحكام التي ينفردون بها أو لا يتضح الدليل عليها، ومنها المقام. وكيف كان فلا مجال للتعويل عليه وسوقه شاهداً للجمع المذكور.

على أن حمله على كون التفصيل استحبابياً قد يكون أقرب عرفاً من حمل إطلاق نصوص القرض على ما بعد الوضع في القبر. ولاسيما بلحاظ ما تقدم من التنبيه فيها على كون أصابة النجاسة بعد الغسل أو بعد التكفين. كما قد يحمل على الاستحباب أيضاً كلام بعض من أفتى بمضمونه.

هذا وقد استدل للشيخ ومن تبعه في إطلاق وجوب القرض بالنصوص السابقة. وما في المدارك من معارضتها بنصوص الغسل يظهر ضعفه مما تقدم من عدم ظهور نصوص الغسل في غسل الكفن. بل لو فرض ظهورها فيما يعمه فقد يدعى لزوم رفع اليد عنها بإطلاق نصوص القرض فيه.

نعم من القريب أن لا يكون ذكر القرض في نصوصه لبيان وجوبه، بل لبيان جوازه والاجتزاء به عن الغسل تسهيلاً ودفعاً لتوهم عدم جوازه بلحاظ استلزامه نقص الكفن وإتلافه، فلا ينافي جواز الغسل، عملاً بالقاعدة، وإن كانت نصوص الغسل قاصرة عنه. والظاهر أن ذلك هو الوجه لما في المتن وسبقه إليه في العروة

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 28 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 70

الوثقى من التخيير.

وإليه يرجع ما في الجواهر، حيث قال:" ويقوى في النفس أن المراد بأوامر القرض الإرشاد والتعليم والتنبيه على العلاج الذي لا ينتقل إليه الذهن عند الابتلاء بذلك، وإلا فالمطلوب الإزالة على أي نحو كان، مع المحافظة على ما يثبت اشتراطه فيه في هذا الحال، فالمتبع فيه حينئذٍ الترجيح الذي لا ينفك عنه غالب أفعال العقلاء... على حسب أثواب الحي وإن وردالأمر بغسلها. نعم قديقال برجحان القرض على الغسل في خصوص الميت عند تساوي مصلحتيهما، لأن مآل كفنه إلى التلف، ولأنه أبلغ في الإزالة من الغسل ونحو ذلك. ولعله لذا عدّ في الوسيلة من المندوبات قرض ما أصاب الكفن من النجاسة، وإلا فلا يريد به أصل الإزالة، لمخالفته لظاهر اتفاق الأصحاب... ".نعم ما ذكره في وجه استحباب القرض ظاهر الإشكال. كالإشكال في البناء على التخيير في غير مورد النص وهو النجاسة الخارجة من الميت إذا لم يكن القرض مطابقاً للقاعدة لإخلاله بساترية الكفن.

ثم إنه قد صرح الصدوق في الفقيه وأبوه في محكي رسالته بأنه يمد أحد الثوبين على الآخر بعد القرض، كما تضمنه الرضوي المتقدم.

لكن في المسالك والروض أنه إن أمكن جمع جوانب الكفن بالخياطة وجب، وإلا مدّ أحد الثوبين على الآخر. ويشكل بأن عدم التنبيه على الخياطة في النصوص موجب لظهورها في عدم وجوبها.

بل قد يستشكل في وجوب الجمع بغير الخياطة ووجوب مدّ أحد الثوبين على الآخر بعد عدم حجية الرضوي، لا لما قد يظهر من الجواهر من عدم اعتبار الاستدامة في ساترية الكفن، لأنه بعيد جداً لا يناسب ما تقدم في وجه وجوب كون الكفن ساتراً، بل لسكوت النصوص عن التنبيه له في خصوص المقام.

إلا أن يدعى عدم احتياج مثله للتنبيه، لجري الانسان عليه في مثل المقام بطبعه بعد ارتكاز اهتمام الشارع بساترية الكفن. فتأمل.

ص: 71

إذا كان الموضع يسيراً (1)، وإن لم يمكن ذلك وجب تبديله مع الإمكان (2).

(1) تقييد لجواز القرض، وجعل المعيار فيه في العروة الوثقى ما إذا لم يفسد الكفن. وقال سيدنا المصنف (قدس سره):" كأنه لدعوى الانصراف، وإلا فمقتضى نصوص القرض جوازه وإن أفسد الكفن. نعم لا يبعد عدم صدق القرض لو كان موضع النجاسة واسعاً جداً ".وما ذكره (قدس سره) غير بعيد. ومثله الانصراف المشار إليه، لقضاء المناسبات الارتكازية بأن الغرض من القرض طهارة الكفن، ليصلح للتكفين به، لا ليخرج عن كونه كفناً.

وكيف كان فإذا فرض قصور نصوص القرض عن مورد تعين اختيار الغسل حينئذٍ، لأنه حيث استفيد منها اهتمام الشارع بطهارة الكفن فتعذر القرض يستلزم وجوب التطهير بالغسل. واحتمال اهتمام الشارع بإزالة النجاسة عن الكفن مع قلتها بحيث يمكن القرض، لا مع كثرتها بحيث يمتنع، غير عرفي، فلا يمنع من استفادة وجوب التطهير بالغسل في الفرض منها، ولذا تقدم عدم جواز التكفين بالنجس.

(2) لأن المستفاد من نصوص القرض وجوب التكفين بالكفن الطاهر، فمع تنجس الكفن يخرج عن الكفن الواجب، فيجب تبديله عملاً بعموم وجوب التكفين، كما تقدم التنبيه له عند الكلام في جواز التكفين بالنجس مع الاضطرار.

لكن في جامع المقاصد:" ولو تفاحشت النجاسة بحيث يؤدي القطع إلى إفساد الكفن وهتك الميت وتعذر الغسل فالظاهر عدم القطع، لامتناع إتلاف الكفن على هذا الوجه. وقد نبه على ذلك شيخنا الشهيد ".وظاهره - كمحكي الذكرى - عدم وجوب التبديل حينئذٍ.

وكأنه لتجنب الإضرار بالورثة، كما قد يرجع إليه التعليل في الذكرى بالحرج. ويشكل - مضافاً إلى أنه قد لا يلزم خسارتهم، لإمكان غسل الكفن الأول مع نزعه بعد الدفن. فتأمل - بأن من الظاهر أن أدلة وجوب التكفين بالكفن الطاهر وخروج

ص: 72

(73)

(مسألة 32): القدر الواجب من الكفن يخرج من أصل التركة (1)

الكفن من أصل التركة مخصصاً لأدلة الميراث، بنحو تقتضي عدم ملكيتهم مقدار الكفن الواجب منها، ومرجعه إلى قلة نفعهم، لا لزوم الضرر عليهم.

ولو فرض صدق الضرر عليهم بذلك فالمفروض لزوم تحملهم له، حيث يكون وجوب التكفين مخصصاً لقاعدة نفي الضرر. وحيث لا ينطبق الكفن الطاهر في المقام إلا على الثاني فلا مجال لارتفاع وجوبه بالقاعدة المذكورة، كما لا يرتفع بها وجوب الكفن في سائرالموارد، وإنماوقع النقص الزائدعليهم في المقام من تنجس الكفن الأول وخروجه عن قابلية الانتفاع بالتكفين، وهو غير مستند لحكم الشارع بوجوب التكفين بالكفن الطاهر، بل لأمر تكويني، كما لو تنجس بنجاسة غير خارجة من الميت، أو تلف قبل الدفن.

ومثله دعوى: أن طرح الكفن المتنجس والتكفين بغيره سرف وتبذير لا يرضى به الشارع. لاندفاعها بأن النجاسة لما كانت موجبة لخروج الكفن الأول عن أن يصلح للتكفين كان تلفه وسقوطه عن الانتفاع مستنداً لخروج النجاسة الخارج عن الاختيار، ومعه لا يكون التكفين بالثاني سرفاً بعد كون مقتضى الأدلة وجوبه.

وأما ما في الجواهر من أن وجوب إزالة النجاسة عن الكفن تكليف زائد على وجوب التكفين، وسقوطه بالتعذر لا يخرج الكفن المتنجس عن الكفن الواجب، ليجب تبديله. فهومخالف لظاهر النصوص في المقام ونحوه من موارد الأمر بشؤون متعلق التكليف، كما تقدم عند الكلام في التكفين بالنجس اضطراراً.

(1) تكرر في كلماتهم خروج الكفن من أصل التركة، واستفاضت دعاوى الإجماع عليه، فقد ادعي في الخلاف والتذكرة والروض والمدارك وكشف اللثام ومحكي نهاية الأحكام، وفي المعتبر:" وهو مذهب أهل العلم إلا شذاذاً من الجمهور".

ويقتضيه صحيح عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: الكفن من جميع

ص: 73

قبل الدين (1) والوصية (2).

المال "(1) وفي طريق آخر:" ثمن الكفن..."(2). مضافاً إلى ما يأتي في تقديمه على الدين والوصية. هذا وأما تحديد الكفن الذي يخرج من أصل المال فيأتي في المسألة السادسة والثلاثين إن شاء الله تعالى.

(1) بلا إشكال ظاهر. وقد نفى في المنتهى وجامع المقاصد الخلاف فيه، بل ادعى الإجماع عليه في الروض وكشف اللثام ومحكي الذكرى وشرح الجعفرية وظاهر مجمع البرهان.

ويقتضيه موثق السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: أول شيء يبدأ به من المال الكفن، ثم الدين، ثم الوصية، ثم الميراث"(3). وحديث زرارة الذي لا يبعد كونه صحيحاً(*):" سألته عن رجل مات وعليه دين بقدر ثمن كفنه. قال: يجعل ما ترك في ثمن كفنه، إلا أن يتجر عليه بعض الناس فيكفنوه ويقضى ما عليه مما ترك"(4).

(2) بلا إشكال ظاهر. وقد ادعي الإجماع عليه في الروض وكشف اللثام والمدارك ومحكي شرح الجعفرية وظاهر مجمع البرهان. ويقتضيه موثق السكوني

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 27 من أبواب أحكام الوصايا حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 31 من أبواب التكفين حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 28 من أبواب أحكام الوصايا حديث: 1.

(*) منشأ التوقف في صحته أنه قد رواه الصدوق (قدس سره) بطريق والشيخ بطريقين وكلها معتبرة عن

الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة. فيكون صحيحاً. ورواه الكليني بطريق معتبر عن

الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن معاذ عن زرارة، ومعاذ مشترك بين ابن ثابت الجوهري الذي لم يوثق صريحاً وابن مسلم الهراء [الفراء] الثابت التوثيق، بل قيل: إن المراد بالرواية الأول. وحيث يبعد رواية ابن رئاب للحسن بن محبوب بالوجهين كان مضطرب السند، ولا مجال للاعتماد على الوجه الأول في البناء على صحته. نعم قد يرجح الأول بتعدد طرقه. مع أنه قد تستفاد وثاقة معاذ بن ثابت من رواية ابن أبي عمير عنه. فلاحظ.

(4) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 27 من أبواب أحكام الوصايا حديث: 2. وروي أيضاً باختلاف يسير لا بغير المعنى في باب: 13 من أبواب الدين والقرض حديث: 1.

ص: 74

(75)

المتقدم صريحاً، وحديث زرارة بضميمة أن الدين مقدم على الوصية، فما دل على تقديم الكفن عليه يقتضي تقديمه عليها بالأولوية.

بقي شيء، وهو أنه قد اختلفت كلماتهم في تقديم الكفن على الحقوق المتعلقة بالتركة، كحق الرهانة وغرماء المفلس والجناية إذا توقف إخراجه على التصرف في موضوعها بنحو يزاحمها، كما لو انحصرت التركة بالعين المرهونة. وينبغي الكلام في كل من الحقوق التي وقع الكلام فيها على حدة، للاختلاف بينها في كلماتهم وفي وجوه الاستدلال، وهي عدة حقوق.

الأول: حق المرتهن في استيفاء دينه من العين المرهونة. ولم يستبعد في جامع المقاصد تقديم الكفن عليه، وجزم به في المدارك وطهارة شيخنا الأعظم (قدس سره) وغيرهما، ومال إليه في الجواهر، وجعل في هذه الكتب وفي الروض وغيره مقتضى إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب. وظاهر الروض التردد، وعن الشهيد - في الذكرى والبيان وحواشي القواعد - والموجز الحاوي تقديم حق المرتهن، ومال إليه في الرياض. وفي مفتاح الكرامة: "وهو مقتضى إطلاق كلام الأصحاب".

ولا يخفى أن مقتضى إطلاق نفوذ عقد الرهن في الأدلة وكلام الأصحاب تعلق حق المرتهن بالعين ليستوفي دينه منها بنحو يزاحم الكفن ويمنع من إخراجه منها. كما أن مقتضى إطلاق تقديم الكفن على الدين في النص وكلام الأصحاب أيضاً خروج الكفن من العين المرهونة في فرض انحصار الأمر بها وإن استلزم تعذر استيفاء الدين منها. ومن ثم كان الإطلاقان متنافيين وإن كان كل منهما ثابتاً وحجة في نفسه مع قطع النظر عن الآخر، فلابد من تقديم أحدهما من مرجح.

ومجرد سبق حق الرهن لا يكفي في ترجيحه بعد أن لم يكن رافعاً لموضوع إطلاق تقديم الكفن على الدين، لعموم الإطلاق المذكور لدين الرهن.

وأضعف منه ما في الروض وغيره في توجيه تقديم حق الرهن بأنه يقتضي المنع من استيفاء المؤنة من العين حال الحياة مع أن المؤنة متقدمة على الدين. لوضوح أن

ص: 75

ذلك إنما يقتضي ترجيحه على سائر الديون، لا على الكفن الذي كان مقتضى الإطلاق تقديمه على جميع الديون.

اللهم إلا أن يرجع إلى دعوى: أن تقديم الكفن على الدين بملاك تقديم المؤنة على الدين، فلا يشمل دين الرهن المقدم في العين المرهونة على المؤنة. لكنه لا يخلوعن خفاء.

وأشكل منه الاستدلال في كلام غير واحد لتقديم الكفن بأن دين الرهن متعلق بالذمة مع بقاء العين على ملك الراهن، فيتعلق بها الكفن. لاندفاعه بأن تعلق الدين في الذمة وبقاء العين على ملك الراهن لا ينافي ثبوت حق استيفاء الدين في العين بنحو ينافي وجوب إخراج الكفن منها.

هذا وقد استدل شيخنا الأعظم (قدس سره) وبعض من تأخر عنه لتقديم الكفن على الرهن بأن حق الرهن من توابع أداء الدين، وحيث كان مقتضى الإطلاق تقديم الكفن على كل دين ومنه الدين الذي أخذ الرهن عليه، كان مقتضاه عدم وجوب وفائه ليبقى الرهن.

ويشكل بأن عدم وجوب وفاء دين الرهن من العين المرهونة من أجل ما ذكروه ليس لقصور في نفسه عن ذلك، بل لوجوب إخراج الكفن منها المستفاد من إطلاق دليل تقديم الكفن، فإذا كان الإطلاق المذكور معارضاً بإطلاق نفوذ الرهن المفروض بقاء موضوعه - وهو الدين - وعدم سقوطه بالموت فلا وجه للتعويل عليه من دون إحراز رجحانه على الإطلاق الآخر.

وإلا فليس ذلك بأولى من دعوى: أن إخراج الكفن من العين المرهونة فرع وجوب التكفين، ومقتضى إطلاق نفوذ الرهن عدم وجوبه ووجوب استيفاء الدين من العين.

نعم لو اقتضى إطلاق تقديم الكفن سقوط دين الرهن بالموت في الفرض، كان وارداً على إطلاق ثبوت حق الرهن، لرافعيته لموضوعه. إلا أنه لا يظن بأحد احتمال

ص: 76

ذلك.

وبالجملة بعد أن لم يكن أحد الإطلاقين وارداً على الآخر ورافعاً لموضوعه فلا وجه للتعويل على أحدهما من دون إحراز ترجيحه.

نعم ادعى سيدنا المصنف (قدس سره) - بعد التسليم بما ذكرنا في الجملة - أقوائية إطلاق تقديم الكفن على الدين، قال: "فإن تخصيص ما دل على ثبوت الحق أهون من تخصيص ما دل على أن الكفن مقدم على الدين، فيكون أظهر منه في مورد الإجتماع، ولذا يظهر منهم التسالم على تقديم الكفن على حق غرماء المفلس" .لكن أقوائية الإطلاق المذكور إن كانت بلحاظ قوة لسان دليله فهو ممنوع. وإن كانت بلحاظ ارتكازية مضمونه، لارتكاز اهتمام الشارع بتكفينه الذي هو كمؤنته الضرورية حال الحياة التي لا يصلح الدين لمزاحمتها، حتى ساق بعضهم ذلك دليلاً مستقلاً لتقديم الكفن على الدين. أشكل بأن الارتكاز المذكور ليس بأقوى من ارتكاز اهتمام الشارع بخصوصية الرهن والمحافظة على مقتضى عقده، حيث أقدم عليه الطرفان للاستيثاق زائداً على ما يقتضيه الدين بطبعه من وجوب الوفاء، ولذا يقدم على مؤنة الراهن التي لا يتقدم عليها الدين بطبعه.

وأما تسالمهم على تقديم الكفن على حق غرماء المفلس، فهو - مع أنه لا مجال للتعويل عليه بنفسه، كما يأتي إن شاء الله تعالى - قد يبتني على دعوى الفرق بين حق الغرماء وحق المرتهن، ولذا لم يحصل التسالم في حق المرتهن كما سبق، فلا مجال لاستكشاف أقوائية إطلاق دليل تقديم الكفن منه.

هذا مع قوة احتمال انصراف إطلاق تقديم الكفن على الدين إلى تقديمه من حيثية أهمية الدين بطبعه، تخصيصاً لعموم تعلق الدين بالتركة المستفاد من مثل قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين)(1) من دون نظر لخصوصية الرهن المقتضي لاستيفاء دينه من العين مع قطع النظر عن صيرورتها تركة، حتى في حال

********

(1) سورة النساء آية: 11.

ص: 77

حياة الراهن.

وإن شئت قلت: الدين في المقام يستوفى من العين من جهة كونها مرهونة ومن جهة صيرورتها تركة، وعموم تقديم الكفن على الدين منصرف إلى تقديمه من الجهة الثانية دون الأولى، بل مقتضى عموم نفوذ الرهن عدم تقديمه من تلك الجهة. ولعل ما في الرياض من دعوى انصراف الإطلاق عن الدين المذكور مبني على ذلك.

وبالجملة: لو لم يكن إطلاق تقديم الكفن على الدين منصرفاً عن خصوصية الرهن فلا أقل من عدم وضوح أقوائيته من إطلاق نفوذ الرهن وثبوت حق المرتهن في العين، الملزم بالتوقف عن كلا الإطلاقين، والرجوع للأصل.

وهو في المقام استصحاب بقاء حق المرتهن المانع من إخراج الكفن من العين المرهونة. بل لو غض النظر عن الاستصحاب المذكور كان مقتضى الأصل عدم نفوذ التصرف في العين المرهونة لإخراج الكفن منها، لو لم تصلح بنفسها لأن تكون كفناً. كما كان مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب التكفين وجواز حبس المرتهن العين المرهونة حتى يدفن الميت ويتعذر تكفينه، فلا يزاحم حق الرهن. فلاحظ.

نعم في حديث سليمان بن حفص المروزي: "كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في رجل مات وعليه دين ولم يخلف شيئاً إلا رهناً في يد بعضهم، فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن، أيأخذ بماله أو هو وسائر الديان فيه سواء؟ فكتب: جميع الديان في ذلك سواء يتوزعونه بينهم بالحصص"(1). ونحوه خبر عبدالله بن الحكم(2). ومقتضاهما عدم مانعية حق الرهن من تعلق حق الغرماء بالعين المرهونة التي هي من تركة الميت، وأن حق الغرماء في التركة أقوى من حق المرتهن في العين المرهونة، وحينئذٍ فتقديم الكفن على حق الغرماء في التركة يقتضي تقديمه على حق المرتهن بالأولوية.

اللهم إلا أن يستشكل في حجية الحديثين، لضعف سند الثاني، وعدم خلو سند الأول عن الاضطراب. ولهجر المشهور لهما، بل لم يعرف القول بمضمونهما صريحاً،

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 19 من كتاب الرهن حديث: 2، 1.

ص: 78

(79)

وإنما المعروف بينهم ترجيح دين المرتهن. قال في الجواهر:" بل لا خلاف فيه... عدا ما عساه يظهر من الصدوق، حيث إنه روى الرواية الدالة على الاشتراك التي رماها في السرائر بالشذوذ، وفي الدروس بالهجر، وهو في معنى الإجماع، بل في الأول دعواه صريحاً... ".وإن كان الأمر لا يخلو عن إشكال. ويحتاج لمزيد فحص وتأمل.

بقي شيء، وهو أنه قطع في جامع المقاصد والروض بأن الرهن إذا كان بعد الموت كان الكفن مقدماً لسبق سببه. وكأن المراد ما لو رهنه الوصي أو نحوه ممن من شأنه التصرف بالتركة بعد الميت. وحينئذٍ يتجه مانعية وجوب الكفن من نفوذ التصرف بالرهن، لاقتضائه قصور السلطنة عما ينافيه، فيبطل الرهن، ولا يثبت به الحق، فضلاً عن أن يمنع من إخراج الكفن.

إلا أن يكون الرهن لأجل الكفن، كما لو تعذر بيع التركة لشراء الكفن فاقترض الولي ورهن العين لأجله ثم ضاع المال المقترض أو تلف الكفن المشترى به، فينفذ الرهن بمقتضى فرض ولاية الولي. وحينئذٍ ففي تقدم الكفن عليه، بحيث يكون للولي انتزاع العين وإخراج الكفن منها مرة أخرى إشكال. فتأمل جيداً.

الثاني: حق غرماء المفلس. وفي الروض أن الكفن مقدم عليهم قطعاً، كما جزم بذلك في الشرايع والتذكرة والقواعد وجامع المقاصد، مدعياً فيه في مبحث المفلس الإجماع عليه، وادعى غير واحد أنه مقتضى إطلاق النص والفتوى، وفي الجواهر:" لم أعرف فيه خلافاً "،وتقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) دعوى ظهور التسالم عليه منهم.

لكن الاكتفاء بذلك في إثبات الحكم لا يخلو عن إشكال، لقرب ابتناء كلامهم فيه على الاجتهاد في مفاد النصوص ومقتضى الوجوه الاعتبارية، فاللازم النظر فيها.

ومن الظاهر أن كثيراً مما تقدم في حق المرتهن يجري هنا. بل ذكر سيدنا المصنف (قدس سره) أنه لا يتضح الفرق بينهما.

لكن الظاهر خصوصية المقام بقرب إلحاق الكفن بالنفقة حال الحياة التي هي

ص: 79

(80)

عندهم في مال المفلس قبل القسمة. بل صرحوا بذلك أيضاً في نفقة من تجب عليه نفقته. ولاسيما مع تصريح بعضهم بأن عليه كفن زوجته، حتى ادعى في الخلاف الإجماع عليه، إذ إخراج كفنها من المال دون كفنه بعيد جداً. مضافاً إلى ارتكاز أن تعلق حق الغرماء بمال المفلس نظير تعلق حقهم بتركة الميت ليس إلا للمحافظة على وفاء الدين الواجب في نفسه بعد عجز المالك عن وفائه، فتقديم الكفن على حق غرماء الميت يناسب تقديمه على حق غرماء المفلس، لمسانخته له.

فإن ملاحظة ذلك ونحوه توجب الاطمئنان بأن الحجر على المفلس في ماله لوفاء الدين حذراً من التصرفات التي قد تفوته وإن اقتضتها السلطنة، من دون أن يقتضي منع الحقوق والواجبات الأخر التي تثبت في ماله أو يجب عليه القيام بها منه مع الدين قبل الحجر، ومنها الكفن في المقام.

وليس هوكحق الرهن المبني على خصوصية مورده بعقد أقدم عليه الطرفان استيثاقاً لوفاء الدين زائداً على ما يقتضيه بطبعه من وجوب الوفاء، والذي يمنع من تعلق الحقوق الأخر بالعين وإن وجبت في نفسها على المدين، كالنفقة ونحوها. فلاحظ.

الثالث: حق الجناية، فقد ذكروا أن العبد لو جنى خطأ كان على مولاه دفع الدية أو دفعه ليستوفي ولي المقتول حقه، ولو جنى عمداً تخير ولي المقتول بين القصاص منه واسترقاقه. فلو انحصرت التركة به هل يخرج الكفن منه ولواستلزم تفويت حق الجناية أو لا، بل يقدم حق الجناية؟.

ظاهر جامع المقاصد والروض وغيرهما التوقف، مع الاعتراف منهما ومن غيرهما بأن مقتضى إطلاق الأصحاب والأخبار تقديم الكفن. وعن الشهيد - في البيان وحواشي القواعد - والموجز والحاوي تقديم حق الجناية، ومال إليه في الرياض والجواهر، وقواه شيخنا الأعظم (قدس سره) وغير واحد ممن تأخر عنه.

وذكر بعض مشايخنا - فيما حكي عنه - أنه إن أمكن بيع العبد ولو مع إعلام

ص: 80

المشتري بأنه معرض لاستيفاء حق الجناية منه، وجب إخراج الكفن منه، ولا يضيع حق الجناية حينئذٍ، وإن تعذر لعدم إقدام أحد على شرائه والحال هذه فلا مال، ليبذل في الكفن.

وهو مبني على المفروغية عن تقديم حق الجناية وعدم صلوح الكفن لمزاحمته الذي هو عين الدعوى، إذ لو قيل بتقديم الكفن عليه كان اللازم مع تعذر بيعه معَرّضاً لاستيفاء حق الجناية سقوط حق الجناية محافظة على الكفن، ويباع غير معَرّض لاستيفاء الحق المذكور - كسائر الأموال المطلقة - ويخرج منه الكفن. ومن ثم كان اللازم بيان وجه تقديمه على الكفن.

أما سيدنا المصنف (قدس سره) فقد وجهه بعدم نهوض أدلة تقديم الكفن بإثبات مزاحمته لنفس الدين بحيث يوجب سقوطه وبراءة ذمة الميت منه.

ولم يتضح كفاية ذلك في توجيه تقديم حق الجناية بعد ظهور النصوص والفتاوى في عدم كون حق الجناية - خصوصاً العمدية - من سنخ الدين القائم بالذمة، والذي لا يسقط عنها وإن لم يخرج من التركة، بل هو قائم بالعين، فإذا كان مقتضى إطلاق إخراج الكفن من التركة إخراجه وإن زاحم الحق المذكور لزم النظر في الترجيح بينهما.

ولعل الأولى تقريبه بأن الحق المذكور لما كان قائماً بالعبد فهو مستثنى مما يملك منه بنحو يوجب نقصاً في المملوك، نظير استثناء الحق الزكوي من النصاب، والصاع من الصبرة في بيعه منها، وحيث كان ظاهر نصوص تقديم الكفن خروجه من التركة المملوكة للميت حين موته فهو يقصر عما يستثنى منها من الحقوق مما يوجب نقصها، ولا ينهض بمزاحمتها، لما يأتي من عدم خروج الكفن من مال الغير، بل من مال الميت نفسه لا غير، وإنما قدم على الدين لقيام الدين بالذمة، لا بأعيان التركة بنحو يكون مستثنى منها ويوجب نقصها.

وبذلك يكون أولى من حق الرهن بالتقديم على الكفن، لأن حق الرهن ل

ص: 81

يوجب عرفاً نقصاً في العين المملوكة، ولا يستثنى منها بما هي مملوكة، كما في المقام، وإنما يرجع لاستحقاق وفاء الدين منها، نظير استحقاق وفاء دين الميت من تركته. غايته أنه لخصوصية زائدة على عنوان التركة، فيقع الكلام في عموم تقديم الكفن لها، كما تقدم. فتأمل.

وبالجملة: بعد أن كان حق الجناية متعلقاً بالعين بنحو يكون مستثنى منها، ويوجب نقصها، خرج عن موضوع تقديم الكفن، لأن تقديمه إنما هو من التركة المملوكة للميت بتمامها.

ومنه يظهر أنه لا مجال لما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) من أنه لا يبعد دعوى أن المستفاد من قوله (عليه السلام) في موثق السكوني: "أول شيء يبدأ به من المال الكفن" تقديم الكفن على كل شيء، ومنه حق الجناية في المقام، لا على خصوص الدين، وإنما ذكر لأنه من أظهر أفراد الحقوق.

لاندفاعه بأن موضوع التقديم لما كان هو المال فالظاهر منه المملوك بتمامه للميت قبل موته، دون ما يستثنى منه من حق للغير قائم به، لأن الكفن لا يخرج من مال الغير.

على أن الاستظهار المذكور من الموثق غير تام، بل ظاهر الموثق الترجيح بين الحقوق الثلاثة الشايعة الابتلاء، من دون نظر لغيرها. ولاسيما مثل حق الجناية مما يتعلق بالتركة قبل الموت، لانصراف الموثق لبيان حال ما يرد على التركة بعد الموت من الحقوق المختلفة والترتيب بينها وأن أياً منها ينفذ أولاً.

وربما احتمل تقديم الكفن على حق الجناية في الخطأ، لأن الخيار معه لمولى العبد في دفعه وافتدائه. لكن ذلك ليس معياراً في التقديم، بل ينبغي أن يبتني على أن الجناية هل توجب انشغال ذمة المولى بالدية وأن انتزاع العبد على تقدير عدم دفعه لها لكونه مورد الاستيفاء، نظير العين المرهونة، أو توجب تعلق الدية برقبة العبد وأن للمولى فك رقبته وافتداءه، فعلى الأول يكون حق الجناية نظير حق الرهن، ويجري

ص: 82

فيه ما تقدم فيه، وعلى الثاني - الذي يظهر منهم البناء عليه في المقام - يتعين تقديم حق الجناية، لما ذكرناه آنفاً.

هذا وقد جزم في جامع المقاصد والروض بتقديم الكفن لو كانت الجناية بعد الموت لسبق سببه، نظير ما تقدم منهما في الرهن. وعن محكي البيان التوقف بلحاظ ذلك، وبلحاظ أن حق الجناية أقوى.

وقد سبق أن مجرد السبق الزماني لا أثر له في التقديم ما لم يكن موجباً لارتفاع موضوع الحق اللاحق، ولا أشكال ظاهراً في أن وجوب إخراج الكفن لا يمنع من تمامية موضوع حق الجناية. بل لا يظن بأحد دعوى: أن تعلق الكفن بالتركة أقوى من ملكية الشخص لماله، مع أن حق الجناية مقدم على ملكية مولى العبد له، فهو يكون كتلفه عليه، ولازم ذلك تقديم حق الجناية في المقام، ويكون كتلف العبد قبل إخراج الكفن منه. وإن كان الأمر محتاجاً للتأمل.

هذه الحقوق الثلاثة هي التي وقع الكلام فيها بينهم في المقام. وقد زاد عليها في محكي الموجز الحاوي الحكم بعدم إخراج الكفن من التركة فيما إذا كان قد اشتراها بثمن معين وقد تلف قبل إقباضه، أو بثمن كلي وقد أفلس أو مات قبل إقباضه، أو مضت له ثلاثة أيام ولم يقبضها ولم يقبض ثمنها، أو كانت عيناً قد حبسها خياط أو شبهه على الأجرة ولم يفضل بعدها بقدر الكفن.

ولا يخفى أن بناءهم في الصورة الأولى على انفساخ البيع ورجوع المبيع لملك البايع، نظير رجوع الثمن للمشتري لو تلف المبيع قبل قبضه، ولازمه خروجها بالتلف عن ملك المشتري الميت، فتخرج عن كونها تركة له، الذي هو موضوع النص بتقديم الكفن. ومثلها في ذلك ما لو كانت التركة ثمناً لعين قد تلفت قبل إقباضها للمشتري.

والكلام في الصورتين الثانية والثالثة - وهما ما إذا اشترى العين بثمن كلي وقد أفلس أو مات قبل إقباضه - مبني على ما وقع الكلام فيه من اختصاص البايع بم

ص: 83

(84)

وكذا ما وجب من مؤنة تجهيزه ودفنه (1) من السدر والكافور وماء الغسل وقيمة الأرض وما يأخذه الظالم من الدفن في الأرض

باعه في الفرضين بدلاً عن الثمن الذي لم يقبضه وتميزه على غيره من الغرماء، فإن تم اختصاصه به يكون له الحق في العين لخصوصية زائدة على كونها للميت، ويكون نظير حق الرهن فيما تقدم من الكلام.

وفي الصورة الرابعة يبتني على ثبوت خيار الفسخ في الفرض، فيكون إخراج الكفن مزاحماً لحق الخيار. ولا يبعد تقديم حق الخيار، لخروج العين بإعماله عن كونها تركة، الذي هو موضوع إخراج الكفن، ويكون وارداً على عموم دليله. نعم لو لم يعمله جاز إخراج الكفن من العين. ومثله الحال في سائر موارد الخيار، كخيار الحيوان والشرط.

وأما في الصورة الخامسة فكأنه مبني على جواز حبس العين في الفرض إلى أن يستوفي الأجرة، وهو محل كلام. فإن تم ذلك لزم التنافي بين جواز الحبس ووجوب إخراج الكفن من العين. لكن حيث لا إطلاق لدليل جواز الحبس في الفرض، بل لو تم الدليل عليه فهو لبي، تعين عدم مزاحمته للكفن، كما لا يزاحمه نفس الأجرة، لأنها كسائر الديون التي لا إشكال في تقدم الكفن عليها. ولعله لذا قال في مفتاح الكرامة: "ولم نقف على هذا لأحد غيره، كما قال في كشف الالتباس".

(1) كما في الشرايع والتذكرة والمنتهى والقواعد وجامع المقاصد والروض وعن الشهيد وغيره. وفي الخلاف دعوى الإجماع على إخراج الكفن ومؤنة الميت. وفي المدارك: "أما الوجوب في أصل المال فظاهر، لأن الوجوب متحقق، ولا محل له سوى التركة إجماعاً" وعن نهاية الأحكام الإجماع على عدم وجوب بذل ماء التغسيل. وقد يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عن عدم الفرق بين الكفن وبقية المؤن.

وهو المناسب لوجوب أفعال التجهيز بعد ارتكاز أولوية التركة بها، كما هو المناسب للسيرة. وكأن اقتصار النصوص وبعض عبارات الأصحاب على الكفن

ص: 84

المباحة (1) وأجرة الحمال والحفار (2) ونحوها.

لأنه المهم غالباً مما يحتاج لصرف المال، وإلا فمن البعيد جداً وجوبه في التركة وعدم وجوب غيره من المؤن أو وجوب بذلها على الغير.

وعن بعض مشايخنا الاستدلال عليه بما في موثق الفضل بن يونس: "سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) فقلت له: ما ترى في الرجل من أصحابنا يموت ولا يترك ما يكفن به، أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال: اعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه. قلت: فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ قال: كان أبي يقول: إن حرمة بدن المؤمن ميتاً كحرمته حياً. فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه، واحتسب بذلك من الزكاة وشيع جنازته..."(1).

بدعوى: أن المستفاد من وجوب تمام مؤن تجهيزه من الزكاة إذالم يكن له مال وجوب تلك المؤن في ماله لوكان له مال، وأن ما يجب خروجه من ماله يخرج من الزكاة لو لم يكن له مال.

وما ذكره وإن كان قريباً في نفسه، إلا أن الموثق لا يتضمنه بنحو يصلح للاستدلال عليه. نعم قد يستفاد منه ما ذكرنا من المفروغية عن كون بقية مؤن التجهيز كالكفن، لأن السؤال إنما كان عن الكفن فالتعميم لغيره من المؤن في الجواب قد يظهر في ذلك. وكيف كان فالظاهر أن ما تقدم بمجموعه كاف في إثبات الحكم. فلاحظ.

(1) كما هو مقتضى إطلاق المؤنة في كلام جملة ممن سبق، وكذا في معقد إجماع الخلاف والمدارك. ويقتضيه ما تقدم. خلافاً للجواهر، بدعوى انصراف المؤنة لغير ذلك في معاقد الإجماع. وفيه: أنه لو سلم انصراف المؤنة لفظاً عن ذلك، إلا أنه يستفاد تبعاً بلحاظ الوجه المتقدم الذي عليه يبتني الإجماع ارتكازاً. فتأمل جيداً.

(2) من الصعب جداً البناء على عدم وجوب بذل العمل فيهما كفائياً، لقرب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 23 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 85

(86)

(مسألة 33): كفن الزوجة على زوجها (1)

إلحاقهما بالدفن، كإنزال الميت في القبر، حيث يبعد اختصاص الدفن الواجب بخصوص إهالة التراب، ويكون ما عداه من سنخ مقدمة الوجوب غير الواجبة، نظير بذل عين الكفن.

نعم لو تعذر الباذل للعمل مجاناً - ولو عصياناً - لم يبعد وجوب إخراج ما يتوقف عليه من المال من التركة، لأولويتها من مال الغير ارتكازاً. ولاسيما بلحاظ ما تقدم في بقية المؤن. بل هو من المؤن حينئذٍ بعد فرض عدم وجود الباذل له وإن وجب بذله. نظير كفن الزوجة لو امتنع الزوج عن القيام به عصياناً. وربما يأتي في المسألة التاسعة والثلاثين ما ينفع في المقام.

(1) إجماعاً، كما في الخلاف والروض ومحكي نهاية الأحكام والتنقيح وشرح الجعفرية ومجمع البرهان. وعليه فتوى الأصحاب، كما في المعتبر والذكرى. وعند علمائنا، كما في التذكرة. وذهب إليه علماؤنا، كما في المنتهى. وفي المدارك:" هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً. وصريح أكثرها وظاهر الباقي عموم الحكم لذات المال".

ويقتضيه موثق السكوني عن جعفر عن أبيه:" أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: على الزوج كفن امرأته إذا ماتت"(1). وظاهر غير واحد وصريح بعضهم ضعف الخبر. ولعله لذا تنظر في الاستدلال به في المدارك، وذكر أن الأولى الاستدلال بما رواه الصدوق في الصحيح، قال: "وروى الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام): قال: الكفن من جميع المال. وقال (عليه السلام): كفن المرأة على زوجها إذا ماتت"(2).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب التكفين حديث: 2.

(2) رواه في الفقيه ج: 4 ص: 143 الطبعة الحديثة في النجف الأشرف وروى في وسائل الشيعة ج: 2 صدره في باب: 31 من أبواب التكفين حديث: 1 وذيله في باب: 32 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 86

لكن تقرر في محله اعتبار حديث السكوني، لكونه ثقة في نفسه. على أنه لو كان ضعيفاً كفى في جبره ما عرفت من فتوى الأصحاب بمضمونه، مع ظهور حالهم في الاعتماد عليه حيث لا دليل يعتد به غيره.

وأما صحيح عبدالله بن سنان فقد استدل به أيضاً في الوسائل في باب التكفين والبهائي في الحبل المتين. إلا أنه قرب في الحدائق ومحكي الذخيرة الاقتصار فيه على الصدر، كما في الكافي بطريق والتهذيب بطريقين، وأنه عبارة عما تقدم في أول المسألة السابقة. وأن الذيل مرسلة أخرى للصدوق.

وعن بعض مشايخنا المنع من ذلك، وتقريب ما فهمه في المدارك - من كون الذيل تتمة للصحيح - بأن ظاهر قوله:" وقال (عليه السلام): كفن المرأة... "العطف على قوله:" قال: الكفن من... "تتمة للصحيح، لا على قوله:" وروى الحسن... "ليكون من كلام الصدوق حديثاً آخر. لأن الأول أقرب. ولأن مراسيل الصدوق في الفقيه لا تكون مضمرة حسب التتبع، بل يسندها للإمام المروية عنه.

ويشكل بأن ظهور العطف في الرجوع للأقرب قد يسلم بنحو يكون حجة فيما إذا كان الفرق فاحشاً، بحيث يغفل عن الأبعد بحسب مساق الكلام، دون مثل المقام، نظير قولنا: جاء زيد وقد أغلقت الباب، وخرج عمرو إلى السوق، حيث يشكل استظهار عطف جملة:" وخرج... "على جملة:" وقد أغلقت... "دون جملة:" جاء...".

على أنه إنما يتم مع إحراز وحدة المتكلم، كالمثال، حيث قد يدعى أن ظاهر حاله العطف على الأقرب، لا في مثل الحديث، حيث يتردد الذيل بين أن يكون من كلام عبدالله بن سنان معطوفاً على قوله:" قال: الكفن... "وأن يكون من كلام الصدوق معطوفاً على قوله:" وروى الحسن... "إذ يتعين كلام كل منهما لوجه خاص، ولا تردد في حال كلام شخص واحد، ليدعى ظهوره في أحد الوجهين.

وأما عدم الإضمار في مراسيل الصدوق فعهدة دعواه عليه، وهو أعلم بما قال،

ص: 87

(88)

لاحتياجه لتتبع غير متيسر فعلاً. إلا أنه لو تم لا يبلغ مرتبة اليقين والحجية. خصوصاً في مثل المقام مما يحتمل فيه رجوع الضمير للإمام الصادق (عليه السلام) المصرح به قريباً في صحيح عبدالله بن سنان. ولاسيما مع ما تقدم من عدم ذكر التتمة في طرق الكليني والشيخ (قدس سرهما) وعدم الاستدلال بالصحيح قبل صاحب المدارك، إذ لا أقل مع ذلك من التوقف عن الاستدلال به.

هذا وقد استدل بوجهين آخرين:

الأول: أن الزوجية ثابتة إلى حين الوفاة، فيجب الكفن. وانقطاع العصمة إنما هو بالإضافة إلى بعض الأحكام، لا بالإضافة إلى بقيتها، ولذا ثبت الميراث وجاز النظر والتغسيل، وقد أطلق عليها الزوجة في أدلة هذه الأحكام، ومع إطلاق الزوجة يجب الكفن، لأن وجوبه مقارناً للوفاة لا متأخراً عنها، وسقوط أحكام الزوجية إنما يكون متأخراً عنها. هذا ما يتحصل من المعتبر وأشير إلى بعضه في التذكرة والمنتهى وغيرهما.

ويشكل أولاً: بأن مجرد إطلاق الزوجية عليها في بعض أدلة الأحكام - كالميراث ونحوه - لا يقتضي كونها بعد الموت زوجة حقيقية، لأن الاستعمال أعم من الحقيقة، بل قد يكون الإطلاق بلحاظ حال الحياة، لا حال الموت الذي هو حال وجوب الكفن.

وثانياً: بأنه لا فرق في وجوب الكفن وأحكام الزوجة الساقطة بالموت، في ترتب ثبوته وسقوطها على الموت ترتب الحكم على موضوعه، المستلزم لتأخرها عنه رتبة ومقارنتها له زماناً.

وثالثاً: بعدم وضوح الملازمة بين ثبوت الزوجية ووجوب الكفن إلا بدعوى عموم نفقة الزوجة الواجبة للكفن. وهو لو تم لم يحتج إلى بقية مقدمات الاستدلال، لوضوح أن وجوب تكفين الزوجة لا يراد به إلا وجوب تكفين من هي زوجة حين الموت وإن لم يصدق عليها عنوان الزوجة بعده. وإن لم يتم لم تنفع بقية المقدمات في

ص: 88

إثبات وجوب التكفين.

هذا والظاهر عدم تمامية العموم المذكور، لظهور أدلة النفقة في نفقة الحياة، ولذا لا ملازمة بين موضوعيهما، فيشترط في وجوب نفقة الحياة ما لا يشترط في وجوب الكفن - على ما صرح به جماعة - واختص وجوب التكفين بالزوجة والمملوك عندهم دون بقية من تجب نفقتهم حال الحياة. كما كانت نفقة الزوجة حال الحياة عندهم ديناً في ذمة الزوج لو لم يؤدها بخلاف كفنها... إلى غير ذلك مما يناسب كون عموم وجوب الإنفاق مختصاً بالنفقة حال الحياة، دون مثل التكفين بعد الموت.

وأما ما عن بعض مشايخنا دامت بركاته من استفادة العموم له من التعليل في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب والأم والولد والمملوك والمرأة، وذلك أنهم عياله لازمون له" (1) بدعوى: أن المستفاد من ذلك أنه قائم بشؤونهم متحمل لثقلهم، وهو يشمل حالي الحياة والممات.

فيشكل أولاً: بعدم وضوح الوجه في العموم المذكور، لعدم تضمن الحديث الحكم باللزوم ابتداء، كي يدعى أن حذف المتعلق فيه يقتضي العموم، ويقع الكلام في تحديد العموم المذكور، بل التعليل به مع المفروغية عنه، فلا يكون في مقام بيان متعلق اللزوم، لينعقد إطلاق له في ذلك، بل يتعين الرجوع في تحديد متعلق اللزوم لدليله.

كما أن ارتكازية التعليل لا تقتضي العموم المذكور، بل غاية الأمر أن تقتضي عموم النفقة لكل حاجة يستحق لأجلها دفع الزكاة، وهو مختص بحال الحياة، إذ لا تدفع الزكاة إلا حينئذٍ، ولا تدفع للميت وإن جاز تكفينه بها من باب أنه من سبيل الله أو نحوه. على أنه تقدم في المسألة العشرين من مباحث غسل الجنابة عند الكلام في قيام الزوج بماء الغسل المنع من حمل التعليل على ذلك.

وثانياً: بأن الصحيح لو استفيد منه العموم المذكور لزم رفع اليد عنه بما تضمن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

ص: 89

(90)

تحديد النفقة الواجبة بالإطعام والكسوة من النصوص الكثيرة التي تقدم التعرض لها في المسألة المذكور، ولاإشكال في ظهور الكسوة في كسوة الحياة، ولاتعم الكفن بعد الوفاة.

وبالجملة: لا مجال للبناء على عموم وجوب النفقة للكفن، بل هو ظاهر في خصوص النفقة حال الحياة.

نعم لو ثبت وجوب الكفن أمكن أن يستفاد - ولو بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية - أنه من سنخ النفقة وملحقاً بها. لكنه فرع قيام الدليل عليه، لا على أن يساق بنفسه دليلاً عليه.

وأشكل من ذلك ما يظهر من الفقيه الهمداني (قدس سره) من قضاء الاستصحاب بوجوب التكفين. إذ فيه: أن التباين بين الكفن والكسوة حال الحياة من الوضوح بحيث يوجب تعدد الموضوع عرفاً. هذا مع غض النظر عن تعدده بالموت الذي هو التحقيق في استصحاب الأحكام التكليفية ونحوها ممايكون متعلقها كلياً كالنفقة والكفن ونحوهما.

الثاني: أنها لو تركت مالاً ورثه الزوج، فيجب عليه مما تتركه من غرامة ومؤنة، عملاً بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "الخراج بالضمان" كما في المنتهى.

ويشكل أولاً: بأن الحديث - مع عدم روايته من طرقنا - محمول إما على أن خراج الشيء ومنافعه لمن عليه ضمانه الشرعي، الذي بمعنى تكليفه بدفع دركه - كالغصب - كما قد يظهر من إطلاق الفقرة المتقدمة التي اقتصر عليها في بعض طرقه، فعن عائشة: "ان رسول الله قضى أن الخراج بالضمان"(1). أو على أن خراج الشيء ومنافعه لمن عليه ضمانه العقدي، الراجع لتملكه بالثمن - إما لخصوصية التملك بالثمن، أو لأجل مطلق الملكية، أو لأجل لازمها، وهو وجوب النفقة وتحمل الخسارة - كما هو ظاهر ما روي عنها أيضاً:" ان رجلاً ابتاع غلاماً فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به

********

(1) صحيح الترمذي ج: 2 ص: 377 رقم الحديث: 1304.

ص: 90

(91)

وإن كانت صغيرة (1)

عيباً، فخاصمه إلى النبي فرده عليه. فقال الرجال: يا رسول الله قد استغل غلامي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): الخراج بالضمان"(1). ومن ثم حكي عن أكثر فقهاء العامة تخصيص القاعدة بالضمان العقدي. بل من عممها منهم للضمان الشرعي - كالحنفية - لم يتمسك له بالحديث الشريف، بل بوجه اعتباري على ما قيل.

وكيف كان فهو أجنبي عما نحن فيه، لوضوح عدم كون الكفن من سنخ الضمان للمرأة بأحد المعنيين المذكورين، وعدم كون الميراث من سنخ الخراج والمنفعة لها. وإنما المناسب لما نحن فيه ما اشتهر من أن من له الغنم فعليه الغرم، وإن لم اعثر عاجلاً على عموم يشهد به.

وثانياً: بأن مقتضى الحديث تبعية الخراج والمنفعة للضمان دون العكس، كما هو محل الكلام.

وثالثاً: بأن الميراث لا يختص بالزوج، ليختص بوجوب بذل الكفن بمقتضى الاستدلال المذكور، بل يشاركه فيه غيره، والمناسب له وجوب بذل الكفن على جميع الورثة. كما أنه لا يختص بالزوجة، مع وضوح عدم بنائهم على عموم تحمل ورثة الميت لكفنه.

ومن ثم كان هذا الوجه كسابقه في غاية الوهن. وكأنهما جريا فيهما على التعليل بعد الورود، أوعلى مجاراة العامة إلزاماً لهم، وإلافمن المعلوم عدم نهوضهمابإثبات حكم شرعي. وقد ظهر من جميع ما سبق أن الدليل في المقام منحصر بموثق السكوني، المعتضد بفتوى الأصحاب.

(1) كما صرح به غير واحد. وهو مقتضى إطلاق النص والفتوى. والانصراف إلى الكبيرة بدوي لا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. نعم بناء على عدم وجوب

********

(1) سنن أبي داود ج: 2 ص: 145 رقم الحديث: 3510.

ص: 91

(92)

(92)

أو مجنونة (1)، أو أمة (2)، أو منقطعة (3)

الإنفاق عليها يأتي فيها ما يأتي في المنقطعة والناشز.

(1) كما صرح به غير واحد. وهو مقتضى إطلاق النص والفتوى. ولم أعثر عاجلاً على من قال أو احتمل قصوره عنها، أو نقل عنه ذلك.

(2) للإطلاق المذكور، وبه صرح في جامع المقاصد والروض والمسالك وغيرها، ولم أعثر على مخالف فيه. قال سيدنا المصنف (قدس سره): "ربما يتوهم معارضة نص المقام بما دل على أن كفن المملوك على سيده. وفيه: أن ذلك الدليل ليس إلا الإجماع غير الثابت في الزوجة" .مضافاً إلى قرب ابتناء كلمات المجمعين على أن وجوب كفن المملوك على سيده على نحو وجوب نفقته عليه لا يشمل الأمة المزوجة، لأن مقتضى إطلاق أدلة الزوجة وجوب نفقتها حال الحياة وكفنها بعد الموت على الزوج.

(3) كما هو مقتضى إطلاق النص. كما قد يقتضيه إطلاق فتوى غير واحد، وبه صرح في الروض والمسالك وغيرهما، وحكي عن الفاضل الميسي.

خلافاً لظاهر أو صريح جماعة ممن قصر الحكم على الدائمة، كما في الدروس ومحكي البيان، ونفى عنه البعد في محكي الكفاية واحتمله في المدارك، وتوقف في العموم للمنقطعة في محكي مجمع الفائدة. أو على الدائمة غير الناشز، كما في جامع المقاصد ومحكي الموجز الحاوي وفوائد الشرايع وشرحيها وكشف الالتباس، وعن ظاهر الذكرى والتنقيح التوقف في العموم لغيرها.

والظاهر ابتناء الأول - وهو الاختصاص بالدائمة - إما على قصور ما تقدم من المنتهى من الاستدلال لتحمل الزوج كفن زوجته بميراثه منها، أو على ما أشار إليه في المدارك من انصراف الإطلاق للدائمة.

لكن عرفت ضعف الاستدلال المتقدم من المنتهى. مع أن قصوره عمن لا يرث لا يمنع من الرجوع فيه لعموم النص. وأما الانصراف فهو - لو تم - بدوي ل

ص: 92

يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق بعد ظهور أدلة الزوجية المنقطعة في كونها زوجية حقيقية من سنخ الزوجية الدائمة.

ومنه يظهرضعف الاستدلال بالانصراف للثاني - وهو الاختصاص بالدائمة غير الناشز - كما يظهر من الرياض، ولأن النشوز أمر خارج عن الزوجية لا وجه لكونه سبباً للانصراف.

نعم لوكان تحمل الزوج كفن زوجته من شؤون وجوب انفاقه عليها، لعموم النفقة للكفن - كما تقدم من المعتبر وغيره - اتجه قصوره عمن لا تجب النفقة عليها، كالمنقطعة والناشز. ولعله عليه يبتني تفصيل غير واحد ممن تقدم.

لكن تقدم ضعف الوجه المذكور في نفسه. ولو تم فقصوره عمن لا تجب نفقته لا يمنع من الرجوع فيه لعموم النص الذي سبق الاستدلال به.

وأضعف من ذلك ما في جامع المقاصد، حيث قال في حكم المتمتع بها والناشز: "عدم تعلق وجوب الإنفاق بالزوج لهما حال الحياة - لعدم صلاحية الزوجية في المتمتع بها لذلك، وثبوت المانع منه في الناشز، وهو النشوز - يقتضي عدم تعلق الحكم بوجوب الكفن بعد الموت بطريق أولى، لأن الزوجية تزول حينئذٍ أو تضعف، ولهذا تحل له أختها والخامسة، فيقيد به إطلاق الخبر مع ضعفه".

إذ هو كما ترى لا يرجع إلى محصل ظاهر، لأن التكفين إن كان من صغريات النفقة الواجبة كفى في عدم وجوبه للمتمتع بها والناشز عدم وجوب النفقة لهما، من دون دخل لزوال الزوجية أو ضعفها بالموت فيه، ليقتضي الأولوية، لأن مبنى وجوب تكفين الزوجة على ثبوته مع الموت. وإن كان حكماً في قبالها لم ينفع زوال الزوجية أو ضعفها بالموت لرفعه فيهما، فضلاً عن أن يوجب أولوية رفعه من سقوط النفقة.

هذا وعن بعض مشايخنا الاستدلال لسقوط الكفن - مع الاعتراف بعدم كونه من صغريات النفقة - بأن المستفاد من نصوص عدم النفقة للمتمتع بها والناشز أنه ليس على الزوج للأولى إلا الأجر، ولا للثانية إلا المهر، ولا يجب عليه بذل مال آخر

ص: 93

لهما، والمفهوم منه عدم الفرق بين حالي الحياة والموت.

ويشكل بعدم وضوح منشأ فهم ذلك من الأدلة، إذ لم يرد في الناشز إلا نفي النفقة، ففي موثق السكوني: "أيما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع"(1). وأما المتمتع بها فلم أعثر عاجلاً على ما ينفي النفقة لها، بل تشعر بعض النصوص بثبوتها، لو لم يكن هو الظاهر منها كحديث أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفيه:" قلت: فإني أستحيي أن أذكر شرط الأيام. قال: هو أضر عليك. قلت: وكيف؟ قال: لأنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ولزمتك النفقة في العدة "(2) فإن تقييد النفقة بالعدة قد يظهر في لزومها قبل العدة على كل حال اشترط أو لم يشترط، وأن الفرق بين الشرط وعدمه ينحصر بحال العدة، حيث تكون مع الشرط بائنة لا نفقة فيها، ومع عدمه رجعية فيها النفقة. وهو الذي يحتمله قوله (عليه السلام) في خبر هشام بن سالم:" فإذا مضت أيامها كان طلاقها في شرطها ولا نفقة ولا عدة لها عليك"(3). لإمكان أن يكون قوله (عليه السلام): "ولا نفقة..." معطوفاً على قوله: "كان طلاقها..." ،فيقتضي نفي النفقة بعد مضي أيامها، لا جملة مستأنفة أو معطوفة على قوله: "فإذا مضت..." ليقتضي نفي النفقة مطلقاً حتى قبل مضي أيامها.

وإنما استدلوا لعدم وجوب النفقة لها بالإجماع، وبما تضمنته بعض النصوص من أنهن مستأجرات(4). لكن في نهوض الثاني بالاستدلال إشكال أومنع. والعمدة الأول لو تم. والمتيقن منه نفي النفقة دون الكفن. فلا يتم ما ذكره دامت بركاته.

ولعل الأولى الاستدلال لسقوط الكفن بما أشرنا إليه في تعقيب استدلال المعتبر لوجوب كفن الزوجة على زوجها من قضاء المناسبات الارتكازية بأن الكفن وإن لم يكن من النفقة الواجبة، إلا أنه من سنخها وملحقاً بها في كونه من حقوق الزوجية

********

(1) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 6 من أبواب النفقات حديث: 1.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 20 من أبواب المتعة من كتاب النكاح حديث: 2، 3.

(4) راجع الوسائل باب: 4، 26، 43 من أبواب المتعة من كتاب النكاح.

ص: 94

(95)

(95)

أو غير مدخول بها (1). وكذا المطلقة الرجعية (2). ولافرق في الزوج بين أحواله من الصغر والكبر (3) وغيرهما من الأحوال.

المبنية على قيام الزوج بشؤون زوجته وتكلفه بها فهما على نهج واحد، فمع ثبوت عدم النفقة للزوجة في مورد يستفاد تبعاً وجوب تكفينها، لاشتراكهما في مناط الحكم من دون أن يكون من صغرياتها، كما يظهر من بعضهم. كما لا يبتني على انصراف إطلاق الزوجة عن مورد عدم ثبوت النفقة، كما تقدم من آخر.

لكن الشأن في تمامية ذلك ووضوحه بنحو يخرج به عن إطلاق النص المتقدم. وهو لا يخلو عن إشكال. فلابد من مراعاة الاحتياط.

(1) كما هو مقتضى إطلاق النص والفتوى. وما تقدم في الصغيرة جار فيها.

(2) كما في جامع المقاصد والروض والمسالك وغيرها. بل في بعض عباراتهم أنها زوجة. والمراد به أنها زوجة حقيقية أو بمنزلتها. لكن تقدم في الفرع الرابع من لواحق الكلام في ولاية الزوج المنع من الأول، وعدم ثبوت الثاني.

نعم بناءً على ما تقدم احتماله من كون الكفن من لواحق النفقة على الزوجة فقد يستفاد من إلحاقها بالزوجة في النفقة إلحاقها بها في الكفن أيضاً. وإن كان الجزم به صعباً. ولعله لذا حكي التوقف فيه عن مجمع الفائدة.

(3) كما في الجواهر وطهارة شيخنا الأعظم (قدس سره) وغيرهما. لإطلاق النص. وأما حديث رفع القلم عن الصبي فهو ظاهر في عدم مؤاخذته بفعله وعدم ثبوت التبعة الدنيوية والأخروية عليه فيه. ولازم ذلك عدم فعلية التكليف في حقه بنحو يستلزم العقاب بالمخالفة. وعدم ثبوت بقية الأحكام التي هي من سنخ التبعة الدنيوية لفعله ومؤاخذته به، كوجوب الحدود ونفوذ العقود والإيقاعات وحجية إقراره عليه ونحو ذلك.

ويناسب ذلك ما ورد في نظيره، وهو حديث رفع الخطأ ونحوه، ففي صحيحي

ص: 95

صفوان والبزنطي عن أبي الحسن (عليه السلام): "في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال: لا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطأوا" (1) فإن نفوذ اليمين المذكورة - كنفوذ العقد والإيقاع - لما كان من سنخ التبعية الشرعية كان مرفوعاً بالإكراه بمقتضى الحديث، كما ذكرنا. قال شيخنا الأعظم (قدس سره): "فإن الحلف بالطلاق والعتق والصدقة وإن كان باطلاً عندنا مع الاختيار أيضاً، إلا أن استشهاد الإمام (عليه السلام) على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها شاهد على عدم اختصاصه برفع خصوص المؤاخذة".

وكيف كان فلا ينهض حديث رفع القلم برفع الأحكام التكليفية غير الإلزامية، والوضعية غير المبتنية على المؤاخذة والتبعة، كما في موارد ثبوت الحقوق المالية ابتداء عليه، ومنها الكفن في المقام، لظهور موثق السكوني في مجرد ثبوته على الزوج بمقتضى حق الزوجية، كالنفقة لها وللأرحام، لا بعناية كونه تبعة على فعل شيء منه.

كما لا يبتني على محض تكليفه به، لظهور جعل المال والأعيان على الشخص في الاستحقاق عليه بنحو الوضع، وإنما لا يستقر في ذمته - بحيث يبقى ديناً عليه لو عصى، أو كفنها غيره، أو تعذر عليه تكفينها حتى دفنت - لارتفاع موضوع الحق، وهو عنوان الكفن، كما هو الحال في الإنفاق على الرحم أو المملوك لو تعذر على المكلف القيام به أو عصى حتى فات وقته أو قام به غيره، وليس هو كنفقة الزوجة التي قيل إنها تبقى ديناً لها عليه، لاستحقاقها عين النفقة في ذمته.

نعم لا يخاطب الصبي فعلاً بأداء الكفن، لحديث الرفع، بل يجب على وليه أداؤه من ماله عملاً بمقتضى ولايته، كسائر الحقوق الثابتة عليه، كما ذكره من تقدم.

هذا وقد ذكر بعض مشايخنا أن المرفوع في الحديث هو قلم التشريع، سواءً كان تكليفاً أم وضعاً، وأنه لا يثبت على الصبي إلا الضمانات بالنص، والجنابة، لعموم موضوعها.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 12 من كتاب الأيمان حديث: 12.

ص: 96

وفيه: أن رفع القلم كناية عرفاً عما ذكرنا، لا عن عموم الرفع، بحيث يستثنى موضوعه من جميع متعلقات الأحكام الشرعية. بل لا يمكن البناء على ذلك في المقام، لاستلزامه كثرة التخصيص المستهجن، حيث لا إشكال في كونه متعلقاً للأحكام الشرعية غير الضمان والجنابة، فيكون مديناً بالقرض ونحوه، ويتنجس بملاقاة النجاسة ويطهر بفعل المطهر، ويحدث بالحدث الأصغر ويتطهر منه، ويصير زوجاً وزوجة ومطلقة، ومالكاً ومملوكاً ووقفاً ومحرماً ومستأجراً وأجيراً... إلى غير ذلك مما لا إشكال في كونه من الأحكام الوضعية، ولا يظن بأحد احتمال عدم تعلقه بالصبي، أو دعوى ظهور دليل رفع القلم في رفعه.

على أن ورود النص بضمانه إن أراد به ما يدل على ضمانه بالخصوص، ليخصص عموم حديث الرفع فهو لو تم يلزم الاقتصار على مورده والرجوع في غيره إلى عموم الرفع. وإن أراد به عموم أدلة الضمان فمن الظاهر حكومة حديث الرفع عليه وعلى عموم أدلة سببية أسباب الجنابة أيضاً لو تم ما ذكره من شموله لموردهما، كحكومته على سائر العمومات، مع وضوح عدم إمكان البناء على شيء من ذلك.

ومثله في الإشكال ما ذكره أيضاً من لغوية جعل كفن الزوجة على الصبي، لعدم تكليفه ببذله بنفسه بمقتضى حديث الرفع قطعاً. ولا مجال لما ذكروه من تكليف الولي به، لأنه يعتبر في جواز تصرف الولي المصلحة أو عدم المفسدة، وبذله الكفن مستلزم لخسارة الصبي.

كما لا مجال لقياسه بوفاء لدينه، للفرق بأنه مع عدم وفاء الدين يبقى في ذمته، فيجب عليه وفاؤه بعد بلوغه، وقد يعجز عنه حينئذٍ، فيكون التعجيل بوفائه حال وجدانه صلاحاً له، بخلاف الكفن الذي يسقط عنه مع عدم أدائه من ماله حتى يقوم به غيره أو تدفن عارية ويتعذر تكفينها.

إذ فيه: أن قيام الولي بأداء الحقوق الثابتة على المولى عليه إنما هو لكون ذلك مقتضى ولايته في قبال ولايته على التصرف المصلح أو غير المفسد في ماله، لا بلحاظ

ص: 97

كون عاقبة الأداء صلاحاً له. ولذا لا إشكال ظاهراً في وجوب أداء الحق عنه عليه حتى لو علم أو احتمل سقوطه عن ذمته قبل بلوغه أو بعده بإرث - كما لو كان ممن يرث الدائن - أو إبراء أو تبرع متبرع بالوفاء أو نحو ذلك. بل أي ضرر على المولى عليه في بقاء الدين في ذمته بعد بلوغه مع عجزه عن وفائه وعدم تكليفه بأدائه، ليصلح لمزاحمة ضرر الخسارة بتعجيل الوفاء، خصوصاً لو أمكن استغلال المال بتجارة أو نحوها مما يتعرض به المولى عليه للربح والفائدة. ولذا لا يصلح ذلك لثبوت سلطنة الولي على وفاء الدين الذي لم يحضر أجله.

وبعبارة أخرى: كما يهتم الشارع الأقدس بمصلحة المولى عليه أو عدم خسارته في ماله، كذلك يهتم بأداء الحق لصاحبه. ولذا بنوا على ثبوت الولاية - ولو من باب الحسبة - على الممتنع والغائب ونحوهما. وذلك يقتضي تكليف الولي الخاص للقاصر مع وجوده بأداء الحقوق التي عليه، ومع عدمه يتعين ثبوت ولاية الحسبة عليه على نحو الولاية على الممتنع الغائب.

ولم يعلم بعد مبناه دامت بركاته في النفقات، وهل هي عنده لا تثبت على الصبي إلا في مورد يكون أداؤها صلاحاً له، كما لو كان عدم الإنفاق على المملوك مستلزماً لنقصه أو تلفه بنحو تكون خسارته أهم من خسارة النفقة، أوتثبت مطلقاً، كماهو ظاهرفتواه، فيتجه السؤال عن الفرق بينهاوبين كفن الزوجة.

وأما ما ذكره بعد ذلك من احتمال كون الكفن في النص المتضمن أنه على الزوج بالسكون مصدراً بمعنى التكفين، لا بالفتح بمعنى ثياب الميت، لعدم ظهور الحركات في كتابة النص المذكور ليتعين أحد الوجهين. وحينئذٍ يكون ظاهره محض التكليف بالتكفين، الذي لا إشكال في قصوره عن الصبي ونحوه، لأن الظاهر من جعل الفعل - الذي هو مفاد المصدر - على الشخص تكليفه به، وإنما يستفاد استحقاق المال عليه - الذي هو من سنخ الوضع - بجعل الأعيان عليه، كالدرهم والدينار والثوب والكفن بالفتح. وإنما يجب على البالغ بذل الكفن - بالفتح - مقدمة للفعل الواجب

ص: 98

عليه، لا لانشغال ذمته بالكفن ابتداء.

فهو يشكل أولاً: بأن الكَفْن بالسكون وإن ذكر في بعض كتب اللغة مصدراً بمعنى التكفين، إلا أنه لا يتعارف في استعمالات الشارع والعرف، بل المتعارف التعبير بالتكفين، واستعمال الكَفَن بالفتح بمعنى الثياب. بل ربما يكون ذكرهم الكَفْن بالسكون بلحاظ اشتقاقه من المعنى الأصلي وهو التغطية، فتوهموا استعماله عند إرادة المعنى المعهود - وهو إلباس الميت الكَفَن - أيضاً.

وكيف كان فندرة استعماله عند إرادة المعنى المعهود تمنع من حمل الإطلاق عليه، إذ لو أريد لاحتاج للعناية والتنبيه ولم يكتف بإطلاقه حتى حمله الفقهاء على التحريك، وفهموا منه ثياب الميت ورتبوا أحكامه.

وثانياً: بأن لازم ذلك أن لا يكون وجوب التكفين للزوجة كفائياً، بل عينياً مختصاً بالزوج، ولازم ذلك عدم تكليف غيره بإعانته لو عجر هو من الاستقلال به، ولا بالقيام به بدلاً عنه لو تعذر عليه مباشرته. بل لو عصى لم يجب إلا ردعه من باب الأمر بالمعروف، ولو جهل به لم يجب إلا إعلامه بوجوبه عليه من باب وجوب تعليم الأحكام، دون إعلامه بالموضوع. كما أن لازمه عدم تحمل الزوج الكفن من ماله إذا تركت هي مالاً، لعموم ماتضمن أن الكفن من أصل المال، الذي لايصلح لتخصيصه النص الواردفي الزوجة بعد قراءة الكفن فيه بالتسكين... إلى غير ذلك مما لا يظن به دامت بركاته ولا بغيره الالتزام به.

بل وضوح بطلانه كاشف عن وضوح كون مفاد النص في المقام هو تحمل الزوج الكَفَن بالفتح، وانشغال ذمته به كسائرالماليات بنحوالوضع. لا محض التكليف بالتكفين.

وثالثاً: أن ذلك لا يناسب ما تقدم منه من استفادة تحمل الزوج كفن الزوجة من عموم التعليل في أدلة النفقات. لوضوح أن مبنى وجوب النفقة على انشغال الذمة بها بنحو الحكم الوضعي. نعم تقدم منّا عدم تمامية ذلك.

ص: 99

(100)

(مسألة 34): يشترط في وجوب كفن الزوجة على زوجها يساره (1)

وكيف كان فلا مخرج عما ذكرنا من تحمل الصبي كفن زوجته، وقيام الولي بإخراجه من ماله. ونحوه المجنون والمغمى عليه وأمثالهما ممن لا يصلح للخطاب الفعلي.

نعم لو قيل بعدم وجوب نفقة الزوجة على الصبي، وقلنا بأن الكفن من صغريات النفقة الواجبة - كما تقدم القول به من بعض - أو ملحقاً بها - كما تقدم منّا احتماله - اتجه عدم وجوب الكفن عليه، نظير ما تقدم في المتمتع بها والناشز.

(1) كما في الدروس وجامع المقاصد والروض والمسالك وغيرها ونسب لنهاية الأحكام وجماعة، وعن الذخيرة نسبته للأصحاب، بل في المدارك أنهم قطعوا به. وظاهرهم إرادة اليسار المعتبر في وجوب وفاء الدين، بأن كان يملك زائداً عن مستثنيات الدين أكثر من قوت يوم وليلة له ولعياله، كما حدده بذلك في كشف اللثام والجواهر.

وكأن الوجه فيه حمله على الدين بعد ما سبق من عدم تمحضه في التكليف ببذل الكفن، بل هو حكم وضعي راجع إلى انشغال الذمة بالكفن، بل صرح شيخنا الأعظم (قدس سره) بأنه من الديون.

لكن ذلك لا يكفي في صيرورته ديناً، للفرق بينهما في ملكية الغير للدين واستقراره في الذمة ولو مع تعذر أدائه، فيمكن أداؤه بعد اليسار، بخلاف الكفن الذي لا يملكه أحد ويتقوم بإمكان الأداء، كما تقدم. ولعله لذا احتمل في المدارك - كما عن غيره - عدم اعتبار اليسار بالمعنى المذكور، لإطلاق النص. وعليه جرى في الجواهر وغيره.

أقول: عدم كونه ديناً لا ينافي إلحاقه به في المستثنيات، لعموم دليلها، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: لا تباع الدار ولا الجارية في الدين، ذلك

ص: 100

(101)

وأن لا يكون محجوراً عليه قبل موتها بفلس (1) وأن لا يكون ماله متعلقاً به

أنه لابد للرجل [المسلم] من ظل يسكنه وخادم يخدمه"(1). فإن عموم التعليل المناسب لارتكا زيته يقتضي عدم وجوب بيع الدار والخادم لسائر الحقوق الثابتة على المكلف، ومنها الكفن.

نعم هو مختص بالدار والخادم، دون بقية المستثنيات، إلا أن بعضها يجري فيه ذلك بالأولوية العرفية، كثياب الإنسان ونفقته الخاصة. كما أن مثل نفقة واجبي النفقة في اليوم والليلة يكون مزاحماً للكفن بعد إطلاق دليليهما. ولا يبعد أهمية الإنفاق، لأن حاجة الحي للنفقة أشد ارتكازاً من حاجة الميت للكفن وأولى بالرعاية. بل يكفي احتمال ذلك في الترجيح، على ما ذكر في مبحث التزاحم. ولا أقل من التخيير، لعدم ثبوت أهمية الكفن. وإن لم يبعد اختلاف الأهمية باختلاف الموارد، من حيثية نوع النفقة، ووجود الباذل على تقدير الامتناع منها ومن الكفن، ونحو ذلك.

اللهم إلا أن يقال: مقتضى إطلاق دليلي وفاء الدين والكفن وجوب تحصيل المال لهما مع القدرة عليه بالاقتراض أو الاستيهاب أو الاكتساب. ولو تم الدليل على عدم وجوبه لوفاء الدين لزم الاقتصار على مورده، دون الكفن بعد فرض عدم كونه ديناً، كما تقدم. ويكون المتحصل حينئذٍ: أنه لا يجب بيع الدار والخادم لأجل الكفن، عملاً بعموم التعليل في صحيح الحلبي، وكذا ثياب البدن والنفقة الخاصة بالأولوية، مع إعمال الترجيح في نفقة واجب النفقة، ويجب الاقتراض ونحوه لأجله لو أمكن، عملاً بإطلاق دليله.

(1) كما في الجواهر وطهارة شيخنا الأعظم (قدس سره) وغيرهما. وقد ذكر سيدنا المصنف (قدس سره) أن هذا الشرط متفرع على شرط اليسار، فإن قلنا باعتباره اتجهت مانعية الحجر، لأنه موجب لسلب قدرة الزوج على التصرف في ماله، فيكون كمن لا مال

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب الدين والقرض حديث: 1.

ص: 101

(102)

حق غيره برهن أو غيره (1)،

له. أما لو قلنا بعدم اعتباره وأنه لو أمكن تحصيل المال بالاقتراض ونحو وجب اتجه جريان ذلك في المقام، لأن عدم القدرة على التصرف بالمال لا ينافي وجوب تحصيل غيره بالاقتراض ونحوه.

لكن لازم ذلك مانعية الحجر وإن حصل بعد موتها، بناء على اعتبار اليسار، لعدم تعلق الكفن بعين المال، ليكون مقدماً على حق الغرماء مع سبقه، بل هو متعلق بالذمة، ولا دليل على تعلقه بعين المال بالحجر بعد ما سبق من عدم كونه ديناً. ولو فرض تعلقه به - إلحاقاً له بالدين - لزم دخول النقص عليه مثله كسائر ديون المفلس. وحينئذٍ يجري ذلك حتى مع سبق الحجر على موتها، بناء على مشاركة صاحب الدين المتجدد بعد الحجر للغرماء، خصوصاً إذا لم يحصل برضاه، كما لو كان مسبباً عن إتلاف المفلس لماله، وإن استشكل فيه بعضهم، والكلام فيه موكول لموضعه.

هذا وقد يدعى عدم مانعية الحجر من إخراج الكفن وإن كان مشروطاً باليسار، كنفقة اليوم والليلة له ولعياله التي صرحوا باستثنائها من أعيان مال المفلس، إما لكونه من أفرادها، أو لكونه ملحقاً بها، كما تقدم. ومن هنا صرح باستثناء كفن الزوجة من أعيان ماله غير واحد، وقد يظهر من الجواهر في أحكام المفلس الجري عليه، بل في الخلاف دعوى الإجماع عليه. ومن ثم فالمسألة لاتخلو عن إشكال. نعم بناء على ما تقدم من وجوب تحصيل المال بالاقتراض أو نحوه يتجه وجوبه في المقام لو أمكن وبنى على التوقف عن الأخذ من أعيان المال المحجر عليه. فلاحظ.

(1) كما في جامع المقاصد والروض والمسالك وغيرها. لأن تعلق الحق بالعين مانع من تصرف المالك فيها بنحو ينافيه حتى لمثل النفقة. من دون فرق بين حدوث الحق قبل موتها وحدوثه بعده، لأن الكفن لا يتعلق بعين ماله، بل بذمته.

نعم لو أمكنه إخراج الكفن من العين بعد إخراج الحق - كما لو كانت قيمة

ص: 102

(103) وأن لا يقترن موتها بموته (1) وعدم تعيينها الكفن بالوصية (2). لكن الأحوط وجوباً إن لم يكن أقوى في صورة فقد أحد الشروط الثلاثة الأول وجوب الاستقراض (3) إن أمكن (4).

العين أكثر من الدين الذي رهنت عليه - وجب ذلك - كما في جامع المقاصد والروض عملاً بإطلاق دليله. كما أنه لو أمكنه تحصيل مال آخر - بالاقتراض أو نحوه - وجب بناء على ما تقدم في الشرط الأول.

(1) كما في جامع المقاصد والروض والمسالك وعن الذكرى والفاضل المقداد. لظهور النص في الزوج الحي القابل لانشغال الذمة بالكفن وأدائه.

وصرح في جامع المقاصد والروض والمسالك بعدم سقوطه عنه لو مات بعدها. وكأنه لانشغال ذمته به في حياته فيتعلق بتركته بعد وفاته، كسائر الحقوق الثابتة في ذمته، لقرب إلحاقها بالدين في ذلك، بل لعله مفروغ عنه بينهم. فتأمل جيداً.

(2) كما في جامع المقاصد والروض والمسالك وغيرها. لأن مقتضى نفوذ الوصية وجوب إخراجه من ثلثها، فيسقط عنه، كما لو تبرع به متبرع.

نعم لو لم تنفذ الوصية للجهل بها أو عصياناً تعين قيامه به، لأن وجوب تنفيذ الوصية بنفسه لا ينافي انشغال ذمته به، كما لو أوصى غيرها بتكفينها. ولعله مرادهم. وقد يحمل عليه ما في الروض، حيث قال: "وسقط عنه إن نفذت" بأن يكون بالتشديدمن التنفيذ، لا بالتخفيف من النفوذ - الذي به صرح في المسالك - في مقابل عدم نفوذها شرعاً، لتجاوزها الثلث، مثلاً.

(3) لما تقدم في الشرط الأول، وتقدم أن اللازم مطلق تحصيل المال ولو بغير الاستقراض.

(4) يعني: بلا حرج، كما صرح به في مستمسكه.

هذا ولو تحقق العجر المسقط لوجوب بذل الكفن على الزوج - إما لعدم اليسار

ص: 103

بالمعنى المعتبر في الدين، للبناء على اعتباره في المقام، أو لعدم القدرة حتى على مثل الاقتراض - فالظاهر خروجه من تركتها لو كان لها تركة، كما صرح به من تقدم منه اعتبار يساره في تحمل الكفن.

والوجه فيه ظاهر بناءً على أن الحكم بتحمل الزوج الكفن محض تكليف له ببذله، لأن وجوب بذله عليه لا ينافي ثبوته في تركتها، الذي هو مقتضى إطلاق ما تضمن أن الكفن من جميع المال، نظير استحباب بذله في حق غيره ممن يقدر على بذله. ولازم ذلك أنه لو لم يبذله عجزاًً أو جهلاً أو عصياناً وجب إخراجه من التركة لو لم يبذله غيره.

وأما بناءً على ما تقدم من رجوعه إلى انشغال ذمته به بنحو الوضع فقد يستشكل بأن مقتضى الجمع بين دليل تحمل الزوج كفن زوجته وإطلاق دليل ثبوت الكفن في التركة تخصيص الثاني بالأول، الراجع لعدم ثبوت كفن الزوجة في تركتها، فلا وجه لإخراجه منها مع تعذر بذله على الزوج، لأن تعذره لا ينافي استحقاقه عليه وانشغال ذمته به. ولذا حكم شيخنا الأعظم (قدس سره) بانتقاله إلى تركته لو مات معسراً، كسائر الحقوق التي تنشغل بها ذمته.

ودعوى: أنه لا مانع من العمل بالدليلين معاً في الزوجة، فيبنى على ثبوت كفنها في ذمة الزوج وفي تركتها معاً، إذ لا مانع من ذلك في الماليات، نظير انشغال الذمم المتعددة بالمال الواحد مع تعاقب الأيدي عليه.

مدفوعة بأن لازم ذلك ثبوته فيهما معاً على نحو الواجب الكفائي، بحيث لو امتنع لا يجوز للورثة إجباره، كما لا يجوز له إجبارهم، بل يجب على الكل في عرض واحد، وكل من يبذل الكفن يؤدي ما عليه وعلى صاحبه، ولا يظن بأحد البناء على ذلك. وما ذلك إلا لتعينه على الزوج وعدم تعلقه بالتركة حال انشغال ذمته به، الذي هو مبنى دعوى التخصيص المتقدمة.

ومن ثم ذكر في الجواهر أنه لولا عدم ظهور الخلاف في وجوب الإخراج من

ص: 104

التركة حينئذٍ لكان مقتضى الجمع بين الأدلة دفنها عارية أوتكفينها من بيت المال، لأن سقوط الخطاب بالبذل عنه لا يقتضي الانتقال إلى تركتها.

هذا وقد دفع سيدنا المصنف (قدس سره) الإشكال المذكور بانشغال ذمة الزوج بالكفن ليس على نحو انشغاله بالدين الذي يستقر فيها ولو مع عدم وجوب أدائه عليه، بل هو تابع لوجوب البذل، ولا اعتبار له بدونه، لعدم جواز مطالبة وارثها به، فمع فرض عدم وجوب البذل للإعسار يتعين عدم انشغال ذمته به وقصور دليله عنه، فيرجع حينئذٍ لعموم خروج الكفن من التركة.

لكن مجرد عدم جواز مطالبة الوارث بالكفن لا يستلزم تبعية انشغال ذمة الزوج به لوجوب أدائه عليه، بل قد يكون لأن ذمة الزوج إنما تنشغل بالكفن بما هو كفن من دون أن يكون مملوكاً بذاته للميت أو لغيره عليه، فمع فرض تعذر التكفين بدفن الميت لا يبقى موضوع الحق، فيسقط. ولو لم يسقط فلا دليل على إرثه بعد أن لم يكن مملوكاً لأحد عليه. ولا يقاس بذلك ما إذا تعذر عليه بذل الكفن لعسر مالي مع بقاء موضوعه، لقابلية الميت للتكفين، كما في المقام.

نعم لا يبعد انصراف النص المتضمن انشغال ذمة الزوج بكفن الزوجة إلى خصوص صورة قدرته على بذله بنحو يكلف به، لتقوم الغرض من الحق المذكور بفعلية التكفين، لا باستحقاق المال وحفظ المالية، كما في الدين. وقد يكون نظيره في ذلك تحمل نفقة الأقارب.

ومن ثم يبعد عن مقتضى الارتكاز ما تقدم من شيخنا الأعظم (قدس سره) من انتقال الكفن لتركة الزوج لو مات معسراً، فيجب إخراجه منها، مع فرض عدم تكليفه بأدائه في حياته. بخلاف ما لو كان قادراً مكلفاً ببذل الكفن، حيث يقرب انتقاله للتركة جداً، كما تقدم من المحقق والشهيد الثانيين (قدس سرهما) عند الكلام في الشرط الرابع.

ثم إنه لو غض النظر عن ذلك أمكن إثبات خروج كفنها من تركتها مع إعسار

ص: 105

الزوج بما أشار إليه شيخنا الأعظم (قدس سره) وأوضحه الفقيه الهمداني (قدس سره) من قضاء المناسبات الارتكازية - تبعاً للأدلة الشرعية - بأن الميت أحق بتركته بأن يجهز منها ولا يترك معها بدون تجهيز أو يستجدى لتجهيزه.

وجعل كفن الزوجة على زوجها لا ينافي ثبوت الحق المذكور لها، بل هو في طوله راجع إلى أن عليه أن يقوم به بدلاً عن التركة، فإن قام به سقط عنها، كما يسقط عنها لو تبرع به أجنبي. وإلا وجب إخراجه منها بمقتضى الحق المذكور الثابت للإنسان بطبعه. نظير تحمل نفقتها الذي لا ينافي خروجها من مالها لو لم ينفق عليها، فتستثنى في مقام وفاء الدين الواجب عليها. وكذا تحمل نفقة القريب لو كان ذا مال لا يستطيع الوصول إليه والتصرف فيه.

ومرجع ذلك إلى أن الجمع بين عموم ثبوت الكفن في التركة ودليل تحمل الزوج كفن زوجته ليس بتخصيص الأول بالثاني، كما تقدم دعواه في توجيه الإشكال، ولا بالجمع بين الأمرين في عرض واحد، ليرد عليه ما تقدم من لزوم كونه على نحو الوجوب الكفائي، بل بالجمع بينهما على نحو الطولية، نظير انشغال ذمة المدين والكفيل بالدين على النحو المتعارف في زماننا، وتناسبه بعض النصوص(1) ، لأن ذلك هو الأقرب عرفاً في أمثال المقام بالنظر للمناسبات الارتكازية. ولعله لذا لم يظهر الخلاف في خروج الكفن من التركة في الفرض، كما سبق الاعتراف به.

كما لايبعد أن يرجع إليه أو إلى ما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) ما عن نهاية الأحكام من الاستدلال على خروج كفن المرأة في محل الكلام من تركتها بأن الكفن مقدم على الإرث.

وأما ما في جامع المقاصد من الإشكال فيه بأنه لو ملك شيئاً قبل تكفينها تعلق الوجوب به. فكأنه راجع إلى ما تقدم في توجيه الإشكال من التنافي بين انشغال ذمة الزوج بالكفن وثبوته في التركة، وأنه لا مجال للثاني مع فعلية الأول، كما يشهد به

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من كتاب الرهن.

ص: 106

تكليفه ببذل الكفن لو تجددت له القدرة عليه.

لكنه مدفوع بأن تكليف الزوج ببذل الكفن لو تجددت له القدرة عليه إنما يكشف عن عدم كون الإعسار مانعاً بحدوثه من تحمل الكفن مطلقاً ولو بعد ارتفاعه. وهو وإن كان مسلماً، تبعاً لإطلاق دليل تحمل الزوج بعد فرض بقاء الموضوع وإمكان الوفاء، إلا أنه لا ينافي تعلق الكفن بالتركة حال الإعسار، إما لبراءة ذمة الزوج حينئذٍ، كما تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره)، أو لانشغالها به في طول ثبوته في التركة، كما تقدم من شيخنا الأعظم (قدس سره) وتقدم توضيحه.

ومن الثاني يظهر خروج الكفن من التركة لو لم يبذل الزوج عصياناً مع قدرته وتكليفه فعلاً ببذله، كما صرح به الفقيه الهمداني (قدس سره)، وإن لم ينهض به الأول. نعم للورثة الرجوع عليه لو دفعوه بنية الرجوع ولو بعد مراجعة الحاكم الشرعي، كما هو الحال في كل ممتنع عن أداء الحق الذي عليه. وبه صرح الفقيه الهمداني (قدس سره) أيضاً.

بل ذكر (قدس سره) أن لهم الرجوع عليه مع إعساره أيضاً، لانشغال ذمته به على نحو انشغال ذمته بنفقتها في حياتها. لكن انشغالها به على النحو المذكور لا طريق لإثباته، لعدم تضمن ملكيتها له، فضلاً عن أن يبقى ديناً كالنفقة. على أنه لم يتضح عاجلاً جواز إجباره على الاستدانة لنفقتها ولكل حق للغير.

نعم تقدم منّا وجوب الاستدانة عليه مع القدرة لأجل الكفن، المستلزم لجواز إجباره على الاستدانة من التركة والدفع منها بنية الرجوع عليه ولو بعد مراجعة الحاكم الشرعي. أما بناء على عدم وجوب الاستدانة عليه فاللازم عدم وجوب بذل الكفن عليه، ومعه لا وجه لنية الورثة الرجوع عليه. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم.

ص: 107

(108)

وكذا الاحتياط في صورة عدم العمل بوصيتها بالكفن (1).

(مسألة 35): كما أن كفن الزوجة على زوجها كذلك سائر مؤن التجهيز من السدر والكافور وغيرهما (2).

(1) كما يظهر مما تقدم في الشرط الخامس.

بقي شيء: وهو أنه لا يبعد ابتناء انشغال ذمة الزوج بالكفن على الانحلال، فلو تعذر تمامه وجب ما يقدر عليه منه، ويتمم الباقي من تركتها أو من متبرع أو غيرهما. وبه صرح في الجواهر. كما لا يبعد ابتناء تعلق الكفن بالتركة على ذلك أيضاً، فيجب بذلها لبعض الكفن مع تيسر تتميمه بتبرع أو نحوه. كل ذلك لقضاء المناسبات الارتكازية بعدم الارتباطية في الماليات المقصودة لنتائجها. نعم لو يتيسر التتميم بما يحقق الواجب الاضطراري أو الاختياري لم يجب البذل، لعدم الموضوع، وهو الكفن، كما لعله ظاهر. فتأمل جيداً.

(2) قال في المبسوط بعد أن ذكر خروج الكفن من أصل التركة: "وإن كان الميت امرأة لزم زوجها كفنها وتجهيزها، ولا يلزم ذلك في مالها" ،ونحوه في السرائر. وقد نسب لهما تحمل الزوج تمام نفقات التجهيز، كما نسب ذلك لنهاية الأحكام والبيان والموجز الحاوي والتنقيح وفوائد الشرايع وحاشية الميسي، وبه صرح في المنتهى والدروس والذكرى وجامع المقاصد والروض والمسالك وغيرها، وفي الجواهر: "لا أجد فيه خلافاً".

وقد يتجه بناء على أن تحمل الزوج كفن زوجته من صغريات وجوب الإنفاق عليها. لكن سبق الإشكال في ذلك. ويزيد هنا بأن بقية المؤن غير الدفن أبعد عن النفقة من الكفن الذي هو من سنخ الكسوة.

نعم قد يدعى استفادته من النص بإلغاء خصوصية الكفن فيه، وإنما ذكر لأنه أهم شؤون التجهيز المبتنية على صرف المال. قال سيدنا المصنف (قدس سره): "كما يؤيده

ص: 108

الاقتصار عليه فيما دل على خروجه من أصل المال، وأنه مقدم على الدين، مع الاتفاق منهم على عموم ذلك لسائر مؤن التجهيز، وفي معقد الإجماع - المحكي عن غير واحد - على كون تجهيز المملوك على سيده. ولا يبعد أن يكون المراد من الكفن في معقد إجماعات المقام ما يعم سائر مؤن التجهيز، كما يقتضيه إرسال غير واحد له إرسال المسلمات. لكن في كفاية هذا المقدار في الجزم تأملاً. ولذا توقف في المدارك وحكي عن الأردبيلي وغيره. ومنه يظهر أنه يصعب الجزم بخلافه، كما صدر من المصنف وغيره، ولاسيما بملاحظة ما في كلام بعض من دعوى عدم الفصل بين الكفن وغيره".

وقد يؤيد الدعوى المذكورة أن تحمل الزوج الكفن دون غيره من مؤنة التجهيز مع ولايته على تجهيز الزوجة يبتني على عناية يبعد ابتناء السيرة عليها في مقام العمل. فلاحظ.

هذا وعن بعض مشايخنا التفصيل بين يسارها فتخرج المؤن المذكورة من تركتها، ولا يتحمل الزوج إلا الكفن، اقتصاراً على مورد النص، وإعسارها فيتحملها الزوج، لعموم التعليل في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج(1) ، حيث يستفاد منه أن ثقل الزوجة والوالدين والوالد والمملوك على الرجل، فيقوم بشؤونهم في حال الحياة والممات مع حاجتهم، على ما تقدم عنه في الاستدلال لتحمل الزوج كفن زوجته، وإنما اختص الكفن بالذكر في النص لعدم احتياج غيره لبذل المال غالباً.

لكن تقدم منع الاستفادة المذكورة من التعليل وعدم نهوضها بالاستدلال. مع أن مقتضاها تحمل النفقات المذكورة حتى مع اليسار، لخروج التركة عن ملك الميت، فيحتاج لنفقة التجهيز. وما تضمن خروج الكفن من التركة يختص به، ولا يشمل غيره من النفقات. ولو بني على تعميمه لها لإلغاء خصوصيته عرفاً لزم إلحاقها به فيما تضمن تحمل الزوج الكفن، الذي هو يعم صورتي اليسار والإعسار بلا إشكال. ولا مجال للتفريق في إلحاقها بين الحالين مع وحدة لسان النص. فلاحظ.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 12 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

ص: 109

(110)

(مسألة 36): الزائد على المقدار الواجب من الكفن وسائر مؤن التجهيز لا يجوز إخراجه من الأصل (1)

(1) كما في التذكرة والمنتهى والقواعد والذكرى والدروس وجامع المقاصد والروض وغيرها. وقد يظهر من جملة من عباراتهم المفروغية عنه، خصوصاً شيخنا الأعظم (قدس سره) الذي خص التأمل من بعضهم فيما إذا اختلف أفراد الواجب في القيمة.

لكن استشكل فيه في الجواهر قال: "بناءً على أن ذلك من المستحبات المالية مخاطب به الولي مثلاً، فيتبع اختياره من غير نظر إلى غيره من الوارث صغاراً كانوا أم كباراً، فيكون من قبيل استحباب خروج الزكاة من مال الطفل. ويؤيده إطلاق ما دل على أن الكفن من صلب المال من غير تخصيص له بالواجب، فالواجب منه واجب، والمندوب منه مندوب. بل لعل حق الدين أيضاً لا يزاحم ذلك، لما دلّ على تعلق الدين بعده. نعم لو كان المخاطب بالندب نفس الوارث كان اعتبار رضاه متجهاً".

وفيه: أن المخاطب بالندب ليس هو خصوص الولي ولا خصوص الوارث، بل جميع المكلفين، لورود الأمر بالمستحب في مساق الأمر بالواجب، وحيث كان الوجوب كفائياً كان الاستحباب كذلك. لكنه كالوجوب لا يقتضي إخراج الكفن من التركة، فضلاً عن التصرف فيها على خلاف سلطنة الوارث، ولذا احتاج إخراج الواجب إلى الدليل. ولا مجال لقياسه على خروج الزكاة من مال الطفل، لأن دليل خروجها إنما دل على الأمر بإخراجها منه، لا على مجرد دفع مقدارها ولو تبرعاً عنه.

وأما إطلاق ما تضمن أن الكفن من صلب المال فقد استشكل فيه سيدنا المصنف (قدس سره) بأن مجرد خطاب الولي بأخذ الجامع لا يكفي في جواز أخذه الفرد الأفضل، بل لابد فيه من جعل ولاية تعيين الجامع له، والدليل قاصر عنه، فمطالبة الولي للوارث بالفرد الأفضل خلاف سلطنته على ماله.

ص: 110

ولا يخلو ما ذكره عن وجه، فإن الولاية إنما تقتضي لزوم وقوع الفعل - كالتغسيل والتكفين - بنظر الولي، لا إعمال نظره في تشخيص متعلق الفعل من أموال الناس - كالماء والسدر والكفن - بنحو ينافي سلطنتهم، ولذا لا إشكال في عدم جواز إجبار غير الوارث على التبرع بها. وحينئذٍ فمقتضى إطلاق أدلة الميراث ملكية الوارث لأعيان التركة وسلطنته عليها، وليس مفاد دليل خروج لوازم التجهيز من التركة إلا إلزامه بالطبيعة بنحو ليس له الامتناع، لا إلزامه بخصوص فرد منها يوكل تشخيصه لنظر الولي، كما هو الحال في سائر الحقوق الكلية الثابتة في التركة أو غيرها من أمواله أو في ذمته.

ولذا كان الظاهر عدم إلزام الولي للوارث بتعين خصوص فرد من التركة من بين الأفراد المتفقة في القيمة. بل لو عين فرداً من غير التركة بدلاً عنها كان له ذلك، ويسقط الحق من التركة، وليس للولي إلزامه بخصوص ما يخرج من التركة، لعدم ولايته على التركة، ومنافاة ذلك منه لسلطنة الوارث.

وبعبارة أخرى: مقتضى الجمع بين إطلاق دليل الميراث ودليل خروج الكفن من التركة هو ملكية الوارث لأعيان التركة المستلزمة لسلطنته عليها وإلزامه بإخراج الكفن منها، فاللازم في الخروج عن مقتضى سلطنته على أعيانها الاقتصار على إلزامه بمطلق الكفن، مع إيكال تشخيصه إليه، لا إلى الولي. وكأن هذا هو مراد شيخنا الأعظم (قدس سره) مما يأتي منه عند الكلام في اختلاف أفراد الواجب في القيمة.

وهذا هو العمدة، لا ما يظهر مما عن بعض مشايخنا من دخول المورد في التزاحم، والمستحب لا يزاحم الواجب اللازم المراعاة، وهو حق الديان والورثة.

إذ فيه: أن الكلام إنما هو في فعلية حق الوارث والديان ليمنع من إخراج المستحب، والمدعى للخصم هو اقتضاء الإطلاق تقدم الكفن ولو كان مستحباً على حقهما، فلا حق لهما كي يمنع من إخراج المستحب. فالعمدة ما ذكرنا من فعلية سلطنة الوارث وإن كان الكفن مقدماً على الميراث.

ص: 111

نعم لا يجري ذلك في الدين المستوعب للتركة، لعدم سلطنة الديان على عين التركة، وإنما يتعلق حقه بها كتعلق الكفن، وحيث ثبت تقديم الكفن على الدين كان مقتضى إطلاق دليله التخيير في إخراج الكفن منها بين أفراده ولو كان هو الأكثر الذي لا يبقى معه مجال لوفاء الدين، ولا يعتبر رضا الديان، بل غاية الأمر اعتبار رضا الوارث المالك لأعيان التركة.

وأما ما في الذكرى والروض من تقديم الدين على المستحب من أجزاء الكفن وإن كانت ثياب التجمل مقدمة على الدين، لحاجة الحي إلى التجمل، والميت إلى براءة ذمته أحوج. فهو كما ترى لا ينهض بنفسه بإثبات حكم شرعي، فضلاً عن أن يخرج به عن الإطلاق.

اللهم إلا أن يقال: الحكم في النص بالبدء بالكفن ثم الدين متفرع على الترتب بينهما في التعلق بالتركة، وليس تكليفاً ابتدائياً، وحيث كان المتعلق بها في الرتبة السابقة هو مطلق الكفن الحاصل بالأقل فهو لا يمنع من تعلق الدين بها لو كانت أكثر قيمة من الأقل، ومع تعلقه بها لا يجوز مزاحمته بإخراج الكفن بالفرد الأكثر، بل يتعين الاقتصار على الأقل، جمعاً بين الحقين بعد فعلية ثبوتهما معاً.

هذا كله لو كان المدعى أن المتعلق بالتركة هو الكفن المطلق، الصادق على الأقل المقتصر فيه على الواجب، والأكثر المشتمل على المستحب. أما لو كان المدعى أن المتعلق بها هو الأكثر - لأنه الكفن التام الذي يحمل عليه الإطلاق، وتعلق الدين والميراث بالباقي من التركة مع الاقتصار على الواجب لتعذر التكفين بالتام بعد الدفن، فلا موضوع لإخراجه، كما لو دفن الميت بلا تكفين - فيتعين جواز أخذ المستحب من التركة وإن لم يرض الوارث والديان، لأن ذلك هو مقتضى استحباب التكفين به بعد فرض تعينه في التركة وتعلقه بها مقدماً على الدين والميراث.

لكن من البعيد جداً التزام أحد بذلك، بل غاية ما يدعى كون الكفن من سنخ الماهيات المشككة الصادقة على الأقل والأكثر. فيجري ما سبق.

ص: 112

(113)

بل لا يبعد بعد النظر في مجموع النصوص اختصاص الكفن الشرعي الذي يحمل عليه الإطلاق بالواجب، وكون المستحب خارجاً عنه ملحقاً به. وإطلاق الكفن على المجموع في بعض النصوص يبتني على نحو من التوسع أو على ملاحظة المعنى اللغوي.

ولا أقل من انصراف إطلاق الكفن في النصوص المتضمنة خروجه من التركة وتقديمه على الدين والميراث إلى خصوص الواجب، لأن التخيير بين الأقل والأكثر يحتاج إلى عناية في الحكم التكليفي، فضلاً عن الحكم الوضعي، كما في المقام.

وعليه يخرج المستحب عن الإطلاق تخصصاً، لا بلحاظ ما سبق من المزاحمة لحق الديان أو الوارث. ومعه لا موضوع لما سبق من الجواهر من التمسك بالإطلاق في محل الكلام.

تنبيه: قال في المبسوط بعد أن ذكر الكفن المفروض والمستحب للرجل والمرأة: "هذا إذا تمكن منه، فإن تعذر ذلك أو أجحف بالورثة اقتصر من الكفن على ما يستره فحسب" .وظاهره الاجتزاء بالثوب الواحد الساتر مع الإجحاف بالورثة.

ولم يتضح وجهه بعد إطلاق دليل وجوب الأثواب الثلاثة وما تضمن خروج الكفن من التركة الذي عرفت أن الواجب متيقن منه. ولا تنهض قاعدة نفي الضرر بسقوطه مع الإجحاف بالورثة، لأن الميراث لما كان من سنخ النفع للورثة، فخروج الكفن منه مستلزم لقلة النفع، لا لدخول الضرر عليهم.

إلا أن يبتني ذلك منه على وجوب تحمل الورثة الكفن عند إعواز التركة، حيث يصدق به الضرر، ويتجه سقوطه مع الإجحاف، لخروجه عن المتيقن من تخصيص قاعدة نفي الضرر.

لكن يأتي في المسألة الثامنة والثلاثين إن شاء الله تعالى عدم تحمل من تجب عليه النفقة للكفن فضلاً عن غيره من الورثة.

ص: 113

(114)

إلا مع رضا الورثة (1). وإذا كان فيهم صغير أو غير رشيد لا يجوز لوليه الإجازة في ذلك (2)، فيتعين حينئذٍ إخراجه من حصة الكاملين برضاهم. وكذا الحال في قيمة الواجب، فإنالذي يخرج من الأصل ما هو أقل قيمة (3)،

(1) أوالغرماء لو زاحم حقوقهم، كما سبق.

هذا ولو أوصى بإخراج ثلثه جاز إخراج المستحب منه بنظر الوصي، لأنه من جملة مصالحه. كما أنه لو أوصى به بخصوصه خرج من ثلثه، بناء على عدم خروجه من التركة بدون الوصية، وأما بناءً على خروجه منها - كما سبق من الجواهر تقريبه - فالوصية به لا تقتضي خروجه من الثلث، بل تعينه لا غير بناء على نفوذ الوصية بالتجهيز الذي تقدم الكلام فيه في المسألة الخامسة، كما نبه له في الجواهر. إلا أن يرجع إلى الوصية بإخراجه من الثلث، فيخرج منه، كما أوصى بإخراج كفنه الواجب أو كفن غيره منه.

هذا ولو أوصى بالاقتصار على الواجب فقد قرب عدم نفوذ الوصية في الذكرى وجامع المقاصد والروض. وكأنه لعدم صلوح الوصية لرفع الاستحباب. وهو لا يخلو عن إشكال، إذ لم تتضمن الأدلة إلا عدم نفوذ الوصية بالحرام أو مع الحيف على الورثة.

وفي الجواهر: "ولعل التفصيل بملاحظة المصلحة - إما رفقاً بالورثة، أو حصول الغضاضة عليه بتبرع متبرع - فتنفذ، وإلا فلا، لا يخلو عن قوة".

وفيه: أن نفوذ الوصية لا يناط بالمصلحة، وإنما يجب مراعاة الأصلح فيما يناط بنظر الوصي أو الولي ومن ثم لا يبعد البناء على نفوذ الوصية المذكورة، كما صرح به في التذكرة. لكنه يبتني على نفوذ الوصية بالتجهيز الذي تقدم فيه الكلام في المسألة الخامسة.

(2) لمنافاته لمصلحة المولى عليه.

(3) كما يظهر من شيخنا الأعظم (قدس سره). وقد أشار إلى المناقشة في ذلك بقوله:

ص: 114

"والتأمل في القسم الثاني بناء على أن المندوب أحد أفراد القدر المشترك الواجب، فللولي المخاطب بالمباشرة اختياره. مدفوع بأن الكلام ليس في اختيار الولي، بل الكلام في المتعلق بالتركة، فإذا فرض أن المتعلق بها هو القدر المشترك فلا تسلط للولي على مزاحمة الوارث بعد بذل الوارث القدر المشترك" .ولا يبعد رجوع ما ذكره إلى ما سبق منا في وجه المنع من التمسك بالإطلاق لإخراج أجزاء الكفن المستحبة من التركة. كما أشرنا إليه هناك.

لكن في المعتبر: "ولو اختلف الأولياء بين دفنه في المسبّلة وفي ملكه دفن في المسبّلة، لأنه أقل ضرراً على الوارث. ولو تشاحا في الكفن اقتصر على عادة مثله، لأنه لا تقدير للشرع، فيرجع إلى العادة، مع الاقتصار على الواجب".

وقد يظهر منه جواز الدفن في ملك الميت والزيادة في الكفن على الواجب والمتعارف مع اتفاق الأولياء وإن لم يرض الوارث غير الولي أو الديان الذي يضر ذلك بدينه. إلا أن ينصرف كلامه عن صورة الدين المذكور وعدم ولاية بعض الورثة.

فيرجع ما ذكره في الكفن إلى ما في جامع المقاصد من إلزام الورثة بالمتعارف. قال: "ويراعى في هذه الأثواب التوسط، ففي الجنس يراعى الأوسط باعتبار اللايق بحال الميت عرفاً، فلا يجب الاقتصار على أدنى المراتب وإن ماكس الورثة أو كانوا صغاراً، حملاً لإطلاق اللفظ على المتعارف" .ونحوه في المسالك والروضة وحكي عن بعض مشايخنا. قال في الروض بعد نقل الكلام المذكور عنه: "وهو حسن، لأن العرف هو المحكم في أمثال ذلك مما لم يرد له تقدير شرعي".

هذا وقد تكرر منّا غير مرة أن التعارف لا يصلح لتقييد الإطلاق الذي هو بيان شرعي يستغنى معه عن الرجوع للعرف، ولذا لا إشكال ظاهراً في إجزاء ما يخرج عن المتعارف وتأدي وظيفة الكفن به الراجع لعدم قصور إطلاق أدلة شرح الكفن عنه.

لكن لا يبعد الرجوع للمتعارف في تحديد أدنى ما يجزي في الخروج عن الإطلاق للعناوين المأخوذة في الأدلة الواردة في مورد الاستحقاق، كالنفقات وإخراج الكفن

ص: 115

من التركة أو قيام الزوج بالكفن في المقام ونحو ذلك. لابتناء مورد الاستحقاق على مطالبة من له الحق بالجيد الكثير المالية، ودفع من له الحق بالرديء القليل المالية، المقتضي نوعاً للتعرض للتشاح والخصومة، ولاسيما مع اشتمال المسمى على أفراد مبتذلة يرغب عنها يصعب البناء على الاكتفاء بها لهوانها، حيث لا فائدة عرفاً من استحقاقها والتكليف بها، كالثياب المستعملة والخلقة في الكسوة وبعض أفراد الطعام في النفقة، فعدم التنبيه في دليل الاستحقاق لذلك، وعدم التصدي للتحديد، يوجب ظهور حال المتكلم في التعويل على المتعارف في تشخيص العنوان المستحق.

مضافاً في خصوص المقام إلى أن تعمد الأقل قيمة بالنحو غير المتعارف، خصوصاً في الأفراد المبتذلة المشار إليها، لما كان مغفولاً عنه في مقام العمل، كان وجوبه محافظة على حق الديان والوارث محتاجاً إلى عناية وتنبيه، فعدم التنبيه عليه في نصوص خروج الكفن من التركة وتقديمه على الدين والميراث، الواردة في مورد المزاحمة لحق الديان والوارث، موجب لظهورها في أن تحمل التركة للكفن يبتني على جواز اختيار الفرد المتعارف الذي لا يبتني اختياره على تعمل وعناية، وليس للديان ولا الورثة الإلزام بما دونه. وإلا فمن البعيد جداً البناء على وجوب اختيار الأقل مهما أمكن، ولو مثل الثياب الخلقة التي قد لا يكون لها قيمة معتد بها، محافظة على حق الديان والوارث، وليس لما عداها ضابط ظاهر صالح لأن يرجع إليه عدا التعارف.

هذا والسيد الطباطبائي (قدس سره) في العروة الوثقى مع جزمه بوجوب اختيار الأقل قيمة من أفراد الواجب استثنى من ذلك ما لو كان موجباً لهتك الميت، فلم يستبعد لزوم إخراج ما لا يستلزم الهتك، سواء كان بملاحظة القيمة أم بملاحظة أجزاء الكفن ولو بإضافة المستحب. وقال سيدنا المصنف (قدس سره): "كأنه لدعوى انصراف الدليل عما يوجب الهتك، وإلا فمجرد حرمة هتك الميت لا يقتضي تعين الكفن الثابت في التركة في خصوص الفرد الآخر الذي لا يلزم من التكفين به الهتك".

وكأن مراده بالانصراف هو انصراف إطلاق دليل خروج الكفن من التركة،

ص: 116

لا إطلاق دليل شرح الكفن، حيث لا مجال لدعوى الانصراف فيه مع ما هو المرتكز تبعاً للإطلاق من تأدي وظيفة الكفن بما يوجب هتك الميت وإن حرم هتكه أو كان مرجوحاً.

كما أن مقتضى ذلك عدم الفرق في تجنب ما يوجب الهتك بين أن يكون أقل من المتعارف، وأن يكون هو المتعارف للعامة إذا كان الاقتصار عليه منافياً لكرامة الميت، لخصوصية فيه، كجلالة شأنه، أو كثرة ماله، بحيث يكون عدم تمييزه بإجادة الكفن أو مكان الكفن أو نحوهما من شؤون التجهيز توهيناً له. وبذلك صرح بعض مشايخنا فيما حكي عنه، فاللازم هو المتعارف في حق الميت بما له من خصوصيات ومميزات.

نعم لزوم الهتك من الاقتصار في الكفن على الواجب أو الأقل قيمة لا يتضح فرضه خصوصاً مع عدم ظهور ذلك لأحد، إلا بلحاظ كونه إنقاصاً لما يستحقه وتعدياً عليه في ذلك منافياً لحرمته. وهو حينئذٍ يتفرع على تعيين ما يستحقه، ويرجع إلى ما سبق من الانصراف للمتعارف الذي لا يبتني على تعمل وعناية، والذي يختلف باختلاف الأشخاص والظروف.

أما لو فرض لزوم الهتك المحرم مع قطع النظر عن جهة إنقاص الميت حقه والتعدي عليه في ذلك فلا حاجة لدعوى الانصراف، بل تكفي الحرمة في تقييد إطلاق الكفن المستحق، حيث لا معنى لاستحقاق كفن يحرم التكفين به أو قبر يحرم الدفن فيه، كما لو بذل كفناً يوجب احتراق الميت، بل لابد من كون المؤنة المستحقة في التركة مؤنة التجهيز بالوجه المباح.

إلا أن يفرض عدم استناد الهتك للتجهيز، بل لأمر خارج عنه غير لازم له، كإظهار حال الكفن للناس، حيث لا يقتضي حينئذٍ تقييد المؤنة المستحقة بغيره، بل حرمة منشأ الهتك لا غير. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم.

ثم إن الظاهر جريان ما سبق في تحمل كفن الزوجة، بل هو أظهر، لأن الزوج هو الولي الذي له الاختيار بلا إشكال. كما لا يبعد عدم جواز اكتفائه بما يكون دون

ص: 117

(118)

ولا يجوز إخراج الأكثر منه إلا مع رضا الورثة الكاملين (1). فلو كان الدفن في بعض المواضع لا يحتاج إلى بذل مال وفي غيره يحتاج إلى ذلك لا يجوز للولي مطالبة الورثة بذلك ليدفنه فيه.

(مسألة 37): كفن المملوك على سيده (2)، حتى الأمة المحللة (3)،

المتعارف قيمة، خصوصاً إذا أوجب توهينها، لنظير ما سبق في خروج الكفن من التركة.

(1) يعني: فيخرج من حصتهم فقط. كما أنه يخرج من الثلث مع الوصية، على التفصيل المتقدم.

(2) إجماعاً كما في المعتبر والتذكرة والذكرى والروض والمدارك والمستند وعن غيرها، ونفى في الجواهر وجدان الخلاف فيه. ويظهر من بعضها الإجماع من جميع المسلمين. وأما ما في المنتهى من إطلاق أن الأقرب عدم تحمل الإنسان كفن من تجب عليه نفقته غير الزوج، فقد يراد منه ما عدا المملوك ممن تجب نفقته بالقرابة. ولاسيما مع ظهور صدر كلامه في تحمل السيد كفن عبده، كما يأتي نقله.

وكيف كان فما ذكروه هو المناسب للمرتكزات المتشرعية على تحمل المولى جميع نفقات مملوكه بعد سلب سلطنته على نفسه، بحيث لا يتسنى له سدّ حاجاته من عمله أو تجارته، بل كل ذلك للمولى. ومن ثم كان هو مقتضى سيرة المتشرعة التي يبعد خطؤها وخطأ الإجماع في مثل هذه المسألة مما يكثر الابتلاء به.

وقد صرح غير واحد بعدم الفرق بين أقسامه من القن والمدبر وأم الولد والمكاتب، وأن المشترك تتوزع نفقته على مواليه، والمبعض يتحمل مولاه من كفنه بنسبة ما يملك منه. والظاهر المفروغية عن جميع ذلك. نعم تقدم أن الأمة المزوجة كفنها على زوجها دون مولاها.

(3) لما هو المشهور المنصور من عدم كون التحليل تزويجاً، خلافاً لما عن بعض أصحابنا وحكي عن المرتضى. كما أن ما عن المشهور من دخوله في ملك اليمين إنم

ص: 118

(119)

وكذا سائر مؤن تجهيزه (1).

(مسألة 38): كفن واجب النفقة من الأقارب في ماله، لا على من تجب عليه النفقة (2).

يراد به عموم النكاح بملك اليمين له ولولكونها مملوكة المنفعة أوالانتفاع أولكون المراد بملك اليمين ما يعم ملك المحلِّل، على مايذكر في محله، وليس المراد به أنها مملوكة للمحللة له حال التحليل، ليجب عليه كفنها لو ماتت حينئذٍ بمقتضى ما تقدم منهم من تحمل المولى كفن مملوكه.

(1) إجماعاً، كما في المستند. ولعله مراد الكل، لعدم الفرق بينها وبين الكفن في الارتكاز والسيرة المشار إليهما آنفاً.

(2) كما صرح بذلك جماعة، كالعلامة والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، وفي الجواهر: "فلم أجد من توقف فيه ممن عادته ذلك، فضلاً عن المخالف" .وقد يظهر من التذكرة الإجماع عليه، حيث اقتصر على نسبة الخلاف للشافعي، كما قد يظهر من الروض التسالم عليه، حيث ساقه شاهداً لبطلان تعليل وجوب كفن الزوجة بوجوب الإنفاق عليها. وأما ما عن بعضهم من نسبة الخلاف فيه للتذكرة. فكأنه مبني على الغفلة عن ذكره فيه منسوباً للشافعي، لا في مقام الفتوى به.

نعم قال في المنتهى في الاستدلال لتحمل كفن الزوجة: "أن كسوتها ومؤنتها واجب عليه في حال الحياة وكذا [فكذا] بعد الموت، كسيد العبد والوالد" .وهو قد يظهر في وجوب تحمل الوالد كفن ولده كتحمل السيد كفن عبده.

لكن لا يبعد كونه تصحيفاً أو وارداً مورد الإلزام للخصم، نظير ما في التذكرة، لتصريحه في ذيل كلامه بأن الأقرب عدم الوجوب فيه وفي غيره ممن تجب عليه النفقة عدا الزوج. ومن هنا لا مجال لنسبة الخلاف للعلامة إلابلحاظ ماحكاه في مفتاح الكرامة عن بعض حواشي القواعد أنه ذكرفي درسه ذلك.

ص: 119

وكيف كان فيكفي في وجه ما ذكره الأصحاب - بعد ما سبق من قصور وجوب النفقة عن وجوب بذل الكفن - الأصل، بناء على ما يأتي من عدم وجوب بذل كفن الميت كفائياً، حيث يكشف ذلك عن أن مبنى عموم وجوب التكفين كفائياً على التكليف به في ظرف وجود الكفن، لا بنحو يقتضي وجوب بذله أو تحصيله. وحينئذٍ فتكليف خصوص من تجب عليه النفقة ببذله مخالف للأصل.

مضافاً إلى أنه يبعد جداً حمل ما تضمن خروج الكفن من التركة على خصوص من لا يتيسر قيام من تجب نفقته عليه ببذل كفنه، إما لعدم وجود من تجب نفقته عليه، أو لعدم بذله الكفن عجزاً أو عصياناً، ولا أقل من كونه خلاف إطلاقه.

نعم هو مختص بمن له تركة، ولا يشمل من لا تركة له الذي كان مقتضى إطلاقهم عدم وجوب كفنه على من تجب عليه نفقته أيضاً، بل هو صريح التذكرة. فينحصر وجه عدم وجوب البذل فيه بالأصل، على ما تقدم تقريبه.

لكن عن بعض مشايخنا لزوم الخروج عنه بالتعليل في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج(1) بأنهم لازمون له. غير أنه سبق عند الاستدلال لوجوب كفن الزوجة المنع من نهوضه بوجوب بذل الكفن.

ومثله ما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) من أن مقتضى استصحاب وجوب النفقة الثابت حال الحياة وجوب بذل الكفن بعد الموت. إلا أنه إنما ينفع إذا لم يكن للميت من التركة ما يفي بكفنه، لاشتراط وجوب الإنفاق على غير الزوجة بأن لا يكون عنده ما يغنيه عن أن يكون كلاّ على غيره.

إذ فيه - مع ما سبق عند الاستدلال لتحمل الزوج كفن الزوجة من الإشكال في الاستصحاب المذكور بتعدد الموضوع -: أن لازمه التفصيل بين من لم يجب فعلاً الإنفاق عليه قبل موته - إما لغناه في نفسه، أو لفقر المكلف بالإنفاق عليه - ومن وجب عليه قبل موته، فلا يجب بذل كفن الأول بعد موته وإن لم يكن له تركة وصار المنفق

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 12 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

ص: 120

(121)

(مسألة 39): وإذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن يدفن عارياً، ولا يجب على المسلمين تكفينه (1).

قادراً على تكفينه حينئذٍ، حيث لا يجري استصحاب وجوب الإنفاق عليه إلا بنحو التعليق الذي لاتعويل عليه على التحقيق، ويجب بذل كفن الثاني وإن كان له تركة، لأن ارتفاع الأمر المستصحب حال اليقين برافع لايستلزم ارتفاعه به حال الشك، ليمنع من استصحابه.

مع أن التركة ليست ملكاً للميت. ووجوب إخراج كفنه منها - لو تم - ليس لصيرورته بها غنياً خارجاً عن موضوع وجوب النفقة، بل هو تعبد خاص.

ومن ثم كان الأولى له جعل المانع من جريان الاستصحاب في حق من له تركة هو عموم خروج الكفن من التركة، لا اختصاص وجوب الإنفاق بمن ليس عنده ما يغنيه. فلاحظ.

هذا وقد يستدل لوجوب الكفن على الأقارب بما في موثق الفضل بن يونس الآتي من أنه مع عدم التركة للميت يعطى عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه، بدعوى: أنه حيث لا يصح شرط مصرف الزكاة على الفقير لا يكفي دفع الزكاة لعيال الميت في ترتب تكفينه إلا بضميمة وجوب بذل الكفن عليهم مع قدرتهم.

وفيه: أنه حيث كان عنوان العيال شاملاً لمن لا يجب عليه النفقة، ولم يكن المفروض استغناؤهم عن صرفه في ضرورياتهم المقدمة على التكفين لو قيل بوجوبه عليهم، كما لم يفرض كونهم في مقام إطاعة التكليف بالتكفين لو صار فعلياً عليهم، فمن القريب أن يكون ترتب التكفين منهم للمفروغية عن اهتمامهم به بحيث لا يمنعهم إلا عدم الوجدان المرتفع بدفع الزكاة لهم وإن لم يجب عليهم شرعاً القيام به.

(1) كما في الشرايع والتذكرة والمنتهى والقواعد والإرشاد والذكرى وجامع المقاصد والروض وغيرها. وفي الذكرى: "قاله جماعة" وفي جامع المقاصد أنه صرح

ص: 121

به كثير من الأصحاب، ونفى في المدارك الخلاف فيه بين العلماء، كما استظهر عدمه في محكي الذخيرة. وعن نهاية الأحكام واللوامع وغيرهما دعوى الإجماع عليه، وفي كشف اللثام أنه يستحب اتفاقاً. ويناسبه اقتصارهم في بيان مأخذه على خروجه من التركة ووجوبه على الزوج من دون تنبيه على حكم فقدهما، مع شدة الحاجة للتنبيه لوجوب بذله على المسلمين حينئذٍ لو كان بناؤهم عليه.

وقد استدل عليه في كلام غير واحد بأصالة البراءة من وجوب بذل الكفن. ونوقش فيه بأن مقتضى وجوب التكفين كفاية وجوب بذل الكفن مقدمة له كذلك.

لكن قال سيدنا المصنف (قدس سره): "إطلاق وجوب التكفين بعد قيام الدليل على أن الكفن من جميع المال لابد من حمله على إرادة وجوب اللف بالكفن المفروض، لا وجوب التكفين مطلقاً ولو ببذل الكفن، فإن ذلك خلاف مقتضى الجمع العرفي بين المطلق والمقيد" .وقد سبقه لذلك في الجواهر وشيخنا الأعظم والفقيه الهمداني. على اختلافهم في خصوصيات الاستدلال المذكور الذي تضمنتها عباراتهم.

وفيه: أنه لم يتضح التنافي بين المطلق والمقيد، ليحتاج للجمع المذكور بينهما، إذ لامانع من وجوب التكفين في حق الكل مطلقاً ولو توقف على بذل الكفن، مع وجوب إخراجه على الورثة من التركة أو قيام الزوج به مع وجودهما، فإن امتثل التكليف الثاني سقط الوجوب المقدمي الكفائي في حق الكل بحصول المقدمة، كما يسقط بحصوله من غير طريق امتثال التكليف المذكور.

وأما ما يظهر من شيخنا الأعظم والفقيه الهمداني (قدس سرهما) من امتناع وجوب الشيء الواحد على الناس كفائياً وعلى بعضهم عينياً.

فهو غريب، إذ أي محذور في ذلك؟! بل هو ثابت في مثل حرمة تعطيل مشاعر الحج الراجع لوجوب الحج كفائياً على الكل، مع وجوبه عينياً على المستطيع الصرورة. بل في خصوص المقام لو فرض وجوب مباشرة التجهيز عينياً بنذر أو نحوه.

بل ما نحن فيه أولى بالإمكان بعد تفرع وجوب بذل الكفن العيني في حق

ص: 122

الورثة والزوج على الحكم الوضعي، وهو ثبوت الكفن في التركة وانشغال ذمة الزوج به، وكون الوجوب الكفائي محض تكليف مقدمي تابع للتكليف بالتكفين لا يبتني على انشغال ذمة الكل بالكفن على نحو انشغالها بالماليات.

وأما ما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) من أن تعيين مأخذ الكفن في التركة وذمة الزوج، مع غلبة إمكان أخذه من ذلك المأخذ المعين، يمنع المطلقات من الظهور في إرادة ما يعم صورة تعذر الأخذ، بل يصرفها في إرادة ستره في كفنه الثابت في مأخذه الذي عينه الشارع له.

ففيه: أن تعيين مأخذ الكفن بالنحو المذكور راجع إلى غلبة تيسر مقدمة التكفين من الوجه الخاص، وغلبة تيسر مقدمة الواجب من وجه خاص لا تنافي إطلاق وجوبه بنحو يقتضي تحصيل المقدمة من غير ذلك الوجه لو لم تتيسر منه، فإذا كان الغالب تيسر السفر بالسيارة مثلاً لم يمنع ذلك من انعقاد ظهور دليل وجوب السفر في إطلاق وجوبه بنحو يقتضي تحصيله بغير ركوب السيارة لو تعذر ركوبها، ولا يقتضي تقييده بما إذا تيسر ركوبها.

فلعل الأولى منع ثبوت الإطلاق لدليل وجوب التكفين، لما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) من عدم الظفر بدليل ظاهر في وجوب التكفين مطلقاً، بنحو يقتضي وجوب بذل الكفن لو لم يتيسر مما ثبت شرعاً أخذه منه.

وما في المستند من أنه يدل عليه مثل قولهم (عليهم السلام): "الكفن فريضته للرجال ثلاثة أثواب..."(1). في غير محله، لوروده في مقام بيان الكفن المفروض، مع المفروغية عن وجوب التكفين من دون أن يكون له إطلاق من حيثيته، كما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) أيضاً.

ومثله قوله في معتبر الفضل:" إنما أمر أن يكفن الميت ليلقى ربه عزوجل طاهر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 7.

ص: 123

الجسد..."(1). إذ هو وارد لبيان فائدة التكفين المقتضية لوجوبه مع المفروغية عن أصل وجوبه، وليس وارداً لبيان وجوبه، ليكون له إطلاق في ذلك.

وكذا الحال فيما تضمن الأمر بالتكفين بعد الفراغ من التغسيل(2) لتعليم كيفية تجهيز الميت، وبيان موقع كل فعل من أفعاله بعد الفراغ عن مشروعيتها، لا لبيان وجوبها ليكون له إطلاق في ذلك يقتضي وجوب بذل الماء للغسل والكفن للتكفين. كيف ومن البعيد جداً احتياج أصل وجوب التغسيل والتكفين للبيان عند صدور النص المشار إليه.

مضافاً إلى ما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) من حكومة دليل نفي الضرر على الإطلاق المذكور لو تم، لأن الحكم المذكور غير ملازم للضرر في حق غير الزوج، ليكون دليله مخصصاً لعموم النفي، بل لا يلزم الضرر منه إلا في فرض عدم تيسر الكفن من الزوج أو التركة أو المتبرع، فيكون بين الإطلاقين عموم من وجه، ويتعين حكومة إطلاق نفي الضرر على إطلاق وجوب التكفين.

اللهم إلا أن يمنع ملازمة بذل الكفن للضرر، بل لايصدق عرفاً مع قلة ثمن أقل المجزي منه. ولاسيما مع تيسر توزيعه على جماعة كثيرة. فتأمل.

هذا وقد يستدل لعدم وجوب بذل الكفن في المقام بموثق الفضل بن يونس الكاتب: "سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به، أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال: اعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه، فيكونون هم الذين يجهزونه. قلت: فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ قال: كان أبي يقول: إن حرمة بدن المؤمن ميتاً كحرمته حياً. فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه، واحتسب بذلك من الزكاة وشيع جنازته. قلت: فإن اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر، وكان عليه دين، أيكفن بواحد ويقضى

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 4، 10.

ص: 124

دينه بالآخر؟ قال: لا ليس هو ميراثاً تركه، إنما هذا شيء صار إليه بعد وفاته، فليكفنوه بالذي اتجر عليه، ويكون الآخر لهم يصلحون به شأنهم"(1).

بدعوى: ظهوره في المفروغية عن عدم وجوب بذل الكفن كفائياً، لأن ذلك هو المناسب للسؤال عن تكفينه من الزكاة التي يقرب كون المرتكز عند المتشرعة عدم دفعها لما يجب على المكلفين القيام به من مالهم. ولتعليله تكفينه من الزكاة بحرمة الميت الذي قد يظهر في عدم حفظ حرمته لولا بذلها، وذلك لا يكون إلا بعدم وجوب البذل على الغير.

لكن في بلوغ ذلك حداً ينهض معه الموثق بالاستدلال على عدم وجوب البذل إشكال. ولاسيما في فرض عدم تيسر الزكاة، لإمكان أن يكون التعليل بالحرمة لبيان الحاجة المسوغة لدفع الزكاة، نظير حاجة الحي المسوغة لدفعها له، وإن وجب الإنفاق عليه من بعض أرحامه عند عدم تيسرها له.

وأشكل من ذلك الاستدلال بصحيح سعد بن طريف عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: من كفن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة"(2) ، بدعوى: ظهور التعليل في الاستحباب.

إذ فيه: أن اشتمال النص على بيان الثواب إنما يمنع من ظهوره في الوجوب من دون أن يوجب من ظهوره في عدمه، بحيث يخرج به عما يقتضيه من دليل عام أو خاص. مع أن استحباب مباشرة البذل عيناً لا ينافي وجوبه كفائياً. ولاسيما مع ظهوره في الاستحباب حتى مع تيسر أخذه من التركة أو الزوج اللذين لا إشكال معهما في عدم وجوب البذل على الغير، ومع شموله للزوج الذي لا إشكال في وجوب البذل عليه.

وأما الإشكال فيه بأنه ظاهر في الحث على التكفين الذي هو مصدر بمعنى

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 23 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 26 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 125

اللف في الكفن، لا في بذل الكفن، الذي هو محل الكلام. فالظاهر اندفاعه بأن تنزيله منزلة من ضمن الكسوة الظاهر في بذلها لا في الإكساء بمعنى المصدر ظاهر في إرادة بذل الكفن للتكفين.

وكيف كان فالعمدة في البناء على عدم وجوب البذل ما سبق من الأصل بعد عدم ثبوت إطلاق لوجوب التكفين بنحو يقتضي وجوب بذل الكفن، وحكومة أدلة نفي الضرر عليه في الجملة لو كان لازماً.

ثم إن الظاهر جريان نظير ذلك في بقية المؤن، فلا يجب بذلها من غير التركة إلا على الزوج، على الكلام المتقدم، لمشاركة بقية واجبات التجهيز للكفن في عدم الإطلاق - كما تقدم في أول مباحث التغسيل - وفي حكومة قاعدة نفي الضرر عليه لو كان موجوداً، على الكلام المتقدم.

نعم يشكل البناء على ذلك في مثل الدفن مما يلزم من تركه هتك الميت وتوهينه عرفاً، حيث يبعد جداً عدم تكليف الشارع به لو توقف على بذل المال لشراء الأرض أولحفر القبر أو نقل الميت له أو نحو ذلك، لما هو المعلوم من شدة اهتمام الشارع بعدم هتك المؤمن وتوهينه بمثل ذلك. فلاحظ.

هذا وقد يستدل لوجوب البذل بما تقدم في موثق الفضل من التعليل بحرمة بدن المؤمن، بدعوى أنه يجب حفظ الحرمة. لكنه ممنوع، كما يظهر بملاحظة المشبه به، وهو حرمة الحي، لعدم وجوب بذل كسوته، كما نبه له شيخنا الأعظم (قدس سره). فلابد من أن يراد بالحرمة مجرد ما يقتضي تحقق الحاجة ويوجب صرف الزكاة في الميت والحي.

ومنه يظهر عدم دلالة الموثق على وجوب تكفينه من الزكاة لو أمكن، كما صرح به شيخنا الأعظم (قدس سره) وغيره، لظهوره في السؤال عن الجواز، فيكون هو ظاهر الجواب فيه بعد ما عرفت من عدم ظهور التعليل فيه في الوجوب. ولا مجال مع ذلك للبناء على الوجوب، كما في جامع المقاصد والروض وظاهر الذكرى وعن غيرها.

ومثله البناء على تكفينه من بيت المال مع وجوده، كما في المنتهى وجامع المقاصد

ص: 126

والروض والمسالك وغيرها.

اللهم إلا أن يراد بهما أنه من مصارف بيت المال والزكاة، فيجب عند عدم المزاحم بنظر وليهما، كما قد يرجع إليه ما عن نهاية الأحكام من أنه يكفن من بيت المال إن كان فيه فضل. ويناسبه تعليله في جامع المقاصد والروض بأن بيت المال معد لمصالح المسلمين، لأن ذلك لا يقتضي تعيين صرفه في التكفين، بل مجرد كون التكفين مصرفاً له.

وكيف كان فلا إشكال في كون تكفين المؤمن الذي لا كفن له من المصالح التي هي مصرف بيت المال. كما أنه من مصارف الزكاة بلحاظ سهم سبيل الله بمقتضى إطلاق الآية الشريفة، الذي لا يمنع منه انصراف سبيل الله للجهاد في عرف المتشرعة المتأخر عن نزولها. ولاسيما بضميمة الموثق الصريح في جواز احتساب تجهيزه منها. لكنهما حيث لا يختصان به يتعين الرجوع في صرفهما فيه لوليهما.

ومن ثم لا مجال لما في المدارك من التوقف في تكفينه من الزكاة، لنص الشيخ على أن الفضل واقفي. إذ فيه: أن وقفه لا يمنع من حجيته بعد تصريح النجاشي بوثاقته، المعتضد برواية غير واحد من الأعيان عنه، كالحسن بن محبوب وابن أبي عمير وعلى بن مهزيار. مع ما تقدم من دخوله في سبيل الله.

نعم لا مجال لما أشار إليه في المدارك - ولم يرتضه - وأصرّ عليه شيخنا الأعظم (قدس سره) من أن جواز وفاء دين الميت من الزكاة يقتضي جواز تكفينه منها بالأولوية بملاحظة حكم الشارع بتقديم كفن الميت على تركته.

إذ فيه: أن تقديم كفنه على دينه في تركته لا يقتضي أولويته منه في الزكاة بعد ابتناء وفاء الدين من الزكاة على انطباق سهم الغارمين عليه الذي لا ينطبق على الكفن قطعاً.

وأشكل من ذلك ما قد يظهر من الذكرى من جواز تكفينه من الزكاة مع وجود التركة مستدلاً عليه بالموثق. لوضوح أن مورد الموثق من لا تركة له. كما يشكل

ص: 127

(128)

انطباق سهم سبيل الله مع وجود التركة، حيث يكون التكفين حينئذٍ في مصلحة الديان والورثة، لا من مصلحة الدين. فتأمل.

بقي شيء: وهو أن ما تضمنه الموثق من دفع الزكاة لهم لتجهيز ميتهم ظاهر في كون الإعطاء لهم بنحو التمليك، لاستحقاقهم الزكاة بمقتضى فقرهم المستفاد من مساق الكلام، لأن ظاهره أن عدم ترك الميت شيئاً مستلزم لعدم تكفينه، لعجزهم عن القيام به، وإلا لقاموا به وإن لم يجب عليهم شرعاً بمقتضى الجهات العاطفية والعرفية، كما أنه المناسب أيضاً لما تضمنه من أنه لو تبرع متبرع بالكفن كان المدفوع لهم يصلحون به شأنهم، لقوة ظهوره في فقرهم.

ولا مجال لحمله على مجرد دفع الزكاة لهم من دون تمليك مع توكيلهم في صرفها في تجهيز ميتهم، لإظهار أنهم هم الذين يجهزونه أمام الناس حفظاً لكرامتهم. إذ هو مخالف لظاهر الإعطاء، ولنسبة التجهيز إليهم الظاهر في قيامهم بمصرفه، لا في مباشرتهم له. ولاسيما مع عدم تعليل صرف الزكاة بحرمة الميت إلا في فرض عدم من يقوم بأمره من أهله، حيث يناسب ذلك عدم الحاجة للتعليل بذلك مع وجوده، لكونه بنفسه مصرفاً للزكاة بسبب فقره. ولو كان المراد مجرد توكيلهم احتيج للتعليل المذكور حتى مع الدفع لهم، كما هو ظاهر.

نعم قد ينافي ذلك قوله (عليه السلام) في ذيل الموثق: "ليس هذا ميراثاً، إنما هذا شيء صار إليه بعد وفاته" .لظهوره في فرض دفع الزكاة لهم، فالحكم معه بأنه شيء صار إليه بعد وفاته ظاهر في عدم ملكهم له بالدفع إليهم، وإنما هو في حكم ملك الميت، لكونه مصرفاً له.

اللهم إلا أن يقال: لا إشكال ظاهراً في عدم تعين الزكاة للكفن بمجرد دفعها مع التوكيل في صرفها فيه، فمع فرض بذل الكفن من شخص آخر قبل صرفها فيه تبقى زكاة، ولا تخرج عنها للكفن الذي قد يدعى أنه بحكم ملك الميت. وهذا مناسب لحمل ذلك على فرض تمليكهم الزكاة بداعي تكفينهم لميتهم، كي تبقى على

ص: 128

ملكهم بعد بذل الغير للكفن، ويكون الحكم بأنها شيء صار للميت بعد وفاته مبنياً على التوسع، لتشبيه ما صار إليهم بسبب الميت بما صار للميت بنفسه، الذي هو المنشأ للسؤال عن وفاء دينه منه.

وبالجملة: لا مجال لرفع اليد عن ظهور الموثق في كون الدفع إليهم مبنياً على التمليك، لا على مجرد الاستئمان والتوكيل.

ومن ثم لا مجال لما يظهر مما عن بعض مشايخنا من عمومه لما إذا كانوا ذوي مال يمنعهم البخل عن تجهيز ميتهم، الشامل لما إذا كان مالهم موجباً لغناهم بنحو لا يستحقون الزكاة. إذ لو أراد به الدفع إليهم بنحو التوكيل فلا ينهض به الموثق، كما يشكل إثبات رجحانه مطلقاً بطريق آخر. ولو أراد به الدفع لهم بنحو التمليك أشكل بعدم كونهم مصرفاً للزكاة، فلا تنهض به عموماتها، ولا الموثق مع ما عرفت من ظهوره في فقرهم.

هذا وقد صرح غير واحد باستحباب الدفع المذكور لهم مع وجودهم، حملاً للموثق على ذلك دون الوجوب، فيجوز تولي صاحب الزكاة لصرفها عليه مع وجودهم، كما يجوز مع عدمهم، بل في الروض أنه لم يقل أحد بوجوبه.

وهو المناسب لما هو الظاهر من الموثق من أن تجهيز الميت بنفسه من مصارف الزكاة، ولو لانطباق سهم سبيل الله تعالى عليه، مع ارتكاز عدم الفرق في كونه مصرفاً لها بين وجود عيال له يعجزون عن تولي أمره وعدم وجودهم. غايته أنه يرجح الدفع لهم لأنهم أولى في صرفها ولو بعنوان عرضي، وهو تطييب نفوسهم وحفظ كرامتهم، الذي هو غالباً لا يبلغ مرتبة الوجوب.

نعم لو بلغ ذلك لخصوصية خارجية - كلزوم إيذائهم بوجه يعذرون فيه أو توهينهم - تعين وجوبه. ولعله خارج عن محل كلام الأصحاب.

تنبيه: ثبوت الكفن في مأخذ خاص كالتركة وذمة الزوج وإن كان مبنياً على نحو من الحكم الوضعي الراجع إلى كونه مستحقاً في مأخذه، كما تقدم، إلا أنه ليس

ص: 129

مملوكاً للميت على نحو الكليات التي تتشخص بالتسليم، نظير الدين، لعدم نهوض الأدلة به، إذ هي لم تتضمن إلا أن الكفن يخرج من التركة، وأنه على الزوج، وحيث كانت وظيفة الكفن تؤدى بملك الغير على ما تقدم عند الكلام في التكفين بالمغصوب فثبوته في التركة التي هي ملك الورثة وفي ذمة الزوج لا يقتضي توقف أداء الكفن على خروجه عن ملكهم ليتعين بمقتضى استحقاقه عليهم. ومن ثم يكون مقتضى الاستصحاب عدم خروجه عن ملكهم مع لف الميت به فضلاً عن عزله، بل بقاؤه على ملكهم حتى بعد دفن الميت. وكذا الحال في إخراجه من مثل الزكاة أو التبرع به من شخص آخر، فيبقى على حكمه حتى بعد الدفن.

ويترتب على ذلك جواز تبديله إياه ما لم يلزم منه محذور آخر. وكذا رجوعه إليه لو تعذر تكفين الميت به أو إبقاؤه عليه لو تلف جسد الميت - بأكل حيوان أو نحوه

أو تعذر الوصول إليه - لغرقه أو أخذ السيل له أو نحوهما - قبل اللف بالكفن أو بعده. أما لو قيل بخروجه عن ملكه بالعزل أو باللف أو غيرهما فرجوعه إليه يحتاج إلى دليل. وكذا جريان حكم الميراث عليه بعد فرض خروجه عنه وملكيته بالحيازة بعد عدم ثبوت صيرورته من المباحات.

كما يترتب على ذلك أنه لو توفى الزوج بعد الزوجة ولم يكن عنده إلا كفن واحد قد عينه لها أو كفنها به وجب نزعه منها وتكفينه به، كما ذكره غير واحد، بناء على ما هو الظاهر من تقديمه عليها حينئذٍ لو لم يتعين لها، لما دل على تقديم الكفن على الدين، لأن انشغال ذمته بكفنها من سنخ الدين فلا يقدم على تكفينه، وليس هو من سنخ الحق المتعلق بالعين، ليشكل تقديم كفنه عليه بما تقدم في المسألة العشرين من الإشكال في تقديم الكفن على الحق المتعلق بها. ولا أقل من احتمال أهمية تكفينه بتركته من تكفينها حينئذٍ.

نعم لا إشكال ظاهراً في عدم وجوب نزع الكفن منها لو مات بعد دفنها، لإباء مرتكزات المتشرعة له جداً. بل يشكل وجوب نزعه منها لو كانت قد كفنت به وإن لم

ص: 130

(131)

(تكملة): فيما ذكروا من سنن هذا الفصل. يستحب في الكفن العمامة للرجل (1)، ويكفي فيها المسمى (2).

تدفن بعد، لعدم وضوح أهمية تكفينه حينئذٍ. فتأمل جيداً. والله سبحانه وتعالى العالم. ومنه نستمد العون والتوفيق.

(1) إجماعاً، كما في الخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى وظاهر التذكرة، وفي الجواهر: "إجماعاً محصلاً ومنقولاً مستفيضاًً" .ويقتضيه النصوص الكثيرة الآتية وغيرها.

بل في معتبر عبدالله بن سنان: "والخرقة والعمامة لابد منهما، وليستا من الكفن"(1). لكن لابد من حمله على تأكد استحبابها، جمعاً مع ما تضمن أنها سنة(2) ، وما هو المعلوم من عدم وجوب أمر غير الكفن.

(2) كما في الجواهر. وقد يظهر مما ذكره غير واحد اعتبار أن تكون في الطول بحيث تحصل لها الهيئة الآتية، على نحو من الخلاف فيها، بل في الجواهر أنه صرح به جماعة. لكن قال:" قد يناقش فيه... بأن ذلك مستحب في مستحب، وإلا فلا يعتبر فيها ذلك. فالأولى حينئذٍ جعل المدار... على صدق اسمها".

وكأنه لأن ذلك هو مقتضى الجمع بين المطلق والمقيد في المستحبات. أما المقيد فهو ما يأتي. وأما المطلق فهو ما لم يتضمن بيان كيفية خاصة، وبعضه وإن لم يكن له ظهور في الإطلاق من هذه الجهة، لوروده في قضية خارجية، أو لبيان مطلوبية العمامة، أو أنها سنة ليست بفرض، إلا أن بعضه ظاهر في الإطلاق من هذه الجهة كقوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي:" وعممه بعد بعمامة"(3). وقد يستفاد من غيره.

نعم لا يبعد كراهة العمامة من غير حنك، كما هو ظاهر النهي في خبر عثمان

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 21.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 1، 7.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 10.

ص: 131

والأولى أن تدار على رأسه، ويجعل طرفاها تحت حنكه على صدره (1)،

النوا الآتي والرضوي وما عن دعائم الإسلام عن الإمام الصادق(1) (عليه السلام) عن عمامة الأعرابي، بناءً على ما يظهر من المبسوط من أنها الخالية عن الحنك، حيث قال بعد ذكر الكيفية الآتية: "ولا يعممه عمة الأعرابي بلا حنك" ونحوه في الدروس، وقد يظهر من قوله في الفقيه: "ويعممه ويحنكه ولا يعممه عمة الأعرابي، وليلقى طرفي العمامة على صدره".

وأما ما في الحدائق من أن الظاهر أن عمة الأعرابي المنهي عنها يلف وسط العمامة على رأسه ويلقى طرفاها الأيمن على جانب الصدر الأيمن والأيسر على الأيسر من دون أن يتخالفا. فهو غير ظاهر المأخذ. بل هو خلاف إطلاق جماعة من الأصحاب، تبعاً لمثل خبر عثمان النوا من عدم ذكر التخالف في الكيفية المستحبة مع ظهور جملة من كلماتهم، بل صريح بعضها - كالخبر المذكور - مباينتها لعمامة الأعرابي. وما قد يظهر منه من الاستشهاد لما ذكره بكلام المبسوط. كما ترى.

هذا وقد يستفاد كراهة العمامة للميت من غير حنك من إطلاق بعض ما تضمن كراهتها(2) ، لظهوره في مبغوضيتها مطلقاً، كما هو المناسب لعدها عمامة المشركين في بعضها. بل وكذا مما تضمنه مرسل ابن أبي عمير من الأمر بالحنك في عمامة الميت(3). لقرب انصرافه إلى أن مطلوبية الحنك له على نحو مطلوبيته للحي مبنية على كراهة تركه. فتأمل جيداً.

(1) ذهب إليه علماؤنا، كما في التذكرة، وفي المعتبر بعد أن ذكر الكيفية المذكورة، ونسبها للثلاثة واتباعهم قال: "وأما التحنيك فعليه الأصحاب" .ويقتضيه ما في خبر عثمان النوا عن أبي عبدالله (عليه السلام): "وإذا عممته فلا تعممه عمامة الأعرابي.

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 1، 2.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 3 باب: 26 من أبواب لباس المصلي.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 2.

ص: 132

قلت: كيف أصنع؟ قال: خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه، ثم ردها إلى خلفه واطرح طرفيها على صدره" (1) بناءً على ما في الطبعة الحديثة من الكافي وحكي عن أكثر نسخه، كما روي هكذا في التهذيب بسنده عن الكليني. ويعضده قوله (عليه السلام) في معتبر معاوية بن وهب على ما في الكافي: "وعمامة يعتم بها ويلقى فضلها على صدره" (2) ومرسل يونس الآتي ومرسل دعائم الإسلام والرضوي المشار إليه آنفاً(3).

لكن عن بعض نسخ الكافي رواية خبر عثمان النوا هكذا: "واطرح طرفيها على ظهره" .ويعضده قوله (عليه السلام) في صحيح حمران: "ثم خذوا عمامة فانشروها مثنية على رأسه، واطرح طرفيها من خلفه، وأبرز جبهته"(4). وفي الجواهر:" لكن لم أعثر على عامل بها، غير أنه قال في كشف اللثام: يمكن التخيير بينهما. انتهى. ولا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت".

ومثله قوله (عليه السلام) في موثق عمار:" وليكن طرفا العمامة متدلياً على جانبه الأيسر قد شبر يرمى بها على وجهه... ثم اللفافة ثم العمامة، ويطرح فضل العمامة على وجهه "(5) وقوله (عليه السلام) في معتبر معاوية بن وهب المتقدم على رواية الشيخ في موضعين من التهذيب:" ويلقى فضلها على وجهه "،وقوله (عليه السلام) في صحيح عبدالله بن سنان:" وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه [وجهه. خ ل يب]"(6). فإنه لم يعرف عامل بها أيضاً.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 13.

(3) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 11 من أبواب الكفن حديث: 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 5.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 8.

ص: 133

(134)

الأيمن على الأيسروالأيسر على الأيمن (1)، والمقنعة للمرأة (2).

(1) كما في جامع المقاصد والروض، وفي الجواهر أنه أتم. لقوله (عليه السلام) في مرسل يونس: "ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير، ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، ثم يمد على صدره"(1) ، ونحوه الرضوي المشار إليه آنفاً.

(2) كما في الشرايع والنافع وجملة من كتب العلامة والشهيدين وعن الجامع وغيرها، وفي المدارك أنه مذهب الأصحاب، وعن الذكرى أنهم أفتوا به، وفي الجواهر:" بلا خلاف أجده بين المتأخرين، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه ".لكن في مفتاح الكرامة:" لم أجد للقناع ذكراً في كلام من تقدم على ابني سعيد، ولا وجدت من نقل حكم ذلك عن أحد منهم".

وكيف كان فيقتضيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين"(2). ومعتبر عبد الرحمن بن أبي عبدالله: "سألت أبا عبدالله (عليه السلام): في كم تكفن المرأة؟ قال: تكفن في خمسة أثواب أحدها الخمار"(3). وقد تقدم في أول الكلام في تحديد الكفن الواجب لزوم حملهما على الاستحباب.

ثم إن الحديثين وإن لم يتضمنا ما ذكره الأصحاب من بدلية الخمار للمرأة عن العمامة للرجل، إلا أن عدّه فيهما من الخمسة قد يظهر في بدليته عن العمامة. مضافاً إلى قرب انصراف إطلاقات العمامة عن المرأة، لمعهودية كونها من مختصات الرجل.

هذا وفي كشف اللثام:" قال فخر الإسلام في شرح الإرشاد: إن الخنثى المشكل يكتفى فيه بالقناع، لأن الخنثى المشكل حكمه في الدنيا الاستتار بالقناع وعدم العمامة،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 9، 18.

ص: 134

ويكفي فيها أيضاً المسمى (1)، ولفافة لثدييها يشدان بها إلى ظهرها (2)،

وكون جسده عورة، وفي الإحرام حكمه حكم المرأة".

وفي الجواهر:" وللنظر فيه مجال. ولعل الاحتياط في تحصيل المستحب يقضي بالعمامة والقناع. فتأمل ".ولعل أمره بالتأمل للإشارة إلى أن ذلك وإن كان مقتضى العلم الإجمالي، إلا أنه قد يكون مرجوحاً بلحاظ مرجوحية لباس أحد الصنفين ما يختص بالآخر بحيث يتميز به، بنحو يزاحم الاحتياط في تحصيل المستحب، بحيث يكون الاحتياط بتركهما معاً في حقه. لكن الخروج عن إطلاق دليل استحباب كل من الأمرين في حق صاحبه لا يخلو عن إشكال. فلاحظ.

(1) حيث تضمن الحديثان المتقدمان الخمار فقد فسر في كلام غير واحد من اللغويين بما تغطى به المرأة رأسها، كما فسر بالنصيف الذي قيل: تارة: إنه الخمار الذي يغطي الرأس. وأخرى: أنه المعجر، الذي فسّر بثوب يلف على الرأس، وبثوب كالعصابة تلفه المرأة على استدارة رأسها، وبثوب أصغر من الرداء تلبسه المرأة على رأسها. وثالثة: أنه ثوب تتجلل به المرأة فوق ثيابها كلها. ومن ثم يصعب تحديد الخمار من كلمات اللغويين.

نعم مقتضى قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)(1) أنه يغطي الرقبة وبعض الصدر المنكشف بالجيب. ولعله لذا قال في مجمع البيان:" والخمر المقانع جمع خمار، وهو غطاء رأس المرأة المنسدل على جيبها... ".فيحمل في الحديثين على ذلك، ولو لقرب الإشارة بهما إلى ما تضمنته الآية الشريفة التي هي الأصل في تشريع الخمار للمرأة، وإن لم يكن هو المعنى الحقيقي المختص به.

(2) كما ذكره الشيخ والفاضلان والشهيدان، ونسب للشيخين والأتباع، وفي الروضة أنه المشهور، وفي الجواهر:" لاأجد فيه خلافاً. فما عساه يشعر نسبته إلى الشهرة

********

(1) سورة النور آية: 32.

ص: 135

(136)

وخرقة يعصب بها وسط الميت (1)

في كلام بعضهم بوجوده في غير محله ".ولا دليل عليه إلا ما رواه سهل عن بعض أصحابنا رفعه قال:" سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال: كما يكفن الرجل، غير أنها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر، وتشد على ظهرها..."(1). قال في الرياض: "ولا ضير في قصور السند، للانجبار بفتاوى هؤلاء الأخيار. ولولاه لأشكل العمل به، لضعفه، وعدم جواز المسامحة في مثله. لاستلزامه تضييع المال المحرم".

لكن تكرر غير مرة أن فتوى الأصحاب في المستحبات والمكروهات على طبق الخبر الضعيف لا يكون جابراً له بعد ظهور بنائهم على التسامح فيها. كما أن ما ذكره من عدم جواز المسامحة في مثله، لاستلزامه تضييع المال في غير محله، لأن تضييع المال إنما يحرم من حيثية صدق السرف والتبذير، وهو ممنوع مع وجود الغرض العقلائي لصرف المال، الذي يكفي فيه في المقام احتمال الاستحباب الشرعي، ومنع الثديين من الاضطراب بسبب الحركة، الموجب لانتشار الكفن، بل قد يكون فيه نحو من الغض بالمرأة الميتة. على أنه لا موضوع للإشكال بذلك لو لم يكن للخرقة قيمة معتد بها.

نعم قد يمنع من مشروعيتها إطلاق ما تضمنه صحيح زرارة من أن ما زاد على الخمسة مبتدع(2). إلاأن احتمال انصرافه عنها لعدم الاعتدادبها، أوتخصيصه بالإضافة إليها، كاف في احتمال مطلوبيتها، ولا يلزم من الإتيان بها برجائها التشريع والابتداع.

(1) كما في العروة الوثقى ولم أعثر عاجلاً على من ذكره قبله. كما لم يتضح الدليل عليه عدا معتبر معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: يكفن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه، وإزار، وخرقة يعصب بها وسطه، وبرد يلف فيه، وعمامة"(3).

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 16، 1، 12.

ص: 136

ذكراً كان أو أنثى (1)، وخرقة أخرى (2)

لكن من القريب جداً أن يكون المراد بها ما يأتي من الخرقة التي يلف بها الوركان والفخذان، كما فهمه غير واحد، لعدها من الخمسة من دون تعرض لخرقة غيرها، مع معروفية تلك الخرقة في النصوص وظهورها في وحدتها وشدة الاهتمام بها. ولاسيما بملاحظة التصريح في صحيح زرارة بأن ما زاد على الخمسة مبتدع(1).

وحينئذٍ يحمل الوسط في الحديث على الوركين نازلاً إلى الفخذين، لا ما يسامت السرة الذي هو موضع الحزام. ومثله في ذلك المنطق في صحيح محمد بن مسلم(2) المتقدم، بناءً على عدم إرادة المئزر به، وإلا كان من الكفن الواجب. فراجع ما تقدم في الاستدلال لوجوب المئزر. وتأمل جيداً.

(1) لإطلاق معتبر معاوية بن وهب لو تم حمله على الخرقة المذكورة.

(2) فقد صرح جمهور الأصحاب باستحباب هذه الخرقة، وادعى في الخلاف والغنية الإجماع عليه، ونفى الخلاف فيه في المنتهى، وفي المدارك أنه قطع به الأصحاب، وفي الجواهر:" إجماعاً محصلاً ومنقولاً مستفيضاً".

ويقتضيه النصوص الكثيرة الآتي بعضها. ولعل شيوعها هو المنشأ للاكتفاء في بعض النصوص بالتعبير عنها بالخرقة من دون شرح وتحديد.

بل ظاهر بعض النصوص وجوبها مطلقاً، كمعتبر ابن سنان المتقدم في العمامة، أو في خصوص المرأة، كما قد يظهر من قوله (عليه السلام) في مرسل يونس:" الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب، والعمامة والخرقة سنة. وأما النساء ففريضته خمسة أثواب"(3).

لكن تقدم في أول الكلام في تحديد الكفن أنه لابد من تنزيلها على تأكد الاستحباب. ولاسيما بملاحظة قوله (عليه السلام) في صحيح عبدالله بن سنان: "إنها لا تعد شيئاً، إنما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شيء، وما يصنع من القطن أفضل

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 1، 9، 7.

ص: 137

للفخذين تلف عليهما (1).

منه"(1).

ثم إن الظاهر عدم الخلاف في عموم استحبابها للرجل والمرأة، لإطلاق بعض النصوص مع كون كل منهما متيقناً من بعضها. والتقييد في بعض كلماتهم بالرجل لا يرادبه اختصاصها به، بل إما بيان عموم الاستحباب له في مقابل ما عن بعض العامة من اختصاصه بالمرأة، أو لبيان غاية ما يستحب للرجل، بخلاف المرأة فإنها تزاد عليها اللفافة المتقدمة للثديين والنمط. فلاحظ كلماتهم. بل في المرفوع الذي رواه سهل في بيان ما يمتاز به كفن المرأة عن كفن الرجل: "ويصنع لها القطن أكثر مما يصنع للرجال، ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط، ثم يشد عليها الخرقة شداً شديداً" (2) وظاهره امتياز المرأة عن الرجل في الخرقة بشدة شدها، وإن كانا مشتركين فيها.

هذا وفي مرسل يونس: "وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه..." (3) وفي موثق عمار: "ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف... ويجعل طول الخرقة ثلاث أذرع ونصفاً وعرضها شبراً ونصفاً"(4). والاختلاف بينهما في العرض قد يحمل على الاختلاف في الفضل. كما قد يحمل الموثق على أن الطول بثلاث أذرع ونصف إنما يجزي مع كون العرض شبراً ونصفاً، أما لو كان العرض شبراً فلابد من كون الطول أكثر، للحاجة معه لزيادة طي الخرقة. بل الظاهر أن تحديد الطول بثلاثة أذرع ونصف لبيان أقل المجزي، وإلا فما يأتي في بيان الكيفية الكاملة يستلزم أكثر من ذلك في غالب الأجسام حتى لو كان العرض شبراً ونصفاً.

(1) كما في الإرشاد. ولعل المراد به ما هو المعروف في كلام أكثر الأصحاب من لف الحقوين والفخذين. ويناسبه النصوص في الجملة، ففي صحيح الكاهلي:

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8، 16.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

ص: 138

" ثم أزّره بالخرقة، ويكون تحته القطن تذفره به إذفاراً قطناً كثيراً، ثم تشد فخذيه على القطن بالخرقة شداً شديداً، حتى لا تخاف أن يظهر شيء"(1) ، وفي موثق عمار المتقدم: "تشد الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج حتى لا يظهر منه شيء... ثم بالخرقة فوق القميص على إلييه وفخذيه وعورته" ،وفي مرسل يونس المتقدم أيضاً: "فشدها من حقويه، وضم فخذيه ضماً شديداً، ولفها في فخذيه، ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى جانب الأيمن وأغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة، وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفاً شديداً" ،وفي صحيح عبدالله بن سنان: "وتؤخذ خرقة فيشدبها على مقعدته ورجليه... إنما تصنع لتضم ما هناك، لئلا يخرج منه شيء" (2) وفي معتبره: "والخرقة يشدبها وركيه لكيلا يبدو منه شيء" (3) وقريب منه المرفوع الذي رواه سهل فيما يمتاز به كفن المرأة.

والمستفاد من مجموع هذه النصوص أن الغرض المهم من الخرقة شد الحقوين والوركين والإليين لتمنع من خروج شيء، والأكمل فيها استيعابها تمام الفخذين إلى الركبتين. كما أن الظاهر منها لف الفخذين بجمعهما بها، لا بلفها على كل منهما. وقد أشرنا آنفاً إلى أن ذلك يقتضي طول الخرقة. فلاحظ.

هذا وقد أطال الأصحاب في كيفية شدها واضطربت كلماتهم، وفي الروض: "لم نظفر بخبر شاف ولا فتوى يعتمد عليها، في كيفية شدها على التفصيل" .لكن مقتضى إطلاق أكثر النصوص عدم اعتبار كيفية خاصة بل يتخير بين الكيفيات مع ملاحظة ما ذكرنا، ومراعاة الإحكام مهما أمكن.

وأما ما تضمنه مرسل يونس فهو محمول على بيان الأفضل في كيفية شدها - على ما هو مقتضى القاعدة في الجمع بين المطلق والمقيد في المستحبات - أو على بيان الطريق المتعارف لإحكام الشدّ. ولا يهم مع ذلك إطالة الكلام فيما ذكروه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8، 12.

ص: 139

(140)

ولفافة فوق الإزار يلف بها تمام بدن الميت (1).

نعم ينبغي التنبيه إلى أمر وهو أن صحيح الكاهلي لم يتضمن نسبة الإذفار للخرقة - كما يظهرمن بعض كلماتهم، بنحو أوجب الإشكال في توجيهه - بل للقطن، وهو أجنبي عما نحن فيه. ولابد من توجيهه إما بحمله على التطييب بالقطن، لما يأتي من وضع الذريرة والحنوط عليه، أو على معنى الثفر بالثاء المثلثة، نظير ما ورد في بعض نصوص المستحاضة(1) - وإن لم يتضح مأخذه من اللغة - لكون القطن دائراً على العورتين مستولياً عليهما كالثفر، أو غير ذلك مما أطالوا الكلام فيه، ولا ملزم به بعد ما ذكرنا من خروجه عن محل الكلام.

(1) حيث كان المشهور بين الأصحاب أن أحد الأثواب الواجبة هو المئزر الساتر ما بين السرة والركبة تقريباً، وليس منها ما هو الشامل لتمام البدن إلا واحد عبروا عنه بالإزار، فقد ذكروا استحباب زيادة حبرة، على اختلافهم في إطلاقها وتقييدها. وقد ادعي عليه الإجماع في الخلاف والغنية وجامع المقاصد وظاهر المعتبر والتذكرة ومحكي الذكرى.

كما ذكروا أنها إن فقدت فلفافة أخرى، ليكون للميت لفافتان شاملتان. وبه صرح في المبسوط والنهاية والوسيلة والقواعد والدروس والروض والروضة ومحكي المصباح والمهذب والذكرى.

ومقتضى الجمود على ذلك وإن كان هو كون اللفافة الثانية غير الحبرة بدلاً اضطرارياً عن الحبرة يشترط استحبابها بفقدها، إلا أن من القريب جداً كون استحباب الحبرة بنحو تعدد المطلوب، وأن اللفافة الثانية مطلقاً مستحبة، وكونها حبرة مستحب في مستحب، كما يظهر من سيدنا المصنف (قدس سره) وسبقه إليه في العروة الوثقى. بل خير في السرائر بين الحبرة وغيرها من دون أن ينبه على أفضلية الحبرة.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب الاستحاضة.

ص: 140

وكيف كان فالظاهر استحباب لفافتين شاملتين لتمام جسد الميت، أما بناء على عدم كون المئزر الساتر لما بين السرة والركبة من ثياب الكفن المفروضة، وأن المراد بالإزار المفروض غيره، فلما تقدم منا من أن مقتضى الجمع بين النصوص وجوب كون الإزار شاملاً لما عدا الرأس من البدن، مع استحباب شموله لتمام البدن، فيكون به للميت بضميمة اللفافة الشاملة - التي لا إشكال في وجوبها - لفافتان.

وأما بناءً على المشهور من أن المئزر من الثياب المفروضة، وأنه هو المراد بالإزار في النصوص فلقوله (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: "والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين" (1) بناءً على ما هو الظاهر من عدم الفصل بين الرجل والمرأة في اللفافتين. وحمل اللفافة على ما لا يعم البدن خلاف الظاهر جداً، كما تقدم عند الكلام في المئزر. ولأجله فقد يستدل أيضاً بقوله (عليه السلام) في صحيح حمران: "ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن"(2) ، حيث لا يبعد أن يكون حمله على إهمال المئزر الواجب عند المشهور أقرب عرفاً من حمل اللفافة فيه على المئزر المذكور.

لكن يظهر من الرياض الإشكال في ذلك والميل لعدم جوازه، فضلاً عن استحبابه، حيث استدل على عدم الزيادة في المفروض - الذي تبع فيه المشهور - بما في صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: كتب لي في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص. فقلت لأبي: لمَ تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس. فإن قالوا: كفنه في أربعة [أثواب] أو خمسة فلا تفعل [قال:] وعممه بعد بعمامة. وليس تعد العمامة من الكفن، إنما يعد ما يلف الجسد"(3) ، وقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: "إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب، أو ثوب تام لا أقل منه يواري فيه جسده كله. فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة. فما زاد

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 9.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 10.

ص: 141

فمبتدع. والعمامة سنة"(1).

قال (قدس سره):" ولا ريب أن الزائدة على الثلاثة الذي هو سنة العمامة والخرقة المعبر عنها بالخامسة. هذا مع ما في الزيادة من إتلاف المال والإضاعة المنهي عنهما في الشريعة. إلا أن الحكم بذلك مشهور بين الطائفة، بل عليه الإجماع في المعتبر والذكرى والتذكرة، ويؤمي إليه بعض أخبار المسألة... ولكنه يحتمل التقية... والاحتياط بالترك لعله غير بعيد، إذ رفع المفسدة أولى من جلب المنفعة. فتأمل".

وهو وإن ذكر ذلك لبيان عدم زيادة الحبرة المستحبة على الثلاثة المفروضة، بل هي إحداها، إلا أن مقتضاه عدم الزيادة ولو لغير الحبرة. وقد سبقه إلى ذلك في الحدائق في الجملة.

لكن يشكل ما ذكره بأن صحيح الحلبي وارد في قضية خاصة لا إطلاق لها. مع احتمال أن يكون ما يقوله الناس - من التكفين في الأربعة أو الخمسة، والذي ردع (عليه السلام) عنه - راجعاً إلى أن ذلك هو الكفن المفروض عدا الحبرة أو البرد الذي قد يكون استحبابه زائداً على المفروض معروفاً في تلك العصور، بل قد يكون خروجه عن الكفن معروفاً، فلا يكون الردع عما يقوله الناس منافياً لزيادة أحدهما.

ولاسيما بملاحظة ما في صحيح يونس بن يعقوب:" قال أبو عبدالله (عليه السلام): إن أبي أوصاني عند الموت: يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا، واشتر لي برداً واحداً وعمامة، وأجدهما، فإن الموتى يتباهون بأكفانهم "(2) وفي صحيحه الآخر:" اشتر لي برداً وجوده فإن الموتى..."(3). حيث يحتمل أو يقرب أن يكون البرد المشترى زائداً على الكفن المفروض الذي بينت أجزاؤه في صحيح الحلبي، إذ ليس ما يحتمل انطباقه عليه منها إلا الثوب الآخر وإطلاقه مع التنبيه لخصوصية الثوبين الآخرين في صحيح الحلبي لا يناسب الوصية بكونه برداً جيداً على ما تضمنه الصحيحان.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 1، 7.

ص: 142

كما أن ما ذكره من عدم الريب في أن الزائد على الثلاثة المفروضة من الخمسة المسنونة في صحيح زرارة هو العمامة والخرقة غير واضح المنشأ. ولاسيما مع اعترافه بأن استحباب زيادة الحبرة مشهور بين الطائفة، ومع ظهور جملة من عبارات قدماء الأصحاب - كالصدوق وغيره - في أن المراد بالخمسة غير العمامة والخرقة. ومع ما تضمنه صحيح الحلبي المتقدم من عدم عدّ العمامة من الكفن، وما تضمنه صحيح عبدالله بن سنان(1) من الحكم بذلك فيها وفي الخرقة. نعم تضمن بعض النصوص عدهما من الكفن. إلا أنه لا يكفي في نفي الريب المذكور بعد ما عرفت.

على أن التكفين بأكثر من ثياب ثلاثة قد تضمنته جملة من النصوص كصحيحي حمران ومحمد بن مسلم المتقدمين، وصحيحي يونس بن يعقوب المتضمنين وصية الإمام الباقر (عليه السلام) بشراء برد لكفنه على ما تقدم الكلام فيه، وصحيحه الثالث عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): "سمعته يقول: إني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه، وعمامة كانت لعلي بن الحسين. وفي برد اشتريته بأربعين ديناراً [لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينا]"(2) ، وصحيح ابن سنان وأبان عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: البرد لا يلف به، لكن يطرح عليه طرحاً، فإذا أدخل القبر وضع تحت جنبه "،ونحوه صحيح عبدالله بن سنان، إلا أن فيه:" فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه"(3). لوضوح أن البرد إذا لم يلف به الجسد بل يكتفى بطرحه عليه في القبر، فلابد من لفافة غيره يتم بها الكفن المفروض قبل إنزاله في القبر، ويكون البرد زائداً على الثلاث. بل قد يستفاد ذلك مما تضمن التكفين بالبرد مطلقاً أو ببرد أحمر حبرة(4) ، بضميمة ما تضمن استحباب كون الكفن قطناً(5) وكونه أبيض(6) ، بحمل الأخيرين

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 12، 15.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 6 وذيله.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب التكفين.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب التكفين حديث: 1.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب التكفين حديث: 1، 2.

ص: 143

على الكفن الواجب، والأول على الزائد عليه. وإن كان لا يخلو عن إشكال، بل منع، لأنه جمع تبرعي. مع عدم الدليل الملزم بعملهم (عليهم السلام) بالاستحباب المذكور، ليقع التنافي بين الدليلين. بل يأتي عند الكلام في استحباب كون الكفن قطناً الجمع بوجه آخر فالعمدة النصوص الأول.

كما أنه لا يتضح الوجه فيما ذكره من حمل النصوص المذكورة على التقية بعد اختلاف العامة - على ما حكي عنهم - في تحديد القطع الواجبة والمستحبة من الكفن، وعدم وضوح شهرة استحباب الزيادة عندهم، وإنما هو المشهور عندنا. ومجرد ما تضمنه صحيح الحلبي من النهي عن متابعة الناس في الزيادة لا يكفي في الحمل المذكور بعدما عرفت من الكلام في هذا الصحيح، وبعد استبعاد تدخل العامة في كفنه (عليه السلام) بنحو يحتاج للتخلص منهم بالوصية، لما هو الظاهر من اختصاص أهل بيت الميت بتجهيزه، خصوصاً في تلك العصور، لتعارف تغسيله في بيته، وربما تكون الوصية حذراً من تدخلهم لظروف خاصة لا دخل للحكم الشرعي بها.

بل يبعد جداً أن تكون الزيادة محرمة - ولو بلحاظ تضييع المال - وقد خفي ذلك على الأصحاب، حتى ذهب جمهورهم لاستحباب الزيادة، لما هو المعلوم من كثرة الابتلاء بالحكم وشدة الحاجة لبيانه لكونه إلزامياً، فيناسب ظهوره. وكفى بهذا موهناً لصحيحي الحلبي وزرارة لو تم نهوضهما في أنفسهما بإثبات الحرمة، ومرجحاً للنصوص الأخر المتقدمة.

وبذلك يظهر ضعف الاستدلال بحرمة إضاعة المال وإتلافه، إذ لا موضوع لها مع مشروعية الزيادة، بل مع احتمال مشروعيتها بنحو معتد به، حيث يكفي في تحقق الغرض العقلائي المانع من صدق الإضاعة والتبذير، كما تقدم نظيره غير مرة.

بل ذكر جمع استحباب زيادة لفافة ثالثة عبر عنها الأكثر بالنمط - الذي اختلفوا في تفسيره - إما لمطلق الميت، كما يظهر من الصدوق ومحكي الحلبي وجماعة، أو لخصوص المرأة، كما في الشرايع والنافع المنتهى والقواعد والإرشاد واللمعة وغيرها.

ص: 144

ولم يتضح الوجه فيه عدا ما تقدم في صحيح زرارة من أن ما زاد على الثلاث إلى الخمس سنة، بناء على أن الزيادة ثوبان شاملان، لا العمامة والخرقة، حيث يدل حينئذٍ على ثلاث لفائف لو كان الواجب لفافة واحدة وقميص ومئزر يستر ما بين السرة والركبة - كما هو المشهور - أو إزار يشمل ما عدا الرأس، كما تقدم تقريبه.

وكذا ما روي من تكفين الصديقة الزهراء (عليها السلام) في سبعة أثواب(1) ، بناءً على خروج خرقة الثديين عنها فقط، حيث يتعين أن يكون السبعة ثلاث لفائف وقميص ومئزر وإزار - على الخلاف المتقدم - وقناع وخرقة الفخذين. فتأمل. مضافاً إلى ما أرسل في السرائر وبعض نسخ الاقتصاد وعن غيرهما من استحباب النمط.

بل يظهر من جمع آخر استحباب أربع لفائف للمرأة. لحكمهم بزيادتها على الرجل في الكفن المسنون لفافتين أو إزارين. قال في الخلاف: "الكفن المفروض ثلاثة أثواب مع الإمكان: إزار وقميص ومئزر، والمسنون خمسة: إزاران أحدهما حبرة وقميص ومئزر، ويضاف إلى ذلك العمامة. وتزاد المرأة إزارين آخرين... دليلنا إجماع الفرقة..." وهو الظاهر من المقنعة والمبسوط والنهاية والمراسم.

بل قد يظهر من الأخير استحباب ذلك للرجل أيضاً. حيث قال بعد أن ذكر ذلك: "وأسبغ الكفن سبع قطع، ثم خمس، ثم ثلاث. وقد بينا أن الواجب واحدة" ولم يذكر فيه مما لا يلف جميع البدن إلا القميص والمئزر والخرقة، ولازمه أن تكون أربع من السبع لفائف، ومقتضى إطلاقه أنها هي الأسبغ حتى للرجل. فلاحظ.

وكيف كان فلم أعثر عاجلاً على ما يناسبه من النصوص عدا ما تقدم في صحيح زرارة من أن ما زاد على المفروض إلى خمس سنة بناءً على أن المفروض لفافتان - كما عن ابن الجنيد - والزيادة لفافتان، دون العمامة والخرقة. كما قد يدل عليها ما تقدم من الرواية بتكفين الزهراء (عليها السلام) بسبعة أثواب، بناءً على خروج بعض القطع المسنونة

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 1 من أبواب الكفن حديث: 9، 10 وبحار الأنوار ج: 43 ص: 201 باب: ما وقع عليها (عليها السلام) من الظلم حديث: 30. وج: 81 ص: 335 باب: التكفين وآدابه حديث: 36.

ص: 145

(146)

والأولى كونها برداً يمانياً (1).

عنها، كما يظهر بملاحظة ما تقدم. وما في الرضوي من أن الكفن ثلاث قطع، وخمس، وسبع، مع تفسير الخمس بالمئزر والقميص والعمامة واللفافتين(1) ، حيث يناسبه كون السبع هي الثياب الثلاثة المذكورة وأربع لفائف.

ومن جميع ما تقدم يظهر ضعف دليل الثلاث لفائف والأربع. مضافاً إلى بعدهما بملاحظة خلوّ النصوص المعتبرة على كثرتها عن التنبيه لها. ولاسيما ما تضمن منها بيان كفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمامين الباقر والصادق (عليها السلام)، فإنهم صلوات الله عليهم أولى بمراعاة المستحبات والآداب الشرعية. وإن كان ذكر الأصحاب لذلك كافياً في الاحتمال المصحح لصرف المال. فتأمل. والله سبحانه وتعالى العالم. ومنه نستمد العون والتسديد.

(1) المذكور في كلام الأصحاب استحباب الِحبرَة، كما تقدم. ويظهر منهم أنها أخص من البرد، وهو المناسب لما في مختار الصحاح ولسان العرب والقاموس من أنها ضرب من برود اليمن، وفي مجمع البحرين: "هي كعِنَبة ثوب يصنع باليمن قطن أو كتان يقال: برد حبرة على الوصف، وبرد حبرة على الإضافة" .كما يناسبه في الجملة ما تضمن تكفين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهل بن حنيف وأسامة بن زيد في برد أحمر حبرة مما يأتي الإشارة إليه.

نعم لا يناسب ذلك ما في خبر سلام بن سعيد المخزومي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث: أن عباد ابن كثير قال له: في كم ثوب كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: "في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وثوب حبرة، وكان في البرد قلة"(2). لظهور ذيله في عدم كون الحبرة برداً. إلا أن يحمل على أن تعليله الاكتفاء ببرد واحد وعدم إضافة

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 1 من أبواب الكفن حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 17.

ص: 146

برد آخر إليه.

وكيف كان فيدل على استحباب البرد قوله (عليه السلام) في موثق عمار:" والكفن يكون برداً، وإن لم يكن برداً فاجعله كله قطناً، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابرياً "(1) وفي صحيح حمران:" ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن "(2) وفي معتبر معاوية بن وهب:" يكفن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه وإزار وخرقة يعصب بها وسطه وبرد يلف فيه وعمامة..."(3). لكنها كما ترى ظاهرة في استحباب كون تمام الكفن الواجب أو بعضه برداً، لا زيادة البرد على الواجب.

نعم قد يدل على استحباب زيادة خصوص البرد على الكفن الواجب ما تقدم في صحيح يونس بن يعقوب في تكفين الإمام الكاظم (عليه السلام) لأبيه (عليه السلام)، حيث تضمن التكفين بأربعة ثياب أحدها برد، ومن القريب أن يكون هو الزائد الذي يكون فوق الكفن الواجب، كما يناسبه ما تقدم في الصحيحين من أن البرد لا يلف به الميت، بل يوضع عليه في قبره. وحينئذٍ فاهتمامه (عليه السلام) بشرائه بالثمن الغالي ظاهر في استحباب خصوصيته. كما يحتمله أيضاً ما تقدم من صحيحي يونس الأخيرين المتضمنين وصية الإمام الباقر (عليه السلام) بشراء برد لكفنه، بناء على ما تقدم احتماله من كونه غير الثلاثة التي تضمنها صحيح الحلبي.

لكن ظاهر ما تضمنته هذه النصوص من شراء البرد للكفن وإن كان لفّ الميت به على نحو لفه بالكفن، إلا أن اللازم تنزيله على طرحه عليه بعد وضعه في القبر جمعاً مع الصحيحين المتقدمين المتضمنين لذلك، لظهورهما في تعين البرد المعهود تشريعه زائداً على الكفن لذلك.

وحينئذٍ يبقى استحباب لفه بالبرد زائداً على الكفن الواجب محتاجاً للدليل.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 13.

ص: 147

وغاية ما تضمنه صحيح حمران ومعتبر معاوية بن وهب المتقدمان كون اللفافة الأخيرة الواجبة برداً. بناءً على المشهور من أن ثياب الكفن الثلاثة هي المئزر والقميص والإزار الشامل يتعين كون اللفافة الثانية مستحبة. لكن سبق ضعفه.

وأما استحباب الحبرة فلم نعثر عاجلاً على ما يشهد به من النصوص. نعم تضمن جملة من النصوص أن أحد أثواب كفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوب حبرة(1) ، وفي بعض النصوص أنه ثوب يمنة عبري أو أظفار(2) ، بناءً على أنه من مصاديق الحبرة، وفي آخر أنه برد أحمر حبرة(3) ، وفيه وفي غيره أن علياً (عليه السلام) كفن به أيضاً سهل بن حنيف، والحسن (عليه السلام) كفن به أسامة بن زيد(4).

لكنها لا تدل على الاستحباب، لإمكان أن يكون منشؤه أنه كان هو الميسور عند التكفين، ولو لتعارف لبسه حال الحياة، فيكون من مخلفات صاحبه بعد الموت، وأولى مصارفه عرفاً تكفينه به. فتأمل. ولو سلم ظهوره فيه فقد لايكون لخصوصية الحبرة، لإجمال الفعل من هذه الجهة، بل قد يكون بلحاظ كونه من صغريات إجادة الأكفان المندوب إليها، أو لأنه كان يصلي فيه حال حياته، كما هو ظاهر صحيح الحلبي المتقدم المتضمن وصية الإمام الباقر (عليه السلام) بتكفينه في رداء حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة(5) ، بخلاف ما لو ورد الأمر بالتكفين بالحبرة، حيث يكون ظاهراً في استحبابه بخصوصيته.

وأشكل من ذلك البناء على استحباب زيادتها على الواجب. إذ النصوص المذكورة بين ما هو ظاهر أو صريح في كونها من الواجب - مثل ما تضمن جعلها من كفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحيح الحلبي المتضمن لوصية الإمام الباقر (عليه السلام) - وما هو مجمل من هذه الجهة إن لم يكن ظاهراً في ذلك أيضاً، كما تضمن تكفين سهل بن حنيف

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 6، 11، 17.

(2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 4، 3.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب التكفين حديث: 2، 3.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 10.

ص: 148

(149)

وأسامة بن زيد بها، كما نبّه لذلك غير واحد من المتأخرين، واستشكلوا في استحباب زيادتها. بل عن ابن أبي عقيل أنها من الثلاثة الواجبة.

قال في كشف اللثام بعد الكلام في ذلك: "والعمدة في استحبابها زيادة على الثلاثة عمل الأصحاب، كما في الذكرى. لكن إن اقتصر عليها استحب أو يكون اللفافة حبرة" .وما ذكره أخيراً قد يتم في البرد، لما تقدم.

وقد تحصل من جميع ما تقدم: أن ما يمكن إثباته بالنصوص المعتبرة أمور.

الأول: استحباب لفافتين شاملتين للميت، ولو مع تأدي وظيفة ثوبين من ثياب الكفن الواجب بهما، بناء على ما هو الظاهر من عدم وجوب المئزر الساتر ما بين السرة والركبة، عملاً بصحيحي محمد بن مسلم وحمران(1).

الثاني: استحباب كون اللفافة الأخيرة برداً، عملاً بصحيح حمران المذكور ومعتبر معاوية بن وهب(2).

الثالث: استحباب برد يطرح على الميت في قبره خارج الكفن الواجب، عملاً بصحيح ابن سنان وأبان وصحيح عبدالله بن سنان(3).

وأما ما عدا ذلك فليس عليه إلا بعض النصوص الضعيفة سنداً، بل دلالة أيضاً، وكلمات الأصحاب التي أشرنا إلى بعضها.

بقي شيء. وهو أن كثيراً من الأصحاب ذكروا أن الحبرة تكون يمنية عبرية غير مطرزة بالذهب.

واعتبار عدم التطريز بالذهب إما أن يكون لعدم جواز التكفين بما لا يجوز الصلاة فيه، بناءً على عدم جواز الصلاة بالمذهب، أو لكونه تضييع مال غير

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 9، وباب: 14 منها حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 13.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 6 وذيله.

ص: 149

مأذون فيه.

ويظهر ضعف الأول مما تقدم في المسألة الثامنة والعشرين عند الكلام في شروط الكفن. كما يظهر ضعف الثاني مما تكرر غير مرة من أن إضاعة المال إنما تحرم بعنوان التبذير، فلا موضوع لها مع وجود غرض عقلائي لصرف المال، ويكفي فيه في المقام إطلاق ما تضمن الأمر بإجادة الأكفان والتنوق فيها مما يأتي إن شاء الله تعالى.

ومنه يظهر الحال فيما ذكره بعضهم ونسب لجماعة من اعتبار عدم التطريز بالحرير أيضاً. مضافاً إلى الإشكال في المنع عن الصلاة فيه، ليدخل في الكبرى المتقدمة لو تمت. وإلى عدم زيادة قيمة الوشي بالحرير على سائر أنواع الوشي بنحو معتد به، ليتوهم صدق تضييع المال به، بعد ما ذكره جماعة من الفقهاء واللغويين من أن حبرة ليس موضعاً أو شيئاً معلوماً، وإنما هو وَشي، حيث يكون الوشي ملازماً للحبرة أو متيقناً منها، فلا يكون بذله مع استحبابه تضييعاً قطعاً.

وأما اعتبار كون الحبرة يمانية عبرية فلم أعثر على ما يشهد به من النصوص. نعم في موثق زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): "قال: كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وثوب يمنة عبري أو أظفار" (1) قال الشيخ: "الصحيح عندي من ظفار. وهما بلدان" .وهو - مع ما فيه من الإشكال في دلالته على استحباب الزيادة، كما تقدم في نظائره - مردد بين البلدين، غاية الأمر أن كليهما في اليمن.

هذا وقد اختلفت كلمات اللغويين في شرح العناوين المتقدمة من البرد والحبرة والعبري والنمط. وحيث لا يشيع استعمالها في عرفنا يصعب الخروج فيها بمحصل، فلا مجال لإطالة الكلام في ذلك. ولاسيمامع قرب عدم تيسرتحصيل مصاديقها أو مصاديق بعضها في زماننا.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 4.

ص: 150

(151)

وأن يجعل (1) القطن (2) أو نحوه عند تعذره (3) بين رجليه يستر به العورتان (4)،

(1) كما ذكره في الجملة جمع من الأصحاب. ويقتضيه جملة من النصوص، كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبدالله بن سنان بعد أن سأله عن الخرقة: "لا، إنها لا تعد شيئاً، إنما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شيء، وما يصنع من القطن أفضل منها"(1) ، وفي صحيح الكاهلي:" ثم أزّره بالخرقة، تحته القطن تذفره به إذفاراً قطناً كثيراً "(2) وفي موثق عمار:" ثم تكفنه تبدأ وتجعل على مقعدته شيئاً من القطن وذريرة... وقال: تحتاج المرأة من القطن لقبلها قدر نصف من... "(3) وقولهم (عليهم السلام) في مرسل يونس:" واعمد إلى قطن فذر عليه شيئاً من حنوط [وضعه] فضعه على فرجه قبل ودبر [قبلاً ودبراً]، واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شيء "(4) وفي المرفوع الذي رواه سهل في تكفين المرأة:" ويصنع لها القطن أكثر مما يصنع للرجال، ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط"(5).

(2) في التذكرة وعن نهاية الأحكام تقييده بمنزوع الحب. وكأنه لتعارف نزعه في مثل هذه الاستعمالات تجنباً لتأثير في الجسم. ولعله لذاقال في الجواهر: "ولا بأس به".

(3) كأنه لفهم عدم خصوصية القطن. ولاسيما بعد ما تقدم من التعليل في النصوص. ولذا كان ظاهر الجواهر التعدي لغير القطن مطلقاً ولو مع وجوده. فتأمل.

(4) كما ذكره الشيخان وجماعة، لأكثر النصوص المتقدمة. واقتصر في السرائر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 16.

ص: 151

(152)

ويوضع عليه شيء من الحنوط (1)، وأن يحشى دبره (2)

على الدبر، وهو الظاهر من التعبير بجعله بين الإليتين في الشرايع والنافع والتذكرة والقواعد وغيرها. وكأنه للاقتصار عليه في صدر موثق عمار المشعر بأهميته. لكن تقدم التصريح في ذيله بالحاجة له في قبل المرأة. ويأتي عند الكلام في حشو الدبر به ما له نفع في المقام.

(1) كما تقدم في مرسل يونس. وفي كشف اللثام أن الأصحاب ذكروا الذريرة. ويقتضيه موثق عمار المتقدم. وبه يخرج عن ظاهر صحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ولا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم" (1) فإن مقتضى العموم فيه عدم التطييب بغير الكافور. كما هو مقتضى عموم التعليل فيه أيضاً، وإن تقدم الإشكال في العموم المذكور عند الكلام في شروط الكفن في أول المسألة الثامنة والعشرين.

(2) إجماعاً، كما في الخلاف. لما تقدم في مرسل يونس والمرفوع الذي رواه سهل، على ما يأتي الكلام فيه. واعلم أنه قد اختلفت كلمات الأصحاب في المقام، فظاهر جماعة استحباب كل من حشو الدبر بالقطن ووضع شيء منه بين الإليتين عليه، كما في المبسوط والنهاية والوسيلة والشرايع والقواعد وغيرها. واقتصر بعضهم على الأول، كما في الفقيه والاقتصاد والخلاف والمعتبر والمختلف وعن أبي عقيل وغيره. كما اقتصر بعضهم على الثاني، كما في المقنعة والمراسم والسرائر ومحكي مختصر المصباح.

وكأن وجه الأول اشتمال النصوص المتقدمة على الأمرين، ولاسيما مع الجمع بينهما في مرسل يونس، حيث لا مجال معه لحمل أحد الأمرين على الآخر وتنزيله عليه.

لكن منع من الحشو في السرائر ومحكي نهاية الأحكام، معللاً في الأول بأنه يجنب الميت ما يجنبه الحي. وفي التذكرة: "وهو الأحوط [الأجود] عندي، احترام

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 152

للميت، لما في الحشو من تناول حرمته. نعم إن خاف خروج شيء منه حشاه في دبره" .وقد سبقه في التقييد المذكور في الشرايع وجرى عليه في القواعد والمنتهى والدروس وغيرها. ووجه في المنتهى حشو الدبر حينئذٍ - بعد الاحتجاج للمنع بما سبق - بأن في تركه تناولاً بحرمته، وأيده بمرسل يونس.

وفي الجواهر: "الظاهرأنه مراد كل من أطلق من دون اشتراط ذلك، كما لا يخفى على من لاحظ عباراتهم، إذ فيها شواهد عليه" .وكأنه لتعليله في كلامهم بمنع خروج شيء منه، إذ لا موضوع له مع العلم بعدم خروج شيء بدونه. وقد عرض بذلك بمن جعل في المسألة قولين الإطلاق والتقييد.

والذي ينبغي أن يقال: إن أريد بخوف خروج شيء مجرد الاحتمال فهو متجه في محل كلام الأصحاب ومرسل يونس، لاشتماهما على التعليل المذكور. وإن أريد به الاحتمال المستند لما يثيره في خصوص بعض الأموات - كما لعله ظاهر الخوف - فهو خلاف ظاهر من أطلق، كظاهر إطلاق المرسل. والتعليل المذكور لا يقتضي التقييد بذلك.

وأما الوجه المتقدم من السرائر والتذكرة فهو - لو تم في نفسه - لا ينهض بالخروج عن ظاهر المرسل بعد حجيته في نفسه، لعدم قدح إرساله بعد رواية إبراهيم بن هاشم له عن رجاله عن يونس، لظهور ذلك في تعدد رواته عن يونس واستفاضته عنه، ولاسيما مع اعتضاده بالمرفوع.

اللهم إلا أن يحمل الحشو فيهما على إحكام سدّ المخرج بالقطن للمبالغة في إيصاله لظاهره وضغطه عليه، كما يناسبه ما عن القاضي من أنه يسد دبره بالقطن سداً جيداً. وإلا فمن البعيد جداً إرادة ظاهرهما من إدخال القطن وحشوه في الباطن، لما فيه من عناية منافية للرفق، وبشاعة لا تناسب كرامة الميت واحترامه جداً. وإن أمكن البناء على جوازه في بعض الحالات النادرة، لمنع خروج ما يعلم أو يطمأن بخروجه لولاه، دفعاً لأشد المحذورين، لا لأجل المرفوع المرسل. فتأمل.

ص: 153

ومنخراه (1) وقبل المرأة (2) إذا خيف خروج شيء منها. وإجادة الكفن (3)، وأن يكون من القطن، وأن يكون أبيض (4)

(1) لما في صحيح الكاهلي: "وإياك أن تحشو في مسامعه شيئاً. فإن خفت أن يظهرمن المنخرين شيء فلا عليك أن تصير ثم قطناً. وإن لم تخف فلا تجعل فيه شيئاً"(1). وبه يخرج عن إطلاق قولهم (عليهم السلام) في مرسل يونس:" ولا يجعل في منخريه ولا في بصره ولا في مسامعه ولا على وجهه قطناً ولا كافوراً"(2).

(2) كما في الجامع. وفي الدروس: "وليكثر القطن في قبل المرأة إلى نصف منّ" .وصرح بالحشو فيه بالمقدار المذكور في جامع المقاصد ومحكي الذكرى. وكأنه لما تقدم في موثق عمار من أنها تحتاج من القطن لقبلها قدر نصف منّ. لكن لا ظهور له في الحشوة، بل هو لا يناسب المقدار المذكور، وإنما يناسبه الوضع عليه مقدمة للضغط عليه بشد الخرقة. نعم تضمن مرفوع سهل حشو قبلها ودبرها من دون تعرض لمقدار. وهو - مع ضعفه - محتمل للحمل على ما سبق في حشو الدبر، لأنهما على نهج واحد.

(3) كما في المنتهى وغيره. وقد تضمنته جملة من النصوص. ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: تنوقوا في الأكفان، فإنهم يبعثون بها"(3) ، ونحوه صحيح أبي خديجة(4). وفي مرسل ابن أبي عمير عنه (عليه السلام):" أجيدوا أكفان موتاكم، فإنها زينتهم"(5) ، ونحوه مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى(6). وقد تقدم في صحيح يونس بن يعقوب في وصية الإمام الباقر (عليه السلام) وتكفين الإمام الصادق(7) (عليه السلام) ما يشهد به.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.

(3و4و5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 2، 4، 3، 6.

(7) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب التكفين حديث: 1، 5، 7.

(4) فقد ذكر الأصحاب (رضي الله عنهم) استحباب كون الكفن قطناً أبيض، وادعى

ص: 154

الإجماع عليه في الخلاف والغنية والتذكرة ومحكي نهاية الأحكام وظاهر المعتبر. بل قد يظهر من الخلاف وجوب ذلك، وإن لم يبعد حمله على الاستحباب، على ما تقدم في ذيل الكلام في شروط الكفن الاختيارية من المسألة الثامنة والعشرين.

وكيف كان فيشهد لاستحباب كونه قطناً صحيح أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، والقطن لأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)"(1). ولاستحباب كونه أبيض موثق القداح عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): البسوا البياض، فإنه أطيب وأطهر، وكفنوا فيه موتاكم "وروي أيضاً عن مثنى الحناط عنه(2) (عليه السلام)، وفي خبر جابر عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس من لباسكم شيء أحسن من البياض، فالبسوه، وكفنوا فيه موتاكم"(3). وروي مرسلاً ومسنداً بطرق ضعيفة في كتب الفقه ومستدرك الوسائل ما يشهد بالأمرين غير ما تقدم.

نعم تقدم في أول الكلام في استحباب البرد قوله (عليه السلام) في موثق عمار: "والكفن يكون برداً. وإن لم يكن برداً فاجعله كله قطناً"(4). ولا يبعد حمله على أنه أفضل ثياب القطن، لما يظهر مما تقدم - عند الكلام في استحباب الحبَرة - من مجمع البحرين من أن البرد قد يكون قطناً.

هذا وقد استثني من استحباب البياض الحبرة في المدارك والوسائل وكشف اللثام والجواهر. وكأنه لما تقدم من تكفين أمير المؤمنين (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهل بن حنيف وتكفين الحسن (عليه السلام) أسامة بن زيد ببرد أحمر حبرة(5). لكن تقدم عند الكلام في استحباب زيادة الحبرة الإشكال في دلالته على استحباب ذلك بخصوصه فضل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب التكفين حديث: 1 وذيله.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب التكفين حديث: 2.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 3. وباب: 13 منها حديث: 2، 3.

ص: 155

وأن يكون من خالص المال وطهوره (1)

عن أن يرفع به اليد عن إطلاق ما تضمن استحباب كون الكفن أبيض.

هذا وظاهر النصوص المتقدمة كون كل من القطن والأبيض مستحباً تتأدى وظيفته به ولو مع عدم الآخر، لإطلاق دليل كل منهما الشامل لصورة فقد الآخر. وهو الظاهر من المدارك وكشف اللثام.

لكن في الجواهر:" قد يدفع ذلك بأن المتجه في مثله بعد حصول شرط حمل المطلق على المقيد تقييد كل منهما بالآخر، فيحصل المطلوب من أن المستحب القطن الأبيض. سيما بعد ما عرفت من معقد الإجماع. وحمله على إرادة استحباب كل منهما من دون تقييد - كما عساه يظهر من بعضهم - خلاف الظاهر. فتأمل جيداً".

وهو كما ترى، لما تقرر في محله من أن شرط حمل المطلق على المقيد التنافي بينهما، وهو غير حاصل في المستحبات، على ما حقق في محله من الأصول. ومعاقد الإجماعات المتقدمة وإن كانت قد تظهر بدواً في التقييد، إلا أن حملها على استحباب كل منهما استقلالاً غير بعيد. ولاسيما مع استدلالهم بالنصوص المتقدمة الظاهرة فيه. على أن الاقتصار فيها على بيان استحباب المقيد لا ينافي استحباب المطلق لينهض الإجماع بالخروج عن ظاهر النصوص لو كان حجة في نفسه.

(1) ففي مرسل الصدوق:" روي: أن سندي [السندي. فقيه] بن شاهك قال لأبي الحسن موسى ين جعفر (عليه السلام): أحب أن تدعني [على أن. فقيه] أكفنك. فقال: إنا أهل بيت حج صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا"(1). ولعله يشير لما روي مسنداً في الإرشاد(2) ومقاتل الطالبيين(3) في حديث طويل يتضمن ذلك. وقد يؤيده ما عن أبي ذر من أنه قال حين حضرته الوفاة لمن حضر: "أنشدكم بالله أن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 34 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) الإرشاد ص: 302 طبع النجف الأشرف سنة 1381 ه -.

(3) مقاتل الطالبيين ص: 336 طبع النجف الأشرف سنة 1385 ه -.

ص: 156

وأن يكون ثوباً قد أحرم أو صلى فيه (1)،

يكفنني منكم من كان أميراً أو بريداً أو نقيياً"(1).

مضافاً إلى أنه إن كان المراد من طهور المال المال المكتسب من المكاسب غير المكروهة فهو مقتضى فرض كراهة تلك المكاسب. وإن كان هو الخالص من الشبهات وإن كانت غير منجزة فهو مقتضى حسن الاحتياط لإحراز الواقع، الذي لا ينافيه حلّ التصرف ظاهراً.

نعم قد يظهر من بعض النصوص رجحان ترك الاحتياط المذكور ولو بلحاظ بعض العناوين المزاحمة، على ما ذكرناه في مبحث البراءة من الأصول. ولا يبعد كون النص المتقدم أقوى منها ولو في خصوص المورد. فلاحظ.

(1) فقد دلّ غير واحد من النصوص على استحباب التكفين في الثياب التي صلى فيها، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: إذا أردت أن تكفنه فإن استطعت أن يكون في كفنه ثوب كان يصلي فيه نظيف فافعل، فإن ذلك يستحب أن يكفن فيما كان يصلي فيه "(2) وحديث سهل بن اليسع:" سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟ قال: أحب ذلك الكفن... "(3) وغيرهما.

ويدلّ على استحباب التكفين في ثياب إحرامه ما تقدم في صحيح يونس بن يعقوب من تكفين الإمام الصادق (عليه السلام) في ثوبين شوطيين كان يحرم فيهما(4). ودعوى: أن مجرد الفعل لا يدل على الاستحباب، نظير ما تقدم في الحبرة. مدفوعة بأن حيثية الإحرام لما كانت مناسبة ارتكازاً للفضيلة في الكفن، فالتنبيه عليها في مقام حكاية الفعل ظاهر أومشعر بوجه قوي في الاستحباب.

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 27 من أبواب الكفن حديث: 7.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 4 من أبواب التكفين حديث: 1.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 5، 15.

ص: 157

نعم قد يتجه ذلك في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: كان ثوبا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار، وفيهما كفن"(1) ، لسوقه بالأصل لبيان نوع ثوبي إحرامه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا لبيان صفة ثياب كفنه، وإن بيّن بعد ذلك تبعاً. غاية الأمر أنه قد يصلح مؤيداً لما يستفاد من صحيح يونس. كما يؤيده أيضاً مرتكزات المتشرعة في أمثال ذلك.

ومما تقدم يظهر استحباب كل من الثوب الذي صلى فيه والثوب الذي أحرم فيه، فيكون جمعهما أفضل، لا الاكتفاء بأحدهما، كما هو مقتضى الجمود على عبارة المتن. بل مقتضى حديث سهل - الذي تقدم عند الكلام في وجوب القميص في الكفن تقريب اعتبار سنده - استحباب التكفين في الثوب الذي صام فيه أيضاً، لأن الظاهر من فرض الصلاة والصيام فيه الانحلال لا الارتباطية.

نعم الظاهر ابتناء استحباب الجميع على التداخل، فيجزي عنها ثوب واحدحصل فيه جميعها. للإطلاق في دليل الصوم والصلاة، ولمناسبة الحكم والموضوع في الإحرام الذي لا إطلاق لدليله، وإنما استفيد منه الحكم بضميمة فهم عدم الخصوصية لمورده. بل من المعلوم غلبة الصلاة في ثياب الإحرام، لطول أمده.

كما أن الظاهر تأكد الاستحباب تبعاً لكثرة العبادة الحاصلة من الشخص، لقضاء المناسبة الارتكازية به. كقضائها بتأكده تبعاً لأهمية العبادة الواقعة به، كما يناسبه أيضاً ما تقدم في صحيح الحلبي من وصية الإمام الباقر (عليه السلام) بتكفينه في رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة(2).

هذا ومقتضى الجمود على عبارة المتن استحباب كون الكفن كله ثوباً قد أحرم أو صلى فيه. لكن يبعد إرادته بلحاظ ما سبق من النصوص.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 10.

ص: 158

وأن يلقى عليه الكافور والذريرة (1) وأن يخاط بخيوطه إذا احتاج إلى

(1) ففي المعتبر والتذكرة دعوى الإجماع على استحباب تطييب الكفن بالذريرة، وإن اختلفت عبارات الأصحاب بين التصريح بالعموم لجمع الكفن - كما في كشف اللثام - وإطلاق نثرها عليه، والاقتصار على القميص والحبرة واللفافة، وعلى الأخيرين. بل في المنتهى أنه لا يستحب نثرها على اللفافة الظاهرة.

ويشهد للأول ما في موثق عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام): "ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولاً، ثم تذر عليها الذريرة، ثم الإزار... ويجعل على كل ثوب شيئاً من الكافور، وعلى كفنه ذريرة..." (1) وموثق سماعة عنه (عليه السلام): "قال: إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئاً من ذريرة وكافور"(2). وقد تقدم في ذرها على القطن ويأتي إن شاء الله تعالى في كراهة الكفن بغيرها وغير الكافور ما ينفع في المقام.

نعم لا يبعد حمل الموثقين على نثر الذريرة على كل ثوب من الجهة التي يجعل فيها الميت، بحيث تكون الذريرة في باطنه مع الميت لافي ظاهره بعد لف الميت به، لارتكاز أن الغرض من وضعه على كل ثوب ثوب هو تطييب الميت به، وهو المناسب لما تضمنه موثق عمار من نثره على اللفافة عند بسطها قبل لف الميت بها. ولعله هو المراد مما تقدم من المنتهى، لأنه جعله في مساق نثرها على الجنازة والنعش.

ثم إنه مما تقدم في الموثقين يظهر الوجه في استحباب نثر الكافور أيضاً، وإن لم أعثر عاجلاً على من تعرض له عدا السيد الطباطبائي في العروة الوثقى. ثم قال:" ولا يبعد استحباب التبرك بتربة قبر الحسين (عليه السلام) ومسحه بالضريح المقدس أو بضرائح سائر الأئمة (عليهم السلام) بعد غسله بماء الفرات أو بماء زمزم".

هذا وقد اختلفت كلمات الفقهاء واللغويين في تحديد الذريرة، بنحو لا يتسنى

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 159

الخياطة (1)، وأن يكتب على حاشية الكفن (2):

لنا عاجلاً الخروج منها بمحصل بعد عدم شيوع إطلاقها في عرفنا، وقال في العروة الوثقى:" وهي - على ما قيل - حبّ يشبه حب الحنطة له ريح طيب إذا دق. وتسمى الآن قمحة. ولعلها كانت تسمى بالذريرة سابقاً ".وهو كما ترى لا مجال للتعويل عليه بعدعدم ثبوت إطلاق الذريرة عليه سابقاً.

(1) كما في المبسوط وغيره، ونسبه في المدارك للشيخ وأتباعه، وفي الروضة أنه المشهور. وفي الجواهر:" بلا خلاف أجده بين الأصحاب، بل نسبه في الذكرى وجامع المقاصد إلى الشيخ وإليهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه. ولعله الحجة. مع ما فيه من التجنب عما لم يبلغ مبلغه في حله وطهره. وإلا فلم نقف على ما يدل عليه في شيء من الأدلة ".وهو كما ترى. ولاسيما مع غلبة عدم إحكام الخياطة بالخيوط المذكورة لضعفها. كما قد ينافي إناقة الكفن التي تقدم الندب إليها. فلاحظ.

(2) كما في خبر أبي كهمس:" حضرت موت إسماعيل وأبو عبدالله (عليه السلام) جالس عنده... فلما فرغ من أمره دعا بكفنه، فكتب في حاشية الكفن: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله "(1) ونحوه خبره الآخر(2).

وفي البحار عن مصباح الأنوار عن عبدالله بن محمد بن عقيل قال:" لما حضرت فاطمة الوفاة دعت بماء فاغتسلت، ثم دعت بطيب فتحنطت به، ثم دعت بأثواب غلاظ خشنة فتلففت بها، ثم قالت: إذا أنا مت فادفنوني كما أنا ولا تغسلوني. فقلت: هل شهد معك ذلك أحد؟ قال: نعم شهد كثير بن عباس. وكتب في أطراف كفنها كثير بن عباس: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)"(3). قال في الجواهر: "مع ضميمة علم أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) بذلك".

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 29 من أبواب التكفين حديث: 1، 2.

(3) بحار الأنوار باب التكفين وآدابه حديث: 36. ج: 81 ص: 335 الطبعة الجديدة.

ص: 160

لكن اشتمال الحديث على الوصية بعدم تغسيلها (عليها السلام) بعد الموت، وعلى أن الكاتب كثير بن عباس الذي قيل إنه ولد قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأشهر، وأن الراوي بالمشاهدة عبدالله بن محمد بن عقيل مع أنه لم يعرف لعقيل حفيد كبير في ذلك الوقت، موجب للريب فيه جداً، وعدم نهوضه حتى بالتأييد.

هذا وفي مرسلة الاحتجاج عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه: "أنه كتب إليه: روي لنا عن الصادق (عليه السلام) أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله، فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره، فأجاب: يجوز ذلك، والحمد لله"(1).

ومن القريب حمل ما تضمنته الرواية عن الصادق (عليه السلام) على مضمون خبري أبي كهمس، ويكون اختلافهما بسبب النقل بالمعنى، حيث لا يبعد انصراف الكتابة على حاشية الكفن في الخبرين إلى خصوص الإزار الشامل بعد ظهور الكل في وحدة الكتابة وعدم تعددها، لأنه الأبعد عن التعرض للقذر المستفاد الاهتمام به مما تضمنه الخبران من الكتابة على حاشية الكفن.

لكن لم أعثر على من عبر بذلك من الأصحاب، بل هم بعد اختلافهم في المقدار المكتوب - بين من أطلق الكتابة - كما في الخلاف - أو على الكفن - كما عن ابن الجنيد - أوعلى الأكفان مقتصراً عليها - كما في الاقتصاد والسرائر وغيرهما - أو مضيفاً إليها الجريدتين فقط - كما في المختلف أنه المشهور - أومع الحبرة والعمامة - كما عن الجامع - ومن صرح بالتعميم للأكفان كلها - كما عن المصباح ومختصره - ومن نص على الحبرة أو ما يقوم مقامها والقميص والجريدتين - كما في المقنعة - ومن أبدل الحبرة منها بالإزار - كما في الغنية - ومن جمع بينهما وبين القميص والجريدتين - كما في الهداية والشرايع والقواعد وجملة كثيرة من الكتب - ومن أبدل الجريدة بالعمامة - كما في النهاية وعن التحرير - ومن ضم العمامة وحدها - كما في المبسوط - أو مع اللفافة - كم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 29 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 161

فلان بن فلان (1) يشهد أن لا إله إلا الله (2) وحده لا شريك له (3)، وأن محمداً رسول الله (4)، ثم يذكر الأئمة (عليهم السلام)

في الدروس - إلى غير ذلك مما قد يوجد في كلماتهم. وفي المسالك:" والكل جائز. بل لو كتب على جميع أقطاعه فلا بأس، لثبوت أصل الشرعية، وليس في زيادتها إلا زيادة الخير إن شاء الله".

هذا ولا إشكال في أنه لا مجال للبناء على استحباب ذلك شرعاً بعد قصور النصوص السابقة عنه حتى لو كانت في نفسها حجة على إثبات مضمونها.

نعم لا بأس بالإتيان بكل ما يحتمل مطلوبيته شرعاً أو انتفاع الميت به بعد ثبوت نظيره. إلا أن يلزم منه توهين للمضمون المكتوب، كما لعله كذلك في الخرقة والمئزر وبعض مواضع القطع الأخرى المعرضة للنجاسة أو النازلة محاذية لأسافل الميت، إذ لو لم يثبت حرمة ذلك فلا أقل من منافاته للأولى بحيث لا تصلح جهة الرجحان المحتملة لجعل فعله أولى. ويأتي ما له نفع في المقام.

(1) كما في المراسم، ومفتاح الكرامة:" ولم أجده لغيره ".والمعروف الاقتصار على كتابة اسمه، كما تضمنته النصوص المتقدمة.

(2) وعليه اقتصر في الفقيه والهداية والمقنعة والمراسم والنافع، وحكي عن الصدوق الأول والرسالة الغرية للمفيد. ويقتضيه خبر أبي كهمس ومرسلة الاحتجاج المتقدمة.

(3) كما في المبسوط والنهاية والعروة الوثقى. ولم أعثر عليه عاجلاً في غيرها، كما لم ينقل عنه، وإنما اقتصروا على أصل الشهادة الأولى. ولا بأس به برجاء المطلوبية أوانتفاع الميت بعد عدم النص به، نظير ما تقدم.

(4) قد اقتصر على الشهادتين في السرائر والدروس وحكي عن ابن الجنيد. ولا يشهد له عد ما تقدم عن مصباح الأنوار في كفن الصديقة الزهراء (عليها السلام) مما عرفت

ص: 162

واحداً بعد واحد (1)، وأنهم أولياء الله وأوصياء رسوله (2)،

حاله. ومن ثم لا مجال للإتيان به إلا برجاء المطلوبية أو انتفاع الميت، نظير ما تقدم. وربما يأتي ما ينفع في المقام.

(1) كما ذكره جمهور الأصحاب، ونسبه لهم غير واحد، وفي المختلف أنه المشهور. ولم يعرف عمن قبل الشيخ، وإنما ذكره هو واشتهر بين من بعده، وفي مفتاح الكرامة أنه لم يتركه ممن بعده إلا الشاذ. بل في الخلاف دعوى إجماع الفرقة وعملهم عليه، بنحو يظهر في معروفيته قبله، كما قد يستظهر من الغنية دعوى الإجماع عليه وعلى ما بعده.

وقد يستأنس له بما رواه الشيخ في الغيبة بسنده عن أبي الحسن علي بن أحمد الدلال القمي، قال:" دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان (رض الله عنه) يوماً لأسلم عليه فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها، فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها، أو قال: أسند إليها... "(1) وذكر للحديث سنداً آخر. لكن ذلك كله لايبلغ مرتبة الحجية على الاستحباب الشرعي، بل لا محيص من البناء على عدم جواز الاتيان به إلا برجاء المطلوبية أو انتفاع الميت به، الذي يقوى احتماله بملاحظة بعض الحوادث المنقولة التي تظهر للمتتبع. فلاحظ.

هذا وفي الشرايع في بيان مستحبات الكفن:" وتكتب... اسمه وأنه يشهد الشهادتين. وإن ذكر الأئمة (عليهم السلام) وعددهم إلى آخرهم كان حسناً ".وظاهره الفرق بين الشهادتين وذكر الأئمة (عليهم السلام). لكن المتجه بالنظر للنص هو الفرق بين الشهادة الأولى وما عداها، لا بين الشهادتين وما عداهما. إلا أن يكون نظره لما تقدم من البحار في كفن الصديقة (عليها السلام). وإن كان بعيداً جداً.

(2) أو نحو ذلك مما يرجع للإقرار بمنصبهم الإلهي. كما صرح بذلك في

********

(1) كتاب الغيبة ص: 132 طبعة النجف الأشرف.

ص: 163

وأن البعث والثواب والعقاب حق (1).

المبسوط وجملة كثيرة من الكتب، وهو ظاهر ذكر الإقرار بهم في معقد إجماع الخلاف. كما قد يحمل عليه كلام جماعة ممن اقتصر على التعبير بذكرهم أو بكتابة أسمائهم (عليهم السلام) لمناسبته لسياق ذكر الشهادتين. وإن أمكن الجمود عليه بحمله على مجرد التبرك بكتابة أسمائهم، نظير ما تقدم في حديث الساجة التي أعدها العمري لنفسه.

(1) كما في الغنية حيث أضاف الإقرار بها للإقرار بالشهادتين والأئمة (عليهم السلام). بل ربما يستظهر من كلامه دعوى الإجماع على ذلك. وقد يستدل لاستحبابه واستحباب ما قبله بالنصوص المتقدمة بدعوى فهم عدم الخصوصية للشهادة الأولى عرفاً، وأن ذكرها لأنها الاعتقاد الحق الذي عليه يحيى المؤمن ويموت ويبعث، وبه نجاته من الهلكة.

لكنه لا يخلو عن إشكال. بل هو لا يناسب الاقتصار في مقام العمل على الشهادة الأولى، وإهمال ما عداها حتى الشهادة الثانية التي لا مجال لاحتمال التقية في تركها، حيث يناسب ذلك خصوصية الشهادة الأولى وأهميتها، كما يناسبه أيضاً ما قد يستفاد من جملة من البيانات الشرعية من أنها الأساس المطلوب بالأصل وأن مطلوبية الإقرار ببقية الأمور لأنها متممة لها وشروط في قبولها. ومن هنا لامجال للإتيان بما ذكروا بسائر الاعتقادات الحقة إلا برجاء المطلوبية وانتفاع الميت، نظير ما تقدم.

لكن عن الذكرى بعد التعرض لكتابة الشهادتين وأسماء الأئمة (عليهم السلام):" ولم ينقل استحباب كتابة شيء على الكفن سوى ذلك، فيمكن أن يقال بجوازه للأصل، وبالمنع لأنه تصرف لم يعلم إباحة الشارع له ".بل في جامع المقاصد:" ولم يذكر الأصحاب كتبة شيء غير ما ذكر، ولم ينقل شيء يعتد به يدل على الزيادة وبإعراض الأصحاب عن التعرض للزيادة يشعر بعدم تجويزه. مع أن هذا الباب لا مجال للرأي فيه، فيمكن المنع...".

ص: 164

والكل كما ترى. فإن عدم العلم بإباحة الشارع التصرف المذكور إن اقتضى المنع بلحاظ أصالة الاحتياط، فقد تقرر في محله أن الأصل البراءة. وإن اقتضاه بلحاظ عدم ملكية المتصرف للكفن فالمتجه المنع حتى من كتابة الشهادة الأولى التي هي المتيقن من الأدلة، لأن استحباب كتابتها لا تقتضي عدم اعتبار رضا المالك، كما هو الحال في سائر مستحبات الكفن. فالكلام لابد أن يكون في فرض عدم منافاة الكتابة للسلطنة، لكون الكتابة بإذن مالك الكفن أو وليه أو لكونه هو الكاتب.

كما أن عدم تعرض الأصحاب للزيادة لا يشعر بعدم تجويزهم لها، كما لا يشعر كلام من اقتصر على الشهادة الأولى أو الشهادتين بعدم تجويزه الزيادة عليها. بل قد يشعر تعديهم عن مورد النص في المكتوب عليه والمكتوب بمفروغيتهم عن ابتناء الحال في المقام على السعة والجواز، كما هو مقتضى الأصل الذي لا يكون الجري عليه من إعمال الرأي الممنوع منه، بل المنع منه من ذلك. بل ما ذكره في جامع المقاصد هنا لا يناسب ما ذكره هو وغيره من أنه لا بأس بالتوسع في المكتوب عليه، لثبوت أصل الشرعية، وليس في زيادتها إلا زيادة الخير.

وأما خلوّ النصوص عن الزيادة فهو لا يقتضي المنع عنها، بل غاية ما يقتضي الظن بعدم استحبابها شرعاً، ولا يمنع من احتمال انتفاع الميت بها. بل قد يكون عدم البيان لعدم مناسبة الظروف في عصر صدور النصوص له، حيث قد يتوجه الشيعة لذلك بنحو يظهر منهم ويصير سبباً لتشنيع أعدائهم المتربصين بهم الدوائر عليهم.

وليس عدم تعرض النصوص لكتابة الشهادة الأولى على الكفن إلى موت اسماعيل مع مشروعيتها وعدم المحذور الظاهر في بيانها بأقل غرابة من عدم تعرضها لكتابة ما زاد عليها في تمام عصر الحضور لو كانت مشروعة، كما لعله ظاهر. ومن ثم لا مخرج عما ذكرنا آنفاً من جواز الإتيان بالزيادة برجاء المطلوبية وانتفاع الميت.

هذا وقد ذكر جماعة استحباب كون الكتابة بتربة الحسين (عليه السلام). ويقتضيه في الجملة ما سبق في مرسلة الاحتجاج. وهو المناسب لما هو المعهود من كون التربة

ص: 165

وأن يكتب على الكفن دعاء الجوشن الصغير (1)

الشريفة من مظان التبرك، حيث يحتمل معه انتفاع الميت بها في المقام.

نعم الظاهر جواز الكتابة بكل ما يمكن الكتابة به من دون ظهور دليل على الكراهة فضلاً عن الحرمة في شيء منها.

وما ذكره بعضهم من تعين الماء والطين دون الأصباغ. غير ظاهر. ولاسيما مع عدم تعارف الكتابة بالماء والطين، فعدم التنبيه عليه في خبري أبي كهمس موجب للاطمئنان بعدم وقوع الكتابة به.

وأما ما ذكره غير واحد من النهي عن الكتابة بالسواد، بل ظاهر بعضهم حرمته، فكأنه يبتني على ما يأتي من مرجوحية كون الكفن أسود. لكن في شموله لمثل الكتابة عليه بالسواد إشكال، بل منع.

وأما استحباب كون الكفن أبيض فلو تم منافاة الكتابة بما له لون لم يفرق فيه بين الطين وغيره من الألوان. ولعله لذا رجح في المسالك وغيره الكتابة بالطين الأبيض.

لكن عرفت عدم تعارف الكتابة بالطين فضلاً عن الأبيض منه. فلامجال لحمل النص على خصوصه. ومن ثم يكون النص المذكور مخرجاً عن إطلاق دليل استحباب كون الكفن أبيض.

وأشكل من ذلك ما ذكره بعضهم من الكتابة بالاصبع، الظاهر منها ما لا يوجب التأثير، على اختلاف عباراتهم في إطلاق ذلك، والتخيير بينه وبين التربة، وتقييده بتعذر الكتابة بالتربة.

إذ فيه: أن ظاهر الأدلة اعتبار كون الكتابة بنحو يؤثر في الكفن، لأن ذلك إن لم يكن مأخوذاً في مفهوم الكتابة فلا أقل من كونه المنصرف منها. فلاحظ.

(1) كما في العروة الوثقى. ولعله لما عن ابن طاووس في مهج الدعوات من أنه

ص: 166

والكبير (1)

بعد أن ذكر الدعاء المذكور عقبه بالرواية الآتية في الجوشن الكبير. وقد استغربه في البحار، ثم قال: "ظهر لي من بعض القرائن أن هذا ليس من السيد قدس الله روحه، وليس هذا إلا شرح الجوشن الكبير. وكان كتب الشيخ أبو طالب بن رجب هذا الشرح من كتب جده السعيد تقي الدين الحسن بن داود، لمناسبة لفظة الجوشن، واشتراكهما في اللقب، في حاشية الكتاب، فأدخله النساخ في المتن"(1).

ويؤيده ما في المستند، قال بعد نسبة ذلك لكتاب المهج:" ولكني ما رأيت شيئاً في شرح الجوشن الصغير في نسخة المهج التي كانت عندي، وكانت مصححة جداً... ولا مناسبة كثيرة لهذا الدعاء مع المقام أيضاً، فعدم استحبابه بخصوصه أظهر".

لكن في مستدرك الوسائل بعد نقل ما تقدم من البحار:" قلت: الموجود فيما حضرنا من نسخ المهج بعد ذكر الجوشن الصغير ما لفظه: يقول كاتبه الفقير إلى الله تعالى أبو طالب بن رجب: وجدت دعاء الجوشن وخبره وفضله في كتاب جدي السعيد تقي الدين الحسن بن داود (رحمه الله) يتضمن مهج الدعوات وغيره بغير هذه الرواية والخبر متقدم على الدعاء المذكور فأحببت إثباته في هذا المكان، ليعلم فضل الدعاء المذكور. وهذا صفة ما وجدته بعينه: دعاء الجوشن وفضله... الخ. وصريحه أن الجوشن الصغير كان مكتوباً في الموضع الذي أشار إليه بعد هذا الشرح، فلا اشتباه للناسخ، ولا للشيخ المذكور، وإن كان ولابد فهو صاحب الكتاب المذكور. ولا أظن المجلسي (رحمه الله) وجد قرينة غير ما ذكرنا. فالاحتياط يقتضي التوسل بكليهما"(2).

(1) لما في البحار: "جنة الأمان للكفعمي: عن السجاد زين العابدين عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قال: نزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض غزواته

********

(1) بحار الأنوار باب التكفين وآدابه حديث: 32 ج: 81 ص: 332.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 28 من أبواب الكفن حديث: 1.

ص: 167

وعليه جوشن ثقيل آلمه ثقله، فقال: يا محمد ربك يقرئك السلام، ويقول لك: اخلع هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء فهو أمان لك ولأمتك. وساق الحديث إلى أن قال: ومن كتبه على كفنه استحيي الله أن يعذبه بالنار. وساق الحديث إلى أن قال: قال الحسين (عليه السلام): أوصاني أبي (عليه السلام) بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه، وأن أكتبه على كفنه، وأن أعلمه أهلي، وأحثهم عليه، ثم ذكر الجوشن الكبير كما سيأتي في كتاب الدعاء. أقول: رواه في البلد الأمين أيضاً بهذا السند وزاد فيه: ومن كتب في جام بكافور أو مسك ثم غسله ورشه على كفن الميت أنزل الله تعالى في قبره ألف نور، وآمنه من هول منكر ونكير، ورفع عنه عذاب القبر، ويدخل كل يوم سبعون ألف ملك إلى قبره يبشرونه بالجنة، ويوسع عليه قبره مد بصره"(1).

هذا وقد حكي في باب نوادر ما يتعلق بأبواب الكفن من مستدرك الوسائل عن الكفعمي في البلد الأمين مرسلاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعائين آخرين يكتبان على الكفن، وعن السيد هبة الله في المجموع الرائق مرسلاً في خواص السور قال:" سورة التحريم إذا كتبت على الميت خففت عنه، فإذا أهدي ثوابها للميت أسرع إليه كالبرق وآنسته وخففت عنه"(2).

بل ذكر غير واحد استحباب كتابة القرآن كله على الكفن، وفي الجواهر: "وهو مشهور في زماننا، حتى صارذلك فيه من الأمور التي لا يعتريها شوب الإشكال، وعليه أعاظم علماء العصر" .وكأنه لما في خبر عبدالله الصيرفي المروي في كتابي العيون وإكمال الدين في حديث وفاة الإمام الكاظم (عليه السلام) من أنه كفن بكفن فيه حبرة استعملت بألفين وخمسمائة دينار عليها القرآن كله(3).

لكن الذي تضمنه الحديث أن الذي كفنه بذلك سليمان بن أبي جعفر المنصور

********

(1) بحار الأنوار باب التكفين وآدابه حديث: 22 ج: 81 ص: 332.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 28 من أبواب الكفن حديث: 2، 3، 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 1 وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج: 1 ص: 37 وإكمال الدين ص: 81. كلاهما طبعة النجف الأشرف.

ص: 168

تداركاً لما لحقه من الدولة من التشهير به والتفريط بحقه، ومن الظاهر عدم حجية فعله، كما نبه له غير واحد، نعم هو يدل على معروفية ذلك بين المسلمين من ذلك العصر. كما أنه قد يستأنس له بما تقدم من كتاب الغيبة من خبر الساجة التي أعدها العمري لنفسه.

وفي العروة الوثقى أضاف أموراً:

الأول: كتابة هذين البيتين:

وفدتُ على الكريم بغير زادٍ *** من الحسناتِ والقلبِ السليمِ

وحملُ الزاد أقبحُ كلِّ شيءٍ *** إذا كانَ الوفودُ على الكريمِ

مدعياً أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كتبهما على كفن سلمان الفارسي. ولم يتيسر عاجلاً معرفة مصدره.

الثاني: كتابة السند المعروف بسلسلة الذهب المشتمل على التحصن بكلمة الاخلاص. وهو مناسب للمقام جداً، خصوصاً بلحاظ ما سبق. مضافاً إلى ما في كشف الغمة عن بعضهم: "أن هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض أمراء السامانية فكتبه بالذهب، وأوصى أن يدفن معه، فلما مات رئي في المنام، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتلفظي بلا إله إلا الله وتصديقي محمد رسول الله مخلصاً، وأني كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيماً واحتراماً"(1).

نعم الأنسب اختيار السند المبتدئ بالإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، الذي ذكره الصدوق في كتاب العيون في جملة طرق الحديث المذكور(2). إذ هو أشرف الأسانيد وأولاها بالتعظيم، وأقربها للنفع.

الثالث: كتابة السند الآخر ذي السلسة المباركة المشتمل على التحصن بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام). وهو كالأول في المناسبة للمقام.

********

(1) كشف الغمة ج: 3 ص: 98.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج: 2 ص: 133. طبعة النجف الأشرف.

ص: 169

ويلزم أن يكون ذلك كله في موضع يؤمن عليه من النجاسة والقذارة (1)،

الرابع: أن يكتب على فص خاتم عقيق الشهادتان وأسماء الأئمة (عليهم السلام) والإقرار بإمامتهم. ولم أعثر على ما يناسبه عدا ما عن ابن طاووس في فلاح السائل قال:" وكان جدي ورام ابن أبي فارس... وهو ممن يقتدى بفعله قد أوصى أن يجعل في فمه بعد وفاته فص عقيق عليه أسماء أئمته (عليهم السلام) فنقشت أنا فصاً عقيقاً عليه: الله ربي ومحمد نبيي وعلي (وسميت الأئمة (عليهم السلام) أئمتي ووسيلتي وأوصيت أن يجعل في فمي بعد الموت، ليكون جواب الملكين عند المسألة في القبر سهلاً إن شاء الله".

وقال في الجواهر:" ورأيت في كتاب ربيع الأنوار للزمخشري في باب اللباس والحلي عن بعض أنه كتب على فص شهادة أن لا إله إلا الله، وأوصى أن يجعل في فمه عند موته... ".ثم قال في العروة الوثقى:" بل يحسن كتابة ما يرجى منه النفع من غير أن يقصد الورود ".ووجهه ظاهر مما سبق. ومنه ما يأتي الإشارة إليه من كتابة كتاب يوضع في يمين الميت. ومنه سبحانه نستمد العون على سكرات الموت والعقبات التي بعده، إنه أرحم الواحمين.

(1) كأنه لحرمة تنجيسها وتقذيرها. لكن يشكل البناء على عموم حرمة التنجيس والتقذير لما إذا لم يستلزم التوهين عرفاً، وعموم لزومه في المقام ممنوع، بل لا يبعد عدم لزومه من نجاسة الدم في الجملة، خصوصاً القليل. كما لا إشكال في لزومه في بعض فروضها، كما قد يحصل بدونها. ومجرد قصد التبرك لا يجدي في رفعه عرفاً.

على أن حرمة التنجيس والتقذير لا يقتضي وجوب الاحتياط بجعلها في موضع يؤمن عليه منه، لاحتياج وجوب الاحتياط إلى دليل خاص، وبدونه يقتصر على ما يعلم معه بحصول التنجيس والتقذير.

نعم لا إشكال في رجحان الاحتياط بذلك. بل لعله أرجح من الاحتياط بكتابة ما لم يثبت استحباب كتابته، كما أشرنا إلى ذلك في ذيل الكلام فيما يكتب عليه من قطع الكفن.

ص: 170

فيكتب في حاشية الإزار من طرف رأس الميت (1). وقيل: ينبغي أن يكون ذلك في شيء يستصحب معه بالتعليق في عنقه أو الشد في يمينه (2). لكنه لا يخلو من تأمل (3). ويستحب في التكفين أن يجعل طرف الأيمن من اللفافة على أيسر الميت، والأيسر على أيمنه (4)،

(1) الظاهر أنه لا يسع جميع ما سبق.

(2) ففي العروة الوثقى:" إذا لم تكتب الأدعية المذكورة والقرآن على الكفن، بل على وصلة أخرى وجعلت على صدره أو فوق رأسه للأمن من التلويث كان أحسن".

(3) لظهور النصوص في استحباب الكتابة على الكفن. نعم يتجه ذلك فيما يؤتى به لمحض رجاء المطلوبية أو انتفاع الميت من دون نص يتضمن كتابته على الكفن، كحديث سلسلة الذهب، لوضوح عدم انحصار احتمال المطلوبية والانتفاع بالكتابة على الكفن. ولاسيما بلحاظ الرؤيا المتقدمة عن كشف الغمة في حديث سلسلة الذهب، وبلحاظ ما عن مصباح الشيخ ودعوات الراوندي(1) من ذكر كتاب يتضمن عقيدة الميت يوضع في يمينه على تفصيل لا يسع المقام نقله. فراجع.

(4) مقتضى الجمود على هذه العبارة استحباب كون اللفافة عريضة يصل طرفاها إلى جانبي الميت. ويبعد جداً إرادتهم ذلك، لأن فرض اللفافة يقتضي ذلك، وإن تقدم الكلام في وجوبه عند الكلام في تحديد الإزار.

وأشكل من ذلك ما في المبسوط من قوله:" ثم يلفه في اللفافة، فيطوي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن، وجانبها الأيمن على جانبها الأيسر "ونحوه في النهاية، لوضوح امتناع الفرض المذكور، لأن طي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن مستلزم لكون الأيمن تحت الأيسر، ومعه يمتنع طي الأيمن على الأيسر. وبعض عبائرهم ل

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 28 من أبواب الكفن حديث: 6.

ص: 171

(172)

وأن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث (1)،

تخلو عن إجمال وتردد بين مضموني العبارتين.

ومن ثم لا يبعد كون مراد الجميع ما في الفقيه والخلاف والوسيلة من لف الجانب الأيمن من اللفافة فوق الجانب الأيسر منها. قال في الخلاف:" ينبغي أن يبدأ بشق الثوب الأيسر على جانب الميت الأيمن، ثم يقلب [الجانب. ظ] بجانب الأيمن ويطرح على جانب الميت الأيسر. وبه قال أصحاب الشافعي، وقال المزني بالعكس. دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم".

وينحصر الدليل عليه بالإجماع المذكور، والرضوي:" وتلفه في إزاره وحبرته وتبدأ بالشق الأيسر وتمد على الأيمن، ثم تمد الأيمن على الأيسر "(1) وبنحوه عبر في الفقيه. كما أنه عمم في الوسيلة ذلك للحبرة.

(1) كما في العروة الوثقى. وقد يستظهر منه اختصاص ذلك بما إذا كان المكفن غير المغسل، وأن المغسل لا يستحب له ذلك، بل ما يأتي من غسل اليدين والرجلين. ولم أعثر على نظير ذلك في كلام الأصحاب، وإنما ذكروا استحباب اغتسال الغاسل إذا أراد التكفين.

نعم قال في الروضة بعد بيان ذلك:" ولو كفنه غير الغاسل فالأقرب استحباب كونه متطهراً. لفحوى اغتسال الغاسل أو وضوئه "ونحوه عن البيان. ومقتضاه عموم استحباب الطهارة لغير الغاسل، لا اختصاصها به. وقد يحمل عليه ما في المتن، بأن يكون المستحب للغاسل كلا الأمرين من الطهارة الحدثية وغسل اليدين والرجلين، كما ذكره بعضهم، كالصدوق.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه قال في الفقيه:" ثم يغتسل الغاسل يبدأ بالوضوء ثم يغتسل ثم يضع الميت في أكفانه "وقد يرجع إليه ما في المبسوط، حيث قال:" ثم

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 12 من أبواب الكفن حديث: 1.

ص: 172

يأخذ في تكفينه، فيتوضأ أولاً الغاسل وضوء الصلاة، وإن ترك تكفينه حتى يغتسل كان أفضل، إلا أن يخاف على الميت... "ونحوه في النهاية. وكأن الجمع بين الوضوء والغسل لما هو المعروف عندهم من أن كل غسل معه وضوء إلا غسل الجنابة.

ومن ثم قد يرجع إليه ما في المنتهى وعن التحرير من استحباب الغسل، فإن لم يتمكن توضأ، وما في التذكرة وعن نهاية الأحكام من استحباب الغسل، فإن لم يفعل توضأ. بل ما في جملة كثيرة من الكتب من استحباب الغسل أوالوضوء، بأن يكون مراد الكل أن الاقتصار على الوضوء لأنه بعض المطلوب الذي لا ينبغي تركه مع سهولته. ولم يقتصر على الغسل فيما أعلم إلا في الوسيلة، وإن أمكن أن يكون مراده ضم الوضوء إليه، اعتماداً على ما سبق من أن كل غسل معه وضوء.

نعم اقتصر في المقنع والمراسم ومحكي الكافي على غسل اليدين إلى المرفقين، وهو الظاهر من المقنعة - ونسبه إليه في كشف اللثام - لأنه وإن ذكر في أواخر كلامه في التكفين أنه إذا فرغ غاسل الميت من غسله توضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل، ولذا نسب له في مفتاح الكرامة موافقة الفقيه، إلا أن الظاهر أنه مسوق لبيان وجوب غسل المس بسبب التغسيل، لا لبيان استحباب تقديمه على التكفين كغسل اليدين إلى المرفقين. بل قد يظهر مما ذكره من أنه إذا فرغ الغاسل من غسله نقل إلى أكفانه من غير تلبث واشتغال، استحباب تقديم التكفين على الغسل والوضوء أو كراهة تأخيره عنهما.

هذا وظاهر جملة من كلماتهم واستدلالاتهم، بل صريح غير واحد أن الغسل المذكور هو غسل المس يستحب تقديمه على التكفين. لكن في كشف اللثام:" وفي الذكرى أن من الأغسال المسنونة الغسل للتكفين. وفي النزهة أنه به رواية".

ولعل المراد بالرواية - كما في كشف اللثام وغيره - صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام):" قال: الغسل في سبعة عشر موطناً: ليلة سبع عشرة من شهر رمضان... وإذا غسلت ميتاً أو كفنته أو مسسته بعدما يبرد"(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 11.

ص: 173

لكنه - كما ترى - إنما يقتضي الغسل بعد التكفين لا قبله. على أن في صحيحه الآخر عن أبي جعفر (عليه السلام): "وإذا غسلت ميتاً وكفنته أو مسسته بعدما يبرد"(1). والظاهر أن المراد به غسل المس اللازم من التغسيل، وذكر التكفين لأنه من توابع الغسل خارجاً، لا لكونه سبباً مستقلاً.

ومن ثم قد يحمل عليه الصحيح الأول بعد عدم بناء الأصحاب على ظاهره. مضافاً إلى أن كون التكفين من غايات الغسل المستحبة - لو تم - لا ينافي كونه واجباً بسبب المس اللازم من التغسيل. ولعله لذا حكي عن الذكرى أيضاً التصريح هنا بأنه غسل المس.

وكيف كان فقد استدل في المنتهى على استحباب تقديم الغسل من المغسل بأنه يكون على أبلغ أحواله من الطهارة عند تكفين الميت الكامل الطهارة، فإن لم يتمكن توضأ، لأنه إحدى الطهارتين وإن كان هو الأقل.

وفيه: أن كون المكفن على أبلغ أحواله في الطهارة بالغسل وعلى بعض مراتبها بالوضوء إنما يقتضي استحباب تعجيل الغسل أو الوضوء مطلقاً، لا بلحاظ التكفين، وإنما يكون من مستحبات التكفين إذا كان دخيلاً في كماله، وهو محتاج إلى دليل.

ومنه يظهر ضعف ما في المعتبر والتذكرة من الاستدلال له باستحباب التعجيل بغسل المس. حيث يظهر أن ذلك وحده لا يقتضي خصوصية الغسل في التكفين على أن يكون من مستحباته. مضافاً إلى ما في كشف اللثام من معارضته باستحباب تعجيل الموتى إلى مضاجعهم. ومن ثم لا مجال للبناء على استحباب إيقاع التكفين على طهارة، سواءً كان المكفن هو المغسل أم غيره.

بل هو في الأول أظهر، بلحاظ التعرض في جملة من النصوص(2) لتعقيب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3، 4، 5، 9 وباب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 174

التغسيل بالتكفين من دون إشارة إلى تخلل الغسل أو الوضوء بينهما. ولاسيما ما تضمن منها التنبيه على غسل اليدين والرجلين، ففي موثق عمار:" ثم تجففه بثوب نظيف، ثم تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين، ثم تكفنه"(1).

وأظهر منها ما صرح فيه بتأخير الغسل عن التكفين، كقول العبد الصالح (عليه السلام) في صحيح يعقوب بن يقطين: "ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات، ثم إذا كفنه اغتسل" (2) وفي حديث الأربعمائة: "ومن غسل منكم ميتاً فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه" (3) وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): "قلت: فالذي يغسله يغتسل؟ قال: نعم. قلت: فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل أن يغتسل؟ قال: يغسله، ثم يغسل يديه من العاتق، ثم يلبسه أكفانه، ثم يغتسل"(4).

بل يظهر منها رجحان تأخير الغسل عن التكفين، لظهورها في بيان المحل المطلوب شرعاً، لا الحاصل خارجاً بسبب غلبة التعجيل بالتكفين. ولاسيما صحيح محمد بن مسلم للتصدي فيه لبيان محل الغسل بعد بيان أصل وجوبه لا بتبعه. وما عن الذكرى من إمكان حمله على الضرورة. لا يجدي بعد عدم القرينة عليه، بل هو خلاف ظاهره وظاهر بقية تلك النصوص.

وبذلك يخرج عما تقدم من المعتبر والتذكرة والمنتهى من الاستدلال لو تم في نفسه، فيبنى على مرجوحية الفصل من المغسل بالغسل بين التغسيل والتكفين - للنصوص المذكورة - المبتنية على مرجوحية تأخير تجهيز الميت، أو بقائه عارياً بعد التغسيل، لما فيه من نوع توهين أو غيرهما، كما قد يستظهر مما تقدم من المقنعة وبه صرح في المدارك وغيره.

أما غير المغسل فيستحب له الطهارة لو أراد التكفين عملاً بما تقدم من استدلال

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3، 1.

ص: 175

(176)

وإن كان هو المغسل غسل يديه (1) من المرفقين (2)

المعتبر وغيره بعد فرض تماميته، لخروجه عن مورد النصوص المتقدمة، وتيسر تقديم الطهارة له بحيث لا يلزم الفصل بين التغسيل والتكفين. وقد سبق أنه قد يستظهر من عبارة المتن. لكن حيث عرفت عدم تمامية الوجه المذكور تعين عدم البناء على استحباب طهارة المكفن مطلقاً، كما تقدم.

بقي شيء وهو أن الدليل على استحباب الغسل والوضوء - لو تم - لما كان منحصراً بما تقدم من المعتبر وغيره فهو يبتني على فرض كونهما مطهرين من الحدث، فالإتيان بهما لأجل التكفين لابد أن يبتني على قصد الطهارة من الحدث ولو ارتكازاً. بل الظاهر أن ترتب الطهارة مقوم للوضوء، وقصده مستلزم لقصدها، كما سبق عند الكلام في الوضوء بقصد الكون على الطهارة. ولازم ذلك جواز إيقاع الصلاة به.

وما في التذكرة والقواعد وجامع المقاصد وعن الإيضاح من عدم جواز إيقاعها به ما لم ينوبه رفع الحدث. في غير محله. وقد أطالوا الكلام في ذلك بما لا مجال لتعقيبه.

(1) تقدم الاقتصار على ذلك من المقنع والمقنعة والمراسم ومحكي الكافي، كما أشرنا إلى جمع الصدوق بينه وبينه الوضوء والغسل، غاية الأمر أنه قد يظهر منه تقديمه على التنشيف وتأخيرهما عنه. كما يظهر من غير واحد أن ذلك إنما يشرع بدلاً عن الغسل والوضوء مع عدم الإتيان بهما، ومنه ما تقدم عن الذكرى من حمل صحيح محمدبن مسلم على الضرورة. وقد ظهرأن الأول هوالأقوى، وما في المتن محتمل له وللثاني.

(2) كما عبر عنه الأكثر في المقام. وكأنه هو المراد مما في المعتبر والتذكرة من غسلهما إلى الذراعين، بارادة دخول الغاية في حكم المغيى، وإن كان استدلالهما عليه بصحيح يعقوب بن يقطين المتقدم في غير محله لظهور التحديد فيه بالمنكبين. فالأولى

ص: 176

بل المنكبين (1) ثلاث مرات (2)، ورجليه إلى الركبتين (3)، ويغسل كل موضع تنجس من بدنه (4)، وأن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة (5).

الاستدلال له بموثق عمار المتقدم.

(1) فإنه أفضل بمقتضى صحيحي محمد بن مسلم ويعقوب بن يقطين المتقدمين.

(2) فإنه أفضل بمقتضى صحيح يعقوب المتضمن الغسل إلى المنكبين.

(3) كما تضمنه موثق عمار.

(4) قرب في الجواهر التعدي عن مضمون النصوص المتقدمة باستحباب غسل مظان النجاسة من بدن المغسل. ومقتضاه عدم الاقتصار على ما يعلم بنجاسته منه. وهو كذلك لو تم وجه التعدي، لوضوح أن استيعاب الغسل لتمام اليدين إلى المنكبين ليس إلا لكونه مظنة للنجاسة لا معلومها.

لكن لم يعلم وجه التعدي عن مورد النصوص بعد تميز اليدين والرجلين بالتعرض لمماسة الكفن، وليسا كبقية أجزاء البدن في ذلك. كما أن البناء على أن غسل اليدين لكونهما مظنة النجاسة حتى يلحق بهما بقية مظان النجاسة من البدن لا يناسب ما ذكروه من طهارة يدي الغاسل تبعاً لطهارة الميت. وقد تقدم في ذيل مستحبات التغسيل ما ينفع في المقام.

(5) لإطلاق صحيح يعقوب بن يقطين:" سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الميت كيف يوضع على المغتسل موجهاً وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال: يوضع كيف تيسر، فإذا ظهر وضع كما يوضع في قبره "(1) المحمول على الاستحباب، لظهور إهمال الأصحاب التنبيه عليه في المفروغية عن عدم وجوبه، كما تقدم في ذيل الكلام في كيفية الاستقبال حال الاحتضار.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 177

(178)

والأولى أن يكون كحال الصلاة عليه (1) ويكره قطع الكفن بالحديد (2)،

(1) بل هو المتيعن، عملاً بصحيح يعقوب الذي ينحصر به الدليل على استحباب الاستقبال حال التكفين. وبه يرفع اليد عن إطلاق ما تضمن ن الاستقبال بالميت بامتداد قدميه نحو القبلة(1) ، بناءً على عمومه لغير حال الاحتضار.

ودعوى: أن مقتضى الجمع بين المطلق والمقيد في المستحبات حمل المقيد على أفضل الأفراد. مدفوعة بأن ذلك إنما يتم في الأمر بالمطلق والأمر بالمقيد، لا في شرح المأمور به وتحديده، وهو في المقام كيفية الاستقبال، للتنافي بين المطلق والمقيد في ذلك.

ولاسيما مع اشتمال بعض المطلقات المذكورة على النهي عن الاعتراض الكاشف عن أن موضوعه غير حال التكفين. ففي صحيح ذريح عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: وإذا وجهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة، ولا تجعله معترضاً كما يجعل الناس، فإني رأيت أصحابنا يفعلون ذلك، وقد كان أبو بصير يأمر بالاعتراض. أخبرني بذلك علي بن أبي حمزة"(2). إلا أن يشكك في كون قوله: "لا تجعله..." من كلام الإمام (عليه السلام) ويحتمل كونه من كلام الرواي، بلحاظ بقية الكلام. فتأمل. فالعمدة ما سبق. ومنه يظهر ضعف ما في العروة الوثقى من التخيير بين الوجهين من دون إشارة لأولوية الثاني.

(2) كما في المقنعة والمبسوط وغيرهما. وفي التهذيب: "سمعنا ذلك مذاكرة عن الشيوخ رحمهم الله، وعليه كان عملهم" .وفي التذكرة بعد نقل ذلك: "ولابد له من أصل، فيعتمد عليه" ،وفي المعتبر بعد نقله أيضاً: "ويستحب متابعتهم تخلصاً من الوقوع فيما يكره" .ولا يبعد كون مراده أولوية الترك لاحتمال الكراهة، لا الفتوى بالكراهة، ليتوجه عليه ما في الحدائق من أن

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 35 من أبواب الاحتضار.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

ص: 178

وعمل الأكمام (1) والزرور (2) له،

الكراهة حكم شرعي لابد في الفتوى به من دليل واضح.

(1) كما ذكره جماعة، وفي الذكرى وعن غيره نسبته للأصحاب، وفي المعتبر أن عليه فتواهم، وفي كشف اللثام أنهم قطعوا به. ويقتضيه مرسل محمد بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قلت له: الرجل يكون له القميص أيكفن فيه؟ قال: اقطع أزراره. قلت: وكمه؟ قال: لا، إنما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كماً، وأما إذا كان ثوباً لبيساً فلا يقطع منه إلا الأزرار"(1).

وعن القاضي في المهذب أنه لا يجوز. وقد يريد به الكراهة. وإلا فالمرسل - مع ضعفه في نفسه - يشكل ظهوره في الحرمة، لعدم النهي فيه عن اتخاذ الأكمام المبتدأة، ليكون ظاهراً فيها، وإنما تضمن بيان مورد عدم اتخاذ الأكمام لدفع توهم عمومه للقميص اللبيس من دون تصدّ لحكمه، والمتيقن منه مرجوحية الترك. مضافاً إلى أن شهرة الكراهة بين الأصحاب يبعد فيها الخطأ، لشيوع الابتلاء بالحكم. فتأمل.

ومنه يظهر عدم كراهة إبقاء الأكمام في القميص اللبيس، كما هو المعروف بين الأصحاب، بل ظاهر التذكرة إجماعهم عليه، وفي كشف اللثام أنهم قطعوا به. ويقتضيه - مضافاً إلى المرسل - صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع:" سألت أبا جعفر (عليه السلام) أن يأمر لي بقميص أعده لكفني، فبعث به إلي. فقلت: كيف أصنع؟ فقال: انزع أزراره"(2). وهو مقتضى إطلاق بعض النصوص المتضمنة للتكفين بقميص لبيس(3).

(2) كما هو مقتضى صحيح محمد بن إسماعيل المتقدم بعد إلغاء خصوصية مورده. وأما الاستدلال

عليه بقوله (عليه السلام) في صحيح عبدالله بن سنان: "ثم الكفن

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 28 من أبواب التكفين حديث: 2، 1.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 5، 15.

ص: 179

ولو كفن في قميصه قطع أزراره (1). ويكره بلّ الخيوط التي تخاط به

قميص غير مزرور ولا مكفوف "(1) ونحوه مرسل يونس(2). فلا يخلو عن إشكال، حيث لا يبعد ظهور عدم زرّه بالأزرار، كما لا إشكال في أنه الظاهر من قوله (عليه السلام) في معتبر معاوية بن وهب:" قميص لا يزر عليه"(3). ويكون مقتضى الجمع بين النصوص استحباب نزع الأزرار أو كراهة إبقائها، فإن لم تنزع يكره زرّ القميص بها.

والبناء على الكراهة وإن كان خلاف ظاهر النصوص المذكورة في الموردين، إلا أنه قد يتعين بلحاظ إهمال جلّ الأصحاب التنبيه على الكراهة فضلاً عن الحرمة، الظاهر في مفروغيتهم عن عدم الحرمة.

وهذا هو العمدة في الخروج عن ظاهر النصوص، لا ما قد يدعى من الإطلاق والأصل، لنهوض النصوص بالخروج عنهما. ولا إهمال التنبيه لرفع الأزرار من قميص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كفن به فاطمة بنت أسد في نصوصه(4). لأن عدم التنبيه على ذلك في مقام نقل قضية خارجية غيرمسوق لبيان التشريع لاظهورله في عدم وقوعه، وإلا فمن البعيد إبقاء أزراره ولو مع الكراهة. مع أنه لم يعلم اشتمال قميصه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأزرار. على أنه لو تم ظهوره في إبقاء الأزرار أو زرّ القميص بها فليس هو بحيث ينهض برفع اليد عن ظهور النصوص المتقدمة في الوجوب.

(1) كما تضمنه صحيح محمد بن إسماعيل بعد إلغاء خصوصية مورده. ومنه يظهر عموم ذلك لقميص غيره إذا كفن به، كما هو مورد الصحيح.

هذا والظاهر جريان نظير ما تقدم في كفّ القميص، فلا يكف إذا قطع للكفن، عملاً بصحيح عبدالله بن سنان ومرسل يونس المتقدمين المحمولين على الكراهة،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 3.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 26 من أبواب التكفين.

ص: 180

بريقه (1) وتبخيره (2)

لنظير ما تقدم. كما لا يفتق الكفّ لو كان القميص لبيساً، لظهور الاقتصار في صحيح محمد بن إسماعيل على نزع الأزرار في عدم تغيير القميص من غير جهتها. وبه يخرج عن إطلاق الصحيح والمرسل.

(1) على المشهور، كما في الروضة ومحكي الذكرى. وفي المعتبر: "ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط، ورأيت الأصحاب يتجنبونه. ولا بأس بمتابعتهم لإزالة الاحتمال، ووقوفاً على الأولى. وهذا موضع الوفاق" .وكلامه كالصريح في عدم الفتوى بالكراهة الشرعية، فلا مجال للإنكار عليه، كما في الحدائق، بنظير ما تقدم في قطع الكفن بالحديد.

قال في جامع المقاصد: "ويظهر من تقييد الكراهية بكون بلها بالريق عدم كراهية غيره. وبه صرح في الذكرى للأصل" .ونحوه في المدارك وعن غيره.

(2) وهو المراد بالتجمير في كلامهم. وقد نسب في المنتهى لأكثر علمائنا كراهته، بل في التذكرة الإجماع عليها، وفي الخلاف الإجماع على كراهة التجمير بالعود، وفي المعتبر الإجماع على كراهة التجمير والتطييب بغير الكافور والذريرة.

ويقتضيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم إلا بالكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم"(1). ومرسل ابن أبي عمير عنه (عليه السلام):" قال: لا يجمر الكفن"(2).

لكن قال في الفقيه: "وحنوط الرجل والمرأة سواء. غير أنه يكره أن يجمر أو يتبع بجمرة، ولكن يجمر الكفن" وظاهره استحباب تجمير الكفن أو عدم كراهته.

وقد يستدل له بصحيح عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: لا بأس بدخنة كفن الميت" (3) ومعتبر غياث عنه عن أبيه (عليهما السلام): "أنه كان يجمر الكفن بالعود

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5، 2، 13.

ص: 181

وتطييبه (1) بغير الكافور والذريرة (2)، وأن يكون أسود (3)، بل مطلق

فيه المسك. وربما جعل على النعش الحنوط، وربما لم يجعله، وكان يكره أن يتبع الميت بالمجمرة)(1) ، بناء على روايته هكذا، كما في إحدى النسختين المذكورتين في الوسائل.

وفي النسخة الأخرى:" أنه كان يجمر الميت "وعليه اقتصر في الطبعة الحديثة من التهذيبين، والاستدلال به وبغيره مما ورد في الميت - وقد يأتي في التحنيط - موقوف على التعدي من الميت للكفن في ذلك، وهو لا يناسب ما تقدم من الفقيه منالتفريق بينهما.

وكيف كان فلابد من حمل ما تقدم إما على التقية، لموافقته للعامة أو لكثير منهم - كما في التهذيبين وغيرهما - أو على بيان الجواز، فيكون شاهداً لحمل الصحيح والمرسل على الكراهة.

(1) فقد تقدم من المعتبر دعوى الإجماع عليه. ويقتضيه عموم التعليل في صحيح محمد بن مسلم المتقدم.

(2) كما تقدم في معقد إجماع المعتبر. ويظهر الوجه فيه مما تقدم في مستحبات التكفين. وهو مختص بالتطييب بهما بغير التجمير.

(3) بلا خلاف، كما في المنتهى، بل إجماعاً كما في المعتبر والتذكرة ومحكي نهاية الأحكام. بل تقدم في ذيل الكلام في شروط الكفن الاختيارية من الخلاف ما قد يظهر في دعوى الإجماع على حرمة التكفين بالسواد، وإن لم يبعد بعد التأمل حمله على الكراهة. فراجع.

هذا وقد علل في المعتبر والتذكرة الكراهة بأنه ثياب مثلة. ولم يتضح المراد بذلك. ولو أريد به ثياب شهرة كان ممنوعاً صغرى، بل كبرى أيضاً، لأن حرمة ثوب الشهرة في حق الحي لا يستلزم حرمة التكفين به ولا كراهته.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 14.

ص: 182

المصبوغ (1)،

فالعمدة في ذلك موثق الحسين بن المختار أو صحيحه:" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يحرم في الثوب الأسود؟ قال: لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به "(1) وفي حديثه الآخر - المشتمل سنده على إرسال - عنه (عليه السلام):" قال: لا يكفن الميت في السواد"(2). وقد يتعين حملهما على الكراهة، لمعروفية القول بها بين الأصحاب، مع استبعاد خطئهم في مثل ذلك مما هو مورد الابتلاء. فتأمل.

ولا أقل من كونه مقتضى الجمع بينهما وبين معتبر الجعفريات عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفن حمزة بن عبد المطلب في نمرة سوداء"(3) ، ونحوه مرسل الدعائم(4).

(1) كما في الوسيلة والروض والذكرى، وفي التذكرة كراهة المعصفر وغيره. وفي المنتهى:" وقيل: يكره أن يكون في الثوب المعصفر والمصبوغ إلا ما كان من القصب، وهو نبت باليمن. قاله الأوزاعي. ولا بأس بذلك، لما فيه من منافاة فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)".

وفيه: أن عدم تكفينهم (عليهم السلام) به لا يستلزم كراهته. على أنه لا طريق لإحراز ذلك بعد ما ورد من تكفين أمير المؤمنين (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسهل بن حنيف، وتكفين الحسن (عليه السلام) أسامة بن زيد ببرد أحمر حبرة(5) ، إذ يبعد جداً عدم استناد الحمرة للصبغ.

وأشكل من ذلك ماعن الذكرى من حمل مرسل الحسين بن المختارعليه، إذ هو موقوف على إلغاء خصوصية السواد فيه والتعدي منه لكل مصبوغ، وهو ممنوع جداً، ولاسيما مع عموم النهي عن الأسود فيه لما لم يكن مصبوغاً. وأضعف من ذلك ما عن

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب التكفين حديث: 2، 1.

(3و4) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 18 من أبواب الكفن حديث: 3، 2.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 2، 3.

ص: 183

وأن يكتب عليه بالسواد (1)، وأن يكون من الكتان (2)، وأن يكون ممزوج

المهذب والإصباح من المنع عن المصبوغ لو أريد به التحريم. ومثل ذلك ما نسبه في كشف اللثام للمشهور وإن لم نتحققه من كراهة غير الأبيض مطلقاً. حيث لا وجه له إلا إلغاء خصوصية الأسود والتعدي لكل غير أبيض، الذي أشرنا إلى منعه. أو ما في التذكرة من أن وصف البياض بالطيب والطهور في كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدل بمفهومه على كراهة ضده، الذي يندفع - مضافاً إلى أن المفهوم المذكور مفهوم لقب ليس حجة - بأن الموجود في موثق ابن القداح(1) المتقدم أنه أطيب وأطهر، وهو ظاهر في مزية الأبيض واستحبابه، فيدل على أن غيره دونه وإن لم يكن مكروهاً.

(1) كما في الوسيلة والشرايع والقواعد وغيرها، وفي النهاية أنه لا يجوز، ويحتملهما النهي عنه في المقنعة والمبسوط وغيرهما. وربما يحملان معاً على شدة الكراهة. قال في المعتبر:" وهو حسن، لأن في ذلك نوع استبشاع، ولأن وظائف الميت متلقاة توقيفاً، فيقف على الدلالة".

لكن الاستبشاع غير ظاهر صغرى ولا كبرى. والكراهة هي التي تحتاج للدلالة. ولاسيما مع ورود النص بالكتابة التي يتعارف فيها السواد.

ومثله ما في المنتهى من تعليله بمنافاة الكتابة بالسواد للتكفين بالبياض. فإنه لا يخلو عن إشكال أو منع. ولو تم اقتضى كراهة الكتابة بكل ذي لون، كما قد يرجع إليه ما في المقنعة والمنتهى وغيرهما من التعميم لسائر الأصباغ، وهو مناف لظاهر النص جداً. وقد تقدم بعض الكلام في ذلك عند الكلام فيما يستحب كتابته على الكفن.

(2) كما ذكره جماعة، بل ظاهر التذكرة وجامع المقاصد ومحكي نهاية الأحكام الإجماع عليه. والظاهر أن نسبته للأكثر في كشف اللثام بلحاظ ما في الفقيه من أنه لا يجوز، وما عن الكافي من أن أفضل الأكفان الثياب البيض من القطن والكتان، ونحوه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 184

بابريسم (1)،

ما في الغنية مدعياً عليه الإجماع. لكن الثاني قد يحمل على الأفضلية من حيثية اللون غير المنافية للكراهية من حيثية الجنس، كما قد يحمل الأول على شدة الكراهة.

وكيف كان فقد استدل للكراهة بصحيح يعقوب بن يزيد عن عدة منأصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: لا يكفن الميت في كتان "(1) ونحوهالرضوي(2) ، وصحيح أبي خديجة عنه (عليه السلام):" قال: الكتان كان لبني اسرائيل يكفنون به والقطن لأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)"(3).

ويشكل بأن ظاهر الأولين الحرمة، وحيث يقوى عدم قدح الإرسال في حديث يعقوب بعد كونه عن عدة من أصحابنا الظاهر في استفاضة الحديث، أشكل البناء على الكراهة بعد عدم المخرج عن ظاهر النهي المذكور، لأن الثالث مجمل من هذه الجهة، وإنما يدل على استحباب القطن لا غير.

اللهم إلا أن يحمل الأولان على الكراهة بلحاظ معروفية القول بها بين الأصحاب، لبعد الخطأ فيها منهم بعد شيوع الابتلاء بالحكم. فتأمل جيداً.

(1) كما ذكره جماعة، وفي جامع المقاصد: "إذا كان الخليط أكثر. كذا في مقطوعة الحسن بن راشد. وعبر به جماعة" وفي كشف اللثام: "وكان الأوضح تقييدها بكون الإبريسم أقل" .وكأنه يبتني على حمل الرواية المذكورة على الكراهة، وقد سبق الاشكال فيه في المسألة الثلاثين، وأن الأقوى الحرمة إلا مع كون الإبريسم أقل. ومن ثم يشكل الدليل على الكراهة فيما لو كان الابريسم أقل. نعم في مفتاح الكرامة: "استند في كشف الالتباس في الكراهة إلى رواية رواها فيه عنه (عليه السلام): لا يكفن الميت في كتان ولا ممتزج" .فتأمل.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب التكفين حديث: 2.

(2) الرضوي ص: 18.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 185

والمماكسة في شرائه (1)، وجعل العمامة بلا حنك (2)، وكونه وسخاً (3)، وكونه مخيطاً (4).

(1) كما في الوسائل والعروة الوثقى. لخبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): "قال: يا علي لا تماكس في أربعة أشياء: في شراء الأضحية والكفن والنسمة والكراء إلى مكة"(1) ، ونحوه مرفوع محمد بن عيسى عن أبي جعفر(2) (عليه السلام). نعم ورد في بعض النصوص عموم رجحان المكاس، ومكاس الإمام الصادق (عليه السلام) في ثمن الهدى(3). فلاحظها.

(2) كما قد تقدم عند الكلام في استحباب العمامة.

(3) كما في العروة الوثقى. وقد يستفاد من تعليل الأمر بإجادة الأكفان بأن الموتى يتباهون بأكفانهم وأنها زينتهم(4). كما قد يستفاد من قوله (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم:" إن استطعت أن يكون في كفنه ثوب كان يصلي فيه نظيف فافعل، فإن ذلك يستحب أن يكفن فيما كان يصلي فيه "(5) ونحوه مرسل عبدالله بن المغيرة(6). وإن أمكن أن يحملا على الطهارة الشرعية.

(4) كما في العروة الوثقى. وقال:" بل يستحب كون كل قطعة منه وصلة واحدة بلا خياطة على ما ذكره بعض العلماء، ولا بأس به ".وكأنه لعموم التعليل في صحيح محمد بن مسلم المتقدم في تبخير الكفن بأن الميت بمنزلة المحرم(7) المحمول على الكراهة على ما تقدم في المسألة الثامنة والعشرين عند الكلام في شروط الكفن.

لكن تقدم هناك أن غاية ما يمكن تنزيل ذلك عليه هو قصره على ما كان مبتني

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 36 من أبواب التكفين حديث: 1، 2.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 10 باب: 19 من أبواب الذبح، وج: 12 باب: 45 من أبواب آداب التجارة.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب التكفين.

(5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 4 من أبواب التكفين حديث: 1، 2.

(7) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 186

(187)

(مسألة 40): يستحب لكل أحد أن يهيئ كفنه قبل موته (1)، وأن يكرر نظره إليه (2).

على التزيين والتجمل، ولم يتضح كون المخيط منها. ولاسيما بعد ما تضمنته جملة من النصوص من التكفين بالقميص الملبوس للميت أو لغيره، فإنه وإن أمكن أن يكون اختياره لفضيلته لأنها أهم من جهة الكراهة فيه، إلا أن عدم التنبيه للكراهة فيها وفي غيرها يناسب عدم الكراهة جداً. فلاحظ.

(1) كما ذكره غير واحد. ويقتضيه مرسل محمد بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: من كان كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين، وكان مأجوراً كلما نظر إليه" (1) ونحوه ما عن كتاب مدينة العلم للصدوق بإسناده إلى الصادق(2) (عليه السلام). فإن مقتضى الصدر استحباب تهيئة الكفن ولو مع عدم النظر إليه. ومن ثم يختلفان عن الحديثين الآتيين.

(2) ويقتضيه - مضافاً إلى ما تقدم - موثق السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: إذا أعد الرجل كفنه فهو مأجور كلما نظر إليه"(3) ، ونحوه موثقه الآخر(4). والحمد لله رب العالمين.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب التكفين حديث: 2.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 21 من أبواب التكفين حديث: 1.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب التكفين حديث: 1، 3.

ص: 187

ص: 188

(189)

الفصل الخامس (1): في التحنيط

يجب إمساس (2)

(1) مقتضى تسلسل الفصول أن يكون هذا هو الفصل الرابع. لكنه (قدس سره) جرى على ذلك فيما يأتي، ويكفي التنبيه هنا.

(2) إجماعاً كما في الخلاف والتذكرة والمنتهى والروض وعن أحد شرحي الجعفرية والمفاتيح. بل قد ينسب دعواه للغنية، وإن لم يبعد كون معقده فيه اختصاص الحنوط بالكافور. كما ربما نسب لبعض أنه المشهور أو المعروف بين الأصحاب، والظاهر من بعضهم رجوع ذلك لبعض خصوصياته مع المفروغية عن أصل وجوبه، كما يظهر من غيرهم أيضاً. وفي الجواهر:" إجماعاً محصلاً ومنقولاً، ونصوصاً".

وأما ما في كشف اللثام من أن ظاهر المراسم الاستحباب، فلم يتضح منشؤه بعد ملاحظة كلامه، وفي مفتاح الكرامة:" وكأنه لحظ آخر عبارتها الموهمة لذلك. ولو لحظ أول كلامه لظهر له أنه قائل بالوجوب في مواضع ثلاثة".

نعم قال في مفتاح الكرامة:" وفي مجمع البرهان تأمل في الوجوب أو منع منه. قال: ولعل اختلاف الأخبار دليل الاستحباب. وقال: لا نعرف الإجماع".

وهو كما ترى، فإن الإجماع في المقام كالإجماع في سائر أحكام الميت من أحكام. والأخبار اختلفت في بيان ما يمسح من جسد الميت، وهو لا يدل على استحباب أصل

ص: 189

التحنيط، نظير اختلاف الأخبار في خصوصيات سائر واجبات التجهيز. فلامجال للخروج عن ظهورها في وجوب التحنيط في الجملة. ولاسيما بملاحظة موثق الفضل بن يونس المتضمن تحنيط المؤمن من الزكاة(1).

وأما الاقتصار على الأمر بالتكفين بعد التغسيل في بعض النصوص(2). فقد يكون الوجه فيه أنه من توابع التكفين، كما يظهر من بعض النصوص(3) وكلام الفقهاء. على أنه ليس بنحو يخرج به عن ظاهر النصوص الآمرة به.

هذا ومقتضى إطلاق الأصحاب عموم وجوب التحنيط لكل ميت، كسائر أفعال التجهيز التي بناؤهم فيها على ذلك بحيث يحتاج عدم وجوبها في بعض الموارد للتنبيه والدليل.

وقد يستفاد ذلك مما تضمن الأمر به في سياق التغسيل والتكفين، ففي موثق عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام):" أنه سئل عن غسل الميت قال: تبدأ فتطرح على سوءته خرقة... "وبعد شرح الغسل قال:" ثم تكفنه تبدأ وتجعل على مقعدته شيئاً من القطن وذريرة... واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه "(4) وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليه السلام):" قال: إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلها، واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه"(5). وقد يستفاد من غيرهما.

نعم الظاهر عدم الإشكال في عدم تحنيط الشهيد وتقديم تحنيط المرجوم والمقتص منه على القتل، كما يظهر مما سبق فيهما في الغسل.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 33 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 4، 9.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1 وباب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 6.

ص: 190

(191)

مساجد الميت السبعة (1)

(1) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل هو داخل في معقد الإجماع المتقدم من التذكرة والمنتهى والروض وعن أحد شرحي الجعفرية والمفاتيح. ولعله يرجع إليه ما في المقنعة والمبسوط والنهاية وعن الإصباح من جعله على ظاهر أصابع قدميه، وما في الاقتصاد والسرائر وعن المصباح ومختصره من جعله على طرفها.

ويشهد له النصوص الكثيرة، كموثق عمار وصحيح زرارة المتقدمين وموثق عبدالرحمن بن أبي عبدالله: "سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحنوط للميت: فقال: اجعله في مساجده" (1) وغيرها مما تضمن الأمر بذلك(2).

نعم في صحيح عبدالله بن سنان: "قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): كيف أصنع بالحنوط؟ قال: تضع في فمه ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه" (3) ولم يتعرض فيه لإبهامي الرجلين. وفي مرسل يونس: "ثم اعمد إلى الكافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه، وفي رأسه وفي عنقه ومنكبيه ومرافقه، وفي كل مفصل من مفاصله [مغابنه. مساجده. خ ل. يب] من اليدين والرجلين وفي وسط راحتيه" (4) حيث صرح فيه بالمسح على الجبهة والراحتين، واستفيد منه المسح على الركبتين من عموم المسح على المفاصل، ولم يشر فيه للمسح على الإبهامين.

لكن إطباق النصوص المتقدمة على ذكر المساجد وصعوبة التفكيك بينها بسبب ظهور ذكر عنوانها في خصوصية في الحكم قد يصلح للقرينة على حمل الصحيح

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5، وباب: 15 منها حديث: 3، وباب: 16 منها حديث: 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 3.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 191

على الاكتفاء في شرح عنوان المساجد فيه ببيان بعضها اتكالاً على معلومية الباقي، لا على تقييده بالمذكور واقتصار الوجوب عليه. ولا أقل من سقوط ظهوره عن الحجية بسبب إعراض الأصحاب عنه الموجب للريب فيه باحتمال السقط ونحوه.

ومنه يظهر الحال في المرسل. على أنه يمكن استفادة المسح على الإبهامين منه من عموم المسح على المفاصل، لاشتمال الإبهامين على المفصل. غايته أنه يبتني على كون المسجد تمام الإبهام، لا خصوص طرفه، وهو غير بعيد بالنظر للأدلة، وتمام الكلام في محله، وعلى الاكتفاء بمسح بعض المسجد، الذي يأتي تقريبه.

مضافاً إلى أنه وإن روي هكذا في الوسائل والكافي - على ما في المطبوع حديثاً منهما - إلا أنه روي في التهذيب - على ما في المطبوع حديثاً منه - هكذا: "فضعه على جبهته وموضع سجوده" .ومن أن القريب أن لا يكون العطف فيه تفسيرياً، بل من عطف العام على الخاص، ويراد بموضع السجود الجنس. ولا أقل من كونه مقتضى الجمع بينه وبين النصوص السابقة.

ومن جميع ما تقدم يظهر الإشكال فيما عن المقنع من الاقتصار من المساجد على جبينه(1) ، إذ هو لا يناسب جميع نصوص المقام. ولعله لذا لم أعثر على من نبه لخلافه وتصدى لمناقشته.

هذا والمعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك والمشهور بينهم كما في جامع المقاصد وكشف اللثام الاقتصار على المساجد السبعة، وزاد في المقنعة والمنتهى أنفه، بل في الثاني بعد بيان ما يحنط ومنه الأنف قال: "ولا خلاف في ذلك، وقد اتفق علماؤنا على وجوبه" .وقد حكي عن أبي عقيل والحلبي والقاضي، وقد يرجع إليه ما في الفقيه من التعبير بالأنف.

لكن نفى في الخلاف وضع الكافور على جملة من الأمور منها الأنف، مدعي

********

(1) حكاه عنه في كشف اللثام ومفتاح الكرامة وغيرهما. والموجود في المطبوع قديماً وحديثاً بدله: (جنبيه) ولعله تصحيف.

ص: 192

عليه إجماع الفرقة وعملهم، بل قد يظهر منه عدم الاستحباب أيضاً، حيث ذكر أن ما يفضل عن المساجد يترك على الصدر، مدعياً إجماع الفرقة وعملهم أيضاً.

ويظهر منهم أن زيادة الأنف تبتني على عموم المساجد بلحاظ استحباب السجود عليه. وهو لا يخلو عن إشكال، بل منع، لأن المساجد المعهودة عند المتشرعة التي تفهم من الإطلاق هي التي يجب السجود عليها، بل لعل ظاهر النصوص أن الأنف ليس مسجداً وإن استحب السجود عليه.

وأما مرسل الدعائم عن الصادق (عليه السلام): "قال: إذا فرغ من غسل الميت نشف في ثوب وجعل الكافور والحنوط في مواضع سجوده وجبهته وأنفه ويديه وركبتيه ورجليه، ويجعل ذلك في مسامعه وفيه ولحيته وصدره..."(1). فمن الظاهر عدم التعويل عليه في إثبات الحكم الشرعي وعدم استنادهم إليه.

نعم لا يبعد ابتناء زيادتهم الأنف على الاستحباب، لفهمهم من دليل تحنيط المساجد أن تحنيطها على نحو السجود عليها، فما وجب السجود عليه وجب تحنيطه، وما يستحب السجود عليه يستحب تحنيطه. وهو لا يخلو عن وجه. وإن كان مورداً للتأمل. ولاسيما مع عدم الإشارة للأنف في النصوص مع تعرضها لكثير من الزيادات غير المساجد، على اختلاف فيها. فلاحظ.

بقي في المقام أمران:

الأول: قال في التذكرة:" لا يجب استيعاب المساجد بالمسح ".وصرح في الروض بالاكتفاء بالمسمى. والوجه فيه إطلاق نصوص الحنوط، لأنها بين ما تضمن جعل الكافور في المساجد - كموثق عمار وعبد الرحمن المتقدمين - أو عليها - كقوله (عليه السلام) في موثق سماعة:" ويجعل شيئاً من الحنوط على مسامعه ومساجده "(2)- وما تضمن

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 12 من أبواب الكفن حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب التكفين حديث: 2.

ص: 193

وضعه فيها - كصحيح عبدالله بن سنان المتقدم، وقوله (عليه السلام) في صحيح حمران:" يوضع في منخره وموضع سجوده ومفاصله "(1)- أو عليها - كمرسل يونس المتقدم - أو على موضعها - كقوله (عليه السلام) في صحيح الكاهلي وحسين بن المختار:" يوضع الكافورمن الميت على موضع المساجد "(2)- وما تضمن مسحها به - كصحيح زرارة المتقدم، وصحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار السجود منه "(3) والكل يصدق بالمسمى، ولا يتوقف على الاستيعاب.

ولم نعثر على ما يخرج به عن الإطلاق المذكور عدا ما تقدم في مرسل يونس من الأمر بمسح وسط راحتيه الظاهر في التعيين، وعدم إجزاء مسح غير الراحتين من أجزاء الكف. لكنه - مع عدم اقتضائه الاستيعاب - قد يحمل على الاستحباب زائداً على الواجب، بلحاظ عدم وضوح كون وسط الراحة من المسجد، حيث قد لا يمس الأرض بوضع الكف عليها، وبلحاظ ما تقدم من التهذيب من رواية المرسلة بعطف المسجد على الجبهة الموجب لقرب وفائه ببيان الواجب، ويكون تمام ما بعده مستحباً زائداً عليه. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الذكرى من وجوب استيعاب المساجد بالمسح. فلاحظ.

الثاني: مقتضى موثق عبدالرحمن المتقدم عدم وجوب تحنيط غير المساجد، وحيث كان قوي الظهور في ذلك، لذكره لها جواباً للسؤال عن الحنوط بنحو يظهر في التحديد، فلابد من حمل النصوص المتضمنة لما زاد عليها - مما يأتي التعرض له في بيان ما يستحب مسحه - على الاستحباب لو فرض حجيتها في أنفسها، لأن رفع اليد عن ظهورها في الوجوب أولى عرفاً من رفع اليد عن ظهور الموثق في الحصر والتحديد. ولاسيما مع اختلافها في بيان الممسوح زائداً على المساجد. ومن ثم قد يحمل ذكر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 194

(195)

بالكافور (1)

الزيادة من الصدوق وغيره على الاستحباب أيضاً، وإلا كان ضعيفاً، لما ذكرنا.

(1) وإن كان مطبوخاً، خلافاً للمقنعة وغيرها في المنع منه. وقد تقدم في الأمر الثاني من فروع الخليطين في ذيل المسألة التاسعة الكلام في وجهه. فراجع.

هذا والظاهر عدم الإشكال في انحصار الحنوط بالكافور عندنا، كما يظهر بأدنى سبر لكلماتهم، فقد اقتصروا في بيان الحنوط عليه، وصرح في النهاية بأن لا يكون معه مسك، وزاد في المبسوط سائر أنواع الطيب، وعن الجامع أنه لا يحنط بمسك، ويأتي تصريحاتهم بحرمة أو كراهة تطييب الميت بغير الكافور والذريرة، وصرح في التذكرة بأنه لا يقوم غير الكافور مقامه عندنا، وأنه لو تعذر سقط الحنوط، كما صرح بالثاني غيره أيضاً. وغير ذلك مما يشهد بالمفروغية عنه.

ويقتضيه - مضافاً إلى صحيح الحلبي المتقدم - صحيح داود بن سرحان:" قال أبو عبدالله (عليه السلام) لي في كفن أبي عبيدة الحذاء: إنما الحنوط الكافور، ولكن اذهب واصنع كما يصنع الناس "(1) ونحوه صحيحه الآخر(2) ، وصحيح عبدالله بن المغيرة عن غير واحد عنه (عليه السلام):" قال: الكافور هو الحنوط"(3). وفي معتبر يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عنه (عليه السلام): "قال: لا يسخن للميت الماء... ولا يحنط بمسك"(4). وفي خبر إبراهيم بن محمد الجعفري:" رأيت جعفر بن محمد (عليه السلام) ينفض المسك عن الكفن، ويقول: ليس هذا من الحنوط في شيء"(5).

نعم في مرسل الفقيه: "وكفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ثلاثة أثواب... وروي أنه حنط بمثقال مسك سوى الكافور"(6). ولعله هو الوجه فيما في الدروس من نسبة إضافة المسك للكافور للصدوق.

لكنه - مع ضعفه في نفسه - محمول على التقية في الرواية بقرينة صحيحي داود،

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 7، 8، 4.

(4و5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 6، 11، 10.

ص: 195

أو على الاختصاص بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). واحتمل في الوسائل - مضافاً إلى ذلك - حمله على الجواز.

لكنه إن أريد به الجواز على أن يكون من الحنوط، بحيث يتخير في الحنوط بين الكافور وحده والكافور مع المسك، فهومناف للنصوص المتقدمة. وإن أريد به جواز تطييب الميت بالمسك من دون أن يكون حنوطاً، فهو مخالف لظاهره جداً. وبالجملة: لا إشكال في اختصاص الحنوط بالكافور، دون غيره، لا منضماً إليه، ولا بدلاً عنه في عرضه اختياراً، ولا في طوله اضطراراً.

بل صرح بعدم جواز تطييب الميت بغير الكافور والذريرة في الشرايع والقواعد والدروس ومحكي التحرير ونهاية الأحكام والبيان وظاهر الذكرى، ويناسبه ما تقدم من بعضهم من النهي عن خلط المسك أو غيره بالكافور، حيث قد يحمل على حرمة مطلق التطييب ولو لغير التحنيط. بل في الغنية دعوى الإجماع على أنه لا يطيب بغير الكافور.

وقد يستدل له - مضافاً إلى ذلك، وإلى النصوص المتقدمة الناهية عن التحنيط بغير الكافور، وما تقدم في مكروهات الكفن من النهي عن تجمير الأكفان - بصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم"(1).

لكن إجماع الغنية ليس بنحو ينهض بالحجية في المقام. ولاسيما مع عدم استثناء الذريرة فيه مع عدم الإشكال ظاهراً في رجحان التطيب بها فضلاً عن جوازه، حيث يحتمل بلحاظ ذلك كون نظره لحيثية التحنيط، لبيان انحصاره بالكافور، لذكره في سياق أحكامه، من دون أن ينافي جواز التطيب مع قطع النظر عنه.

مضافاً إلى قلة تعرضهم لتطييب الميت، وإنما تعرضوا لتجمير الكفن، مصرحين بكراهته، ولم يعرف القول فيه بالحرمة، مع قضاء المناسبات الارتكازية بكونهما بحكم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 196

(197)

ويكفي المسمى (1).

واحد. بل عن الإصباح التصريح بكراهة خلط الكافور بشيء من الطيب، خاصة المسك، كما ادعى في الخلاف الإجماع على كراهة خلطه بالمسك والعنبر، وفي المختلف أن المشهور كراهة خلطه بمسك في قبال رواية الصدوق استحبابه، وظاهره الإجماع على الجواز.

وأما النهي في النصوص عن التحنيط بغير الكافور فهو لا يستلزم حرمة تطييبه به من دون أن يكون حنوطاً. كما أن النهي عن تجمير الكفن محمول على الكراهة، بقرينة ما تقدم من دعوى الإجماع عليها المعتضدة ببعض النصوص المرخصة فيه. فراجع.

ومنه يظهر وهن الاستدلال بصحيح محمد بن مسلم، لأن سياق تطييب الميت وتجمير الكفن في سياق واحد وتعليلهما معاً بأن الميت بمنزلة المحرم يأبى التفكيك بينهما في الحرمة والكراهة، بل يتعين حملهما معاً على الكراهة بلحاظ ما تقدم. ولاسيما مع ما تقدم عند الكلام في شروط الكفن من لزوم حمل التعليل على الكراهة، ومع حديث غياث المتقدم عند الكلام في كراهة تجمير الكفن على اختلاف نسخه المشار إليها هناك. فراجع، وتأمل جيداً.

بقي شيء. وهو أنه صرح باستحباب خلط الكافور بتربة الحسين (عليه السلام) في العروة الوثقى، وحكي عن الجعفي. ويشهد له صحيح محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري:" كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: توضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله"(1).

(1) كما في إشارة السبق والوسيلة والمعتبر والشرايع والتذكرة والمنتهى

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 197

والقواعد والمختلف والإرشاد والدروس وجامع المقاصد والروض والروضة وعن الجمل والعقود ونهاية الأحكام والتحرير والبيان والذكرى والموجز الحاوي وشرحي الجعفرية وكشف الالتباس وغيرها. وعن الكفاية أن المشهور، بل نسب للتذكرة وأحد شرحي الجعفرية الإجماع عليه. لكن لا يبعد ظهور كلام التذكرة في دعوى الإجماع على أصل وجوب التحنيط، أو على مواضعه، لا على الاكتفاء بالمسمى، لأنه أشار في سياق الكلام للخلاف فيه، كما حكاه غيره عن غير واحد.

وهو الظاهر من جماعة، ففي المقنع أن أقله مثقال لمن وجده، ونحوه في المقنعة وعن ابن الجنيد، وقد يرجع إليه قوله في الغنية: "والسايغ منه ثلاثة عشر درهماً وثلث. ويجزي مثقال واحد بدليل الإجماع" .وعن الإعلام للمفيد أن أقله درهم، وعن الجعفي أن أقله مثقال وثلث. وفي الفقيه أنه ثلاثة عشر درهماً وثلث، فإن تعذر فأربعة مثاقيل، فإن تعذر فمثقال، لا أقل منه لمن وجده. ونحوه في الاقتصاد، إلا أنه قال: "فمثقال أو ما يتمكن منه" .وفي الهداية أن السنة هي الثلاثة عشر درهماً وثلث، فإن تعذر فأربعة دراهم، فإن تعذر فمثقال واحد لمن وجده. وقريب منه في الخلاف مدعياً الإجماع عليه. وفي المبسوط والنهاية أن الأفضل ثلاثة عشر درهماً وثلثاً، فإن تعذر فأربعة مثاقيل، فإن تعذر فدرهم، فإن تعذر فما تيسر، وفي المراسم: "ويعد لحنوطه ثلاثة عشر درهماً وثلث... فإن تعذر فأربعة دراهم [مثاقيل. خ ل] وإن تعذر فمثقال، وإن تعذر فما تيسر".

وهذه العبارات - كما ترى - ظاهرة - كلها أو جلها - في أن الواجب هو المرتبة الدانية مطلقاً، أو بشرط تعذر الأكثر. لكن ربما نزلت على تحديد المستحب مع الاكتفاء في امتثال الواجب بالمسمى. قال في المعتبر: "أقل المستحب من الكافور للحنوط درهم، وأفضل منه أربعة دراهم، وأكمل منه ثلاثة عشر درهماً وثلث. كذا ذكره الخمسة وأتباعهم، ثم لا أعلم للأصحاب فيه خلافاً".

وكيف كان فالاكتفاء بالمسمى هو الذي يقتضيه إطلاق جملة من النصوص

ص: 198

المتضمنة للأمر بالمسح بالكافور أو جعله في المواضع الخاصة للميت(1). ولاسيما قوله (عليه السلام) في موثق سماعة: "ويجعل شيئاً من الحنوط على مسامعه ومساجده..."(2). وليس في النصوص ما يظهر في التقييد عدا مرسل ابن أبي نجران عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال"(3). ومرسله الآخر عنه (عليه السلام): "قال: أقلما يجزي من الكافور للميت مثقال ونصف"(4). ونحوهما في التحديدين الرضوي في موضعين منه(5).

ولا مجال للتعويل عليها في الخروج عن الإطلاق مع ضعفها وعدم ظهور انجبارها بعمل الأصحاب، لأن التحديد بالمثقال وإن وقع من بعضهم - كما تقدم - إلا أن قلته واحتمال إرادته الاستحباب الذي يظهر منهم التسامح في مستنده يمنعان من كونه جابراً لما تضمنه.

نعم لا بأس بالعمل بها برجاء المطلوبية والورود بعد الجمع بينها بحمل الاختلاف بينها في المقدار على الاختلاف في الفضل. ولعله إليه يرجع ما في المعتبر من حملها على الاستحباب بسبب ضعف سندها، كما جرى عليه في نظائر المقام. وإلا فمن الظاهر أن ضعف السند ليس من القرائن العرفية على حمل الأمر على الاستحباب.

ومنه يظهر ضعف ما تقدم من الجعفي من تحديد الأقل بمثقال وثلث. لعدم الشاهد له. وأما تحديده بدرهم فهو يبتني على حمل المثقال عليه الذي يأتي الكلام فيه عند الكلام في تحديد المستحب.

كما يظهر ضعف ما في الحدائق من أن ظاهر الأخبار وجوب المقادير المذكورة على نحو الترتب، وأنه لا يصار إلى الأقل منها إلا مع تعذر الأكثر، الذي يقتضيه الجمود على بعض العبارات المتقدمة.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3، 4 وباب: 16 منها حديث: 6.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب التكفين حديث: 2.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 2، 5.

(5) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 2 من أبواب الكفن حديث: 2.

ص: 199

(200)

والأحوط وجوباً أن يكون بالمسح (1)

إذ فيه: أن النصوص لا تنهض بذلك. إذ لا يشهد لتحديد الأكثر بثلاثة عشر درهماً وثلث إلا مرفوع إبراهيم بن هاشم:" قال: السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهماً وثلث أكثره. وقال: إن جبرئيل (عليه السلام) نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحنوط، وكان وزنه أربعين درهماً، فقسمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة أجزاء: جزء له وجزء لعلي وجزء لفاطمة "(1) ومرفوع ابن سنان:" قال: السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهماً وثلث "(2) وغيرهما مما تضمن أن الحنوط الذي كان بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة (عليهما السلام) كان أربعين درهماً(3).

وهي كما ترى - مع ضعفها في نفسها - لا ظهور لها في الوجوب، لأن السنة وفعلهم (عليهم السلام) أعم منه. كما أنه لا يشهد لتحديد المتوسط بأربعة مثاقيل عدا صحيح الكاهلي والحسين بن المختار عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: القصد من الكافور أربعة مثاقيل "(4) ونحوه مرسل الكليني عنهما(5) ، إلا أنه روي في الوسائل بنسختين: (القصد) و (الفصل). وعدم ظهورهما في الوجوب، بل ظهورهما في الاستحباب، غني عن البيان.

(1) كما عبر به جماعة، وهو معقد الإجماع في التذكرة والروض. لكن عبر جماعة آخرون بالوضع، وهو معقد إجماع المنتهى، وثالث بالإمساس، من دون أن ينبهوا للخلاف من هذه الجهة. وقد يشهد ذلك بكون مراد الجميع واحداً، لولا ما في ظاهر الوسيلة ومحكي الجمل أو صريحهما من استحباب المسح زائداً على الإمساس أو الوضع.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 1، 7.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 4.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 200

أما النصوص فعباراتها مختلفة بين الجعل والوضع والمسح، كما تقدم عند الكلام في عدم وجوب استيعاب المساجد، وحيث كان بينها عموم من وجه موردي كان مقتضى الجمع بينها عرفاً التقييد الراجع لاعتبار الأمرين، فيجب المسح بنحو يبقى في المحل شيء من الكافور.

ودعوى: أنه يأبى ذلك قوله (عليه السلام) في مرسل يونس المتقدم:" ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه في جبهته [و] موضع سجوده وامسح بالكافور على جميع مفاصله... "(1) بلحاظ التعبير فيه بالوضع في الجبهة ثم العدول عنه إلى التعبير بالمسح في غيرها. ممنوعة. بل قد يكون ذلك شاهداً على كون المراد بالوضع ما يساوق المسح، لبعد اختلاف نحو التحنيط باختلاف المواضع جداً، بل تأباه بقية نصوص المسألة.

وعليه قد ينزل ما في المبسوط، حيث قال:" ويضعه على مساجده جبهته وباطن كفيه ويمسح به راحتيه وأصابعهما، ويضع على عيني ركبتيه وظاهر أصابع قدميه "ونحوه في النهاية، وإلا كان خالياً عن الشاهد.

ومثلها دعوى تنزيل نصوص المسح على النصوص الأخر بحملها على أن ذكر المسح لكونه سبباً لبقاء شيء من الكافور في محله، لأنه الغرض الظاهر منه، لا لمطلوبيته بخصوصيته. لاندفاعها بمخالفة ذلك للظاهر، ولاسيما مع احتمال مطلوبية المسح بلحاظ كونه سبباً لتبليغ الموضع بالكافور ونفوذه فيه بنحو لا يحصل بمجرد الوضع. ومنه يظهر ضعف القول باستحباب المسح، إذ لو حمل الأمر به على مطلوبيته مقدمة لبقاء شيء من الكافور في المحل لم يبق دليل على استحبابه، ولو حمل على مطلوبيته بخصوصيته فظاهره الوجوب.

وأما المناقشة في ظهور المقيدات في الوجوب باختلافها واشتمالها على كثير من المندوبات. فهي مدفوعة بعدم صلوح ذلك وحده لرفع اليدعن الظهورفي الوجوب. ولاسيما مع أن الاختلاف بينهما إنما هو في مواضع التحنيط، وأما فيما يحصل به فليس

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 201

باليد، بل بالراحة (1).

هو إلا من اختلاف المطلق والمقيد الذي يتعين معه الجمع بالتقييد.

هذا وعن بعض مشايخنا أن الأمر بالتحنيط في نفسه يقتضي المسح. ولم يتضح مأخذه. والعمدة ما ذكرنا.

(1) كما في العروة الوثقى. قال سيدنا المصنف (قدس سره):" لم أقف عاجلاً فيما يحضرني على قول به، أو نص عليه، أو متعرض له. وكأن وجهه انصراف المسح إلى اليد، وخصوص الراحة منها. لكنه في الراحة ممنوع، وفي اليد - يعني: الكف، كما هو المراد ظاهراً - ليس بنحو يجب رفع اليد به عن الإطلاق ".وما ذكره في اليد في محله لو أريد بها الكف، كما هو الظاهر، حيث ينصرف المسح إليها بسبب عدم تعارف المسح إلا بها، بل بباطنها، وقد تكرر أن الانصراف بسبب التعارف لا يوجب التقييد، ولاسيما إذا كان الإطلاق مقتضى المناسبات الارتكازية، كما في المقام، لارتكاز أن الغرض هو إصابة الكافور للمحل بالنحو الخاص من دون خصوصية للآلة. ولو أريد بها تمام العضو ولو غير الكف فلا يتضح خصوصيتها في الانصراف.

وأما ما عن بعض مشايخنا من دعوى أخذ إمرار اليد في مفهوم المسح إذا كان متعدياً بالباء، كما في المقام. فلم يتضح مأخذه، بل الظاهر خلافه، سواء أراد من اليد تمام العضو أم خصوص الكف منه.

وأما الراحة فقد فسرت في مختار الصحاح ولسان العرب والقاموس بالكف. ويناسبه قول الشاعر:

ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح

كما فسرت في مجمع البحرين بباطن الكف. والأول لا يناسب المقام، بناءً على ما سبق من أن الظاهر كون المراد من اليد الكف، للتطابق بينهما الذي لا يناسب العطف ببل. والثاني مورد للانصراف، لأنه المتعارف كما سبق، ولاوجه لإنكار الانصراف إليه.

ص: 202

والأفضل أن يكون وزنه ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم (1).

ومن ثم لا يبعد كون المراد بها في المتن خصوص ما عدا الأصابع من باطن الكف، وإن لم أعثر على شاهد له من اللغة، عدا قول الشاعر: "كما ثبتت في الراحتين الأصابع" ويناسبه ما تقدم من المبسوط. وحينئذٍ لا يتضح وجه الانصراف إليها، لعدم كونها أولى بالتعارف من باطن الأصابع، بل لعل باطن الأصابع هوالأولى به.

(1) كما صرح به جماعة كثيرة من الأصحاب ممن تقدم عند الكلام في الاجتزاء بالمسمى وغيرهم، وعن الكفاية أنه الأشهر، وفي كشف اللثام أنه المشهور، وتقدم من الخلاف دعوى الإجماع عليه، ومن المعتبر نسبته للخمسة وأتباعهم، وأنه لا يعلم فيه خلافاً، وكأنه يرجع إليه ما في جملة من عباراتهم من أنه السائغ للميت، وقد يظهر مما تقدم من الغنية دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به مرفوعا إبراهيم بن هاشم وابن سنان، المعتضدان بما تضمن إتيان جبرئيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأربعين درهماً من الكافور، وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قسمه أثلاثاً بينه وبين أمير المؤمنين وسيدة النساء(1) (عليهما السلام).

ومنه يظهر ضعف ما عن القاضي من أنه وزن ثلاثة عشر درهماً ونصف، وفي المختلف: "وهو غريب".

ومثله ما في المقنع من أن السايغ للميت أوقية. إذ الأوقية أربعون درهماً، كما تضمنته جملة من النصوص(2) ، ولم أعثر على ما يقتضي التحديد بذلك، سواء أراد منتهى السنة أم منتهى الرخصة. بل في مرسل الفقيه: "إن جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأوقية كافور من الجنة والأوقية أربعون درهماً فجعلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة أثلاث:

********

(1) تقدمت النصوص المذكورة صريحاً أو إشارة عند الكلام في الاجتزاء بالمسمى وتراجع في وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 15 باب: 4 من أبواب المهور.

ص: 203

ثلثاً له، وثلثاً لعلي، وثلثاً لفاطمة"(1). وقريب منه في الهداية.

بقي في المقام أمور:

الأول: أن الأصحاب كما ذكروا ذلك ذكروا تحديدين آخرين:

أولهما: تحديد المتوسط من المستحب بأربعة مثاقيل، كما تقدم عند الكلام في الاكتفاء بالمسمى، وذكر أيضاً في التذكرة والمنتهى ومحكي مختصر المصباح ونهاية الأحكام. ويشهد به صحيح الكاهلي والحسين بن المختار ومرسل الكليني(2) المتقدمان عند الكلام في الاجتزاء بالمسمى.

لكن عبر جماعة بأربعة دراهم، كما تقدم من بعضهم هناك، وذكر أيضاً في المقنعة والسرائر والشرايع والقواعد والروضة وغيرها، بل في مفتاح الكرامة أنه قول الأكثر، وفي محكي الكفاية أنه الأشهر، كما هو داخل في معقد الإجماع ونفي الخلاف المتقدمين من الخلاف والمعتبر.

وكأنه للبناء على أن المراد من المثاقيل في النص الدراهم، كما يأتي من المنتهى في تحديد الأقل، وادعاه في السرائر في كلمات الأصحاب.

لكنه تحكم، كما في الدروس، وعن ابن طاووس المطالبة بالدليل عليه، إذ تقدم عند الكلام في تحديد وزن الكر أن المثقال درهم وثلاثة أرباع الدرهم. وأما تعبير جملة من الأصحاب بالدرهم مع ورود النص بالمثقال فهو يكشف عن اضطرابهم في المقام، وإلا فليس تنزيل كلام من عبر بالمثقال على الدرهم بأولى من تنزيل كلام من عبر بالدرهم على المثقال.

نعم في الرضوي:" فإذا فرغت من كفنه حنطه بوزن ثلاثة عشر درهماً وثلث من الكافور، فإن لم تقدر على هذا المقدار كافوراً فأربعة دراهم، فإن لم تقدر فمثقال ل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 6.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب التكفين حديث: 3، 4.

ص: 204

أقل من ذلك لمن وجده"(1). وعليه يكون مرتبة أخرى دون الأربعة مثاقيل.

ثانيهما: تحديد الأقل بالمثقال، كما تقدم من جماعة عند الكلام في الاكتفاء بالمسمى، وذكر أيضاً في جمل العلم والعمل للمرتضى والتذكرة وغيرهما، وهو معقد إجماع الخلاف المتقدم هناك.

ويقتضيه مرسل ابن أبي نجران المتقدم هناك أيضاً. ومقتضى الجمع بينه وبين مرسله الآخر كون المثقال والنصف أفضل.

لكن في الروضة أن الأفضل مثقال وثلث. ويظهر من الروض أن به رواية، ولم نعثر عليها. ومن ثم تقدم أن ما عن الجعفي من تحديد الأقل بالمثقال والثلث خال عن الشاهد.

هذا وقد عبر هنا بالدرهم جماعة ممن تقدم ذكرهم عند الكلام في الاكتفاء بالمسمى وغيرهم، كما هو المذكور في الوسيلة والسرائر والشرايع والقواعد ومحكي الجمل والعقود والمصباح ومختصره والإصباح والجامع ونهاية الأحكام والتحرير والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس وغيرها، وهو معقد نفي الخلاف المتقدم من المعتبر هناك.

وحيث كان النص متضمناً للمثقال فالتحديد بالدرهم يبتني على ما في المنتهى من أنه هو المراد بالمثقال هنا. ويظهر الحال فيه مما تقدم في سابقه. كما يظهر أن ما في إشارة السبق من التخيير بين المثقال والدرهم خال عن الشاهد.

والذي تحصل من مجموع النصوص المتقدمة ومنها الرضوي: أن الأتم ثلاثة عشر درهماً وثلثاً، ثم أربعة مثاقيل، ثم أربعة دراهم، ثم مثقال ونصف. وبالنظر لكلام الأصحاب يتحصل أربع مراتب أخر: أوقية، ثم ثلاثة عشر درهماً ونصفاً قبل المرتبة الأولى، ومثقال وثلث قبل الأخيرة، ودرهم بعدها.

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 2 من أبواب الكفن حديث: 2.

ص: 205

الثاني: قال أبو عبدالله (عليه السلام) في موثق عمار: "واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه. وأقل من الكافور"(1). وظاهره استحباب الأقل، فيكون الأعلى منتهى السايغ - في مقابل الحرام أو المكروه - كما عبر به بعضهم، من دون حاجة لتنزيله على أنه الأفضل، كما تقدم.

لكن يأباه ما تضمن أن الأعلى هو السنة، وأنه الذي حنط به المعصومون الذين أنزل حنوطهم من الجنة (صلوات الله عليهم). نعم النصوص المتضمنة لذلك ضعيفة، وإن كانت متعددة مشهورة المضمون يبعد عدم صدور شيء منها، وقد جرى الأصحاب عليها. فتأمل جيداً.

الثالث: نبه جماعة للخلاف في أن المقادير المذكورة لخصوص الحنوط أوله وللغسل. صرح بالأول جماعة، وعن الذكرى أنه الذي قطع به الأكثر، كما نسب للأكثر في المدارك ومحكي الكفاية، وفي كشف اللثام والجواهر أنه ظاهرهم، وعن كشف الالتباس أنه المشهور، بل مقتضى ما تقدم من الغنية والمعتبر دخوله في معقد الإجماع ونفي الخلاف. وعن الموجز الحاوي وحواشي الشهيد على القواعد الثاني، وعن الوافي الميل إليه. وظاهر التذكرة وعن التحريرونهاية الأحكام ومجمع البرهان التردد.

ومقتضى نصوص المرتبة العليا اختصاصها بالتحنيط، للتعبير في أكثرها بالحنوط، الظاهر فيما يستعمل للتحنيط، لا في الكافور بذاته وإن استعمل لغيره، وإن ورد إطلاقه فيما تضمن تطييب القطن مما تقدم في محله.

وأما استبعاد تغسيلهم (صلوات الله عليهم) بكافور غير ما أنزل من الجنة. فهو - لو تم - لا ينهض بالخروج عن الظهور المذكور. ولاسيما مع إمكان إتيانهم بكافور آخر من الجنة للتغسيل، كما نبه له في الجملة سيدنا المصنف (قدس سره). بل مقتضى الرضوي المتقدم ذلك في تمام المراتب المذكورة فيه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

ص: 206

(207)

ويستحب سحقه باليد (1).

لكن مقتضى إطلاق صحيح الكاهلي والحسين بن المختار ومرسل الكليني الواردين في المرتبة الوسطى ومرسلي ابن أبي نجران الواردين في المرتبة الدانية الشمول لكافور الغسل.

وأما دعوى: اتحاد موضوعهما مع موضوع نصوص المرتبة العليا، فتصلح نصوص تلك المرتبة قرينة على حمل هذه على خصوص كافور التحنيط. فلا شاهد لها من هذه النصوص بعد عدم الإشعار فيها بالنظر لموضوع تلك.

كما لا مجال للاستشهاد لها بفهم الأصحاب مع كون أول من أشارللخلاف المذكورهوابن إدريس، وهو إنماذكره في المرتبة العليا، وذكر أن الأظهربين الأصحاب اختصاصها بالحنوط. اللهم إلا أن يستفاد العموم لبقية المراتب من فتاواهم المتقدمة من قدمائهم، لقوة ظهورها فيه جداً. فلاحظ.

(1) كما في المقنعة والمبسوط والنهاية وغيرها. وفي المعتبر:" ذكره الشيخان ولم أتحقق مستنده ".وعن الشهيد تعليله بخوف الضياع. وهو كما ترى. وزاد في المبسوط:" ويكره سحقه بحجر وغير ذلك "وقريب منه في الدروس وهو مناسب للتعليل المتقدم لو تم.

وظاهرهم المفروغية عن اعتبار كون الكافور مسحوقاً، وصرح به بعضهم، وإن لم يتعرضوا لوجهه. ويقتضيه مضافاً إلى ذلك قوله (عليه السلام) في مرسل يونس:" ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته [و] موضع سجوده"(1). مضافاً إلى ما قد يستفاد مما تقدم من الجمع بين النصوص من اعتبار كون جعل الكافور بنحو المسح، إذ مسح غير المسحوق لا يقتضي بقاء شيء منه في المحل، كما لعله ظاهر.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 207

(208)

كما يستحب مسح (1) مفاصله (2)

(1) أشرنا في ذيل الكلام في وجوب تحنيط المساجد إلى اختلاف النصوص في مواضع التحنيط من الميت وأنه لابد من الاقتصار في الواجب على المساجد. وحيث كانت النصوص فيما عداها مختلفة في المقدار وفي الأمر ببعضها والنهي عنه، فمقتضى القاعدة البناء على استحباب ما ورد الأمر به بلا معارض أو كان معارضه مرجوحاً، وعلى كراهة ما ورد النهي عنه بلا معارض أو كان معارضه مرجوحاً، على ما سيأتي توضيحه، وقد أشير إلى ذلك في الجملة في كلام غير واحد من متأخري المتأخرين.

نعم قد يشكل البناء على استحباب جملة مما تضمنته النصوص المعتبرة بظهور إهمال الأصحاب لها، حيث لم يتعرض لغير المساجد والصدر إلا النادر منهم في النادر منها، كما سيأتي، مع بنائهم على التعرض للمستحبات في نظائر المقام، حيث قد يوجب ذلك الريب في مفاد النصوص المذكورة، واحتمال إطلاعهم على ما يمنع من التعويل عليها، كجريها على ما عليه العامة أو نحوه.

اللهم إلا أن يكون تسامحهم في أدلة المستحبات والمكروهات مانعاً من التعويل على إهمالهم المذكور لنصوص المقام، لاحتمال ابتنائه على ورود النهي عن بعضها والتعدي منه للباقي، لتخيل جري الكل على نحو واحد في موافقة العامة من دون تحقيق. فلاحظ.

(2) قال في الفقيه: "ويجعل الكافور على بصره وأنفه وفي مسامعه وفيه ويديه وركبتيه ومفاصله كلها وأثر السجود منه، فإن بقي منه شيء جعل على صدره" .وفي المختلف أنه لا بأس به، وعن الذكرى أن شهادة الأخبار له أتم.

ويشهد لاستحباب التحنيط في المفاصل صحيح زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام): "قال: إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلها، واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره

ص: 208

ولبته (1) وصدره (2)

وفرجه" (1) ونحوه في ذلك صحيحا الحلبي وحمران ومرسل يونس(2) على نسخة للأخير تقدمت الإشارة إليها عند الكلام في تحنيط المساجد. ولا معارض لهذه النصوص في المفاصل.

(1) كما في العروة الوثقى. ويقتضيه صحيح الكاهلي وحسين بن المختار عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين وعلى الجبهة واللبة" (3) ولا معارض له فيها.

(2) فقد صرح جماعة من الأصحاب بأنه إن فضل شيء من الكافور ألقي على صدره، وادعى في الخلاف الإجماع عليه. بل مقتضى الجمود على كلام المنتهى دعوى الإجماع على وجوبه. قال: "ثم تعمد إلى الكافور... فيسحقه بيده، ويضع منه على مساجده السبعة وطرف أنفه، فإن فضل من الكافور شيء كشف قميصه وألقاه على صدره. ولا خلاف في ذلك، وقد اتفق علماؤنا على وجوبه".

إلا أن وجوبه لا يناسب تقييده في كلامه وكلام غيره بما إذا فضل شيء من الكافور، حيث يبعد جداً بناؤهم على وجوبه مشروطاً بأن يفضل من الكافور شيء من دون أن يجب إعداد الكافور الكافي له، ولاسيما مع إطلاق الأمر به في النصوص. ومن ثم لا يبعد كون معقد الإجماع الذي ادعاه هو وجوب التحنيط في المساجد، لأنه الذي اتفقت عليه النصوص التي استدل بها.

وكيف كان فيشهد لاستحباب التحنيط في الصدر صحيح زرارة المتقدم وصحيح الحلبي من دون معارض لهما فيه. نعم مقتضاهما تحنيطه كبقية المواضع، ل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 6.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 1، 5، 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 209

وباطن قدميه (1) وظاهر كفيه (2).

وضع ما زاد من الكافور عليه، كما ذكروه. ومن ثم لا يبعد كون مرادهم من ذلك التنبيه على استحبابه.

(1) كما تقدم في صحيح الكاهلي وحسين بن المختار، ولا معارض له فيه.

(2) استدل له (قدس سره) بقوله (عليه السلام) في موثق سماعة: "ويجعل شيئاً من الحنوط على مسامعه ومساجده وشيئاً على ظهر الكف"(1).

لكن في المطبوع حديثاً من الوسائل روايته بنسختين:" ظهر الكفين "و" ظهر الكفن "،واقتصر في المطبوع حديثاً من التهذيب على الثانية.

نعم هي لا تخلو عن غرابة، لعدم مألوفية التعبير بظهر الكفن، بل غاية ما يقال: ظاهر الكفن. على أنه لم يعهد من الأصحاب البناء على استحبابه، كما يظهر مما تقدم في استحباب تطييب الكفن. وبذلك تقوى النسخة الأولى. فلاحظ.

هذا وقد أهمل سيدنا المصنف (قدس سره) بعض المواضع المشاركة للمواضع المتقدمة في دلالة النصوص عليها وإهمال الأصحاب لها.

منها: الرأس، كما تقدم في صحيح زرارة، ونحوه صحيح الحلبي ومرسل يونس.

ومنها: اللحية، كما تقدم في صحيح زرارة، ونحوه صحيح الحلبي.

ومنها: العنق، كما تضمنه مرسل يونس المشار إليه.

ومنها: المنكبان، كما تضمنه المرسل المذكور.

ومنها: الفرج، كما تقدم في صحيح زرارة، ويأتي في الرضوي.

ومنها: الفم، كما في المقنع وتقدم من الفقيه. وقد تضمنه صحيح زرارة المتقدم،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب التكفين حديث: 2.

ص: 210

ونحوه صحيح عبدالله بن سنان(1) وموثق عمار(2). ولعله إليه يرجع ما في الدروس من أن المروي تحنيط اللثة، وإلا فلم أعثر على ما تضمنها بعنوانها من النصوص.

وأما ما في الوسائل من كراهة وضع الكافور على فمه فلم يذكر ما يشهد له من النصوص في الباب الذي أعده لذلك.

وأشكل من ذلك ما قد يظهر من إطلاق النهي عنه في المبسوط والنهاية والسرائر من حرمته، بل قد يظهر مما يأتي من الخلاف الإجماع على ذلك. وإن لم يبعد بناؤهم على الكراهة، لما يأتي في تحنيط العين، وقد ذكرنا عدم شهادة النصوص له، وإن ادعى في الدروس أنه مروي، وأنه أشهر.

نعم في الرضوي:" ولا يجعل في فمه ولا منخره ولا في عينيه ولا في مسامعه، ولا على وجهه قطن ولا كافور ".لكن في موضع أخر منه:" وروي أن الكافور يجعل في فيه وفي مسامعه، وبصره ورأسه ولحيته، وكذلك المسك، وعلى صدره وفرجه"(3).

ومنها: الراحتان. فقد تضمن صحيح الكاهلي وحسين بن المختار المتقدم التحنيط فيهما. كما تضمن مرسل يونس التحنيط في وسطهما. ولا يبعد تنزيل الصحيح عليه، لظهوره في عدم كونهما من المساجد، وهو قد ينطبق على وسطهما الذي لا يصيب الأرض منهما.

ومنها: موضع الشراك من القدمين، كما تقدم في صحيح الكاهلي وحسين بن المختار.

ومنها: المرافق، كما تضمنه مرسل يونس. نعم لا يخلو المراد بالمرافق عن إجمال. وقد تقدم في غسل الفرج من مستحبات التغسيل ما يتعلق بذلك.

ومنها: المغابن، فقد ذكرها في العروة الوثقى. وينحصر الدليل عليها بمرسل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(3) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 12 من أبواب الكفن حديث: 1.

ص: 211

(212)

(مسألة 41): محل التحنيط بعد التغسيل (1)

يونس على نسخة للتهذيب أشرنا إليها عند الكلام في تحنيط المساجد.

هذا وقد نسب في الدروس للصدوق القول بتحنيطها، وذكر أنه مروي، وأنه روي الكراهة، وهو أشهر. لكن لم نتحقق نسبته للصدوق، ولا رواية الكراهة، ولا أنها أشهر.

ثم إن المغابن - كما في لسان العرب والقاموس ومجمع البحرين - هي الآباط والمرافغ التي هي من الرجلين كالآباط من اليدين، وربما قيل إن المرافغ أعم من الآباط، فتكون مساوية للمغابن، ويكون عطفها على الآباط من عطف العام على الخاص.

هذا وأما ما في العروة الوثقى من أنه لا يبعد استحباب تحنيط كل موضع من البدن فيه رائحة كريهة، فلم يتضح مأخذه. وما قيل من تفسير المغابن بذلك. لا شاهد له. فلاحظ.

(1) بلا إشكال ظاهر. ويقتضيه ما تقدم في صحيح زرارة من الأمر به بعد التجفيف من الغسل، وما تضمنه موثق عمار(1) من الأمر به بعد التغسيل، وما يظهر مما يأتي من مرسل يونس من عدم الفصل بينه وبين التكفين بمثل التغسيل.

وأما ما يظهر من نصوص التحنيط من لزوم بقاء شيء من الكافور في مواضعه الذي لا يكون مع غسلها. فهو لا يمنع من إيقاعه قبل إكمال التغسيل إذا لم يكن إكماله بغسلها بل بغسل غيرها. غاية الأمر أنه لابد من جفاف المحل لئلا يتنجس الكافور بمماسته قبل طهارة الميت بإكمال الغسل.

اللهم إلا أن يمنع من لزوم إيقاعه بعد الإكمال حينئذٍ، لتنزيل النصوص

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

ص: 212

أو التيمم (1) قبل التكفين أو في أثنائه (2).

المتقدمة على تجنب زوال الحنوط بالغسل، لأنه المنصرف منها. لكنه لا يخلو عن إشكال، والجمود على مفاد النصوص أوفق وأحوط.

(1) كما في العروة الوثقى، ويظهر من سيدنا المصنف (قدس سره) وغيره المفروغية عنه. وكأنه لإطلاق دليل بدليته. لكنه لا يخلو عن إشكال، لظهور الدليل المذكور في بدليته عن الغسل في المطهرية، المستلزم لقيامه مقامه في الأحكام الثابتة من حيثية كونه مطهراً، ولم يثبت كون المقام منها، لإمكان كون منشأ تقديم الغسل على التحنيط ما أشرنا إليه آنفاً من تجنب زوال الكافور به، وذلك لا يقتضي إلا تقديم التيمم على تحنيط المواضع التي يزول الكافور عنها بالتيمم، كالجبهة، دون مثل الركبتين.

(2) صرح بتقديم التحنيط على التكفين في القواعد والدروس ومحكي البيان والذكرى، وهو ظاهر جامع المقاصد ومحكي نهاية الأحكام. وكأنه لأنه المنصرف من إطلاق ترتيبه على التجفيف في صحيح زرارة المتقدم، ولقوله (عليه السلام) في مرسل يونس: "أبسط الحبرة بسطاً، ثم أبسط عليها الإزار، ثم ابسط القميص عليه، وترد مقدم القميص عليه، ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته... ثم يحمل فيوضع على قميصه، ويرد مقدم القميص عليه..."(1). لكن الصحيح مسوق لبيان وجوب التحنيط بعد التغسيل، ولا يعتد بانصرافه المذكور. والمرسل لا يخلو عن اضطراب في المتن، لتضمنه ذكر رد مقدم القميص عليه الذي هو من شؤون التكفين مرتين مرة قبل التحنيط ومرة بعده، فيشكل التعويل عليه في إثبات وجوب تقديم التحنيط على التكفين، ولاسيما مع اشتماله على كثير من الخصوصيات غير اللازمة.

مضافاً إلى ظهور موثق عمار في إيقاعه في أثناء التكفين، لقوله (عليه السلام):" ثم تكفنه تبدأ وتجعل على مقعدته شيئاً من القطن... ثم تبسط اللفافة طولاً... ثم الإزار... ثم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 213

(214)

(مسألة 42): يشترط في الكافور أن يكون طاهراً (1)،

الخرقة... ثم القميص تشد الخرقة على القميص بحيال العورة... واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده... ثم عممه... وقال: التكفين أن تبدأ بالقميص ثم بالخرقة... ثم يشد الإزار... ثم اللفافة ثم العمامة..."(1).

ومن ثم يتعين الجمع بين النصوص المذكورة بإلغاء هذه الخصوصيات فيها وتنزيلها على إرادة بيان وجوب التحنيط والتكفين، كما هو مقتضى المناسبات الارتكازية من وفاء كل منهما بغرضه مطلقاً.

ومنه يظهر ضعف ما يظهر من المقنعة والمبسوط والنهاية، بل هو كالصريح من المراسم والتذكرة والمنتهى وعن غيرها من كونه بعد التأزير. بل يظهر منها ومن الوسيلة أنه بعد إلباسه القميص أيضاً، بل عن المهذب تأخيره عن العمامة أيضاً.

وأضعف منه ما في الفقيه، حيث قال: "فإذا فرغ من تكفينه حنطه بما ذكرته من الكافور" .حيث لا يشهد له إلا الرضوي(2) المقارب له في التعبير. ومن الظاهر أنه لا مجال للخروج به عن ظاهر النصوص.

نعم لا يبعد كون مراد الجميع بيان وجوب التحنيط من دون خصوصية شرعاً لمحله من الكفن، كما ذكرنا وبه صرح في الروض وكشف اللثام وغيرهما.

(1) قد تعرض في العروة الوثقى لذلك ولبقية الشروط التي تضمنتها هذه المسألة، واعترف سيدنا المصنف (قدس سره) بعدم العثور على من تعرض لها، ومع ذلك قال: "الظاهر أن الوجه في اعتبار الطهارة الإجماع" .وكأن مراده به الإجماع الارتكازي على لزوم طهارة الميت وتوابعه حين الدفن، تبعاً لما يستفاد من دليل اعتبار طهارة الكفن، وتعليل التغسيل بأنه ليلقى ربه طاهراً(3). فتأمل.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 12 من أبواب الكفن حديث: 1.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل الميت.

ص: 214

(215)

مباحاً (1) مسحوقاً (2) له رائحة (3).

(مسألة 43): يكره إدخال الكافور في عين الميت (4)

(1) الكلام فيه هو الكلام في الكفن، حيث يظهر مما تقدم أداء الوظيفة بالمغصوب مادام موضوعاً على الميت، وإن حرم استعماله له ووجب على الغاصب رفعه وإرجاعه لمالكه، واستعمال غيره بعد رفعه عنه، بناءً على لزوم بقاء شيء منه على مواضع التحنيط من الميت، كما يظهر مما سبق عند الكلام في وجوب المسح بالكافور.

(2) تقدم وجهه عند الكلام في استحباب سحقه باليد.

(3) لأن اشتمال أكثر النصوص على عنوان الحنوط والتحنيط ملزم بتنزيل ما أطلق فيه الكافور منها على ما إذا صدق عليه الحنوط الذي يظهر من كلمات اللغويين أخذ الطيب في مفهومه، حيث صرحوا بأنه طيب يخلط للميت.

وأما ما عن بعض مشايخنا من عدم صدق الكافور على العتيق الفاقد للرائحة، بل هو حينئذٍ تراب، وإن كان كافوراً سابقاً. فهو غريب جداً.

(4) كما في القواعد. وفي الدروس أنه الأشهر، وعن المفاتيح أنه مذهب الأكثر. وقد يرجع إليه ما في الخلاف من دعوى إجماع الفرقة وعملهم على أنه لا يترك على أنفه ولا أذنيه ولا عينيه ولا فيه شيء من الكافور. ويشهد له قوله (عليه السلام) في مرسل يونس: "ولا يجعل في منخريه ولا في بصره ومسامعه ولا على وجهه قطناً ولا كافوراً"(1).

بل ظاهر النهي فيه الحرمة، كظاهر النهي عنه في المبسوط والنهاية والسرائر وما تقدم من الخلاف، لولا إهمال أكثر الأصحاب التعرض لذلك، وتصريح بعضهم بالكراهة، حيث يكشف عن عدم بنائهم على الحرمة. ولاسيما مع اشتمال المرسل على كثير من الخصوصيات غير اللازمة المستلزم لضعف ظهوره في الإلزام.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 215

وأنفه وأذنه (1)

وأما ما تقدم من الفقيه من الأمر بجعله على بصره، فقد ذكر في الدروس أنه مروي، كما يناسبه ما تقدم عن الذكرى من أن شهادة الأخبار له أتم. وقد استدل لما ذكره في المختلف بصحيحي الحلبي(1) وعبدالله بن سنان(2) وبموثق عمار(3). لكنها خالية عن ذكر البصر.

نعم أشير في الرضوي المتقدم عند الكلام في تحنيط الفم إلى أن المروي جعله في بصره. ومن الظاهر عدم نهوضه بمعارضة مرسل يونس حتى لو فرض رجوع ما تقدم من الفقيه إليه.

(1) على الأشهر، كما في الدروس، وهو مذهب الأكثر في المفاتيح. وقد يرجع إليه ما تقدم في سابقه من الخلاف، بل قد يظهر من إطلاق النهي عن جعله في أذنه في النهاية والمبسوط والسرائر الحرمة، لولا ما تقدم هناك. ويشهد له ما تقدم في مرسل يونس وقوله (عليه السلام) في صحيح حمران:" ولا تقربوا أذنه شيئاً من الكافور "(4) وفي خبر عثمان النوا:" ولا تمس مسامعه بكافور "(5) وفي خبر عبدالرحمن:" ولا تجعل في مسامع الميت حنوطاً "(6) وفي صحيح الكاهلي:" وإياك أن تحشو في مسامعه شيئاً، فإن خفت أن يظهر من المنخرين شيء فلا عليك أن تصير ثمّ قطناً، وإن لم تخف فلا تجعل فيه شيئاً"(7) ، ونحوه مرسل الصدوق(8).

لكن تقدم من الفقيه الأمر بجعل الكافور على الأنف وفي المسامع، ومن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 3.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4، 5.

(5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 2، 4.

(7) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(8) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 7.

ص: 216

المختلف أنه لا بأس به. ويشهد للوضع في الأنف والأذن قوله (عليه السلام) في صحيح حمران المتقدم بعد السؤال عن الحنوط: "يوضع في منخره..." ،وفي صحيح عبدالله بن سنان: "تضع في فمه ومسامعه"(1) ، وفي موثق عمار:" واجعل الكافور في مسامعه "(2) وفي موثق سماعة:" ويجعل شيئاً من الحنوط على مسامعه"(3).

ويظهر من التهذيب والاستبصار الجمع بتنزيل النصوص الأول على الوضع في الأنف والمسامع، والأخيرة على الوضع عليهما، لأن (في) قد تستعمل بمعنى (على) كما في قوله تعالى: (ولأوصلنكم في جذوع النحل)(4).

لكن لم يتضح استعمال (في) بمعنى (على). ويمكن تنزيل الآية على الظرفية بنحو من التوسع. مع أن الوضع على الأذن مستلزم للوضع فيها، وليست هي كالأنف. فتأمل. مضافاً إلى الجمع المذكور تبرعي بلا شاهد، بل يأباه صحيح حمران وخبرعثمان من الطائفة الأولى جداً.

ومن ثم كان الأقرب حمل النصوص الأخيرة على التقية، لموافقتها للعامة، كما يظهر من الخلاف وغيره. ولاسيما مع ما تقدم من الخلاف من دعوى إجماع الفرقة وعملهم على الترك.

نعم لا بأس بالوضع على الأنف، كما هو الظاهر مما تقدم من الفقيه. لكن لا لشيء من نصوص الطائفة الثانية، لظهور صحيح حمران في الوضع فيه، بل احتياطاً بلحاظ ما تقدم - عند الكلام في المساجد - من احتمال إلحاقه بالمساجد وجوباً أو استحباباً، ومن دون أن يرد نهي عنه، لاختصاص ما تقدم في الطائفة الأوليبالوضع فيه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب التكفين حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 4 من أبواب التكفين حديث: 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب التكفين حديث: 2.

(4) سورة طه آية: 71.

ص: 217

وعلى وجهه (1).

(1) لمرسل يونس المتقدم في البصر، المعتضد بالرضوي المتقدم في تحنيط الفم، من دون معارض لهما، ولا ظهور مخالف في ذلك.

بقي في المقام أمور:

الأول: الظاهر عدم الإشكال في عدم اعتبار قصد التقرب في التحنيط، كما صرح به في العروة الوثقى، وقال سيدنا المصنف (قدس سره): "ومقتضى عدم التعرض له في كلامهم التسالم على ذلك" .ويقتضيه - مضافاً إلى ذلك - الإطلاق والأصل المعول عليهما في أمثال المقام، على ما حقق في مبحث التعبدي والتوصلي.

الثاني: الظاهر جواز قيام الصبي ونحوه ممن هو غير مكلف بالتحنيط والتكفين. ويظهر الوجه فيه مما تقدم في المسألة السادسة عشرة من جواز قيامه بالتغسيل، بل هو أولى بالجواز منه.

الثالث: قال في العروة الوثقى: "يبدأ في التحنيط بالجبهة، وفي سائر المساجد مخير" وأقره بعض المحشين. وربما كان مرادهم الاستحباب، كما صرح به في المستند. للرضوي: "فإذا فرغت من كفنه حنطته... وتبدأ بجبهته..."(1). ويرجح موافقته برجاء المطلوبية. وإلا كان مخالفاً لإطلاق النص والفتوى، حيث لم نعثر عاجلاً على من قال بوجوبه.

الرابع: قال في العروة الوثقى:" إذا دار الأمر بين وضع الكافور في ماء الغسل أو يصرف في التحنيط يقدم الأول. وإذا دار في الحنوط بين الجبهة وسائر المواضع تقدم الجبهة ".ولا يخلو عن وجه، حيث لا يبعد أهمية الغسل من الحنوط، كما يظهر من حكمته، وأهمية الجبهة من غيرها، لأنها ركن السجود وأشرف المساجد. ولا أقل من احتمال الأهمية في الموردين دون العكس، وهو كاف في الترجيح في باب التزاحم،

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 13 من أبواب الكفن حديث: 1.

ص: 218

كما حقق في محله من الأصول.

هذا ولو تم الترتيب بين الغسل والتحنيط وبين الجبهة وغيرها فالأمر أظهر، لأن مقتضى إطلاقه عدم تأدي وظيفة اللاحق قبل إكمال السابق، فيكون المقدور هو السابق والمتعذر هو اللاحق لا غير. ومن ثم يكون ما ذكره أحوط حتى لو لم يتم الوجه على الترتيب، لأن عدم ثبوت الترتيب في الثاني أو فيهما لا ينافي احتماله المساوق لاحتمال عدم صلوح التحنيط لمزاحمة الغسل وعدم صلوح غير الجبهة لمزاحمتها.

ثم إن ظاهره المفروغية عن عدم الارتباطية بين الغسل والتحنيط، ولا بين المساجد في التحنيط، فلا يسقط الكل بتعذر البعض. وهو قريب جداً للمرتكزات المحكمة في فهم إطلاق الأدلة في المقام. بل لعله ليس مورداً للإشكال. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم. والحمد لله رب العالمين.

ص: 219

ص: 220

(221)

الفصل السادس: في الجريدتين

يستحب أن يجعل (1)

(1) وهو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) كما في المنتهى، وعليه الإجماع، كما في الانتصار والخلاف والغنية والمعتبر والتذكرة والمسالك والروض والمدارك والحدائق ومحكي الذكرى والمفاتيح، ونفى في جامع المقاصد الخلاف فيه، مصرحاً أكثرهم بانفراد أهل الحق به مع دلالة روايات الفريقين عليه. وفي الجواهر:" إجماعاً من الفرقة المحقة محصلاً ومنقولاً مستفيضاً متواتراً كالنصوص. خلافاً لغيرهم من أهل الباطل. والحمد لله على عدم توفيقهم لذلك، سيما ما ورد أنها تنفع المؤمن والكافر والمحسن والمسيء...".

أما النصوص فهي كثيرة كما ذكره ومختلفة الألسنة، ففي الصحيح عن يحيى بن عبادة عن أبي عبدالله (عليه السلام):" أنه سمعه يقول: إن رجلاً مات من الأنصار فشهده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: خضروه، فما أقل المخضرين يوم القيامة. فقلت لأبي عبدالله (عليه السلام): وأي شيء التخضير؟ قال: تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع - وأشار بيده إلى عند ترقوته - تلف بثيابه"(1) ، وفي موثق سماعة عنه (عليه السلام): "قال: يستحب أن يدخل معه في قبره جريدة رطبة"(2) ، وفي الصحيح عن الحسن الصيقل

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 5، 8.

ص: 221

عنه (عليه السلام):" قال: توضع للميت جريدتان واحدة في اليمين وأخرى في اليسار. قال: وقال: الجريدة تنفع المؤمن والكافر"(1) ، وفي صحيح زرارة: "قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت الميت إذا مات لِمَ تجعل معه الجريدة، فقال: يتجافى عنه الحساب والعذاب مادام العود رطباً، إنما العذاب والحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة، قدر ما يدخل في القبر ويرجع القوم، وإنما جعلت السعفتان لذلك، فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله" (2) إلى غير ذلك مما روي من طرقنا.

قال في التهذيب: "وقد روي من جهة العامة في فضل التخضير شيء كثير" .ومنه ما عن الأعمش: "سمعت مجاهداً يحدث عن طاووس عن ابن عباس: مرّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على قبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه عن البول، فدعا بعسيب رطب فشقه نصفين، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً. وقال: لعله أن يخفف عنهما العذاب ما لم ييبسا" (3) وقريب منه عن مجمع الزوائد عن أبي أمامة وعن ابن عمر وعن أبي هريرة(4). وعن عمدة القارئ: "رواية الأكثرين: أوصى بريدة الأسلمي بوضع الجريدة في قبره. ورواية المستملي: على قبره"(5). والحمد لله الذي هدانا لهذا وماكنا لنهتدي لولاأن هدانا الله.

وكأن ما تضمنه صحيح زرارة راجع إلى رجاء اندفاع العذاب حتى بعد جفافهما بسبب منعهما من حصوله في أول وقته رحمة من الله تعالى يرحم بها من يشاء من عباده، وهو أرحم الراحمين.

وقد يشير إلى ذلك مرسل المقنعة عن الصادق (عليه السلام):" ان الجريدة تنفع المحسن

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 6، 1.

(3) صحيح البخاري باب الجريدتين على القبر ج: 7 ص: 86. صحيح مسلم باب الدليل على نجاسة البول وجوب الاستبراء منه ج: 1 ص: 166. سنن أبي داود باب الاستبراء من البول ج: 1 ص: 13. سنن النسائي باب التنزه عن البول ج: 4 ص: 106. سنن البيهقي باب التوقي عن البول ج: 2 ص: 412.

(4) مجمع الزوائد ج: 3 ص: 56.

(5) عمدة القارئ ج: 4 ص: 203.

ص: 222

مع الميت (1)

والمسيء، فأما المحسن فتؤنسه في قبره، وأما المسيء فتدرء عنه العذاب ما دامت رطبة، ولله تعالى بعد ذلك فيه المشيئة"(1).

(1) من دون فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون، كما في المقنعة ومحكي البيان، وهو مقتضى إطلاق الأصحاب، بل عن الذكرى: "قال الأصحاب: ويوضع مع جميع الأموات حتى الصغار، لإطلاق الأمر".

لكن ما ذكره من الإطلاق وإن كان قد يستفاد من مثل الصحيح عن الحسن ابن زياد الصيقل وموثق سماعة المتقدمين، إلا أنه قد يخرج عنه بما تضمنته جملة من النصوص - منها صحيح زرارة المتقدم - من تعليلهما بأن العذاب يتجافى عن الميت ما دامتا رطبتين، حيث لا موضوع له في حق غير المكلف.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) من عدم منافاته للعموم. قال: "إذ لعله لحسن وضعهما يفيد من يستحق العذاب دفعه عنه، وفي حق غيره راحة أخرى" .فهو إنما يتجه لو كان مفاد النصوص المذكورة مجرد بيان ترتب الفائدة المزبورة، دون ما هو الظاهر منها من التعليل بذلك الظاهر في الانحصار.

وأشكل منها ما في الروض من تعليله بإقامة الشعار. إذ فيه: أن استحباب إقامة الشعار لا يقتضي تعميمه لغير مورده الذي شرع فيه.

نعم لا يبعد قضاء المناسبات الارتكازية بأن دفع العذاب بهما ليس لأنه أثر وضعي لهما، ليكون راجحاً عقلاً توصلاً للأثر المذكور، وإنما هو لرجحان وضعهما مع الميت في نفسه، نظير الجزاء على الطاعة، ولذا يستفاد منه استحبابه شرعاً، كما هو المناسب لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث يحيى المتقدم وغيره: "فما أقل المخضرين يوم القيامة" الظاهر في مطلوبيته والانتفاع به بعد الخروج من القبر.

********

(1) المقنعة ص: 12. ومستدرك الوسائل ج: 2 باب: 16 من أبواب الكفن حديث: 3.

ص: 223

جريدتان (1)

ويجري نظيره في مثل الدفن في الحرم والتلقين. ومرجعه إلى أن الأثرالمذكور من سنخ الفائدة، لا العلة التي يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، ليقتضي تقييد الإطلاق.

ولاسيما مع ما تقدم في مرسل المقنعة من أنها تنفع المحسن والمسيء، وما في مرسله الآخر من أن الأصل في مشروعيتها أن النخلة أنزلت لآدم (عليه السلام) من الجنة، فأنس بها في حياته، وأوصى بوضع جريدة منها في أكفانه بعد شقها اثنين رجاء أنسه في قبره. وقد فعله الأنبياء من بعده، ثم اندرس في الجاهلية، وأحياه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشرعه، وأوصى أهل بيته (عليهم السلام) باستعماله(1) ، وقريب منه مرسل التهذيب(2) ، ومرسل الانتصار(3) ، مع وضوح تنزيه الأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) عن عذاب القبر أعاذنا الله تعالى منه برحمته.

(1) كما صرح به الأصحاب، وقد تضمنته معاقد الإجماعات المتقدمة. كما يقتضيه جملة من النصوص المتقدم بعضها. وفي الجواهر: "ومن العجب ما يحكى عن العماني من أن المستحب جريدة واحدة، فإنه كاد يكون مخالفاً للمتواتر من الأخبار، فضلاً عن الإجماع بقسميه. بل قد يستشكل مشروعية واحدة فقط من حيث ظهور التثنية في كلام الأصحاب وكثير من الأخبار، سيما ما ورد من شق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الجريدة إذ كأنه محافظة على التعدد في مدخلية هيئة الاثنينية في ذلك" .لكن ما نقله عن العماني لا يناسب ما حكاه عنه في المختلف من استحباب أن يكون طول كل واحدة أربع أصابع فما فوقها.

مع أن المراد بذلك إن كان هو اختصاص الاستحباب بالواحدة، بحيث

********

(1) المقنعة ص: 12.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 10.

(3) الانتصار ص: 36. طبعة النجف الأشرف.

ص: 224

يلزم انفرادها أولا فائدة بالزيادة عليها، فهو حال عن الشاهد، بل يدفعه الإجماع والنصوص الكثيرة المشار إليها. وإن كان هو استحباب الواحدة مع كون الجريدتين أفضل، فهو مقتضى الجمع بين النصوص المشار إليها وجملة من النصوص الظاهرة في الواحدة، منها حديث يحيى بن عبادة وموثق سماعة المتقدمان.

ودعوى حمل النصوص المذكورة على إرادة الجنس لا الوحدة، ولاسيما بلحاظ ما جمع فيه بين فرض التعدد والتعبير بالجريدة، كصحيح زرارة المتقدم وغيره، إذ لابد من حمله على إرادة التعدد اتكالاً على بقية فقرات الحديث أو على معروفيته بين الفرقة المحقة، على ما ذكره في الجواهر في الجملة.

مدفوعة بأن ذلك وإن لم يكن بعيداً في جملة من النصوص المتضمنة للجريدة محلاة بلام التعريف، بل هو الظاهر مما جمع فيه بين الإفراد والتثنية، كما تقدم، إلا أنه مخالف للظاهر فيما تضمنها منكرة، لقوة ظهور النكرة في الوحدة، خصوصاً ما تضمن ذكر محل واحد لها، كحديث يحيى بن عبادة المتقدم وغيره. بل هو كالصريح من صحيح جميل: "سألته عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ قال: فوق القميص ودون الخاصرة. فسألته: من أي جانب؟ فقال: من الجانب الأيمن" (1) وحمله على التعدد مع وضع كلتا الجريدتين في الجانب الأيمن، أو على بيان محل إحدى الجريدتين. بعيد جداً بل الظاهر عدم القائل بالأول.

نعم قد يظهر من الصدوق في معاني الأخبار لزوم الإعراض عن هذه النصوص. قال بعد ذكر حديث يحيى بن عبادة المتقدم: "جاء هذا الخبر هكذا. والذي يجب استعماله أن يجعل للميت جريدتان خضراوان..." .وكأنه لمخالفتهما لما عليه الطائفة، كما تقدم.

لكن قد يكون التزامهم عملاً وقولاً بالتعدد لأنه الأفضل من دون بناء على عدم مشروعية الجريدة الواحدة، أو لتخيل التعارض المستحكم بين الطائفتين والغفلة عن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 225

الجمع بينهما بما تقدم. ومعه لا مجال لرفع اليد عن نصوص الجريدة الواحدة مع تيسر الجمع عرفاً بما تقدم، ولاسيما مع تعددها واعتبار سند غير واحد منها. فلاحظ.

هذا وعن بعض الأصحاب استحباب شق الجريدة، فيجزي في التعدد. وكأنه لمرسل الفقيه قال: "ومر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه. وروي أن صاحب القبر كان قيس بن الفهد الأنصاري. وروي: قيس بن قمير [نمير. خ ل]" (1) ويعضده ما تقدم من رواية العامة. وما تضمنه مرسل المقنعة والانتصار والتهذيب من وصية آدم (عليه السلام) كما تقدم.

لكن عن كتاب محمد بن المثنى بسنده عن عمر بن حنظلة عن أبي جعفر (عليه السلام): "أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّ على قبر قيس بن فهد الأنصاري وهو يعذب فسمع صوته فوضع على قبره جريدتين..."(2). على أنه لامجال للخروج بتلك النصوص عن النصوص المعتبرة الظاهرة في عدم الشق، كما هو المتبادر من إطلاق الجريدة والجريدتين فيها. وهذا هو العمدة.

لا ما قيل من منافاته للتعليل بدفع العذاب ما دامتا رطبتين، المقتضي لرجحان تأخر جفافهما، والشق يستلزم سرعته. إذ فيه: أن ذلك لا ينهض بالخروج عن ظاهر النص لو كان حجة في نفسه، لإمكان أهمية مصلحة الشق من ذلك. ولاسيما بملاحظة ما تقدم في صحيح زرارة من أن الحساب والعذاب في ساعة واحدة.

ومنه يظهر الإشكال فيما في الذكرى. قال:" وهل تشق أو تكون صحيحة؟ الخبر دل على الأول. والعلة تدل على الثاني. والظاهر جواز الكل".

بقي في المقام أمران:

********

(1) من لا يحضره الفقيه ج: 1 ص: 88 طبع النجف الأشرف، وذكر بعضه في وسائل الشيعة ج: 2 باب: 11 من أبواب التكفين حديث: 4.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 6 من أبواب الكفن حديث: 2.

ص: 226

(227)

الأول: أنه ذكر في الروض وغيره أن الجريدة هي العود الذي يجرد عنه الخوص، ولا يسمى جريداً ما دام عليه الخوص، وإنما يسمى سعفاً. وهو مطابق لما في الصحاح ومختصره، ومقارب لما في أساس البلاغة، ومناسب لمادة الجرد، كما أشير إليه في مجمع البحرين، قال:" الجريد هو سعف النخل بلغة أهل الحجاز الواحدة جريدة، فعلية بمعنى مفعولة، سميت بذلك لتجريد خوصها عنها ".كما أنه الموافق للمفهوم عرفاً من الجريدة في عصورنا.

لكن في لسان العرب والقاموس ثبوت الخلاف في ذلك، وتصريح بعضهم بأنها السعفة ما كانت، كما هو ظاهر نهاية ابن الأثير والدر المنثور، وهو المناسب لما في صحيح زرارة المتقدم في أول المسألة، وحديث عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث وفاة االصديقة الزهراء (عليها السلام):" ...أخد علي في جهازها من ساعته، وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار"(1). بل قد يتجه حينئذٍ البناء على اختصاصها بما إذا لم تجرد من خوصها، بناء على اختصاص السعفة بذلك، كما هو المستفاد من بعض كلمات اللغويين، والمناسب للمفهوم العرفي منها في عصورنا.

إلا أنه لا يناسب السيرة القطعية على الاكتفاء بما جرد من خوصه، كما لا يناسب المفهوم العرفي الفعلي على اختصاص الجريدة بما جرد منه. لبعد انقلاب المفهوم العرفي من أحد المتقابلين للآخر، بل غايته تبدله من المطلق للمقيد أو بالعكس.

ومن هنا تكون الجريدة في المقام دائرة بين المطلق والمقيد بالتجريد عن الخوص، فيكون الأحوط هو المقيد، من دون أصل يقتضي الاجتزاء في أداء المستحب بغيره. ولاسيما حيث يكون الغرض المهم هو الأثر الخاص، إذ لا إشكال في الاحتياط مع الشك في المحصل. اللهم إلا أن يستبعد مانعية الخوص من ترتب الأثر المذكور حتى لو كانت الجريدة مختصة بالمجرد عن الخوص، وإنما ذكرت لأنها أيسر استعمالاً.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب الدفن حديث: 6.

ص: 227

(228)

فلاحظ.

الثاني: مقتضى إطلاق بعض النصوص - كموثق سماعة المتقدم - الاكتفاء في طول الجريدة بما يصدق معه المسمى، كما في الذكرى وعن بعض متأخري المتأخرين. وفي المسالك: "والمشهور كون طول كل واحدة قدر عظم ذراع الميت، ولو زادت إلى ذراع أو نقصت إلى أربع أصابع فلا بأس" .وفي الروضة: "والمشهور أن قدر كل واحدة طول عظم ذراع الميت، ثم قدر شبر، ثم أربع أصابع" .ونحوه عن حاشية الميسي على الشرايع.

لكن لم نعثر على ذلك في كلامهم، بل ليس المذكور في كلام جماعة من القدماء والمتأخرين إلا أن كلا منهما بقدر عظم الذراع، وفي الذكرى وجامع المقاصد والروض وكشف اللثام أنه المشهور، بل هو معقد إجماع الانتصار، كما قد يستفاد من معقد إجماع الغنية. ولم نعثر على ما يشهد له من النصوص عدا الرضوي: "وروي أن الجريدتين كل واحدة بقدر عظم ذراع، تضع واحدة عند ركبتيه تلصق إلى الساق وإلى الفخذين، والأخرى تحت الابط الأيمن ما بين القميص والإزار"(1).

وقد يستدل عليه بما دلّ على التقدير بالذراع، ففي مرسل يونس:" وتجعل له قطعتين من جريد النخل رطباً قدر ذراع، يجعل له واحدة بين ركبتيه نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذ، ويجعل الأخرى تحت ابطه الأيمن"(2) ، ونحوه حديث يحيى بن عبادة المتقدم في صدر الفصل والمرسل عنه(3). بدعوى: أن المعنى الحقيقي للذراع عظمه، كما في كشف اللثام.

لكنه ممنوع مخالف لظاهر التقدير بالذراع عرفاً. بل التشابه بين الرضوي ومرسل يونس المنفرد بكيفية جعل الجريدتين يناسب رجوع الرضوي للمرسل المقتضي لحمل عظم الذراع فيه على الذراع.

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 8 من أبواب الكفن حديث: 1.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 5، 4.

ص: 228

وأشكل من ذلك ما في الجواهر من الاستئناس للمشهور بما في صحيح جميل الآتي(1) من أنها قدر شبر، بدعوى: أن عظم الذراع شبر تقريباً، كما يعرف بالاختيار، إذ وضوح الفرق بينهما يغني عن إطالة الكلام فيه.

ولعله لذا قال في الفقيه: "طول كل واحدة قدر عظم ذراع، وإن كانت قدر ذراع فلا بأس أو شبر فلا بأس" إذ كأنه يشير إلى مضامين النصوص المختلفة.

نعم قد يظهر منه أفضلية المتوسط، وهو لا يناسب نظر العرف في الجمع بين النصوص المختلفة في المقدار، بل مقتضى الجمع بينها البناء على أفضلية الأكثر، فيكون الأفضل قدر الذراع، ثم قدر عظمه - بناءً على العمل بالرضوي - ثم قدر الشبر، كما نبه له سيدنا المصنف (قدس سره).

لكنه (قدس سره) قال: "هذا لو تمت قاعدة التسامح لإثبات حجية الخبر الضعيف، وإلا أشكل الحال في النصوص، لضعف ما يوافق المشهور وإعراضهم عن غيره. وكذا الحال في الإشكال لو اقتضت قاعدة التسامح الاستحباب بعنوان البلوغ، لامتناع تطبيقها على الجميع، للتنافي، وتطبيقها على واحد دون الآخر ترجيح بلا مرجح. وكأنه لذلك اختار في الذكرى جواز الكل، معللاً بثبوت أصل المشروعية وعدم القاطع على قدر معين، وتبعه بعض من تأخر عنه. فتأمل جيداً".

وهو مبني على إخلال الإعراض بحجية الخبر المعتبر السند في المستحبات، وقد تكرر منعه. ومن ثم لا مخرج عما سبق. ويأتي عند الكلام في كيفية وضع الجريدة التعرض لحديث يحيى بن عبادة عن أبي جعفر (عليه السلام) الذي قد يخالف ما تقدم.

هذا والظاهر أن استحباب المقادير المذكورة ليس بنحو يقتضي تقييد المطلقات بها، بنحو لا تتأدى وظيفة الجريدة بغيرها، لما تقرر من أن الجمع بين المطلق والمقيد في المستحبات ليس بالتقييد بل بحمل المقيد على أفضل الأفراد، كما هو الظاهر من الوسيلة في المقام.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 2.

ص: 229

رطبتان (1)،

ولعله لذا أطلق في المبسوط والنهاية والسرائر والشرايع والإرشاد واللمعة وغيرها، كما قد يرجع إليه ما عن ابن أبي عقيل من أنها أربع أصابع فما فوقها. وما تقدم من الذكرى وغيرها.

وأما ما قد تشعر به عبارة الصدوق من أن الذراع منتهى السائغ من الطول والشبر منتهاه من القصر فلا قرينة على حمل النصوص عليه. ونحوه ما سبق في أول الكلام في تحديد الطول عن المسالك من نفي البأس عن الذراع والأربع أصابع. فلاحظ.

(1) وكأنه هو المراد بالخضرة في كلام جماعة وقطع بها في جامع المقاصد، كما أنها داخلة في معقد الإجماع المتقدم من الانتصار والخلاف والغنية ومحكي المفاتيح. وإن كان مقتضى الجمود على مدلوله المطابقي اعتبار اللون الخاص ولو بعد الجفاف.

وكيف كان فيقتضيه - مضافاً إلى ما في كلمات بعض أهل اللغة من أخذ الرطوبة في مفهوم الجريدة - أخذ الرطوبة والخضرة في جملة من النصوص، واختصاص فائدتهما - وهي منع العذاب - بحال الرطوبة، كما تضمنته بعض النصوص أيضاً، وخبر محمد بن علي بن عيسى: "سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميت توضع معه في حفرته؟ فقال: لا يجوز اليابس" (1) فإن موضوع السؤال فيه وإن كان ظاهراً في الجاف على النخلة قبل قطعه منها، لأنه الذي ينقطع باليد بسبب الجفاف، إلا أن الجواب ظاهر في عدم كفاية اليابس مطلقاً. فلاحظ.

هذا وفي إشارة السبق والغنية والمراسم لفّ الجريدتين بالقطن، وفي الجواهر أنه قد ذكره جماعة من متأخري المتأخرين ناسبين له إلى الأصحاب. وجعله في جامع المقاصد متفرعاً على اعتبار الخضرة. وكأنه لأن القطن يمنع من سرعة الجفاف.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 9 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 230

(231)

إحداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة (1) ملصقة ببدنه، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والإزار (2).

وفيه أولاً: أن مقتضى صحيح زرارة المتقدم في صدر الفصل الاكتفاء برطوبتهما حين الدفن في الساعة الأولى، كما نبه له في الجواهر. فتأمل.

وثانياً: أنهما لا يتعرضان في الكفن والقبر للهواء المجفف ليمنع منه القطن.

وثالثاً: أنه يأتي عند الكلام في كيفية وضعهما استحباب كون أحداهما ملاصقة لجلد الميت، وهو لا يتحقق مع لفهما بالقطن.

(1) وهي بفتح التاء العظم المشرف الممتد في أعلى الصدر من ثغرة النحر إلى الكتف وللإنسان ترقوتان.

(2) كما في المقنع والغنية والدروس ومحكي المهذب والجامع والبيان، بل الظاهر أنه المشهور، لأن جماعة من قدماء الأصحاب ومتأخريهم وإن ذكروا هذه الكيفية من دون نص في الثانية على أنها من عند الترقوة إلا أن الظاهر إرادتهم ذلك اعتماداً على ذكره في الأولى، كما يناسبه تضمن دليلهم له. ومن ثم نسبت الكيفية المذكورة بتمامها للمشهور في الذكرى والروض، وفي جامع المقاصد أنها الأشهر، وفي الغنية: "ويجعل أحداهما مع الجانب [جانب] الميت الأيمن قائمة من ترقوته ملصقة بجلده، والأخرى من الجانب الأيسر كذلك، إلا أنها بين الدرع والإزار. وذلك بدليل الإجماع المشار إليه".

وشهد له صحيح جميل قال: "قال: إن الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت من الجلد [الأيمن. يب] والأخرى في الأيسر عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص"(1). ولا يقدح إضماره مع ما هو المعلوم من عدم رواية جميل عن غير الإمام، كما هو ظاهر إيداع أهل الحديث له في ضمن روايات الأئمة (عليهم السلام)

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 2.

ص: 231

واستدلال الفقهاء به كما يستدلون بها. فالإشكال فيه في المعتبر بذلك في غير محله.

هذا والمنسبق منه إرادة جعلهما طولاً من الترقوة نازليتين على سمت طول بدن الميت، لا عرضاً على سمت امتداد الترقوة، لابتناء الاعتراض على عناية تحتاج للتنبيه، ولظهوره في أن الترقوة مبدأ الجريدة لا موضعها. وفي عدم وفاء طول الجريدة ببدن الميت، مع أن عرض كل من الجانبين في موضع الترقوة يقارب الشبر أو ينقص عنه.

ومنه يظهر حمل إطلاق الأصحاب على ذلك، كما هو مقتضى قوله:" قائمة "في معقد إجماع الغنية المتقدم. ولاسيما مع أنهم قدروا كل جريدة بعظم الذراع الذي هو أطول من الشبر.

ومن هنا قد ينزل عليه حديث يحيى بن عبادة عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدم في صدر الفصل. وفيه:" تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع - وأشار بيده إلى عند ترقوته - تلف مع ثيابه"(1).

اللهم إلا أن يقال: لما كان حديث يحيى ظاهراً في وحدة الجريدة وعدم تخصيصها بأحد الجانبين فلا مانع من حمله على جعلها معترضة بين الكتفين على سمت الترقوة، لوفاء الذراع بذلك. بل لعله هو الظاهر من قوله: "عند الترقوة" حيث ينسبق منه بيان موضع الجريدة بتمامها، لا موضع طرفها. غايته أن يحمل على موضع الترقوتين معاً، لأن الذراع لا يسعهما جميعاً. وحينئذٍ يشابه ما في الصحيح الآخر عنه عن أبي جعفر (عليه السلام): "قال: جريدة خضرة توضع من أصل اليدين إلى [أصل. فقيه] الترقوة" (2) بحمله على جعلها معترضة، كما يظهر من الجواهر. غايته أن ظهوره في الترقوة المتصلة باليد ملزم بحملها على امتدادها من ثغرة النحر إلى اليد، الذي هو بقدر عرض الكفّ تقريباً.

لكن الإنصاف أن ذلك لا يناسب التعبير المذكور، بل المناسب له أن يقول: من أصل اليدين إلى طرف الترقوة. ومن ثم لا يبعد حمله على بيان مبدأ الجريدة مع

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 5، 3.

ص: 232

وضعها طولاً، وأنه يتخير بين جعل طرفها صاعداً إلى الترقوة ونازلاً إلى الابط الذي هو أصل اليد.

وأما حديثه الأول عن أبي عبدالله (عليه السلام) فقد يشكل بأنه وإن روي بطريق صحيح عن عبدالله بن المغيرة عن يحيى، إلا أنه روي بطريق آخر صحيح أيضاً عن عبدالله بن المغيرة عن رجل عن يحيى عنه (عليه السلام): "قال: تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع وتوضع - وأشار بيده من عند ترقوته إلى يده - تلف مع ثيابه. قال: وقال الرجل: لقيت أبا عبدالله بعد فسألته عنه: فقال: نعم قد حدثت به يحيى بن عبادة"(1). وحيث يبعد رواية عبدالله بن المغيرة له بوجهين تارة بلا واسطة عن يحيى، وأخرى بواسطة عنه، كان مضطرب السند، بل حيث لا يحتمل الخطأ في الثاني بلحاظ الذيل المشتمل على سؤال الرجل أبا عبدالله (عليه السلام) بعد ذلك، تعين سقوط الأول. كما أن الثاني حيث تضمن قوله:" فأشار بيده من عند ترقوته إلى يده "كان مناسباً لما تضمنه حديثه المتقدم عن أبي جعفر (عليه السلام) ويجري فيه ما جرى فيه. ويؤيده قول أبي عبدالله (عليه السلام) في الحديثين:" تلف مع ثيابه "،لظهوره في جعلهما طولاً على سمت بدن الميت، فتلف معه بكفنه.

ومن ثم لا مجال لاستفادة الاعتراض من أحاديث يحيى بن عبادة. بل يقرب حملها على ما يناسب صحيح جميل. غايته أنه اقتصر فيها على بيان محل جريدة واحدة.

بل قد ينزل حديثه عن أبي جعفر (عليه السلام) على بيان محل الجريدتين، لقول:" من أصل اليدين "،فيراد به أصل كل يد إلى الترقوة المتصلة بها.

هذا وفي مرسل يونس المتقدم في تحديد طول الجريدة:" تجعل له قطعتين من جريد النخل رطباً قدر ذراع، يجعل له واحدة بين ركبتيه نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذ، وتجعل الأخرى تحت أبطه الأيمن"(2). وقريب منه رواية الرضوي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 233

المتقدمة هناك.

وعن الجعفي العمل بمرسل يونس، كما حكاه في كشف اللثام عن ابن أبي عقيل أيضاً، وحكى عنه في المعتبر أنه قال: واحدة تحت ابطه الأيمن، وقد تقدم عند الكلام في كفاية الجريدة الواحدة الإشارة لاختلاف الحكاية عنه في الوحدة والتعدد.

وقال الصدوق في الفقيه: "إحداهما من عند الترقوة يلصقها بجلده ويمد عليه قميصه من الجانب الأيمن، والجريدة الأخرى عند وركه من الجانب الأيسر ما بين القميص والإزار" ،وحكي نحوه في المعتبر والمختلف عن أبيه الصدوق الأول. وقد يرجع إليه ما في المراسم، حيث عبر بنحو عبارته، إلا أنه قال: "واليسرى على القميص من تحت اليد إلى أسفل".

ولم نعثر على ما يشهد له عدا الرضوي: "واجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده ثم تمد عليه قميصه والأخرى عند وركه" (1) بضميمة ما تضمن أن الثانية في الجانب الأيسر بين القميص والإزار.

اللهم إلا أن يقال: ما تضمن ذلك ليس إلا صحيح جميل المتقدم المتضمن كيفية أخرى مباينة لما تضمنه الرضوي، وحينئذٍ فمقتضى العمل بالرضوي البناء على أن الثانية تلصق بالجلد أيضاً، لظهور سياقه في عدم الفرق بين الجريدتين إلا في الموضع من البدن. ومن ثم لا تنهض النصوص بتمام المدعى. وأما ما في المختلف من الاستدلال له بمرسل يونس المتقدم. فكأنه مبني على الغفلة عن الاختلاف بينهما في كلتا الجريدتين.

وفي الاقتصاد: "ويضع أحداهما عند حقوه من الجانب الأيمن ويلصقها بجلده، والأخرى من الجانب الأيسر بين القميص والإزار" ونحوه عن المصباح ومختصره. ولم يتضح مستنده.

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 6 من أبواب الكفن حديث: 1.

ص: 234

نعم في صحيح جميل الآخر: "سألت عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ قال: فوق القميص ودون الخاصرة. فسألته: من أي جانب؟ فقال: من الجانب الأيمن"(1). وهو وإن نهض بإثبات أن موضع الجريدة من الجانب الأيمن الحقو، لأنه دون الخاصرة، إلا أنه ظاهر في فرض وحدة الجريدة، ومخالف لما ادعاه من إلصاق جريدة الجانب الأيمن بالجلد.

وأما ما في كشف اللثام من احتمال قراءته:" ودون الحاصرة "بالحاء المهملة بمعنى اللفافة المحيطة، فلاينفع حتى في إثبات أن موضعها الحقو. فهو وإن كان مناسباً للسؤال، ولما تضمن وضع إحدى الجريدتين بين القميص واللفافة، إلا أنه مخالف لرسم الحديث المتداول، مع أصالة عدم الخطأ المعول عليها عند العقلاء. ولاسيما مع عدم تعارف التعبير عن اللفافة بالحاصرة، بل اللفّ أعم من الحصر مورداً، لتوقف الحصر على اللف بشدة وقوة.

والذي تحصل من جميع ما تقدم: أن ما يمكن إثباته من كيفية وضع الجريدتين بالنصوص هو قول المشهور وقول الجعفي، وكذا قول الصدوقين في الجملة لو نهض الرضوي بالحجية. والمتعين الجمع بينهما بالبناء على استحباب كل صورة ورد بها نص معتبر، بعد قوة ظهور كل منها في مطلوبية الخصوصية التي تضمنها. ومرجعه إلى التخيير بينها بعد فرض تعذر الجمع بينها عملاً.

وأما احتمال أن يكون عمل المشهور بصحيح جميل الأول وإعراضهم عن غيره كافياً في تعيينه للحجية ووهن غيره. فهو ممنوع، لما تكرر من عدم نهوض عملهم وإعراضهم بالجبر والوهن في المستحبات.

وأما صحيح جميل الآخر فهو ظاهر في فرض وحدة الجريدة، ولا مانع من العمل به في مورده. وإن كان قد يدعى أن مقتضى الجمع بينه وبين حديثي يحيى عن أبي عبدالله (عليه السلام) التخيير أيضاً في المورد المذكور.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 3.

ص: 235

(236) (236)

بقي في المقام أمران:

الأول: اقتصر في حديث الحسن الصيقل المتقدم في أول الفصل على وضع إحدى الجريدتين في جانب اليمين والأخرى في جانب اليسار، ونحوه في ذلك معتبر فضيل بن يسار عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: توضع للميت جريدتان، واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر"(1). ومقتضى الجمع بينهما وبين صحيح جميل - الذي هو مستند المشهور - والرضوي - الذي هو مستند الصدوقين - لو تم هو البناء على اختلاف مرتبة الفضل، بأن يكون أصل الوضع في اليمين واليسار مستحباً، وإحدى الخصوصيتين اللتين تضمنهما الحديثان مستحب آخر زائد عليه. نعم لا مجال لذلك في مرسل يونس والرضوي الموافق له، لمخافتهما في أصل الوضع في الجانبين وتضمنهما أن إحدى الجريدتين بين الركبتين، فيتعين التخيير بين مضمونهما وجميع ما تضمن الوضع في الجانبين.

الثاني: في موثق سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: يستحب أن يدخل معه في قبره جريدة رطبة" (2) وفي معتبر عبدالرحمن بن أبي عبدالله - الذي لا يقدح الإرسال في سنده بعد كونه عن غير واحد - عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قال: سألته عن الجريدة توضع في القبر؟ قال: لا بأس" (3) ونحوه مرسل الصدوق(4).

ومقتضى إطلاقهما عدم اعتبار كيفية خاصة في تحقق وظيفة الجريدة، كما أن مقتضى الجمع بينهما وبين نصوص الكيفيات المتقدمة الحمل على تعدد المطلوب، لما تكرر من أن ذلك مقتضى الجمع بين المطلق والمقيد في المستحبات، دون التقييد.

ولعله إلى ذلك نظر في المعتبر، حيث قال بعد مناقشة دليل المشهور بما تقدم بعضه: "ومع اختلاف الروايات والأقوال يجب الجزم بالقدر المشترك بينها، وهو

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 6.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 8.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 11 من أبواب التكفين حديث: 3، 5.

ص: 236

(237)

والأولى أن يكون من النخل (1)

استحباب وضعها مع الميت في كفنه أو في قبره بأي هذه الصور شئت" واستحسنه في جامع المقاصد والمدارك. وقد ظهر مما تقدم اعتبار دليل بعض الصور المذكورة في كلماتهم، وإن كان مقتضى الجمع بين النصوص عدم التقييد بها، بل أداء أصل الوظيفة بمطلق الجعل في القبر، كما ذكرنا.

اللهم إلا أن يقال: حيث كان ظاهر هذين الحديثين إرادة الجريدة الواحدة أو الجنس فلا ينهض إطلاقهما بأداء وظيفة التعدد بمجرد وضع الجريدتين في القبر ولو بجمعهما في جانب منه، بل المتعين فيه ما تضمنته نصوص التعدد، والاقتصار في الإطلاق على أداء وظيفة أصل الجريدة.

ومثله في ذلك ما ورد في الاضطرار، وهو مرفوع سهل بن زياد: "قيل له: جعلت فداك ربما حضرني من أخافه فلايمكن وضع الجريدة على ما رويتنا. فقال: أدخلها حيثما أمكن"(1). ونحوه مرسل محمد بن أحمد بن يحيى، وزيد فيه:" فإن وضعت في القبر أجزأه "(2) فإن مقتضاهما أداء وظيفة الجريدة بذلك لا وظيفة الجريدتين.

نعم قد يحسن الاحتياط بوضع الجريدتين كيفما أمكن برجاء تحقق وظيفتهما بذلك، لأن النصوص وإن لم تدل عليه إلا أنها لا تدفعه، بل يظهر من بعض عباراتهم المفروغية عنه.

(1) بل هو المستحب بالأصل، كما يظهر من كلمات الأصحاب المختلفة، ومنها معاقد الإجماعات السابقة عدا إجماع الخلاف. ويقتضيه - مضافاً إلى ما ورد في أصل تشريعها من وصية آدم (عليه السلام) المتقدمة -: النصوص المتضمنة لعنوان الجريد والجريدة والجريدتين، لاختصاصها عرفاً بما يكون من النخل، وهو الظاهر من اللغويين أيضاً،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 11 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 11 من أبواب التكفين حديث: 2.

ص: 237

ومما تضمن من النصوص ذكر السعف - كصحيح زرارة المتقدم في أول الفصل وخبر محمد بن علي بن عيسى المتقدم عند الكلام في اعتبار الرطوبة - ومن النصوص الآتية في البدل التي هي كالصريحة في عدم كونه جريداً. ويشهد بأفضلية النخل حديث علي بن بلال الثاني الذي يأتي الكلام فيه.

بل مقتضى الجمع بين نصوص الجريدة ونصوص البدل - لو نهضت بالحجية - كون غير الجريدة بدلاً اضطرارياً عنها لا يشرع مع القدرة عليها.

ودعوى: أن ذلك وإن كان مقتضى الجمود على نصوص البدل، إلا أنه يستفاد منها عموم مشروعيته ووفائه ببعض مصلحتها ولو مع القدرة على الجريدة، بضميمة قضاء المناسبات الارتكازية بعدم دخل الاضطرار وإعواز الجريدة في ترتب الأثر المهم عليه بعد كونه من سنخ الأثر الوضعي، وأن ورود النصوص بالجريدة لأفضليتها وتيسرها في محيط صدور النصوص المذكورة، لا لانحصار الأثر بهافي ظرف تيسرها.

ممنوعة، لما أشرنا إليه عند الكلام في مشروعية الجريدة لغير المكلف من قضاء المرتكزات بأن ترتب الأثر المذكور على الجريدة ليس لمحض كونه أثراً وضعياً، بل هو فرع رجحانها شرعاً، نظير ترتب الجزاء على الطاعة. وحينئذٍ يمكن أن يكون لخصوصية الاضطرار دخل في التعبد بغير الجريدة وإجزائه عنها، لكون موضوع التعبد بالأصل مختصاً بالجريدة، والاجتزاء في ترتب الأثر المهم بغيرها تفضل منه تعالى لمن يهتم بهاولا يقدر عليها جزاء على اهتمامه بإقامة سنتها، دون من يتركها قادراً عليها.

ومن جميع ما تقدم يتضح ضعف ما قد يظهر من الخلاف والاقتصاد ومحكي مختصر المصباح من عدم الفرق بين النخل وغيره.

بل يظهر من عبارة الأولين والدروس واللمعة والعروة الوثقى والمتن صدق الجريدة على الكل. قال في الخلاف:" يستحب أن يوضع مع الميت جريدتان

ص: 238

(239)

فإن لم يتيسر فمن السدر (1)،

خضراوان من النخل أو غيرها من الأشجار... دليلنا إجماع الفرقة، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)...".

لكن قال في الجواهر:" ولعل دعواه الإجماع يرشد إلى إرادته ثبوت أصل الاستحباب في مقابلة العامة، وإلا كان التتبع لكلمات الأصحاب يشهد بخلافه، إذ لم أعرف له موافقاً بالنسبة إلى ذلك، وإن حكاه في المختلف عن السرائر، لكن الموجود فيما حضرني من نسختها ظاهر في خلاف ذلك ".وكأنه استظهر ذلك لقوله في السرائر:" ويترك معه جريدتين رطبتين من النخل إن وجدا، ومن الشجر الرطب ".وهو غير بعيد. نعم نسب في مفتاح الكرامة لمختصر المصباح موافقة الخلاف أيضاً، ولا يحضرني كلامه.

(1) كما في المبسوط والنهاية والوسيلة والشرايع والتذكرة والمنتهى والإرشاد والقواعد والدروس وجامع المقاصد والروض والروضة ومحكي نهاية الأحكام والتحرير والمقتصر وغيرها، وفي المدارك أنه المشهور. ويشهد له مرسل سهل بن زياد عن غير واحدمن أصحابنا قالوا:" قلنا له: جعلنا الله فداك إن لم نقدر على الجريدة. فقال: عود السدر. قيل: فإن لم نقدر على السدر. فقال: عود الخلاف"(1). وحيث تقدم عند الكلام في مطهرية الماء المضاف من الحدث الاعتماد على سهل بن زياد فلا ضير في إرسال الحديث بعد كون المرسل عنهم غير واحد الراجع لشهرته، بل يبعد أن لا يكون فيهم ثقة، كما لايقدح إضماره بعد شهادة الأحوال بروايته عن المعصوم ولاسيما بلحاظ قولهم: "جعلنا الله فداك".

لكن في المقنعة والمراسم وعن الجامع تقديم الخلاف على السدر عكس المشهور. ولم أعثر على مستنده. ومثله ما عن المهذب من التخيير بين السدر والخلاف.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 8 من أبواب التكفين حديث: 3، 4.

ص: 239

(240)

فإن لم يتيسر فمن الخلاف أو الرمان (1)، والرمان مقدم على الخلاف (2)، وإلا فمن كل عود رطب (3).

(1) كما في العروة الوثقى. وفي الدروس وجامع المقاصد والروض والروضة والمسالك ومحكي البيان وفوائد الشرايع وحاشية الميسي تقديم الخلاف على الرمان. واقتصر المشهور في الشجر الخاص على السدر والخلاف ولم يذكروا الرمان اقتصاراً على مفاد مرسل سهل.

ولا مستند للرمان إلا ما ذكره الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب قالا بعد ذكر مرسل سهل، ثم حديث علي بن بلال الثاني الآتي: "وروى علي بن إبراهيم في رواية أخرى: يجعل بدلها عود الرمان"(1). وظاهره رجوع الضمير للجريدة، فيدل على أن الرمان هو المرتبة الأولى بعدها، ويعارض مرسل سهل. وحيث لا مجال للجمع بينهما بجعل الرمان في مرتبة سابقة على السدر، أو في رتبته، أو بينه وبين الخلاف أو في رتبة الخلاف أو متأخراً عنه، لعدم الشاهد على أحدها، كان الأولى العمل بمرسل سهل، لأنه أقوى سنداً. ومع تعذر السدر والخلاف ينتقل للرمان، لاحتمال خصوصيته بين أفراد العود الرطب بالنظر للمرسل المذكور. ولعله الوجه فيما تقدم من الدروس وغيره.

(2) عرفت أن الأولى العكس.

(3) كما هو المذكور فيما عثرنا عليه من الكتب المذكورة آنفاً، ونسب لغيرها. ويقتضيه صحيح علي بن بلال المروي في الفقيه:" أنه كتب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام): الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل؟ فإنه قد روي عن آبائك (عليهم السلام) أنه يتجافى عنه العذاب مادامت الجريدتان رطبتين، وأنها تنفع المؤمن والكافر. فأجاب (عليه السلام): يجوز من شجر آخر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب التكفين حديث: 4.

ص: 240

رطب "(1) وصحيحه الآخر على الظاهر المروي في الكافي والتهذيب:" أنه كتب إليه يسأله عن الجريدة إذا لم يجد يجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل؟ فكتب: يجوز إذا أعوزت الجريدة. والجريدة أفضل، وبه جاءت الرواية"(2). ولا يبعد وحدة المكاتبة واختلاف الحديثين بلحاظ النقل بالمعنى، والاختلاف بالإجمال والتفصيل والانحصار والاستيفاء، فيكون العمل على أوفى مضمون في الحديثين.

ومن ثم قد يستدل بذيل الثاني لإثبات أفضلية الجريدة وعدم تعينها حتى مع القدرة عليها بدعوى: ظهوره في أفضليتها حال القدرة عليها، إذ لا معنى للحثّ عليها حال العجر عنها.

اللهم إلا أن يكون بيان أفضليتها ليس للحثّ عليها، بل لبيان أن غيرها وإن أجزأ عنها حال تعذرها إلا أنه لا يفي بتمام ملاكها، بل هي الأصل في التشريع، من دون نظر لحال القدرة عليها، لخروجه عن موضوع السؤال، فلا مجال لإثبات عموم مشروعية غير الجريدة، ليخرج به عما سبق من أن مقتضى الجمع بين النصوص اختصاص مشروعيته بحال تعذرها.

ثم إن مقتضى الجمع بين حديثي ابن بلال وغيرهما مما تضمن خصوصية بعض الشجر الحمل على أفضلية الخصوصية على الترتيب المتقدم، كما هو ظاهر بعضهم. وما قد يظهر من بعض آخر من تقييد مشروعية اللاحق بتعذر السابق في غير محله، لما تقدم غير مرة من أن الجمع بين المطلق والمقيد في المستحبات بالحمل على أفضل الأفراد دون التقييد.

هذا وقد اقتصر على الانتقال من النخل عند تعذره إلى الشجر الرطب في إشارة السبق ومحكي الذكرى، وهو الظاهر ممن تقدم نسبة القول بكونه في مرتبة النخل له. وكأنه لضعف المرسلين المتقدمين المتضمنين خصوصية بعض الشجر. لكن تقدم تقريب الاعتماد على مرسل سهل.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 8 من أبواب التكفين حديث: 1، 2.

ص: 241

(242)

(مسألة 44): إذا تركت الجريدتان لنسيان أو نحوه فالأولى جعلهما فوق القبر (1)،

وأشكل منه ما يظهر من النافع، بل هو كالصريح من المعتبر من التوقف في أصل الانتقال من النخل لغيره عند إعوازه، لمناقشته في النصوص بضعف السند والإضمار.

إذ فيه: أن الإضمار غير قادح بعد ظهور حال الراوي وأهل الحديث والاستدلال في كون المروي عنه الإمام (عليه السلام)، كما هو المصرح به في حديث علي بن بلال الأول. وضعف السند ممنوع في بعض تلك النصوص، كما يظهر مما سبق. على أن ضعف السند لا ينافي الاحتمال الذي ينبغي مراعاته في أمثال المقام.

(1) كما أشار إليه في الذكرى وغيرها. وقد تضمنت جملة من نصوص الفريقين وضع الجريدة على القبر حين الدفن أو بعده بمدة، مثل ما تقدم في رواية العامة في أول الفصل، وخبر عمر بن حنظلة ومرسل الصدوق المتقدمين عند الكلام في شق الجريدة، وخبر أبي البختري المروي في قرب الاسناد عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام): "ان الرش على القبور كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يجعل الجريد الرطب على القبور [القبر] حين يدفن الانسان في أول الزمان. ويستحب ذلك الميت"(1). وهي وإن لم تكن معتبرة الأسانيد، إلا أن تعددها واتفاق الخاصة والعامة عليها قد يكشف عن شهرة مضمونها إجمالاً، ويوجب الركون إليها. ولا أقل من رجحان متابعتها بمقتضى نصوص قاعدة التسامح في أدلة السنن، وبرجاء انتفاع الميت.

والظاهر أن مقتضى الجمع بينها وبين نصوص الوضع في القبر ليس بالجمع بين الأمرين، بل بأفضلية الوضع في القبر من الوضع عليه، وإجزائه عنه، ولا يجمع بينهما.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 11 من أبواب التكفين حديث: 6.

ص: 242

(243)

واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه (1).

(مسألة 45): الأولى أن يكتب عليهما ما يكتب على حواشي الكفن مما تقدم (2)، ويلزم الاحتفاظ عن تلوثهما بما يوجب المهانة (3) ولو بلفهما مما يمنعهماعن ذلك (4) من قطن أو نحوه.

-

كما أن ظاهر خبر أبي البختري مشروعية ذلك اختياراً ولو مع تعمد ترك وضعها في القبر، كما هو ظاهر محكي الذكرى وغيرها. ولعله لتدرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان مشروعية الجريدتين. وما قد يظهر من الدروس وغيره من الاختصاص بالنسيان، أو التوقف في العموم للترك العمدي، في غير محله.

(1) كما تقدم في مرسل الصدوق. ولا يخفى أن اختلاف النصوص في وحدة الجريدة وتعددها، وشقها وعدمه، يقتضي التخيير بين الصور المروية بالإتيان بأي منها برجاء ثبوته، كما لعله مقتضى نصوص قاعدة التسامح. وإن كان الأولى اختيار أكمل الوجوه احتياطاً في تحصيل الأثر المهم، لاحتمال انصراف بلوغ الثواب - الذي هو موضوع النصوص المذكورة - عن مثل المقام مما كان المثاب فيه غير الفاعل. فلاحظ.

(2) تقدم هناك الإشارة إلى ذكر بعض الأصحاب له، وإلى أنه يبتني على التوسع عن مفاد النص، كالتوسع في المكتوب.

(3) نظير ما تقدم هناك، وتقدم الكلام في وجهه.

(4) لا يخفى أن لف الجريدتين ينافي ما يظهر من بعض نصوص كيفية جعلهما في الكفن من كون أحداهما أوكليهما ملاصقة لجلد الميت، كما تقدم نظيره عند الكلام فيما ذكره بعض الأصحاب من استحباب لفهما بالقطن. فراجع ما سبق عند الكلام في اعتبار الرطوبة في الجريدتين.

ص: 243

ص: 244

(245)

الفصل السابع: في الصلاة عليه

تجب الصلاة وجوباً كفائياً (1) على كل ميت مسلم (2).

(1) كسائر أفعال التجهيز، على ما تقدم في أول الفصل الثاني في الغسل.

(2) كما ذكره جماعة من الأصحاب، وعن كشف الرموز أنه المذهب، ونفى الخلاف فيه في المنتهى، وعن مجمع البرهان دعوى الإجماع عليه، كما حكي عن التذكرة، وإن كان ظاهره دعواه على اختصاص وجوبها به وعدم الوجوب في غيره.

وكأنه إليه يرجع ما في الشرايع والقواعد ومحكي الجمل والعقود من وجوب الصلاة على كل مظهر للشهادتين، كما يناسبه ما في الأولين من الصلاة على الطفل إذا كان له حكم الاسلام، وعدم تنبيه أهل القولين للفرق بينهما فيمن لا يحكم بإسلامه ممن يظهر الشهادتين.

وأما الحكم من بعضهم بالصلاة على الباغي فهو لا يشهد بالبناء على كفاية إظهار الشهادتين ولو مع عدم الحكم بالإسلام، لأن البغي لا يستلزم الخروج عن الإسلام، ومبنى عدم وجوب الصلاة عليهم على خروجهم عن عموم وجوب الصلاة تخصيصاً، على ما يظهر بملاحظة ما تقدم في الفرع الثاني من الفروع المتقدمة في ذيل الكلام في وجوب تغسيل المخالف من المسألة الرابعة والعشرين، لأن المقامين على نهج واحد.

ص: 245

هذا وقد صرح في المقنعة بعدم جواز الصلاة على أهل الخلاف إلا لتقية، كما صرح بعدم وجوب الصلاة عليهم في السرائر ومحكي الكافي، وهو الظاهر مما في الوسيلة من اختصاص وجوب الصلاة بالمؤمن، وأن الكافر والمنافق والباغي تحظر الصلاة عليهم، وما في إشارة السبق من جعل موضوع الوجوب جنائز أهل الإيمان. كما قد يظهر ذلك ممن جعل موضوع الصلاة هو الميت ثم اقتصر في بيان كيفية الصلاة على صلاة المؤمن، كما في المقنع والمراسم، ولاسيما ما في الثاني من تخصيص وجوب الغسل بالمؤمن، بل قد يتوقف في نسبة وجوب الصلاة على المخالف لكل من لم يثبت ذهابه لوجوب تغسيله ممن أشير إليه في مبحث الغسل.

ولعله لهذا أو نحوه نسب في جامع المقاصد والروض المنع من الصلاة على المخالف لغير تقية لجمع من الأصحاب وقواه في كشف اللثام.

ومن ثم يتضح عدم نهوض دعوى الإجماع في المقام بإثبات وجوب الصلاة على المخالف، وإن حاول بعضهم التشبث بها، وقد تقدم في التغسيل ما ينفع في ذلك.

نعم استدل للعموم بإطلاق ما تضمن وجوب الصلاة على المسلم أو الميت، كمعتبر طلحة بن زيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام):" قال: صل على من مات من أهل القبلة، وحسابه على الله "(1) وخبر السكوني عنه عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام):" قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صلوا على المرجوم من أمتي، وعلى القاتل نفسه من أمتي. لا تدعوا أحداً من أمتي بلا صلاة"(2).

كما استدل أو يستدل باطلاق ما تضمن وجوب الصلاة على بعض الأصناف، كالشهيد الذي به رمق(3) ، والقتيل برجم أو قصاص(4) ، وشارب الخمر والزاني

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2، 3.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب غسل الميت.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب غسل الميت.

ص: 246

(247)

ذكراً كان أم أنثى حراً أم عبداً (1) مؤمناً أم مخالفاً (2)

والسارق(1). وأكيل السبع أوالطير والمقطع(2).

لكن تقدم في بحث تغسيل المخالف الإشكال في عموم الأولين للمخالف بنحو ينهضان حجة فيه.

وأما النصوص الأخيرة فهي واردة في مقام تحديد الحكم من حيثية العناوين المأخوذة فيها بعد الفراغ عن حرمة الميت ودخوله في عموم وجوب الصلاة ذاتاً، ولا تنهض بإثبات عموم وجوب الصلاة من سائر الحيثيات بنحو تقتضي عموم حرمة الميت أو المسلم، وتكون منافية لما دل على عدم وجوب الصلاة على الكافر مثلاً أو بعض أقسام المسلمين بالعموم المطلق أو من وجه، كما يظهر بأدنى ملاحظة للنظائر. وقد تقدم في بحث تغسيل المخالف تمام الكلام في أدلة المسألة وخصوصياتها. فراجع.

هذا ومقتضى إطلاق هذه النصوص وجوب الصلاة على جميع فرق المسلمين حتى المحكوم بكفرها عندهم، كالنواصب والخوارج والغلاة، لوضوح صدق أهل القبلة عليهم، ودخولهم في الأمة التي ورد أنها تفترق ثلاث وسبعين فرقة لا ينجو منها إلا واحدة. ومجرد خروجها إن الإسلام - لو تم - لا يكفي في خروجها عن الإطلاقات المذكورة بعد عدم تضمن الأدلة تخصيص وجوب الصلاة بالمسلم. فينحصر الدليل على عدم وجوب الصلاة عليهم بمثل الإجماع لو تم. فلاحظ.

(1) بلا إشكال ظاهر، ونفى في التذكرة الخلاف فيه، وفي الجواهر: "بل الإجماع عليه معلوم" .ويقتضيه إطلاق معتبر طلحة وخبر السكوني المتقدمين.

(2) مما تقدم في التغسيل يتضح عدم وجوب الصلاة على المخالف. نعم قد تجب على المستضعف ومجهول الحال، لأن الإسلام مقتض للحرمة المستتبعة لوجوب

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 247

(248)

عادلاً أم فاسقاً (1). ولا تجب على أطفال المسلمين إلا إذا بلغوا ست سنين (2).

التجهيز ما لم يطرأ ما يوجب القطع بالهلكة.

(1) بلا إشكال ظاهر. وقد ادعى في الخلاف الإجماع على الصلاة على المرجوم، ونسبه في التذكرة لعلمائنا، كما نسب لهم في المنتهى الصلاة على من قتل نفسه، ويظهر منه الإجماع على الصلاة على أهل الكبائر، حيث لم ينسب الخلاف فيه إلا إلى مالك، وعلى الغالّ من الغنيمة، حيث اقتصر على الإشارة لخلاف بعض العامة في صلاة الإمام عليه.

وكيف كان فيقتضيه - مضافاً إلى معتبرطلحة وخبر السكوني المتقدمين - صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام): "قلت له: شارب الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا؟ قال: نعم"(1) ، والنصوص المتقدمة في تغسيل المرجوم والمقتص منه من المسألة الرابعة والعشرين.

نعم في معتبر زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام):" قال: الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرءهم، لأنه ضيع من السنة أعظمها، ولا تقبل له شهادة، ولا يصلى عليه. إلا أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه"(2). لكن هجره مانع من رفع اليد به عن النصوص المتقدمة. ولاسيما وأن التعليل والاستثناء فيه يناسبان إلغاء خصوصية ترك الختان والتعدي لكل معصية مهمة الموجب لتعذر الجمع بينه وبين النصوص الأول.

ومن هنا يتعين طرحه أو تأويله. وقد حمله في الوسائل على أنه لا ينبغي أن يرغب في الصلاة عليه إذا صلى عليه أحد. وقد يحمل على نفي استحباب الصلاة عليه عيناً، غير المنافي لوجوبها كفائياً.

(2) ولا تجب قبل ذلك كما هو المعروف بين الأصحاب، وفي المقنعة: "ولا صلاة عند آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على من لا يعقل الصلاة من الأطفال. وحده أن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 13 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

ص: 248

ينقص زمانه عن ست سنين. غير أنهم أباحوا الصلاة عليهم تقية من الجهال لنفي الشبهة عنهم في اعتقادهم عند تركها أنهم لا يرون الصلاة على الأموات ".وادعي الإجماع على ذلك في الانتصار والخلاف والمنتهى. لكن في المختلف والروض وكشف اللثام ومحكي مجمع البرهان أنه المشهور، وعن الذكرى أنه الأشهر، وفي المدارك وعن التنقيح أنه مذهب الأكثر.

خلافاً لما عن ابن الجنيد من وجوب الصلاة عليه إذا استهل، للنصوص الكثيرة المتضمنة لذلك، بل قيل: لا يبعد تواترها إجمالاً، كصحيح عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام):" قال: لا يصلى على المنفوس، وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها، وإذا استهل فصل عليه وورثه "(1) وصحيح علي بن يقطين:" سألت أبا الحسن (عليه السلام) لكم يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال: يصلى عليه على كل حال، إلا أن يسقط لغير تمام "(2) وغيرهما. لكن لابد من حملها على الاستحباب أو الجواز ولو تقية للنصوص الآتية.

هذا وعن ابن أبي عقيل عدم وجوب الصلاة عليه إذا لم يكن بالغاً، ومال إليه الكاشاني في محكي الوافي. ويشهد له موثق عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام):" أنه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال: لا إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم"(3).

وصحيح زرارة في حديث: "أن ابناً لأبي عبدالله (عليه السلام) فطيماً درج مات، فخرج أبو جعفر (عليه السلام) في جنازته... فصلى عليه فكبر عليه أربعاً، ثم أمر به فدفن، ثم أخذ بيدي فتنحى بي، ثم قال: لم يكن يصلى على الأطفال، إنما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر بهم فيدفنون من وراه لا يصلي عليهم، وإنما صليت عليه من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا لا يصلون على أطفالهم"(4) ، بناء على أن الطفل كل من لم يبلغ الحلم، كم

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 2، 5.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 249

في مجمع البحرين، ويناسبه قوله تعالى: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم)(1).

وفي خبر هشام عنه (عليه السلام) الوارد في تعليمه مخاصمة العامة في الصلاة على الطفل:" إنما يجب أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة والحدود، ولا يصلى على من لم تجب عليه الصلاة ولا الحدود "(2) وفي خبر علي بن عبدالله المتضمن عدم صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ولده إبراهيم وحديث الناس في ذلك:" ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة، وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى "(3) وبعدم حاجة الطفل للاستغفار.

ويشكل الأخير - مضافاً إلى انتقاضه بوجوب الصلاة على من بلغ مجنوناً حتى مات - بأنه حيث لا إشكال في مشروعية الصلاة على الطفل فكما يمكن استحبابها مع عدم حاجتة للاستغفار يمكن وجوبها مع ذلك.

كما أن ضعف الخبرين كاف في عدم التعويل عليهما. ولاسيما مع أن ظاهر خبر علي بن عبدالله أن المعيار في وجوب الصلاة على الميت أن يكون الميت قد صلى في حياته، لا أن الصلاة قد وجبت عليه. ومع معارضته بخبر قدامة بن زائدة:" سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على ابنه ابراهيم فكبر عليه خمساً"(4).

مضافاً إلى أن ظاهره كصحيح زرارة عدم مشروعية الصلاة على الأطفال، وهو لا يناسب النصوص الكثيرة الدالة على مشروعيتها في الجملة، فيلزم حملهما على الصغار منهم ممن لا يعقل الصلاة أو لم يبلغ الست سنين، كما هو مورد الصحيح، وتضمنه خبر زرارة الآخر(5).

فلم يبق إلا الموثق. وقد استشكل فيه في الجواهر بظهوره في عدم الصلاة على المجنون. لكن يقرب حمله - ولو بقرينة الإجماع - على كون الشرط تفسيرياً للرجل

********

(1) سورة النور آية: 59.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، 2، 5.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

ص: 250

والمرأة، للتأكيد باعتباره الوصف الغالب فيهما، لا قيداً زائداً عليهما.

ومثله ما عن بعض مشايخنا من الإشكال فيه بظهوره في عدم مشروعية الصلاة عليه، لا مجرد وجوبها. لاندفاعه بأنه إنما تضمن نفي الصلاة عليه، وهو كما يكون لبيان عدم المشروعية يكون لبيان عدم الوجوب، فيتعين حمله عليه بقرينة النصوص الأخر.

فلم يبق إلا ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من وهنه بالهجر عند الأصحاب. لكن قد يظهر من الشيخ في التهذيبين التعويل عليه، حيث جعله شاهداً على حمل نصوص الصلاة على الطفل إذا استهل - المتقدمة حجة لابن الجنيد - على الاستحباب أو التقية.

كما لا صراحة في كلام جماعة في وجوب الصلاة على من بلغ ست سنين كالصدوق في المقنع والهداية، والمفيد في المقنعة، وعن الجعفي، حيث اقتصروا على الحكم بعدم الصلاة على من لم يبلغ ست سنين. وكذا الشيخ في المبسوط وعن التقي، حيث اقتصرا على بيان كيفية الصلاة على الطفل. بل يأتي أن الحكم بالاستحباب هو المناسب للتحديد الآتي. ومن هنا فالأمر لا يخلو عن إشكال، فلا يترك الاحتياط.

ثم إن الأصحاب بين من اقتصر في التحديد على أن يعقل الطفل الصلاة - كما في المقنع والهداية وعن الجعفي - ومن اقتصر على من يبلغ ست سنين - كما في النهاية والغنية وإشارة السبق والوسيلة والشرايع والقواعد وغيرها - ومن جعل الثاني حداً للأول وبياناً له، كما تقدم في المقنعة، وهو ظاهر الفقيه.

وقد يستدل عليه بصحيح زرارة والحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام): "أنه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ قال: إذا عقل الصلاة. قلت: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: إذا كان ابن ست سنين، والصيام إذا أطاقه" (1) وصحيح زرارة: "مات ابن لأبي جعفر (عليه السلام) فأخبر بموته، فأمر به فغسل وكفن ومشى معه وصلى عليه... ثم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 251

انصرف معه حتى اني لأمشي معه فقال: أما إنه لم يكن يصلى على مثل هذا... قلت: فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين" (1) ومرسل الفقيه: "وسئل أبو جعفر (عليه السلام): متى تجب الصلاة عليه؟ فقال: إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين"(2).

لكن استشكل سيدنا المصنف (قدس سره) في الاستدلال بالأول بأن التحديد بالست في ذيله ليس لوجوب الصلاة عليه إذا مات، بل لتكليفه - تمريناً - بالصلاة اليومية. وحمله على بيان حدّ عقله للصلاة لا شاهد عليه. بل لا يناسب الاختلاف في الحدّ بين الفقرتين.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من أن تكليفه بالصلاة اليومية لست سنين ملازم لها في السن المذكور، لتوقف تكليف الإنسان بشيء على عقله له. فيشكل - مضافاً إلى عدم اقتضائه توقف عقله للصلاة على بلوغه السن المذكور - بأن تكليفه بالصلاة إنما يتوقف على عقله لها إذا كان حقيقياً شرعياً، دون ما إذا كان تمرينياً من قِبَل وليه، كما في المقام.

كما استشكل (قدس سره) في الاستدلال بالثاني بأن ظاهر عطف بلوغ الست سنين على عقل الصلاة فيه المغايرة بينهما وكون الثاني قيداً زائداً على الأول، لا مفسراً له بحيث يكون حده الشرعي. على أن ظاهره بيان حدّ تكليفه بالصلاة لا حدّ وجوب صلاة الميت عليه إذا مات.

ودعوى: عدم مناسبة ذلك للتفريع في كلام السائل، بل مقتضاه كون السؤال عن الصلاة عليه. مدفوعة بأنه قد يكفي في التفريع المناسبة بين الصلاتين. على أن ذلك إنما يوجب اضطراب الحديث، لا ظهوره في تحديد صلاة الميت.

وأما المرسل فهو مرد بين الأمرين صالح لكل منهما. مع أن مقتضى العطف فيه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

ص: 252

المغايرة والتقييد، لا التحديد والتفسير، كما تقدم، فلا مجال للاستدلال به على المدعى. ولاسيما مع إرساله وقرب اتحاده مع الصحيح الثاني.

نعم قد يستدل على تحديد عقل الصلاة بست سنين بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما:" في الصبي متى يصلي؟ قال: إذا عقل الصلاة. قلت: متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال: لست سنين "(1) فإنه وإن ورد في تكليفه بالصلاة، إلا أنه ينفع في المقام من حيثية التحديد المذكور.

لكن في معتبر علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام):" سألته عن الغلام متى يجب عليه الصوم والصلاة؟ قال: إذا راهق الحلم وعرف الصلاة والصوم "(2) فإن ذلك ملزم بحمل المعرفة المعتبرة في الصلاة على أنها ذات مراتب، وحينئذ لا قرينة على تعيين المرتبة المعتبرة في المقام.

هذا مضافاً إلى صحيحه عنه (عليه السلام):" سألته عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ فقال: إذا عقل الصلاة صلي عليه"(3). فإنه كالصريح في أن عقل الصلاة قد يتحقق قبل الست سنين. وما في الجواهر من حمله بقرينة نصوص الست على الكناية عن بلوغ الست وعدم العبرة بالخمس. غريب.

ومثله ما ذكره بعض مشايخنا من كون العبرة ببلوغ الست سنين، لغلبة عقل الصلاة معها. فإنه إن أراد به أن الست هي الحد الشرعي ثبوتاً بسبب الغلبة. فهو مناف للصحيح المذكور. وليس كون الصبي ابن خمس سنين من قبيل المطلق بالإضافة إلى بلوغ الست سنين، ليحمل عليه بمقتضى الجمع بين المطلق والمقيد. وإن أراد به أن الحد ثبوتاً هو عقل الصلاة، وأنه مع الشك فيه فالمعيار فيه إثباتاً بلوغ الست سنين فهو - مع عدم مناسبته لفتواه - لا يناسب دليل الست، لقوة ظهوره في الحد الواقعي.

ومن هنا كان الأظهر عدم التحديد بالست، بل بعقل الصلاة لا غير، عمل

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث: 2، 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

ص: 253

وفي استحبابها على من لم يبلغ ذلك وقد تولد حياً إشكال (1). والأحوط الإتيان

بصحيح زرارة والحلبي وصحيح علي بن جعفر. من دون أن يعارضها نصوص الست، لأن المتيقن منها تحديد السن الذي يؤمر فيه بالصلاة تمريناً.

نعم حيث كان عقل الصلاة أمراً مقولاً بالتشكيك لا يسهل ضبطه ولا إحرازه في حق الميت فالتحديد به لا يناسب كون الحكم وجوبياً، بل هو مؤيد لكونه استحبابياً، مع إناطة الوجوب بالبلوغ الذي يسهل ضبطه ثبوتاً وإثباتاً. والله سبحانه العالم.

(1) فقد صرح باستحبابها في الشرايع والقواعد وغيرهما، وفي جامع المقاصد وعن شرح الجعفرية والكفاية أنه المشهور للنصوص الآمرة بالصلاة عليه إذا استهل - المتقدمة حجة لابن الجنيد - بعد حملها على الاستحباب، بقرينة النصوص الصريحة في عدم الوجوب.

وأنكر ذلك في محكي الحدائق، كما يناسبه ما في المبسوط من جواز الصلاة عليه عند التقية، و ما تقدم من المقنع والهداية والمقنعة وعن الجعفي من عدم الصلاة عليه، وما تقدم من التهذيبين من التردد بين حمل نصوص الصلاة عليه على الاستحباب والتقية.

ويشهد له صحيح زرارة المتقدم عند الكلام في التحديد بست سنين، وصحيحه الآخر وخبر عبد الله بن علي المتقدمان حجة لابن أبي عقيل. وقريب منهما خبر زرارة(1) ومرسل الصدوق(2) ، لقوة ظهورها في عدم مشروعية الصلاة عليه، وأن الصلاة عليه منهم (عليهم السلام) لمجاراة العامة.

ودعوى: إمكان حمله على كون المجارة لهم علة لتشريع استحباب الصلاة، فهي مستحبة بالعنوان الثانوي دون الأولي. وعليه تحمل نصوص الأمر بالصلاة المتقدمة.

مدفوعة: بأنه إن أريد بذلك أن المجاراة لهم حكمة أوجبت تشريع استحباب الصلاة مطلقاً حتى في غير موردها. فهو راجع إلى استحبابها بالعنوان الأولي. وحينئذ

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5، 4.

ص: 254

(255)

بها برجاء المطلوبية. وكل من وجد ميتاً في بلاد الإسلام فهو مسلم ظاهراً (1). وكذا لقيط

دار الإسلام، بل دار الكفر إذا احتمل كونه مسلماً على الأحوط (2).

تأباه هذه النصوص جداً، لظهورها في أن علة قيامهم بالصلاة هي المجاراة من دون أن تكون مشروعة في نفسها.

وإن أريد به كون المجاراة لهم علة، بحيث تكون هي العنوان الثانوي الذي يكون موضوعاً للاستحباب، كما هو الحال في سائر ما يشرع القيام به للتقية، فهو عبارة أخرى عن عدم استحباب الصلاة على الطفل بعنوانها، ولا يناسب نصوص الأمر المتقدمة.

ومن هنا يتعين حمل النصوص المذكورة بقرينة هذه النصوص على التقية، كما تقدم من المقنعة، وتقدم من التهذيبين احتماله. وهو المناسب لما تضمنه صحيح زرارة من أنه (عليه السلام) كبر أربعاً.

(1) الكلام فيه هو الكلام الآتي في اللقيط.

(2) تقدم منّا في الفرع العاشر من فروع المسألة الرابعة والعشرين من أحكام التغسيل الكلام في أصالة إسلام اللقيط، وأن الظاهر اختصاصها بمن وجد في الأرض التي يغلب على أهلها الإسلام. لأنه المتيقن في الخروج عن استصحاب عدم الإسلام ولو أزلاً.

لكن يظهر من بعض مشايخنا في مبحث تغسيل الميت أن ذلك إنما يتم في الأحكام التي أخذ في موضوعها الإسلام، وليس التغسيل منها، بل مقتضى الإطلاق وجوب تغسيل كل ميت، غايته أنه ثبت حرمة تغسيل الكافر، ففي موثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): "أنه سئل عن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت. قال: لا يغسله مسلم ولا كرامة، ولا يدفنه ولا يقوم على قبره وإن كان أباه"(1). وحينئذ

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 255

فمقتضى استصحاب عدم الكفر ولو أزلاً هو وجوب التغسيل ما لم يعلم أن الميت كافر أو بحكمه. وربما يجري ما ذكره في الصلاة.

لكن تقدم في المسألة الرابعة والعشرين عند الكلام في تغسيل المخالف الإشكال في ثبوت عموم أو إطلاق تغسيل المسلم، فضلاً عن كل ميت بنحو يشمل الكافر، ليكون خروج الكافر بالتخصيص، ويرجع مع الشك فيه لاستصحاب عدم الكفن، بل المتيقن من ذلك المؤمن.

ولو فرض ثبوت العموم المذكور فالعمدة فيه موثق سماعة: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجمعة، فقال: واجب في السفر والحضر... وقال: غسل الجنابة واجب... وغسل الميت واجب" (1) وفي مضمر أبي خالد: "اغسل كل الموتى: الغريق وأكيل السبع وكل شيء، إلا ما قتل بين الصفين، فإن كان به رمق غسل، وإلا فلا"(2).

والثاني - مع ضعف سنده - ظاهر في التعميم من حيثية كيفية الموت، لا من جميع الجهات، بنحو يقتضي التعميم بلحاظ ذات الميت. وأما الأول فهو وإن كان له إطلاق بدواً كما سبق في المسألة المذكورة، إلا أنه سبق قرب انصرافه للمؤمن.

ولو غض النظر عن ذلك، فمقتضى الجمع بينه وبين مثل معتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام):" قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صلوا على المرجوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحداً من أمتي بلا صلاة "(3) حمله على المسلم أو المؤمن، لقوة ظهور الثاني في دخل خصوصية الأمة في الحكم. ولاسيما مع مناسبته لكون التغسيل كسائر أفعال التجهيز من شؤون احترام الميت، المناسب لاعتصامه بالإسلام أو الإيمان.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 4 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

ص: 256

(257)

(257)

(مسألة 46): الأحوط في كيفيتها أن يكبر أولاً ويتشهد الشهادتين، ثم يكبر ثانياً ويصلى على النبي صلى الله عليه وآله، ثم يكبر ثالثاً ويدعو للمؤمنين، ثم يكبر رابعاً ويدعو للميت، ثم يكبر خامساً وينصرف (1).

هذا ومقتضى ما تقدم منا من اختصاص أحكام التجهيز بالمؤمن لزوم إحراز كونه مؤمناً. لكن تقدم منّا في الفرع الخامس من فروع تغسيل المخالف تقريب وجوب تغسيل مجهول الحال من المسلمين. ويجري نظيره في الصلاة. فراجع.

(1) ينبغي الكلام في المقام في أمور:

الأول: أن وجوب خمس تكبيرات هو المدعى عليه الإجماع من جماعة كثيرة. وفي الجواهر:" بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر... وبالجملة: كون الصلاة عندنا خمساً كالضرروي من المذهب، بل يعرفه المخالف منا فضلاً عن الموافق. بل عن بعض العامة أنهم تركوه لأنه من شعار الشيعة...".

ويقتضيه النصوص الكثيرة التي لا يبعد تواترها، كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام):" التكبير على الميت خمس تكبيرات "(1) وغيره مما تضمن أن أصل ذلك الصلاة على آدم (عليه السلام)، وما تضمن التعليل بأنها أخذت من الصلوات الخمس، أو من الفرائض الخمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، وأن المخالفين إنما يكبرون أربعاً لعدم أخذهم بالولاية، وغير ذلك(2).

ومن ذلك يظهر أنه لابد من طرح ما ظاهره عدم التوقيت في عدد التكبيرات، كخبر جابر:" سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التكبير على الجنازة هل فيه شيء موقت؟

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

(2) توجد النصوص المذكورة في وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2، 5 من أبواب صلاة الجنازة، وفي مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 257

فقال: لا كبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد عشر وتسعاً وسبعاً وخمساً وستاً وأربعاً "(1) وخبر جعفر:" سئل جعفر عن التكبير على الجنائز قال: ذلك إلى أهل الميت ما شاء كبروا. فقيل: إنهم يكبرون أربعاً. قال: ذلك إليهم. ثم قال: أما بلغكم أن رجلاً صلى عليه علي (عليه السلام) فكبر عليه خمساً، حتى صلى عليه خمس صلوات يكبر في كل صلاة خمس تكبيرات... "(2) ولاسيما مع ضعف الخبرين وقرب حمل الثاني على أن التخيير بين الخمس والأربع تقية، تبعاً لحال أهل الميت من حيثية الإيمان والخلاف، كما قد يشير إليه ذيله المشعر بكون الحق الخمس لا غير.

نعم تضمنت جملة من النصوص أن الصلاة على المنافق أربع تكبيرات، كصحيح حماد بن عثمان وهشام بن سالم عنه (عليه السلام):" كان رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يكبر على قوم خمساً، وعلى قوم آخرين أربعاً، فإذا كبر على رجل أربعاً اتهم. يعني: بالنفاق"(3). وصحيح إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): "سألته عن الصلاة على الميت. فقال: أما المؤمن فخمس تكبيرات، وأما المنافق فأربع. ولا سلام فيها" (4) وغيرهما.

ومقتضى ما تقدم من عدم وجوب الصلاة على المنافق والمخالف عدم مشروعية الصلاة عليهم بأربع، وإنما يؤتى بها مجاراة وتقية. ولو غض النظر عما تقدم وقيل بوجوب الصلاة عليهم تعين الصلاة بأربع، عملاً بالنصوص المذكورة، كما في الوسيلة والشرايع وعن جماعة، بل نسبه في محكي المفاتيح للأصحاب. وكأنه لذكرهم النصوص المذكورة، خصوصاً ممن دأبه الفتوى بمضمونها، كما في الفقيه.

وإلا فظاهر جملة ممن أطلق وجوب خمس تكبيرات وذكر الدعاء على المنافق في الصلاة عليه بعد الرابعة - كما في المبسوط والغنية وإشارة السبق والقوا عد وغيرها - وجوب الصلاة عليه بخمس تكبيرات. بل هو صريح الهداية.

وكيف كان فلا مجال له بعد النصوص المذكورة التي يخرج بها عن عموم وجوب خمس تكبيرات. ولا ينافي ذلك ما تضمن الدعاء على المنافق في الصلاة عليه، إذ يأتي

********

(1و2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 17، 18، 1، 5.

ص: 258

عدم تعين موضع الدعاء للميت أو عليه بعد الرابعة. بل لو تعين ذلك فالأولى الجمع بين النصوص بالبناء على عدم وجوب الخامسة بعد الدعاء عليه، كما في الوسيلة.

ومنه يظهر ضعف ما عن حواشي الكركي على الشرايع من التخيير بين الانصراف بالرابعة والدعاء عليه ثم الانصراف بالخامسة. إذ هو لا يناسب إطلاق النصوص المتضمنة للصلاة عليه بأربع تكبيرات.

لكن بعض مشايخنا فصل بين المنافق بمعنى من يظهر الإسلام ويبطن الكفر والمخالف، فأوجب الأربع في الأول، عملاً بالنصوص الواردة فيه، المتضمنة لفعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأوجب الخمس في الثاني، عملاً بالمطلقات بعد قصور نصوص المنافق عنه، لأن ما ورد في فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) محمول على المنافق بالمعنى الأول، لأنه المراد منه في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم). وحديث إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام) المتقدم وإن كان يعمّ الثاني، أو يختص به، لأنه المراد من العنوان المذكور في كلامهم (عليهم السلام) وكلام شيعتهم في عصورهم (عليهم السلام). إلا أنه ضعيف، لأن الشيخ رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى، وطريقه إليه في هذا الحديث مردد بين الصحيح والضعيف، لتعدد طرقه إليه، وفيها الضعيف.

وفيه أولاً: أن صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنافقين وإن وقعت في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كان يراد بالمنافق المعنى الأول، إلا أنها حكيت في كلامهم (عليهم السلام) عندما اشتهر عموم المراد بالمنافق للمخالف، ومنشأ التعميم كما يناسب عموم المعنى يناسب عموم الحكم، وحينئذ فمن البعيد جداً أن يفهم منه اختصاص الحكم بالمعنى الأخص. ولاسيما مع مقابلته بالمؤمن الذي يبعد جداً حمله أو حمل حكمه على ما يعمّ المخالف. وخصوصاً بملاحظة ما في صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن (عليه السلام): "قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جنازة فكبر عليه خمساً، وصلى على أخرى فكبر عليه أربعاً. فأما الذي كبر عليه فحمد الله

ص: 259

ومجده في التكبير الأولى... ودعا في الرابعة للميت وانصرف في الخامسة، وأما الذي كبر عليه أربعاً فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى... وانصرف في الرابعة فلم يدع له، لأنه كان منافقاً" (1) فإن ظاهر التفريع فيه أن الاكتفاء بالرابعة والانصراف بها يكون في كل من لا يدعى له، فيعم المخالف.

وثانياً: أن تضعيفه لبعض طرق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى إنما هو بسبب وقوع أحمد بن محمد بن يحيى في أحد طرقه، ووقوع أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد في طريق آخر ولم يثبت عنده وثاقة الرجلين، لعدم نص أحد على ذلك. لكن الرجلين في بيت علم وأبواهما من أعيان الطائفة، وقد روى عنهما المشايخ في روايات الأحكام التي عليها العمل، كالصدوق عن الأول مترضياً عليه، والمفيد عن الثاني، ولو لم يكونا على ظاهر العدالة والوثاقة تبعاً لأبويهما لسقطا ولم يلتفت إليهما. ولاسيما وأنهما رويا كتباً مشهورة لا يراد بالسند إليها إلا شدة التوثق باتصال السند الذي كان يهتم به القدماء، وهو لا يناسب الرواية عن من ليس ثقة. على أن شهرة تلك الكتب تغني عن الاهتمام بالسند. وقد تقدم في مبحث الاجتهاد والتقليد عند الكلام في اعتبار ترك الصغائر في العدالة بعض ما يتعلق بالأول وينفع في الثاني.

مضافاً إلى أنه يظهر منه في كتابه معجم رجال الحديث - في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى - العدول عن ذلك وتصحيح جميع ما يرويه الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى، لأن منشأ التوقف ليس إلا ضعف الطريق الذي فيه أحمد بن محمد بن يحيى، مع أن جميع ما يرويه بالطريق المذكور يرويه بطريق آخر صحيح. فراجع وتأمل. وبالجملة: لا ينبغي التأمل في عموم الاقتصار على الأربع للمخالف.

بل لا يبعد عمومه للمستضعف منه، لأنه وإن لم يكن مؤاخذاً، إلا أنه بلحاظ عرف الشيعة في عصور الأئمة المتأخرين (عليهم السلام) الذي تعارف فيه إطلاق المنافق على المخالف داخل في المنافق، فليس المنافق في العرف المذكور إلا غير المؤمن المعترف بالحق، وبملاك شمول العنوان المذكور لغير المستضعف من المخالفين المؤمنين

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9.

ص: 260

بأصول دينهم يشمل المستضعف منهم.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من عدم صحة إطلاق المنافق عليه وإن صح إطلاق المخالف، لعدم مؤاخذته وعدم خبثه. فهو غير ظاهر، لأن المعيار في إطلاق المنافق ليس هو الخبث واستحقاق العقاب، بل الخروج عن حوزة الإسلام الحقيقي المعبر عنه بالإيمان. بل يصعب حمل المنافق على خصوص المقصر من المخالفين مع مقابلته في حديث إسماعيل المتقدم بالمؤمن، لظهوره في التقابل بين الفرقتين، وفي استيفاء أحكامهما. بل يبعد جداً أخذ التقصير في موضوع الحكم، لعدم تيسر تشخيصه لعامة الناس.

نعم إذا كان المستضعف واقفاً غير معترف بالولاية ولا منكر لها، لقصوره فالظاهر عدم صدق المنافق عليه، كما لا يصدق المخالف، فيتعين الرجوع فيه لإطلاق ما دل على اعتبار الخمس تكبيرات في صلاة الميت بل لا يبعد ذلك حتى مع عدم قصوره وعدم كونه مستضعفاً.

وكذا مجهول الحال، فيكبر عليه خمساً. عملاً بالإطلاق المذكور، بضميمة أصالة عدم كونه مخالفاً منكراً للحق، كما تقدم نظيره في التغسيل.

بقي في المقام أمران:

أحدهما: أن ظاهر النصوص المتقدمة عدم مشروعية ما زاد على الخمس. بل هو كالصريح مما في معتبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام): "قال: وإنما جعلت خمس تكبيرات، دون أن تصير أربعاً أو ستاً، لأن الخمس تكبيرات إنما أخذت من الخمس صلوات في اليوم والليلة"(1). وفي مفتاح الكرامة أن الأصحاب قطعوا بذلك، وادعى في التهذيبين وكشف اللثام الإجماع عليه.

لكن ظاهر الوسائل جواز الزيادة على الخمس مطلقاً واستحبابه في الصلاة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 21.

ص: 261

على أهل الصلاح والفضل. لجملة من النصوص، كصحيح إسماعيل بن جابر وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث:" إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على حمزة سبعين صلاة، وكبر عليه سبعين تكبيرة"(1) ، بناءً على أن المراد بالصلاة فيه الدعاء بعد التكبيرات مع وحدة الصلاة بمجموعها، وخبر الحسن بن زيد قال: "كبر علي بن أبي طالب (عليه السلام) على سهل بن حنيف سبع تكبيرات، وكان بدرياً، فقال: لو كبرت عليه سبعين لكان أهلاً" (2) وخبر عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) في حديث وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتجهيزه: "ثم قال: يا علي كن أنت وفاطمة والحسن والحسين وكبروا خمساً وسبعين تكبيرة، وكبر خمساً وانصرف..."(3) ، وخبر أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، ومنه حديث الصلاة على آدم (عليه السلام): قال (عليه السلام):" وكبر عليه ثلاثين تكبيرة، فأمر جبرئيل فرفع خمساً وعشرين تكبيرة. والسنة اليوم فينا خمس تكبيرات. وقد كان يكبر على أهل بدر تسعاً وسبعاً"(4) ، وحديث ابن عباس: "أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة لم يصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبر عليها أربعين تكبيرة، فقال له عمار: لِمَ كبرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟ قال: نعم يا عمار التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفاً من الملائكة، فكبرت لكل صف تكبيرة" (5) حيث قد يدعى أنه يلزم لأجل هذه النصوص رفع اليد عن ظهور نصوص الخمس بحملها على بيان أدنى الواجب.

وفيه: أنه لا ظهور لصحيح إسماعيل وزرارة في أن السبعين تكبيرة على حمزة كانت في صلاة واحدة، بل لعلها كانت في صلوات متعددة كل منها بخمس تكبيرات كما تضمنته رواية الصدوق بأسانيد ثلاثة عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام): "قال: كبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حمزة خمس تكبيرات، وكبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات، فأصاب حمزة سبعين تكبيرة" (6) وقد يشير إليه خبر أبي بصير أو معتبره عن

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، 12، 11.

(4و5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4، 8، 7.

ص: 262

أبي جعفر (عليه السلام): قال: "كبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حمزة سبعين تكبيرة، وكبر علي (عليه السلام) على سهل بن حنيف خمساً وعشرين تكبيرة. قال: كبر خمساً خمساً، كلما أدركه الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل، فيضعه فيكبر عليه خمساً حتى انتهى إلى قبره خمس مرات"(1). إذ من القريب أن يكون شرح الصلاة على سهل بعد التعرض لزيادة التكبير عليه وعلى حمزة على الخمس لبيان كيفية الصلاة عليهما معاً، وأنهما على نهج واحد.

ومنه يظهر حال خبر الحسن بن زيد، فإنه - مع إرساله، لعدم معاصرة الحسن لأمير المؤمنين (عليه السلام) - معارض بالخبر المذكور، وبخبر عمر بن شمر(2) المتضمن تكذيب حديث الصلاة على سهل بست تكبيرات، ولشرح الصلاة عليه على النحو المذكور في خبر أبي بصير، وبصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام):" كبر أمير المؤمنين (عليه السلام) على سهل بن حنيف وكان بدرياً خمس تكبيرات، ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسة أخرى، فصنع به ذلك حتى كبر عليه خمساً وعشرين تكبيرة"(3).

وأما خبر عيسى بن المستفاد فهو - مع ضعفه في نفسه - لا يخلو عن إجمال، لاحتمال كون قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه: "وكبر خمساً وانصرف" لشرح كيفيته الإتيان بالخمس وسبعين تكبيرة، لا زيادة عليها. ولا أقل من حمله على ذلك بقرينة نصوص الخمس بعد تنبيه النصوص المتقدمة على توجيه الزيادة بتكرار الصلاة.

على أنه قد يكون من مختصاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، نظير ما ورد في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) للإمام الحسن (عليه السلام) من قوله: "ثم تقدم أي بني فصل علي فكبر سبعاً، فإنها لن تحل لأحد من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحق"(4).

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5، 21، 1.

(4) بحار الأنوار باب: 127 من أبواب تاريخ أمير المؤمنين حديث: 6 ج: 42 ص: 215، وفي آخر الباب المذكور ص: 292 من الجزء المذكور.

ص: 263

(264)

وأما خبر أبي حمزة فهو - مع ما قيل من ضعفه بحمد بن الفضيل، لعدم ثبوت توثيقه، ومعارضته بنصوص أخر في كيفية الصلاة على آدم (عليه السلام) - صريح في أن السنة اليوم هي الخمس، فلو تم ما تضمنه من التكبير على أهل بدر تسعاً وسبعاً يكون منسوخاً.

كما أن حديث ابن عباس في الصلاة على فاطمة بنت أسد - مع ضعفه بأبي الحسن العبدي المجهول - محمول على خصوصيتها، كما هو ظاهره، أو على النسخ، أو على تعدد الصلاة عليها، نظير ما تقدم في الصلاة على حمزة وسهل بن حنيف. فإن ذلك وإن كان خلاف ظاهره بدواً، إلا أنه قد يتجه بلحاظ نصوص الخمس بعد تنبيه النصوص المتقدمة على توجيه الزيادة بتكرار الصلاة.

على أنه لو غض النظر عن جميع ذلك فلا مجال للتعويل على النصوص المذكورة مع ظهور إعراض الأصحاب عنها، حتى ادعى في التهذيبين الإجماع على ترك ما تضمن الزيادة على الخمس، ورماه بالشذوذ في كشف اللثام.

ثانيهما: أنه لا ينبغي التأمل في عدم إجزاء الناقص ولو سهواً، بل يتعين الإتمام مع بقاء المحل، واستئناف الصلاة مع عدمه، عملاً بمقتضى الأصل في النقيصة. وما في الجواهر من إمكان القول بالصحة مع السهو لإمكان فتح قاعدة السهو. كما ترى، لانصراف حديث:" لا تعاد... "للصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود، دون صلاة الميت.

كما لا تقدح الزيادة سهواً، لعدم ثبوت ركنية التكبير هنا بمعنى ما يبطل العمل بزيادته سهواً. بل لا تقدح عمداً أيضاً، ولو مع قصد ذلك من أول الأمر، لأن التشريع المحرم ليس في أصل الصلاة، ليمنع من التقرب بها، بل في كيفيتها، فيختص بالزيادة، ولا أثر لحرمتها حينئذ.

الأمر الثاني: المعروف بين الأصحاب وجوب الدعاء بين التكبيرات فعن الذكرى:" الأصحاب أجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة، كابني بابويه والجعفي

ص: 264

والشيخين وأتباعهما وابن إدريس، ولم يصرح أحد منهم بندب الأذكار، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب ".بل في الغنية وعن ظاهر الخلاف الإجماع على ذلك، وعن شرح الإرشاد للفخر:" الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله واجبة بإجماع الإمامية".

خلافاً للمحقق في الشرايع فصرح بعدم وجوبه. واستدل له - بعد الأصل - بإطلاق ما تضمن أنها خمس تكبيرات، مثل ما تقدم في صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام)، وما في معتبر الفضل عنه (عليه السلام) - في كتابه إلى المأمون - قال:" والصلاة على الميت خمس تكبيرات، فمن نقص فقد خالف السنة..."(1) ، ونحوه ما في حديث الصدوق بإسناده عن الأعمش بن جعفر بن محمد في حديث شرايع الدين.

وقد أجيب عن ذلك بأن الإطلاق المذكور مسوق لبيان عدد التكبيرات المعتبر في صلاة الميت، لا لشرح الصلاة من جميع الجهات، فلا ينافي اعتبار أمر آخر غير التكبيرات فيها.

لكن ذلك وإن كان قريباً، بل هو المتعين لو دل الدليل على اعتبار أمر آخر، إلا أنه خلاف الأصل في الإطلاق، ولا قرينة عليه. على أنه لا أثر لذلك في المدعى، لأنه إن تم الدليل على اعتبار الدعاء كفى في رفع اليد عن الإطلاق وإن تم، وإلا كفى في عدم وجوب الدعاء الأصل إن لم يتم الإطلاق.

ومن هنا فقد استدل على وجوب الدعاء بجملة من النصوص:

منها: خبر أبي بصير: "كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالساً، فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنائز فقال: خمس تكبيرات، ثم دخل آخر فسأله عن الصلاة على الجنائز فقال له: أربع صلوات. فقال الأول: جعلت فداك سألتك فقلت خمساً، وسألك هذا فقلت: أربعاً. فقال: إنك سألتني عن التكبير وسألني هذا عن الصلاة. ثم قال: إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات..."(2).

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 20، 12.

ص: 265

وربما يدعى عدم قدح ضعف سنده بعد انجباره بعمل الأصحاب. لكن لا يتضح انجباره بعملهم، لاحتمال اعتمادهم على النصوص الأخرى التي قد يظهر استظهارهم وجوب الترتيب في الدعاء فيها، فضلاً عن وجوب أصل الدعاء.

وأما ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من ظهوره في بيان العدد في الصلاة، لا في مقام الإلزام والتشريع. فقد يتجه في صدره المتضمن لجواب السائلَين، لظهور السؤالين والجوابين في أن السؤال عن العدد مع المفروغية عن تشريع كل من التكبير والصلاة، من دون نظر لنحو التشريع وأنه بنحو الإلزام أولاً، إلا أنه لا مجال له في قوله بعد ذلك:" إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات "لظهوره في شرح صلاة الميت بذلك، وظاهر شرح الماهية بشيء لزومه فيها. فتأمل.

ومنها: معتبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام):" قال: إنما أمروا بالصلاة على الميت ليشفعوا له وليدعوا له بالمغفرة، لأنه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والاستغفار من تلك الساعة"(1) ، ومعتبره الآخر عنه (عليه السلام): "إنما لم يكن في الصلاة على الميت ركوع ولا سجود لأنه إنما أريد بهذه الصلاة الشفاعة لهذا العبد الذي قد تخلى مما خلف، فاحتاج إلى ما قدم"(2) ، ومعتبره الثالث عنه (عليه السلام):" قال: إنما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود، وإنما هي دعاء ومسألة..."(3) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع. إنما هو استغفار" (4) وموثق يونس: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنائز أصلي عليها على غير وضوء؟ فقال: نعم. إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل" (5) فإنها تدل على اعتبار ما زاد على التكبير في الجملة ولو بين بعض التكبيرات.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 21.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 8 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 3.

ص: 266

هذا وقد استدل بعض مشايخنا على ذلك أيضاً بصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام): "قال: ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت، تدعو بما بدا لك. وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن، وأن يبدأ بالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)" (1) وقريب منه صحيح محمد بن مسلم وزرارة(2) إن لم يكن عينه.

بدعوى: أن نفي الدعاء الموقت ظاهرة في ثبوت الدعاء، وإلا كان ذكر التوقيت لاغياً. وهو مبني على ما ذهب إليه في الأصول من أن ذكر الوصف وإن لم يكن ظاهراً في اختصاص الحكم به ونفيه عن تمام أفراد الماهية الفاقدة له، إلا أنه ظاهر في دخله في الحكم بنحو لا يثبت لأصل الماهية ولا يسري في جميع أفرادها، بل لابد في ثبوته خصوصية زائدة على الماهية كالوصف المذكور أو غيره. لكن المبنى المذكور غير خال عن الإشكال كما ذكرناه في محله. على أنه لو تم فنفي التوقيت في النص إنما يقتضي ثبوت أصل الدعاء ومشروعيته في الجملة ولو استحباباً، لكفاية ذلك في رفع لغوية ذكر التوقيت، ولا يتوقف رفعها على وجوب الدعاء.

ومنها: النصوص الكثيرة الواردة في الصلاة على الميت فعلاً أو قولاً المتضمنة لخصوصيات الأدعية المختلفة، وكل منها وإن كان ظاهراً في نفسه في لزوم ما تضمنه بخصوصيته الموجب لتعارضها بدواً، إلا أن مقتضى الجمع بينها رفع اليد عن وجوب كل منها بخصوصيته، مع وجوب كل منها القدر المشترك، وهو الدعاء في الجملة، ولا وجه لرفع اليد عن ذلك بمجرد اختلاف الأخبار.

لكن المراد بذلك إن كان هو عدم ملازمة الاختلاف المذكور لعدم وجوب القدر المشترك، لدفع ما قد توهمه بعض كلماتهم من الاستدلال على عدم وجوبه بالاختلاف المزبور. فهو متين، إلا أن وجوب القدر المشترك يبقى محتاجاً للدليل. وإن كان هو صلوح النصوص المذكورة لإثبات وجوب القدر المشترك، لأن الاختلاف إنما يلزم برفع اليد عن ظهور كل منها في وجوب خصوصية ما اشتمل عليه لا غير،

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 3.

ص: 267

كما يظهر من الجواهر وغيره. أشكل بأن النصوص لم تتضمن أمرين، أحدهما الأمر بالقدر المشترك، والثاني الأمر بالخصوصية، ليتعين بسبب الاختلاف رفع اليد عن ظهور الثاني في الوجوب دون الأول، لعدم منافاة الاختلاف له، وإنما تضمنت أمراً واحداً بالخصوصية، فمع رفع اليد عن ظهوره في الوجوب بسبب الاختلاف لا طريق لإحراز وجوب القدر المشترك.

ودعوى: أنه كما يتعذر حمل كل من هذه النصوص على وجوب ما تضمنه بخصوصيته تعييناً، لاستلزامه التنافي، كذلك يتعذر حمله على استحبابه تعييناً - بمعنى كونه أفضل الأفراد - لاستلزامه التنافي أيضاً، بل يتعين حينئذٍ حمله على الطلب التخييري، الراجع إلى أن ما تضمنه أحد أفراد المطلوب مع كون المطلوب حقيقة هو القدر المشترك، ومع دوران مطلوبية القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب يتعين الحمل على الأول لأنه الأصل في الطلب.

مدفوعة بأنه لا مجال لذلك في الفعل، لإجماله، وأما ما تضمن الأمر بالخصوصية فحمله على الطلب التخييري بعيد جداً، كما يأتي، والأقرب حمله على بيان إجزاء ما تضمنه، مع المفروغية على مشروعية القدر المشترك، وحينئذٍ كما يمكن أن تكون المشروعية المفروغ عنها بنحو الوجوب يمكن أن تكون بنحو الاستحباب، ولا مرجح للأول بعد أن لم يكن الطلب مسوقاً لبيان المشروعية.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر النصوص المذكورة بيان ما هو المجزي عن صلاة الميت المفروض وجوبها وعن تكبيراتها الواجبة، لا عما يستحب فيها، فهي ظاهرة في المفروغية عن وجوب القدر المشترك، وأنه به قوام الصلاة، لا في استحبابه فيها، بحيث يمكن تحققها بدونه.

هذا مضافاً إلى أن إطلاق الصلاة عليها إنما هو بعناية اشتمالها على الدعاء والذكر، ولذا قد تطلق توسعاً على الدعاء للميت بعد دفنه، كما تضمنه صحيح محمد بن

ص: 268

(269)

مسلم أو زرارة: "قال: الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنما هو الدعاء"(1) ، وحديث جعفر بن عيسى قال:" قدم أبو عبد الله (عليه السلام) مكة فسألني عن عبد الله بن أعين، فقلت: مات... قال: فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلي عليه، فقلت: نعم قال: لا ولكن نصلي عليه ههنا فرفع يديه يدعو واجتهد في الدعاء وترحم عليه"(2).

ويناسبه ظهور مفروغية الأصحاب عن ذلك وفهمهم له من نصوص المقام، وإلا فمن البعيد جداً خفاء ذلك عليهم وخطؤهم فيه مع كثرة الابتلاء بالمسألة وشدة الحاجة لمعرفة حكمها. بل هو لا يناسب عدم تنبيه النصوص للاستحباب، واقتصارها على بيان عدم التوقيت في الخصوصيات.

وبالجملة: مقتضى النصوص على كثرتها وجوب الدعاء بين التكبيرات، ولا مجال لما سبق من الشرايع من عدم وجوبه أصلاً.

بل مقتضى ما عدا الطائفة الثانية وجوبه بين جميعها وعدم الاكتفاء بالدعاء بينها في الجملة ولو مع الاقتصار على بعضها.

لكن في خبر يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: الصلاة على الجنائز التكبيرة الأولى استفتاح الصلاة، والثانية: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والثالثة: الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أهل بيته والثناء على الله، والرابعة له، والخامسة: يسلم..."(3). وظاهره عدم وجوب الدعاء بعد الأولى. إلا أنه لا ينهض في قبال ما سبق.

نعم يأتي في المسألة الرابعة والخمسين الكلام في اجتزاء المأموم المسبوق بعد فراغ الإمام بالتكبير من دون دعاء.

الأمر الثالث: ظاهر جماعة من الأصحاب وجوب الكيفية المذكورة في المتن، وفي جامع المقاصد وعن المختلف والذكرى وغيرها أنه المشهور، بل ظاهر الخلاف

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10.

ص: 269

والغنية الإجماع عليه. وإن كان سبر كلماتهم يشهد بشدة اختلافهم في الخصوصيات.

وكيف كان فيدل على الصورة المذكورة في الجملة صحيح محمد بن مهاجر عن أمه أم سلمة قالت - في حديث طويل -: "فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا صلى على ميت كبر وتشهد، ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا، ثم كبر ودعا للمؤمنين [واستغفر للمؤمنين والمؤمنات]، ثم كبر الرابعة ودعا للميت، ثم كبر الخامسة وانصرف. فلما نهاه الله عز وجل عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد، ثم كبر وصلى على النبيين، ثم كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة وانصرف، ولم يدع للميت"(1).

وقد يستشكل فيه من وجوه:

الأول: ضعف سنده، لعدم النص على توثيق أم سلمة. لكن قد يدفع بظهور عمل الأصحاب به، واعتمادهم عليه، لعدم المناسب للصورة المشهورة بينهم سواه، فإن لم يكن ظاهر حالهم وثاقة أم سلمة فلا أقل من انجبار ضعف سنده بعملهم.

الثاني: أن ظاهر التشهد فيه شهادة التوحيد فقط. لكنه ممنوع لظهوره في التشهد المعهود في الإسلام الذي به قوامه، وهو الشهادتان معاً.

الثالث: أنه لا يتضمن الصلاة في الثالثة على النبي وآله، بل الصلاة على الأنبياء والدعاء، وظاهرهم عدم الاكتفاء بالصلاة عليه في ضمنهم، بل لابد من إفراده بالصلاة، وعدم وجوب الدعاء، بل صرح جماعة كثيرة بالصلاة على آله معه.

نعم رواه الصدوق في العلل بعد ذكر التكبير الأول والتشهد هكذا:" ثم كبر وصلى على النبي ودعا... فلما نهاه الله تعالى عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد ثم كبر وصلى على النبي..."(2) ، ورواه مرسلاً في الفقيه هكذا: "ثم كبر فصلى على النبي وآله ودعا... فلما نهاه الله عز وجل عن الصلاة على المنافقين فكبر وتشهد ثم كبر فصلى

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) علل الشرايع باب: 244 حديث: 3. ص: 303 طبع النجف الأشرف.

ص: 270

على النبي وآله..."(1). ولا يخلو الاعتماد عليهما في ذلك عن إشكال.

والعمدة في الإشكال في الاستدلال: أنه - مع كونه حكاية فعل لا يدل على الوجوب - معارض بالنصوص الكثيرة المتضمنة كيفيات أخر، بل لا موافق له في الكيفية المذكورة، كما لا توافق بين الأخبار الأخر في أنفسها، حيث لا يتفق خبران على صورة واحدة.

ففي صحيح زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) الأمر بعد التكبيرة الأولى بالصلاة على النبي ثم الدعاء للميت، وبعد الثانية الدعاء له، وبعد الثالثة:" اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده "وبعد الرابعة الدعاء له ولعقبه(2).

وفي موثق عمار عنه (عليه السلام) الأمر بعد التكبيرة الأولى بالاسترجاع، ثم قراءة آية:" إن الله وملائكته... "ثم الصلاة على النبي وآله، ثم قول:" اللهم صل على محمد وعلى أئمة المسلمين. اللهم صل على محمد وعلى إمام المسلمين "ثم دعاء خاص للميت، ثم قول:" اللهم عندك نحتسبه، فلا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. اللهم عفوك عفوك. اللهم عفوك عفوك "،وفي الثانية والثالثة والرابعة بدعاء خاص للميت يكرره بعدها. وزاد:" فإذا كبرت الخامسة فقل:... "وذكر دعاء خاصاً يتضمن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله والدعاء للمؤمنين وللمصلي، ثم قال:" اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان... "إلى آخر الآية ثم قال:" اللهم عفوك عفوك، وتسلم"(3).

وفي صحيح الحلبي الأمر بعد التكبيرة الأولى بالتشهد، ثم الأمر بدعاء يتضمن الاسترجاع، ثم الثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته، ثم الدعاء له (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم الدعاء للميت، ثم قال: "اللهم اسلك لنا وبه سبيل الهدى، واهدنا وإياه صراطك المستقيم. اللهم عفوك عفوك. ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات"(4).

********

(1) من لا يحضره الفقيه ج: 1 باب الصلاة على الميت حديث: 16. ص: 100.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2، 11، 3.

ص: 271

وفي صحيح أبي ولاد:" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التكبير على الميت. فقال: خمس تقول في أولهن... "ثم ذكر دعاء يتضمن شهادة التوحيد، ثم الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله، ثم الدعاء للميت، ثم قال:" ثم تكبر الثانية وتفعل ذلك في كل تكبيرة"(1).

وفي موثق سماعة: "سألته عن الصلاة على الميت، فقال: خمس تكبيرات، تقول إذا كبرت:..." ثم ذكر دعاء يتضمن الشهادتين، ثم الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله وعلى أئمة الهدى، ثم الدعاء للمصلى وجميع المؤمنين. ثم قال (عليه السلام): "فإن قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك أن تقول: اللهم هذا عبدك..." وذكر دعاء للميت قال في آخره: "ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده" ،ثم قال: "قل هذا حتى تفرغ من خمس تكبيرات. وإذا فرغت سلمت عن يمينك"(2).

وفي صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن (عليه السلام):" قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جنازة فكبر عليه خمساً، وصلى على أخرى فكبر أربعاً. فأما الذي كبر عليه خمساً فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى، ودعا في الثانية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات، ودعا في الرابعة للميت، وانصرف في الخامسة. وأما الذي كبر عليه أربعاً فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى، ودعا لنفسه وأهل بيته في الثانية، ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة، وانصرف في الرابعة، فلم يدع له، لأنه كان منافقاً"(3).

وهناك نصوص أخر قد يناقش في سندها لا يهم التعرض لها فعلاً.

ومن الظاهر تعذر الجمع العرفي بينها بالتخصيص والتقييد ونحوهما، لشدة التنافي بينها. ومن هنا قد يدعى الجمع بينها بالتخيير بين الكيفيات المذكورة فيها، لدعوى ظهور كل منها في وجوب الدعاء، وفي تعين مؤاده، ورفع اليد عن الثاني بسبب الاختلاف بينها فيه لا يوجب رفع اليد عن الأول، بل يتعين البناء على التخيير.

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 25، 6، 9.

ص: 272

(273)

لكنه كما ترى، فإن وجوب الدعاء لا يقتضي التخيير بين الخصوصيات المذكورة في النصوص، بحيث لا يجزي غيرها. بل التخيير مخالف للظاهر جداً، لقوة ظهور الأمر في التعيين، فمع تعذر البناء عليه يصعب حمله على بيان وجوب الخصوصية تخييراً بعد عدم الجامع العرفي بين الخصوصيات، بحيث لا يشمل غيرها. بل الأقرب عرفاً البناء على وجوب مطلق الدعاء، وحمل النصوص على بيان إجزاء ما تضمنته بخصوصيته، فهي لتعلم فرد من أفراد الواجب المذكور.

هذا مضافاً إلى صحيح الفضلاء المتقدم عن أبي جعفر (عليه السلام): "قال: ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت، تدعو بما بدا لك. وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن، وأن يبدأ بالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)" (1) وقريب منه صحيح محمد بن مسلم وزرارة(2) ، إن لم يكن عينه، فإن مقتضاهما وجوب مطلق الدعاء.

ومنه يظهر عدم لزوم البناء على وجوب ما اتفقت عليه النصوص من المادة والهيئة، لأنها بعد أن كانت مسوقة لبيان المجزي لا شاهد فيها على وجوب شيء بخصوصيته. بل يبعد جداً مع الاختلاف الفاحش بينها حملها على بيان وجوب ما تتفق فيه. ولاسيما مع منافاته لظاهر صحيح الفضلاء وصحيح محمد بن مسلم وزرارة المتقدمين. وعلى ذلك يتعين البناء على وجوب مطلق الدعاء الشامل للذكر، ما لم يثبت وجوب شيء خاص يسهل تنزيل النصوص عليه.

ومن هنا ينبغي الكلام في أمور:

الأول: يظهر من جماعة من الأصحاب اعتبار شهادة التوحيد أو الشهادتين معاً، بل هو صريح بعضهم. لجملة من النصوص المتقدمة وغيرها. وصرح بعضهم بالعدم. ويشهد له - مضافاً إلى ما عرفت من عدم حمل النصوص الشارحة لكيفية الصلاة على وجوب ما تضمنته تعييناً أو تخييراً - خلوّ جملة من النصوص من الشهادتين معاً، كصحيحي زرارة وإسماعيل بن همام وموثق عمار - المتقدم نقل مضامينها

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 3.

ص: 273

(274)

وغيرها، وخلو صحيح أبي ولاد المتقدم مضمونه أيضاً من الشهادة بالرسالة. ولا مجال لتقييدها بالنصوص المتضمنة لهما، لقوة ظهورها في الاجتزاء بما تضمنته. ولاسيما بعد ورودها في مقام التعليم.

الثاني: صرح بعضهم باعتبار الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده أو مع آله (عليهم السلام). وعليه أصر بعض مشايخنا، وجعلها قبل الدعاء للميت. لاتفاق النصوص المعتبرة عليه. ولا ينافيه نصوص عدم التوقيت في الدعاء، لاشتمال تلك النصوص على الأمر بالصلاة.

ويشكل بما سبق من عدم حمل النصوص على وجوب ما اتفقت عليه. بل ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيح الفضلاء المتقدم بعد نفي التوقيت: "وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن، أن يبدأ بالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)" استحباب البدء بالصلاة عليه لا وجوبه، ونحوه صحيح محمد بن مسلم وزرارة المتقدمة إليه الإشارة.

ويؤيده شدة اختلاف النصوص في كيفية الصلاة عليه، وفي محلها، واشتمال صحيح إسماعيل بن همام على الدعاء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدل الصلاة عليه، وما تقدم من الاختلاف في رواية حديث أم سلمة.

مضافاً إلى خبر كليب الأسدي: "سألت أبا عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن التكبير على الميت، فقال بيده خمساً. قلت: كيف أقول إذا صليت عليه؟ قال: تقول: عبدك احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه. اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فاغفر له"(1) ، وخبر إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله (عليه السلام):" في الصلاة على الجنائز تقول: اللهم أنت خلقت هذه النفس، وأنت أمتها، تعلم سرها وعلانيتها. أتيناك شافعين فيها فشفعنا. اللهم ولّها ما تولت واحشرها مع من أحبت"(2).

وحملهما على بيان خصوص الدعاء للميت دون تمام الصلاة عليه، مخالف للظاهر، خصوصاً الأول المتضمن لعدد التكبيرات، بل الظاهر منهما بقرينة بقية

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7، 4.

ص: 274

(275)

النصوص بيان المضمون المجزي في صلاة الميت ولو بتكراره بين التكبيرات.

نعم قد يشكل الاستدلال بهما لضعف السند أما الأول فلعدم النص على وثاقة كليب الأسدي. وأما الثاني فلعدم النص على وثاقة أحمد بن أبي الصخر الراوي عن إسماعيل.

لكن كليب الأسدي - مع كونه من رواة كامل الزيارات - قد روى عنه الأعيان، ومنهم ابن أبي عمير وصفوان ويونس الذين قيل فيهم إنهم لا يروون إلا عن ثقة، معتضداً أو مؤيداً بما رواه هو: "قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): أيحب الرجل الرجل ولم يره؟ قال: ها هو أنا أحب كليب الصيداوي ولم أره"(1).

أما أحمد بن أبي الصخر ففي إحدى نسخ الوسائل أنه ابن عبد الرحيم، وفي الأخرى أنه ابن عبد الرحمن، ولا يبعد كونه الثاني، لأنه قد ثبت رواية أحمد بن عبد الرحمن عن إسماعيل بن عبد الخالق(2) ، وأحمد بن عبد الرحمن قد روى عنه ابن أبي عمير الذي قيل: إنه لا يروي إلا عن ثقة.

نعم الموجود في سند الحديث المتقدم في الطبعة الحديثة من الكافي أحمد بن عبد الرحيم أبي الصخر. ولا شاهد بوثاقته. ومن ثم يشكل اعتبار سند الحديث والعمدة الأول مؤيداً بالثاني. ولا أقل من كون الخبرين مؤيدين لما ذكرناه من مقتضى الجمع بين النصوص.

الثالث: ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب الدعاء للميت في الصلاة عليه، حتى صرح به بعض من لم يعتبر الكيفية المشهورة. وكأنه لارتكاز أن ذلك هو الغرض من تشريع الصلاة، كما يدل عليه معتبرا الفضل بن شاذان المتقدمان عند الكلام في وجوب الدعاء بين التكبيرات وصحيح الفضيل بن يسار: عن أبي جعفر (عليه السلام):" إذا صليت على المؤمن فادع له واجتهد في الدعاء"(3).

********

(1) رجال الكشي رقم: 177 ص: 289.

(2) الكافي ج: 5 ص: 333 باب: كراهة تزويج العاقر حديث: 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 275

ويناسبه التوسع في إطلاق الصلاة عليه على الدعاء له بعد الدفن في صحيح محمد بن مسلم وزرارة وحديث جعفر بن عيسى المتقدمان في أخر الكلام في تلك المسألة. ولذا كانت الصلاة على الميت ارتكازاً تشريفاً وتكريماً له، فالدعاء له كالمقوم لمفهوم الصلاة عليه، كما يناسبه الاقتصار عليه في خبري كليب وإسماعيل بن عبد الخالق المتقدمين. بل يناسبه التعرض للدعاء المتعلق ببعض أقسام الميت كالطفل والمستضعف وغيرهما، فإنه مناسب جداً لكون الدعاء للميت مع استحقاقه له مقوماً للصلاة عليه.

كما قد يستفاد ذلك من تعدية الصلاة للميت ب - (على) في النص والفتوى وعرف المتشرعة، فإن المراد بالصلاة على الإنسان الدعاء له. ولازم ذلك كون إطلاقها في الصلاة على المنافق والطفل والمستضعف مبنياً على التغليب. أو يكون ابتناؤها على الدعاء للميت في أصل تشريعها سبباً في التسمية، ثم صارت اسماً لهذه الماهية بغض النظر عن تحقق منشأ التسمية في موارد الإطلاق.

وأما احتمال أن تكون التعدية ب - (على) بلحاظ العلوّ المكاني، لوقوف المصلى عند الميت فكأن الصلاة تقع فوقه. فهو بعيد لا يناسب إطلاقها على الصلاة على الغائب عند العامة، وإن لم تكن مشروعة عندنا، لأن الكلام في مفهومها العرفي.

اللهم إلا أن يؤيد بما تضمن تعدية الصلاة لأبعاض الميت في النصوص الواردة في الصلاة على المقطع، فإنها كالصريحة في إرادة العلوّ المكاني، وإلا فلو أريد منه المعنى الأول كان اللازم نسبتها للميت، ومن ثم فالأمر في هذا الوجه لا يخلو عن إشكال. والعمدة ما قبله.

نعم قد ينافي ذلك قوله (عليه السلام) في موثق يونس المتقدم: "إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل" (1) ونفي التوقيت في صحيح الفضلاء، بل قوله (عليه السلام): "وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن" (2) ظاهر في استحباب الدعاء له، ونحوه صحيح محمد بن مسلم

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، 1.

ص: 276

وزرارة(1).

لكن الموثق ظاهر في الحصر، وحيث لا مجال للبناء عليه، لعدم الإشكال في عدم اختصاص الدعاء المشروع في المقام بما تضمنه بتعين حمله على التغليب أو التوسع، في مقام الإشارة إليها إجمالاً لعدم وروده لبيان أجزائها، بل لبيان عدم اعتبار الوضوء فيها.

وأما نفي التوقيت في الصحيحين فهو إنما يدل على نفي اعتبار الدعاء للميت إذا لم يكن مقوماً لها عرفاً ومفروغاً منه فيها، أما إذا كان كذلك - كما تقدم احتماله، بل تقريبه - فلابد أن يكون نفي التوقيت بلحاظ غيره، كأنحاء مضامينه المختلفة، وأنواع الأدعية الأخرى.

وأما قوله (عليه السلام): "وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن" فمن القريب حمله على الحثّ على الإكثار من الدعاء له، لا على أصل الدعاء له. ولا أقل من لزوم حمله على ذلك بقرينة ما سبق منّا. ومن هنا كان من القريب جداً وجوب الدعاء للميت. نعم يختص ذلك بالمؤمن المكلف.

وأما الطفل ففي موثق زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) في الصلاة على الطفل: "أنه كان يقول: اللهم اجعله لأبويه ولنا فرطاً وسلفاً"(2). وقد أفتى جماعة بمضمونه، وإن اختلفوا في مادة الدعاء أو هيئته. وظاهرهم الوجوب.

لكن لا شاهد عليه من الحديث، لأن فعله (عليه السلام) أعم من الوجوب، بل أعم من الاستحباب بمعنى كونه أفضل الأفراد. ولا مجال لتوهم وجوب الدعاء له، بعد ظهور ما يظهر منه وجوب الدعاء فيمن يحتاج للدعاء والشفاعة. ومن هنا لا يبعد الاكتفاء فيه بمطلق الدعاء ولو للمؤمنين، وبالذكر. بل لا ينبغي التأمل في عدم مشروعية الدعاء لأبويه إذا لم يكونا أهلاً له، بأن يكونا جاحدين للحق من دون استضعاف.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 277

وأما غير المؤمن فإن فرض مشروعية الصلاة عليه فلا ينبغي التأمل في جواز الدعاء عليه إذا كان منافقاً يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: لما مات عبد الله بن أبي سلول حضر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازته، فقال عمر: يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فسكت. فقال: ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال: ويلك وما يدريك ما قلت؟ إني قلت: اللهم احش جوفه ناراً واملأ قبره ناراً واصله ناراً..."(1).

وكذا الحال إذا كان مخالفاً، لما تضمن الدعاء على المنافق من النصوص الكثيرة الظاهرة في إرادة المخالف أو ما يعمه، لما سبق من أن ذلك هو الظاهر منه في عصور الأئمة (عليهم السلام) في كلامهم وكلام شيعتهم. ومن ثم لا يبعد كونه هو المراد من المنافق في كلام جماعة، بل هو ظاهر بعضهم وصريح الآخرين.

وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): "قال: إن كان جاحداً للحق فقال: اللهم املأ جوفه ناراً وقبره ناراً، وسلط عليه الحياة والعقارب..."(2). وهو بإطلاقه يشمل جميع فرق المخالفين، وأقسامهم، لجحودهم للحق - وهو الولاية - وإن آمنوا بأصول الإسلام حقيقة ولم ينافقوا فيها.

ومنه يظهر الإشكال في ما قد توهمه بعض العبارات من الاختصاص ببعض المخالفين فقد عبر في المقنع والمقنعة والمبسوط والوسيلة بالناصب، وفي النهاية بالناصب المعلن. وعن محكي المصباح ومختصره بالناصب المعاند. وربما أريد بها مطلق المخالف للجاحد للحق، في مقابل المستضعف الواقف.

ثم إن ظاهر جماعة وجوب ذلك. وقد يتجه بلحاظ وروده بدلاً عن الدعاء للمؤمن الذي تقدم وجوبه. وما قد يظهر من بعضهم من عدم وجوبه لا وجه له إلا حمل الأمر به في النصوص على أنه لمجرد بيان الجواز، الذي هو خلاف الظاهر بعد عدم الإشكال في جوازه ذاتاً بحيث لا يحتاج للبيان، وإنما الأمر المحتاج للبيان هو

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 4 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4، 5.

ص: 278

كيفية الصلاة عليه، وظاهر بيانها الوجوب.

نعم بناءً على ما سبق منّا من عدم وجوب الصلاة عليه يسهل حمل النصوص المذكورة على بيان صورة الصلاة التي قد يحتاج إليها للتقية، ولو بلحاظ التحبب والمجاملة والمداراة، لأن هذه النصوص ليست بصدد بيان وجوب الصلاة، بل بيان كيفيتها بعد الفراغ عن حكمها، فلا ينافي عدم وجوبها، بل مجرد الحاجة إليها للتقية، ويكون ذكر اللعن حينئذ ليس لكونه مقوماً للصورة، بحيث يكون واجباً، بل لأنه الأنسب بالمقام، كما هو مقتضى القاعدة العامة مع غير أهل الحق، إذ من البعيد جداً وجوب اللعن والدعاء عليه حينئذ في خصوص المورد. وإن كان التزام العمل عليه أحوط.

هذا وقد يستثنى من ذلك المستضعف، فلا يدعى عليه، بل يدعى للمؤمنين بما يرجى انتفاعه به، كما تضمنته النصوص الكثيرة التي صرح الأصحاب بمضامينها في الجملة، ففي صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): أنه قال:" الصلاة على المستضعف الذي لا يعرف مذهبه: تصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويدعى للمؤمنين والمؤمنات. ويقال: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ويقال في الصلاة على من لا يعرف مذهبه: اللهم إن هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها. اللهم ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت"(1). وفي صحيح الفضل بن يسار عنه (عليه السلام): "إذا صليت على المؤمن فادع له واجتهد له في الدعاء، وإن كان واقفاً مستضعفاً فكبر وقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم"(2). وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام):" قال: الصلاة على المستضعف الذي لا يعرف الصلاة على النبي والدعاء للمؤمنين والمؤمنات، تقول: ربنا اغفر للذي تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم... إلى آخر الآيتين"(3). وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: إن كان مستضعفاً فقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 3، 2.

ص: 279

عذاب الجحيم. وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل: اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه، وإن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة (منك) لا على وجه الولاية"(1). وقريب منها غيرها.

لكن الظاهر حمل هذه النصوص على المستضعف الواقف الذي لا يجحد الولاية، كما هو مقتضى صحيح الفضيل بن يسار المتقدم، وهو خارج عن المخالف موضوعاً، فلا يكون استثناء منه، دون من يجحدها قصوراً، بل المرجع فيه إطلاق ما تضمن الدعاء على المخالف والجاحد للحق. كما تقدم إن الصلاة عليه لو كانت مشروعة فهي بأربع تكبيرات، كغيره من أقسام المخالف. ومجرد معذوريته في ذلك، لا ينافي جواز الدعاء عليه، لعدم وضوح عاقبته، والأمر في استجابة الدعاء لله تعالى. ولاسيما مع أن تحديد القصور وتشخيصه مع الإعلان بجحد الولاية في غاية الصعوبة، فيبعد جداً جعله معياراً في الحكم. بل لعله المناسب لما تضمن من النصوص تحديد المستضعف بمن لم يبلغه الخلاف(2) ، حيث يغلب عدم جحده للحق حينئذ، لعدم التفاته له.

هذا وقد تقدم أن الظاهر وجوب الصلاة على المستضعف غير الجاحد، ووجوب التكبيرات الخمس فيها، وحينئذ فظاهر الأمر بالدعاء المذكور فيها وجوبه بدلاً عن الدعاء للمؤمن الذي تقدم وجوبه في الصلاة عليه، ولا مجال لاحتمال عدم وجوبه، وحمل النصوص على الجواز.

وأما مجهول الحال فقد سبق وجوب الصلاة عليه ظاهراً، ووجوب التكبيرات الخمس فيها كذلك، ويتعين الدعاء فيها بما تضمنته النصوص المتقدمة في المستضعف.

ثم أنه لا ينبغي التأمل بعد النظر في مجموع نصوص الصلاة على الميت في عدم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

(2) الكافي ج: 2 باب المستضعف ص: 404، 406.

ص: 280

(281)

والأحوط استحباباً بالجمع بين الأدعية بعد كل تكبيرة (1). ولا قراءة فيه (2)،

لزوم التقيد بألفاظ الأدعية التي تضمنتها النصوص في الصلاة على غير المؤمن، وعلى المستضعف وعلى مجهول الحال. بل يكتفي بمضامين الأدعية المذكورة في النصوص مع كون الواجب أقلها مضموناً.

بل قد يستفاد من صحيح زرارة ومحمد بن مسلم جواز الدعاء في الصلاة على المستضعف ومجهول الحال بدعاء واحد، وهو المشتمل على قوله تعالى:" اللهم اغفر للذين تابوا... "،كما هو ظاهر صحيح عبد الله بن المغيرة عن رجل عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: تقول:... اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، فإن كان مؤمناً دخل فيها، وإن كان غير مؤمن خرج منها"(1).

(1) لعله للأمر في بعض النصوص المتقدمة بتكرار الدعاء الذي تضمنته بعد كل تكبيرة. وأشملها في ذلك موثق سماعة المتقدمة إليه الإشارة عند الكلام في وجوب الكيفية المشهورة. لكن لا يظن بأحد احتمال وجوب ما تضمنه، ليكون مقتضى الاحتياط موافقته. ولاسيما مع اشتماله على ما لا نقول به، كالسلام. ومع اشتمال غير واحد من النصوص على اختلاف الأدعية التي بين التكبيرات.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب، بل ظاهرهم المفروغية عن ذلك، لتصريحهم بحمل ما تضمن قراءة الفاتحة التقية، وفي الجواهر: "للإجماع بقسميه على عدم الوجوب، بل معقد المنقول منه - مستفيضاً أو متواتراً - نفيها فيها، فيمكن حمله على نفي المشروعية وجوباً واستحباباً منه، كما صرح به في معقد ظاهر إجماع كشف اللثام وصريح المحكي عن الروض" .وقد يستدل عليه بخلو النصوص البيانية عنه.

فإن كان المراد به الاستدلال على عدم وجوبها فهو في محله. وإن كان المراد به الاستدلال على عدم مشروعيتها بخصوصيتها أشكل بأنه بعد عدم العمل بظهور

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

ص: 281

النصوص البدوي في تعيين مضامينها وحملها على بيان المجزي لا مجال للاستدلال بها على نفي مشروعية ما لم تتضمنه.

نعم تحتاج المشروعية للدليل، ولا دليل سوى خبر علي بن سويد عن الرضا (عليه السلام) فيما نعلم: "قال: في الصلاة على الجنائز تقرأ في الأولى بأم الكتاب، وفي الثانية تصلي على النبي..." (1) وحديث عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام): "إن علياً كان إذا صلى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله..."(2).

وهما - مع الإشكال في سندهما، وظهور إعراض الأصحاب عنهما - معارضان بقوله (عليه السلام) في الصحيحين المتقدمين:" ليس في الصلاة على الميت قراءة، ولا دعاء موقت ".لأن الفاتحة أظهر القراءة، فنفي القراءة ظاهر جداً في نفيها، ومقتضاه عدم مشروعيتها.

ودعوى: ظهوره في نفي توقيت القراءة كالدعاء، لا في نفيها أصلاً، بحيث تقتضي عدم مشروعيتها ويعارض الخبرين المتقدمين، ولا أقل من إجماله في نفسه من هذه الجهة، كما هو الحال في سائر موارد تعقب الوصف لأمور متعددة، حيث يتردد بين رجوعه للأخير ورجوعه للكل.

مدفوعة، بظهور إفراد الوصف في رجوعه للدعاء فقط، حيث يتوقف إرادة نفي التوقيت في القراءة أيضاً إلى تقدير صفة محذوفة، وهو خلاف الأصل. بل قوله (عليه السلام) بعد ذلك:" تدعو بما بدا لك "ظاهر جداً في اختصاص نفي التوقيت بالدعاء، وفي اختصاص المشروعية به، لوروده في مقام شرح الماهية.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 8.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

ص: 282

(283)

ولا تسليم (1). ويجب فيها أمور:

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب، وقد استفاض نقل الإجماع على عدم وجوبه، بل ظاهرهم المفروغية عن ذلك، لنظير ما سبق في القراءة. ويقتضيه ما تضمنته جملة من النصوص من الانصراف بالتكبيرة الخامسة. بل عدم التعرض له في النصوص البيانية وغيرها ظاهر في عدم وجوبه. بل صرح في جملة من النصوص المعتبرة وغيرها بعدمه(1) ، منها صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري المتقدم في الصلاة على المنافق، وظاهرها عدم المشروعية حتى استحباباً، كما ادعى الإجماع عليه في جامع المقاصد ومحكي الروض.

وبذلك يخرج عن موثقي سماعة وعمار المتقدمين عند الكلام في كيفية وجوب الكيفية المشهورة، وخبر يونس المتقدم عند الكلام في وجوب الدعاء بين جميع التكبيرات، ففي الأول:" وإذا فرغت سلمت عن يمينك"(2) ، وفي الثاني بعد ذكر الدعاء بعد الخامسة: "وتسلم" (3) وفي الثالث: "والخامسة يسلم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين"(4). فتحمل على التقية، كما ذكره غير واحد، لموافقتها العامة، ففي الانتصار والخلاف أن عدم السلام في صلاة الميت مما انفردت به الإمامية.

وما في الجواهر وعن الوافي من أنه لا يتناسب مع اشتمالها على خمس تكبيرات. في غير محله بعد وجود قول للعامة بوجوب خمس تكبيرات، فقد حكي عن ابن أبي ليلى وأبي يوسف، ونسب في التذكرة لزيد بن أرقم أنه فعله ولأصحاب معاذ أنهم كانوا يفعلونه. بل قد يكون روايتهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للخمس(5) كافية في عدم

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 9 من أبواب صلاة الجنازة.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6، 11، 10.

(5) صحيح مسلم ج: 2 ص: 659. سنن الترمذي ج: 3 ص: 343. سنن ابن ماجة ج: 1 ص: 482. سنن أبي داود ج: 3 ص: 210. سنن النسائي ج: 4 ص: 72. سنن الدارقطني ج: 2 ص: 73. مصنف ابن أبي شيبة ج: 3 ص: 303.

ص: 283

(284)

(منها): النية (1)، على نحو ما تقدم في الوضوء.

(ومنها): حضور الميت، فلا يصلى على الغائب (2).

التقية، وإن لم يقل أحد منهم بمضمونها.

(1) لا ريب فيه، كما في المدارك، ولا نعلم فيه خلافاً، كما عن المنتهى، وفي الجواهر: "بلا خلاف ولا إشكال" وكأنه للمفروغية عن كونها عبادة، فيتعين فيها التقرب.

كما أنه يكفي قصد الميت المسجى أمامه، وهو الذي يكون الدعاء له، ولا يحتاج لمعرفة شخصه، فضلاً عن اسمه. بل لو أخطأ في ذلك كفى في صحة الصلاة على الميت الذي أمامه، لأنه هو المقصود، والخطأ في تشخيصه لا ينافي القصد إليه.

(2) كما هو ظاهر الأصحاب، بل صريح جماعة منهم، ويستفاد منهم مما يأتي في الشروط الآتية المفروغية عنه. وفي الجواهر: "لعدم صدق اسم الصلاة عليه بدونه، أو يشك فيه، فيشك في شمول الأدلة له، فالأصل عدم مشروعيته، واستمرار السلف على تركه، ولو جاز لما ترك، خصوصاً على مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وغيره. ولأنها مشروطة بشروط لابد من العلم بها غالباً، ككونه إلى القبلة واستلقائه. ولظهور النصوص في اعتبار حضوره، بل هو كالمقطوع به منها" .وكان عدم صدق الصلاة عليه بلحاظ أن تعدية الصلاة للميت ب - (على) ظاهر في اعتبار صدورها فوقه.

لكن تقدم عند الكلام في وجوب الدعاء للميت الإشكال في ذلك واحتمال أن منشأ التعدية المذكورة هو اشتمالها على الدعاء للميت حيث يراد بصلاة الإنسان على الإنسان دعاؤه له. ومع الشك فالمرجع أصالة البراءة من اعتبار الحضور كسائر موارد الشك في اعتبار شيء في الواجب.

وأما الشروط فهي - مع إمكان إحراز بعضها، خصوصاً في عصورنا - لا إطلاق لأدلة اعتبارها يشمل حال غيبة الميت.

واستمرار السلف على تركه - لو تم - لا يشهد بعدم مشروعيته، لإمكان

ص: 284

اكتفائهم بصلاة من يحضر الميت أو غلبة عدم إطلاعهم عليه إلا بعد الدفن بمدة، ولم يشع الابتلاء بالعلم قبل دفن الميت بموته وتعذر صلاة الحضور عليه، ليتضح سيرتهم حينئذ.

ومثله الاستدلال بفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) في الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي صحيح أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السلام): "قلت: وكيف صلي عليه؟ قال: سجي بثوب، وجعل وسط البيت، فإذا دخل قوم داروا به وصلوا عليه ودعوا له، ثم يخرجون ويدخل آخرون" (1) وقريب منه غيره(2). حيث قد يدعى أنه لو لم يعتبر حضور الميت لم يكن حاجة لإدخال جماعة عليه حتى تأخرت الصلاة عليه، بل يصلون كلهم ولو من خارج البيت الذي هم فيه. لاندفاعه بأن فعله (عليه السلام) أعم من الوجوب، لإمكان تعلق غرض المسلمين حينئذٍ بدخول البيت وإلقاء نظرة الوداع له (صلى الله عليه وآله وسلم).

فالعمدة ما ذكره أخيراً من ظهور النصوص في اعتبار ذلك منها: النصوص الكثيرة المتضمنة تعدية التكبيرات للميت ب - (على)(3) ولا مصحح له إلا العلو المكاني، وليس هو كالصلاة تعدى ب - (على) بلحاظ تضمنها الدعاء ومثله ما تضمن تعدية الائتمام ب - (على)(4).

ومنها: ما ورد في الصلاة على الميت المقطع من الصلاة على خصوص قسم منه(5) ، حيث يظهر منه لزوم حضور القسم الذي يصلي عليه، وإلا لكان المناسب نسبة الصلاة له كله، أو لجميع الباقي منه. بل سبر النصوص شاهد بالمفروغية عن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 16.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9، 10، 11.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5، 6 من أبواب صلاة الجنازة.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 285

ذلك، كما يناسبه النهي عن انصراف المصلى عن موقفه حتى ترفع الجنازة(1) ، وأمر المسبوق ببعض التكبيرات أن يتم ما بقي وهو يتبع الجنازة، فإن لم يدرك حتى دفن الميت أتم على القبر(2). وظهور بعض نصوص الصلاة بعد الدفن في الصلاة على القبر(3) ، والنصوص الواردة في بيان موضع وقوف المصلي من الميت رجلاً كان أو امرأة(4) ، والنصوص الواردة في الصلاة على الجنائز المتعددة المتعرضة لكيفية ترتيبهم في الوضع(5) ، وما ورد في الصلاة على المصلوب(6) ، وبعض ما ورد في خروج المرأة لصلاة الجنازة(7) حيث تضمن السؤال عن صلاة المرأة على الجنازة، والجواب بخروجها وحضورها لها... إلى غير ذلك.

وهو المناسب لظهور مفروغية الأصحاب عن ذلك وعمل المتشرعة عليه. ولاسيما مع ذهاب العامة إلى مشروعية الصلاة على الغائب في الجملة، المناسب لالتفات الشيعة للمسألة من عصور الأئمة (عليهم السلام)، وحينئذٍ يمتنع عادة مفروغيتهم عن حكمها قولاً وعملاً على خلاف رأيهم (عليهم السلام).

وأما ما في المبسوط ومحكي السرائر من المنع عن الصلاة على الغائب الذي مات في بلد آخر. فلا يراد به - على الظاهر - جواز الصلاة على الغائب الذي مات في بلد المصلي، بل لأن ذلك هو مورد الحاجة للصلاة على الغائب غالباً، حتى خص الشافعية - فيما حكي عنهم - الصلاة على الغائب به.

بل لا يبعد بناء المخالفين على أن مقتضى الأدلة الأولية العدم لولا ما رووه

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 11 من أبواب صلاة الجنازة.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4، 5.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 57 من أبواب صلاة الجنازة.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة.

(6) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 35 من أبواب صلاة الجنازة.

(7) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 39 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 286

(287)

(ومنها): استقبال المصلي القبلة (1).

من صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على النجاشي، الذي كذبه صحيح محمد بن مسلم أو زرارة: "قال: الصلاة على الميت بعد ما يدفن هو الدعاء. قال: قلت: فالنجاشي لم يصل عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: لا، إنما دعا له"(1).

نعم في خبر محمد بن زياد:" أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أتاه جبرئيل (عليه السلام) بنعي النجاشي... صلى عليه وكبر سبعاً فخفض الله له كل مرتفع، حتى رأى جنازته وهو بالحبشة "(2) وظاهره اختصاص الإعجاز برؤيته (صلى الله عليه وآله وسلم) له، دون حضوره عنده. لكنه مؤول أو مطروح، لعدم نهوضه في قبال ما سبق.

(1) كما صرح به جماعة، وفي المدارك نفي الخلاف فيه واستظهر في كشف اللثام ومحكي مجمع البرهان الإجماع عليه، كما هو ظاهر الغنية. بل يظهر بملاحظة النصوص والفتاوى المفروغية عنه، فلو فرض عدم تصريح بعضهم به فهو لذلك لا للخلاف فيه.

وكيف كان فقد يستدل عليه تارة: بعموم ما تضمن استقبال القبلة في الصلاة. ويشكل بعدم وضوح عمومه لصلاة الميت لعدم وضوح كونها صلاة حقيقية. ولا أقل من انصراف إطلاقها عنها.

وأخرى: بالنصوص مثل قوله (عليه السلام) في خبر جابر الوارد في المسبوق ببعض التكبيرات المتضمن قضاء ما فات:" قلت: استقبل القبلة؟ قال: بلى وأنت تتبع الجنازة"(3). وقوله (عليه السلام) في مرسل ابن بكير الوارد في الصلاة على الجنائز المتعددة: "يضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم [دونهم]..." (4) وقوله في صحيح الحلبي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

ص: 287

الوارد فيها أيضاً: "يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة..." (1) لكنها لما لم تكن واردة لبيان اعتبار الاستقبال، بل لبيان أمور أخر، فهي إنما تدل على المفروغية عن مشروعية الاستقبال، وهو أعم من الوجوب فتأمل.

نعم قد يستظهر وجوب الاستقبال من صحيح أبي هاشم الجعفري الوارد في الصلاة على المصلوب، لقوله (عليه السلام): "إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن، وإن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر، فإن بين المشرق والمغرب قبلة، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة... وكيف كان منحرفاً فلا تزائلن مناكبه، وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب" (2) فإن ذيله بضميمة التعليل بأن ما بين المشرق والمغرب قبلة ظاهر في وجوب الاستقبال في صلاة الميت، وإن ابتنى على التوسع للضرورة في المصلوب.

نعم في صحيح أبي مريم الوارد في الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتقدم عند الكلام في لزوم حضور الميت: "فإذا دخل قوم داروا به وصلوا عليه" (3) ومقتضاه عدم استقبال بعضهم، بل استدبارهم حين الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم).

لكن لابد من حمله على خصوصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك، كما خص بأن لا إمام في الصلاة عليه، لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "إن رسول الله إمام حياً وميتاً" ،كما تضمنه صحيح الحلبي(4) ، ونحوه حديث أبي مريم(5).

بل لا يبعد كونها بدلاً عن الصلاة التي أمر بها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن صلى

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 35 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 16.

(4) أصول الكافي باب: مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ووفاته من أبواب التاريخ من كتاب الحجة حديث: 37 ج: 1 ص: 451.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10.

ص: 288

(289)

(ومنها): أن يكون رأس الميت إلى جهة يمين المصلي ورجلاه إلى يساره (1).

هو وائتم به أهل بيته وخواص أصحابه، كما تضمنته بعض النصوص(1) ، تهرباً من أن يصلوا مؤتمين بغيره ممن يتخذ ذلك ذريعة للفتنة، وادعاء المنصب غصباً وعدواناً.

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب، ونسب إليهم في الذكرى ومحكي المعتبر ومجمع البرهان، وظاهر الغنية الإجماع عليه، وفي كشف اللثام أنهم قطعوا به، وعن المهذب نسبته إلى نصوص الطائفة وعملهم.

ويقتضيه موثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: "أنه سئل عمن صلي عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه. قال: يسوى وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن، فإن دفن فقد مضت الصلاة عليه، ولا يصلى عليه وهو مدفون" (2) فإنه يدل بضميمة معلومية إجزاء الكيفية المذكورة على لزومها. وفي صحيح الحلبي الوارد في الصلاة على الجنائز المتعددة: "يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة، فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره، ويكون رأسها أيضاً مما يلي يسار الإمام ورأس الرجل مما يلي يمين الإمام"(3). فإنه صريح في كون اعتبار رأس الرجل إلى يمين الإمام. ولا ينافيه ما تضمنه من كون رأس المرأة مما يلي يسار الإمام، لأنه إذا كان رأس المرأة عند وركي الرجل ووقف الإمام عند صدر الرجل أو وسطه فلابد أن يكون رأسها عند يسار الإمام.

بل حيث لا إشكال ظاهراً في أن المراد بنصوص الصلاة على الجنائز المتعددة وضع رؤوس الموتى باتجاه واحد، يتعين كون رأس المرأة أيضاً إلى جهة يمين الإمام وإن كان محاذياً ليساره، فينفع في المطلوب.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.

ص: 289

(290)

(290)

(ومنها): أن يكون الميت مستلقياً على قفاه (1).

(ومنها): وقوف المصلي خلفه (2)،

ومنه يظهر اندفاع ما في الجواهر من الإشكال في الاستدلال به بأنه مختص بالرجل. ومثله الإشكال فيه باختصاصه بجمع الرجل مع المرأة في الصلاة عليهما، وبمعارضته بغيره مما تضمن كيفيات أخر، فلابد من حمله على ضرب من الندب.

لاندفاع الأول بأن المستفاد من النصوص أن خصوصية الاجتماع دخيلة في وضع الرجل بالإضافة للمرأة، أو في وضع الموتى بعضهم مع بعض، لا في اتجاه كل منهم، بل هو واجب في الميت عند الصلاة عليه وإن كان وحده.

واندفاع الثاني بأن المعارض إنما يخالف الصحيح في كيفية وضع الرجل مع المرأة، لا في اتجاه كل منهما، فلا وجه للتوقف في دلالة الصحيح على المدعى.

(1) ففي الجواهر:" صرح به جماعة من الأصحاب... بل لا خلاف أجده فيه "،وعن المهذب نسبته إلى نصوص الطائفة وعملهم، وظاهر الذكرى الإجماع عليه.

واستدل له بالتأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)، وبقاعدة الاشتغال لكن لا دليل على وجوب التأسي. ومع الشك في اعتبار الخصوصية في الواجب فالمرجع البراءة لا الاشتغال. فالعمدة ما عرفت من ظهور التسالم بين الأصحاب. مضافاً إلى قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي المتقدم الوارد في الصلاة على الجنائز المتعددة:" فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره"(1). فإن المرأة لا تكون مما يلي يسار الرجل إلا مع استلقاء الرجل، إذ لو كان مضطجعاً على أحد جانبيه كانت خلفه أو أمامه، ولو كان مكبوباً على وجهه كانت مما يلي يمينه.

(2) كما صرح به جماعة، وظاهر الذكرى الإجماع عليه، وفي جامع المقاصد أنه لا ريب فيه، وفي كشف اللثام: "وأما الوقوف وراءها فهو كذلك عندنا. ودليله

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.

ص: 290

محاذياً لبعضه (1). إلا أن يكون مأموماً وقد استطال الصف حتى خرج عن

التأسي واستمرار العمل عليه من زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الآن. ومن العامة من جوز الوقوف أمامها قياساً على الغائب. وهو كما في الذكرى خطأ على خطأ ".لكن التأسي لا يقتضي الوجوب، كاستمرار العمل.

فالأولى استفادته مما تضمن تعدية التكبير للميت ب - (على). وفي صحيح زرارة:" قلت: المرأة تؤم النساء؟ قال: لا، إلا على الميت "(1) وفي خبر يونس:" ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه"(2).

وقد يستفاد المفروغية عنه مما تضمن بيان موقف المصلي من جسد الميت، وسطه أو صدره أو غيرهما(3) ومما ورد في الصلاة على الجنائز المتعددة من وقوفه وسطها أو خلفها(4) فإنها وإن اختلفت في تعيين موقف المصلي من الجنائز، إلا أنه لا يبعد ظهورها في المفروغية عن كونه خلفها. ومثله قوله (عليه السلام) في الدعاء للميت في صحيح أبي ولاد: "اللهم إن هذا المسجى قدامنا..."(5).

(1) في جامع المقاصد:" هل يشترط أن يكون محاذياً لها، بحيث يكون قدام موقفه حتى لو وقف وراءها باعتبار السمت ولم يكن محاذياً لها ولا لشيء منها لم يصح؟ لا أعلم الآن تصريحاً لأحد من معتبري المتقدمين بنفي ولا إثبات، وإن صرح بالاشتراط بعض المتأخرين".

لكن المنساق من قولهم: وراء الجنازة أو خلفها ذلك، لا مجرد كونه دونها في السمت. ولا ينبغي الإشكال في اعتباره بلحاظ ما تقدم من النصوص، فإنها كما تدل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب صلاة الجنازة.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

ص: 291

(292)

المحاذاة (1).

(ومنها): أن لا يكون المصلي بعيداً عنه على نحو لا يصدق الوقوف عنده (2)،

على اعتبار كونه دونها في السمت تدل على اعتبار محاذاته لبعضها.

(1) إذ لا إشكال في مشروعية الجماعة بالنحو المذكور. ومثله الصلاة على الجنائز المتعددة الموضوعة بنحو التدرج حيث يخرج بعضها مع كثرتها عن محاذاة المصلي، لما يأتي في المسألة الثانية والخمسين إن شاء الله تعالى.

(2) قد يستفاد - كما يظهر من الجواهر - مما في موثق موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام):" إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره"(1). وحمله بالإضافة إلى خصوصية الرأس والصدر على الاستحباب لا ينافي ظهوره في المفروغية عن أنه لابد من القيام عند الميت. ويناسبه أيضاً ما تقدم من تعدية التكبير والإتمام ب - (على) في كثير من النصوص.

ولعل هذا هو المراد مما في الشرايع والقواعد وعن كثير من كتب الأصحاب من عدم جواز التباعد كثيراً، وعن ظاهر مجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب. وفي الجواهر: "بل قيل: إن ظاهر المحقق الثاني في فوائده على الكتاب الإجماع أيضاً على أنه لا يصلي على البعيد بما يعتد به عرفاً كذلك، ولا على من بين المصلي وبينه حائل إلا عند الضرورة" .وكذا مما في جامع المقاصد والمدارك وعن غيرهما من أنه لا تحديد لهذا التباعد سوى ما يقتضيه العرف. وإلا فالعرف ليس مرجعاً في تعيين موضوع الحكم الشرعي، بل في تطبيق العناوين بعد الفراغ عن أخذها في موضوعه، فلولا أن يكون المعتبر الوقوف عند الميت لم يكن وجه للإرجاع في تحديد البعد للعرف.

هذا وفي الذكرى: "ويجب أن يكون أمام المصلي بغير تباعد فاحش. ولا يجوز

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

ص: 292

(293)

إلا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة (1).

(ومنها): أن لا يكون حائل (2) من ستر أو جدار. ولا يضر الستر

التباعد بمأتي ذراع" .وقد يظهر منه جواز التباعد بأقل من ذلك بمقدار معتد به، بأن يبعد مائة وثمانين ذراعاً مثلاً. لكنه بعيد جداً، لعدم صدق الوقوف عند الميت، ولا التكبير عليه عرفاً.

نعم في صحيح علي بن جعفر الوارد في وضع جنازة في أثناء الصلاة على غيرها جواز رفع الأولى بعد إكمال الصلاة عليها وإتمام التكبير على الأخيرة(1). ومقتضاه جواز الفصل بين المصلي والجنازة الأخيرة عند إكمال الصلاة عليها بمقدار ما تشغله الجنازة الأولى. لكنه لا يخلّ عرفاً بصدق الوقوف عندها والتكبير عليها بل يمكن حمله على تخطي الإمام بعد رفع الجنازة الأولى للجنازة الأخيرة من أجل إكمال التكبير عليها.

كما أن مقتضى ما تضمن وضع الجنائز المتعددة الكثيرة بنحو التدرج - بحيث يكون رأس أحدها عند إلية الآخر - ووقوف الإمام في الوسط أو في وسط الرجال(2) بعد المصلي عن الجنائز كثيراً، لعدم المحافظة على تأخره عن الكل - الذي لا إشكال ظاهراً عندهم في اعتباره - إلا بذلك. لكن لا يبعد خصوصيته الجنائز المتعددة في ذلك توسعاً في صدق الوقوف عندها والتكبير عليها.

هذا وفي الفقيه: "فليقف عند رأسه، بحيث إن هبت ريح فرفعت ثوبه أصاب الجنازة" .لكن لا شاهد له. وربما يريد استحباب ذلك، فيرجع لما في المبسوط والنهاية وعن غيرهما من أنه ينبغي أن يكون بين المصلي والجنازة شيء يسير.

(1) وكذا مع اتصال الجنائز عند جمعها بصلاة واحدة.

(2) فقد تقدم عن ظاهر المحقق الثاني دعوى الإجماع على ذلك. ويقتضيه م

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 34 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 293

سبق من تعدية التكبير ونحوه للميت ب - (على)، ومن التعبير في الموثق المتقدم وغيره من النصوص بالوقوف أو القيام عنده. ومن ذلك يظهر أن المعيار وحدة المكان عرفاً واستيلاء المصلى على الميت الذي لا يبعد إخلال الستر به، فضلاً عن الجدار الذي يمنع من مشاهدة الميت.

ومثله في ذلك علوّ الميت على الإمام أو العكس، كما نبه له في الجملة في جامع المقاصد، فإن المعيار في مانعيته عدم صدق الأمرين المذكورين.

هذا وقد تقدم عن ظاهر المحقق الثاني استثناء صورة الاضطرار في الصلاة مع الحائل. لكن في الجواهر: "نعم في جامع المقاصد لو اضطر إلى الصلاة على الميت من وراء جدار ففي الصحة تردد، وفي كشف اللثام: من الشك في كونها كالصلاة بعد الدفن أو أولى. ثم على الصحة ففي وجوبها قبل الدفن وجهان. قلت: الأقوى عدم الوجوب، بل عدم الصحة بعد حرمة القياس، ومنع الأولوية أو تنقيح المناط، فلعل حيلولة خصوص القبر كعدمها عند الشارع مثل النعش ونحوه مما لا يمنع صدق اسم الصلاة عليه".

هذا ولكن لا إطلاق لدليل اعتبار عدم الحائل يشمل حال التعذر، ليكون تعذره تعذراً للصلاة، ليجوز ترك الصلاة من وراء الحائل، وتتعين الصلاة بعد الدفن لو قيل بوجوبها على من لم يصلّ عليه. لأن النصوص المتقدمة غير مسوقة لبيان اعتبار عدم الحائل، بل لبيان أمر آخر. غاية الأمر أنه يستفاد منها المفروغية عن اعتبار عدم الحائل من دون إطلاق لها في ذلك. وحينئذ يعلم إجمالاً مع تعذره بوجوب الصلاة عليه مع الحائل أو الصلاة بعد الدفن، فيلزم الجمع بينهما خروجاً عن العلم الإجمالي المذكور.

نعم لو قيل بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن يتعين عدم وجوب الصلاة خلف الحائل لأصالة البراءة، التي هي المرجع في أمثال ذلك، كما يأتي عند الكلام في تعذر القيام.

ص: 294

(295)

بمثل التابوت ونحوه (1).

(ومنها): أن يكون المصلي قائماً (2)، إلا مع عدم التمكن من صلاة القائم (3).

(1) يعني: بما يرجع لستر الميت ويكون من توابعه عرفاً، لا حائلاً بينه وبين المصلي.

(2) إجماعاً مع القدرة عليه، كما في جامع المقاصد والمدارك ومحكي الذكرى، وفي التذكرة: "القيام شرط في الصلاة مع القدرة، فلا تجوز الصلاة قاعداً ولا راكباً عند علمائنا".

ويظهر المفروغية عنه من النصوص الكثيرة، مثل ما ورد في صلاة الحائض على الجنازة من أنها تصلي وحدها ولا تقوم معهم(1) ، وما ورد في صلاة النساء على الجنازة من الأمر بقيامهن جميعاً في صف واحد(2) ، وما ورد من كراهة الصلاة بالحذاء وأنه لا بأس بالخف(3) ، وما ورد في قيام المصلي عند رأس المرأة أو صدرها وفي وسط الرجل(4) ، وما ورد في صلاة الجنازة جماعة من قيام المصلي خلف الإمام(5) ، وما ورد في الصلاة على الجنائز المتعددة من الأمر بقيام المصلي في الوسط أو مما يلي الرجال أو غير ذلك(6) ، وما ورد في الصلاة على المصلوب من القيام عند منكبه(7).

(3) كما هو ظاهر من سبق وصريح غيره. وفي الجواهر: "أما مع العجز فبحسب الإمكان، كاليومية. لقاعدة الميسور وغيرها مما سمعته في اليومية مما هو مشترك بينهما".

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة.

(3و4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب صلاة الجنازة.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 28 من أبواب صلاة الجنازة.

(6) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة.

(7) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 35 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 295

لكن قاعدة الميسور غير ثابتة، والأدلة الخاصة الواردة في اليومية مختصة بها.

وأما ما ذكر بعض مشايخنا من أنه مقتضى إطلاق وجوب الصلاة على الميت بعد عدم الإطلاق لدليل اعتبار القيام، فيقتصر فيه على المتيقن، وهو حال الضرورة.

فهو لا يخلو عن خفاء، لعدم تحديد مفهوم الصلاة من هذه الحيثية، ليكون مقتضى إطلاقها عدم اعتبار القيام، بل مقتضى الأصل عدم وجوب الصلاة الناقصة مع تعذر القيام، كما هو الحال في جميع موارد الشك في اعتبار شيء في الواجب، حيث يكون مقتضى الأصل عدم وجوب ذلك الشيء فيه مع القدرة عليه، بل يجتزأ بالعمل الفاقد له، وعدم وجوب العمل مع تعذره.

وأما العلم الإجمالي بوجوب الأمر المشكوك مع القدرة عليه، أو وجوب المركب الفاقد له مع تعذره. فهو غير منجز غالباً، لعدم ابتلاء المكلف الواحد بأحد طرفيه.

فالعمدة في المقام ظهور الإجماع والمفروغية عن ذلك الراجع إلى الإكتفاء بالميسور في المقام كما في الصلاة اليومية ونحوها، وإن لم تتم قاعدة الميسور عموماً.

نعم المتيقن من الإجماع المذكور الانتقال للجلوس حيث يصدق التكبير عليه، أما الانتقال لما دونه من المراتب فهو في غاية الإشكال. وإن كان الاحتياط لا يترك.

هذا والظاهر عدم الاجتزاء بصلاة العاجز عن القيام مع تيسر صلاة القادر عليه، كما هو الحال في سائر موارد تعذر التام من بعض المكلفين في الواجب الكفائي مع تيسره من غيره من المكلفين. بل الظاهر ذلك مع تيسره من غير المكلف به كالصبي المميز، بناءً على شرعية عباداته وإجزائها، كما يأتي في المسألة الخامسة والخمسين بمعنى أنه يجب على المكلفين العاجزين عن التام السعي لحصوله منه بإقناعه وتهيئة المقدمات له ونحوهما، لأن كل واحد منهم مكلف بتحقيق التام ولو من غيره، وهو مقدور لهم في الفرض وإن كان المباشر له غير مكلف.

نعم لا يبعد البناء على مشروعية الناقص من العاجز إذا أتى به مأموماً مع

ص: 296

(297)

(ومنها): الموالاة بين التكبيرات والأدعية (1).

صلاة القادرين، بل مطلقاً بناء على شرعية تكرار الصلاة على الميت. لأن المستفاد من الأدلة وجوب صلاة واحدة كفاية، واستحبابها عيناً على الكل، وعدم إجزاء صلاة العاجز عن الوجوب الكفائي لا ينافي مشروعيتها وإجزائها عن الاستحباب العيني في حقه، وما في الجواهر من عدم مشروعية ذلك في غير محله.

هذا ونظير ما تقدم من عدم الإجتزاء بصلاة العاجز عن القيام مع تيسر صلاة القادر يجري فيما لو انحصر الأمر بالعاجز فصلى، ثم تجددت القدرة على التام منه أو من غيره، حيث يتعين الإعادة، كما في الجواهر. خلافاً لما عن الفقيه الهمداني (قدس سره) من عدم وجوبها، لقاعدة الإجزاء. للإشكال فيه بأنه ينكشف بتجدد القدرة عدم الأمر بالناقص كما هو الحال في سائر موارد تشريع الابدال الاضطرارية، فلا موضوع للإجزاء.

(1) فقد ذكر بعض مشايخنا أن ذلك مقتضى وحدة العمل، لتقومها باتصال أجزائه من دون أن يتخلل بينها العدم. لكن استفادة كون صلاة الميت عملاً واحداً بالمعنى المذكور تحتاج إلى دليل ومجرد كونها ماهية مخترعة للشارع ذات عنوان واحد لا يقتضيه. ولذا لا تعتبر الموالاة في كثير من الماهيات الشرعية ذات العناوين الخاصة، كالأغسال والحج والكفارات. بل حتى الصلاة قد ثبت جواز الفصل المعتد به بين أجزائها في كثير من الموارد، كالمبطون ومن وقعت على ثوبه نجاسة في أثناء الصلاة، وغيرهما.

وعن كشف الغطاء: "ويفسدها كل ما يخلّ بصورتها من سكوت طويل، أو فعل كثير، أو فعل لهو ولعب وإن قلّ، أو غير ذلك مما يفسد هيئتها ويخرجها عن صدق الاسم لذاته أو كثرته" .وهو مبني على أنه يعتبر فيها صورة عرفية تبطل بالأمور المذكورة. ولم يتضح الوجه في ذلك.

ص: 297

ودعوى: أن الصورة المذكورة مأخوذة من عمل المعصومين (عليهم السلام) الذين هم المرجع في تشريع هذه الصلاة وتعيين حدودها. مدفوعة بأنه لم يتضح كون جريهم (عليهم السلام) على الصورة المذكورة لاعتبارها شرعاً في هذه الصلاة، بل لعله لأن مقتضى طبع الانشغال بهذه الأعمال إكمالها قبل الانشغال بغيرها. ولاسيما مثل هذه الصلاة المبنية على الاعتبار والاتعاظ بالموت والتفكر في ما بعده. فهو نظير الانشغال بالأدعية والاستمرار فيها وإكمالها في مجلس واحد لا ينهض بإثبات اعتبار وحدة العمل وحفظ صورة خاصة له يبطل بالإخلال بها.

نعم لا يبعد بناء المتشرعة على اعتبار الصورة المذكورة، بحيث يرون الإخلال بها مبطلاً للصلاة. لكن لم يتضح كون منشأ ذلك وجود حجة تعبدية، بل لعله ناشئ عن تخيل اعتبار هذه الصورة بسبب الاستمرار عليها خلفاً عن سلف، مع الاهتمام بهذه الصلاة كثيراً لتعلقها بالموت، حيث قد يوهم ذلك دخل ما ليس دخيلاً في الواقع فيها.

هذا وفي بعض نصوص المسبوق من الإمام ببعض التكبيرات: "فليقض ما بقي متتابعاً"(1). وهو وإن كان وارداً لبيان عدم وجوب الدعاء بين التكبيرات، تخفيفاً، إلا أن بيان ذلك بالأمر بالولاء قد يظهر في المفروغية عن اعتبار الموالاة في الصلاة، حيث يكون ذلك هو المنشأ للزوم الموالاة بين التكبيرات عند ترك الدعاء بينها. وإن كان في وضوح ذلك بحدّ يبلغ مرتبة الاستدلال إشكال. والمتعين الاحتياط.

وأشكل من ذلك ما قد يدعى من اعتبار جميع ما يعتبر في الصلاة المعهودة عدا الطهارة من الحدث التي دلت الأدلة على عدم اعتبارها. حيث لا وجه له بعد انصراف أدلة اعتبار تلك الأمور إلى الصلاة المذكورة ذات الركوع والسجود. ولاسيما مع أهمية اعتبار الطهارة من الحدث جداً في الصلاة، فعدم اعتبارها هنا يناسب جداً عدم اعتبار غيرها.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 298

(299)

(ومنها): أن تكون الصلاة بعد التغسيل والتحنيط والتكفين (1)،

بل وكذا بملاحظة التعليل في موثق يونس بقوله (عليه السلام):" إنما هو تكبير وتسبيح وتهليل، كما تسبح وتكبر بغير وضوء "(1) وفي معتبر الفضل بن شاذان بقوله (عليه السلام):" إنما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود، وإنما هي دعاء ومسألة، وقد يجوز أن تدعو الله وتسأله على أي حال كنت..."(2). لإشعاره أو ظهوره في أنه لا يعتبر فيها شيء كما لا يعتبر في الدعاء والمسألة. ويأتي في المسألة السابعة والأربعين ما يتعلق بالمقام.

(1) كما صرح به الأصحاب، ونفى في كشف اللثام الخلاف فيه، وفي المدارك أنه قول العلماء كافة، وعن محكي المنتهى أنه لا يعلم الخلاف فيه، وظاهرهما نفي الخلاف فيه حتى من العامة. وفي الجواهر: "إنه المنساق من عطفها عليهما في النصوص وإن كان بالواو والتي هي لمطلق الجمع، إلا أنه لا يبعد إرادة الترتيب منها هنا بمعونة فهم الأصحاب، بل لا ينكر انسياقه من سبر تلك النصوص واتفاقها على ذكرها بعدهما، كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بلسانهم (عليهم السلام)".

وقربه بعض مشايخنا أيضاً بأن الترتيب شرعاً بين الغسل والكفن، وبين الصلاة والدفن، قرينة على أن الترتيب بين الأمور الأربعة في العطف في روايات الشهيد(3) وغيرها - مثل ما لو وجد بعض الميت(4) - للترتيب الشرعي.

والجمع كما ترى!. ولاسيما بملاحظة عطف التحنيط على التكفين في صحيح أبي مريم(5) وصحيحي أبان(6). وعطف التغسيل على التحنيط وفي صحيح اسماعيل

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، 7.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب غسل الميت.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 7، 9.

ص: 299

وزرارة(1) وعلى التكفين في مرسل الاحتجاج(2).

ومثله ما في الذكرى من الاستدلال بقول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار: "لا يصلى على الميت بعدما يدفن، ولا يصلى عليه وهو عريان حتى يوارى عورته"(3) ، ونحوه قول الرضا (عليه السلام) في مرسل محمد بن أسلم:" بل لا يصلى على المدفون بعدما يدفن، ولا على العريان "(4) إذ فيه - كما في الجواهر -: أن عدم الصلاة عليه وهو عريان أعم من اعتبار التكفين، فضلاً عن التغسيل. بل مقتضى ذيل الموثق أن المعتبر في العريان ستر العورة لا غير.

لكن استدل بعض مشايخنا بصدر الموثق، وهو:" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في قوم كانوا في سفر يمشون على ساحل البحر، فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة، وليس عليهم إلا إزار، كيف يصلون عليه وهو عريان، وليس معهم فضل ثوب يكفنونه [به]؟ قال: يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته، فيستر عورته باللبن وبالحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن. قلت: فلا يصلى إذا دفن؟ فقال: لا يصلى على الميت بعدما يدفن...".

بتقريب: أنه لولا كون المرتكز في ذهن السائل توقف الصلاة على التكفين يسأل عن الصلاة عليه في مفروض السؤال، وقد أقره الإمام (عليه السلام) على ذلك، وذكر كيفية الصلاة عليه. ولا مجال لاحتمال كون منشأ السؤال هو كون الميت عارياً ولزوم النظر إلى عورته، لإمكان تغميض العينين.

ويشكل بأن ظاهر الحديث كون السؤال بلحاظ العرى، لكن لا من جهة لزوم النظر للعورة المحرم، الذي يمكن التخلص عنه بتغميض العينين، بل لعله من جهة احتمال مانعية العرى وانكشاف العورة من الصلاة عليه، ولا قرينة فيه على أن منش

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 8.

ص: 300

السؤال فيه هو عدم التكفين بخصوصيته. على أن ما تضمنه ذيل الموثق من اعتبار ستر العورة كاف في عدم إقرار السائل على زعم اعتبار التكفين لو تم ظهور السؤال في ذلك.

وعن الفقيه الهمداني الاستدلال له بأصالة عدم مشروعية الصلاة قبل التكفين، حيث لا يعلم حينئذ فعلية الأمر بالصلاة، فلا يجوز الامتثال بفعلها حينئذ لتجزي.

لكنه ليس كذلك، لعدم الإشكال في فعلية وجوب الصلاة بالموت، وإنما يحتمل شرطية التكفين فيها، ومقتضى الأصل البراءة، كما في سائر موارد الشك في شرطية شيء للمأمور به. ولعله لذا حكي عنه الأمر بالتأمل.

فالعمدة ظهور الإجماع عليه المعتضد بالسيرة، مع كثرة الابتلاء بالحاجة للصلاة عليه قبل التغسيل، فالتزام عدم الصلاة إلا بعد التغسيل والتكفين من المتشرعة، وظهور إطباق الأصحاب، بل المسلمين، على ذلك يقرب فهمهم من عمل المعصومين (صلوات الله عليهم) الوجوب. ولاسيما بملاحظة اختلاف وضع الميت، فهو يوضع قبل التغسيل كيفما اتفق أو مستقبلاً بباطن قدميه القبلة، وبعده معترضاً على نحو الصلاة عليه.

هذا والمستفاد من الإجماع أو غيره مما تقدم ليس هو الوجوب التكليفي، الراجع للعصيان بإيقاع الصلاة قبل التغسيل والتكفين، بل شرطيتهما للصلاة المستلزم لبطلانها لو وقعت قبلهما عمداً. ومن ثم قطع بذلك في جامع المقاصد، ولا مجال لما في كشف اللثام من احتمال الصحة.

وأما مع الجهل بالحكم أو بالموضوع أو نسيانها فقد حكم سيدنا المصنف (قدس سره) وغيره بالبطلان. وتردد في جامع المقاصد في الناسي، وظاهر الجواهر احتمال الإجزاء معه، بل ظاهر كشف اللثام احتمال ذلك فيه وفي الجاهل، بل جزم في المستند بالإجزاء فيها. لعدم ثبوت الإجماع. ورده سيدنا المصنف (قدس سره) بإطلاق معقد الإجماع.

لكنه غير ظاهر، لعدم التصريح به إلا في كلام من عرفت وإطلاق عباراتهم

ص: 301

ليس حجة في عموم مفادها، إلا بلحاظ إفادته العلم بالواقع، لعدم حجية الإجماع المنقول، ولا ينهض الإطلاق في كلام من عرفت بإفادة العلم بالعموم، بل يتعين الاقتصار على المتيقن وهو صورة العمد.

اللهم إلا أن يستفاد العموم من مناسبة عموم البطلان لمرتكزات المتشرعة، ولاسيما وأن الإجزاء مع الجهل والنسيان يحتاج إلى عناية فعدم التنبيه عليها في كلامهم يناسب عموم الشرطية جداً.

على أن اختلاف تكليف الناسي للحكم والجاهل به عن تكليف الملتفت العالم لما كان مخالفاً للإجماع على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل والملتفت والغافل، الذي عليه يبتني بطلان التصويب بأقسامه، فلابد من ابتناء الإجزاء على إجزاء غير الواجب عنه، وهو مخالف للأصل.

ومنه يظهر ضعف الاستدلال للإجزاء بإطلاق دليل الخطاب بالصلاة وأنها خمس تكبيرات، بعد تصور دليل الترتيب - وهو الإجماع - عن المورد.

وجه الضعف: أنه لا مجال لاحتمال اختصاص وجوب الترتيب بحال العلم والذكر بعدما أشرنا إليه من الإجماع على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل.

نعم لا مجال لذلك في نسيان الموضوع، حيث لا مانع من اختلاف الناسي له مع الملتفت في الحكم، فلا مانع من البناء على الإجزاء معه، عملاً بالإطلاق بعد فرض قصور دليل الترتيب. إلا أن الظاهر عموم دليل الترتيب له بالنظر إلى المرتكزات التي أشرنا إليها آنفاً.

ثم إنه قد يستدل للإجزاء بعموم حديث رفع الجهل والنسيان. لكنه يشكل بأن الرفع بالإضافة إليهما ظاهري. مع أنه لو كان واقعياً فمقتضاه رفع التكليف بالتام لا الخطاب بالناقص بحيث يجتزأ به، على ما حقق في محله.

هذا والظاهر مفروغية الأصحاب عن عدم سقوط الصلاة بتعذر الغسل

ص: 302

(303)

وقبل الدفن (1).

(ومنها): أن يكون الميت مستور العورة، ولو بنحو الحجر واللبن لو تعذر التفكين (2).

والكفن، كما يظهر منهم مما يأتي في الشرط الآتي. وقد يستدل له بإطلاق وجوب الصلاة عليه بعد عدم الإطلاق لدليل شرطية تقدم التغسيل والتكفين بنحو يشمل حال التعذر. مضافاً إلى موثق عمار ومرسل محمد بن أسلم اللذين يأتي الاستدلال بهما في الشرط الآتي. والى ما تقدم من ظهور المفروغية عن ذلك.

(1) ففي الجواهر:" لا خلاف في عدم جواز تأخير الصلاة إلى الدفن، بل الإجماع بقسيمه عليه، بل كاد يكون ضرورياً ".ويقتضيه - مضافاً إلى ذلك، المعتضد بالسيرة الارتكازية على كون التقديم للوجوب، ولذا يحافظ عليه حتى مع كون الصلاة على القبر أسهل - النصوص المتضمنة عدم الصلاة بعد الدفن، التي تقدم ويأتي قريباً بعضها ويأتي التعرض لتمامها في المسألة الخمسين. وحديث هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت، إلا أن يكون مبطوناً أو نفساء أو نحو ذلك "(1) فإن الاهتمام بتعجيل الصلاة في الموارد المذكورة حتى تقدم على المكتوبة ظاهر في المفروغية عن عدم جواز تأخير الصلاة على الدفن.

(2) فقد صرح جماعة بأنه إذا لم يكن للميت كفن وضع في القبر وسترت عورته وصلي عليه بعد ذلك، وفي المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب. ويقتضيه موثق عمار ومرسل محمد بن أسلم المتقدمين عند الكلام في الشرط السابق.

وعن الذكرى:" فإن لم يكن كفن أمكن ستره بثوب صلي عليه قبل الوضع في اللحد "،ونحوه في جامع المقاصد. وفي المدارك:" ولا ريب في الجواز نعم يمكن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 303

المناقشة في الوجوب ".وفصل في المسالك بين ما إذا منع القبر من رؤية الميت وما إذا لم يمنع، ففي الأول يجب الصلاة عليه خارج القبر مع التمكن من ستر عورته بثوب ونحوه، وفي الثاني يتخير.

لكن الخبرين لم يتضمنا وضعه في القبر، ليمكن فيه التفصيل المذكور، بل وضعه في اللحد، وهو مستلزم لستر بدنه. وحينئذ فحيث اعتبر ستر العورة زائداً على الوضع في اللحد فلابد أن لا يكون الوضع في اللحد لستر العورة، كما أنه حيث لا أثر له في سهولة سترها باللبن والحجر بنحو ظاهر، كان ظاهر الأمر بالوضع في اللحد مطلوبيته في نفسه شرطاً في الصلاة زائداً على ستر العورة. ولعله لكونه بمنزلة الكفن - الذي هو شرط في الصلاة - في ستر بدن الميت.

نعم لا يجزي ذلك مع إمكان ستر تمام بدن الميت بثوب ونحوه ولو في حال الصلاة فقط الذي تقدم من الذكرى، لخروجه عن مورد الخبرين وحينئذ لا يبعد الاكتفاء بذلك في الصلاة، بل لا يبعد تقديمه على الوضع في اللحد، لما في الثاني من تعدد مكاني المصلي عرفاً، بحيث يشكل صدق أن المصلي عنده وقد كبر عليه.

وأما ما في العروة الوثقى وأقره سيدنا المصنف (قدس سره) من التفصيل بين ما إذا كان الميت مستور العورة، فيجوز الصلاة عليه خارج القبر وغيره فيجب الصلاة عليه في القبر، عملاً بالخبرين في الصورة الثانية، وبالأصل في الأولى بعد خروجها عن مورد الخبرين.

فيشكل بأن الخبرين لا ينافيان ستر عورته قبل إنزاله القبر الذي يدخل في الصورة الأولى، ومقتضى إطلاقهما الصلاة عليه في القبر حينئذ أيضاً. إلا أن يريد بالصورة الأولى ما إذا كان مستور العورة بثوب ونحوه، لا مطلق الستر ولو كان باللبن والحجر، فتخرج عن مورد الخبرين. لكن التفصيل بين قسمي الساتر في الحكم المذكور بعيد جداً، وإلغاء خصوصية مورد الخبرين أقرب عرفاً.

هذا وقد يدعى أن قوله (عليه السلام) في ذيل الموثق:" ولا يصلي عليه وهو عريان حتى

ص: 304

(305)

(ومنها): إباحة مكان المصلي (1).

توارى عورته "ظاهر في عدم اشتراط شيء غير ستر العورة، وعدم وجوب ستر تمام البدن بالقبر أو غيره. ولأجله يلزم رفع اليد عن ظاهر الأمر فيه وفي المرسل بوضع الميت في اللحد.

ولعله لذا قال في كشف اللثام:" ولعل وضعه في اللحد وستر عورته فيه لكراهة وضعة عارياً تحت السماء وإن سترت عورته - كما قد يرشد إليه كراهة تغسيله تحت السماء - ولرفع الحرج عن المصلين، لما في ستر عورته خارجاً ثم نقله إلى اللحد من المشقة، وإلا فالظاهر أنه لا خلاف في جواز الصلاة عليه خارجاً إذا سترت عورته بلبن أو تراب أو نحوهما".

وعليه لا يجب ستر بدنه بثوب حين الصلاة عليه خارج القبر مع التمكن من ذلك، ويكتفى بستر عورته بالتراب ونحوه. نعم لو أمكن إبقاء الثوب عليه ودفنه وهو فيه كان هو الميسور من الكفن، فيجب بمقتضى وجوب تأخير الصلاة عن الكفن.

لكن الدعوى المذكورة غير ظاهرة الوجه، لعدم ظهور التعبير المذكور، بل ولا إشعاره في الانحصار، بحيث ينافي وجوب وضع الميت في اللحد، ليتعين حمل الأمر به على الاستحباب. ولاسيما ما فيه من حجب الميت عن المصلي وبعده عنه بوجه معتد به. وما استظهره في كشف اللثام من عدم الخلاف في جواز الصلاة عليه خارج القبر لو تم لا ينهض برفع اليد عن ظهور الأمر المذكور في الوجوب. فلا مخرج عما سبق. فتأمل جيداً.

(1) كما يظهر من السيد الطباطبائي في منظومته. وكأنه لاتحاد الكون الصلاتي مع الكون الغصبي. لكنه لا يخلو عن إشكال، لتقوم الصلاة بأفعالها، وهي مباينة لكون المصلي في المكان المغصوب، وإشغاله له.

ودعوى: أن للقيام الذي هو شرط في الصلاة لا يعمّ القيام المحرم، وهو الذي

ص: 305

(306)

(ومنها): إذن الولي (1)، إلا إذا أوصى الميت بأن يصلي عليه شخص معين، فلم يأذن له الولي وأذن لغيره، فلا يحتاج إلى الإذن (2).

يكون في المكان المغصوب، فتكون الصلاة في المغصوب فاقدة للشرط.

مدفوعة بأنه لا ملزم عقلاً بقصور الماهية التي تؤخذ شرطاً في المأمور به عن الأفراد المحرمة، لأن المعيار في كون الشيء شرطاً للمأمور به توقف حصول الملاك من المأمور به على مقارنته للشرط، ولا مانع من عموم ذلك للأفراد المحرمة.

نعم قد ينافيه في بعض الموارد عرفاً، فيفهم من دليل الشرطية إرادة ماعدا الأفراد المحرمة. لكنه مختص بما إذا كان الشرط محرماً بعنوانه، لا في مثل المقام، حيث لم يحرم القيام بعنوانه، بل المحرم هو التصرف في المغصوب الشامل للقيام وغيره. ولاسيما مع عدم ورود إطلاق لفظي يقتضي اعتبار القيام في صلاة الميت، ليفهم منه الاختصاص، بل استفيد اعتباره تبعاً بنحو يظهر من النصوص المفروغية عن اعتباره، من دون أن تكون مسوقة لذلك.

ومثله الحال في اعتبار إباحة مكان الميت، لأن كون الميت عند المصلي شرط أيضاً للصلاة كالقيام فيها.

نعم لا يبعد امتناع التقرب بالصلاة إذا كان حصول المصلي أو الميت في المكان المغصوب لأجلها، بحيث يكون الاستمرار فيها هو الداعي للتصرف في المغصوب من أحد المكانين. وقد تقدم نظيره عند الكلام في اعتبار إباحة الإناء الذي يتوضأ منه. فراجع.

(1) على ما تقدم في التغسيل، وتقدم تفصيل الكلام فيه وفي فروعه. ويأتي في المسألة الثالثة والخمسين الكلام في ولايته على كون الصلاة جماعة.

(2) كما تقدم منه (قدس سره) في التغسيل، وتقدم الإشكال فيه، وأن المتعين الاحتياط بتنفيذ الولي الوصية وإذنه للموصى بالمباشرة.

ص: 306

(307)

(مسألة 47): لا يعتبر في الصلاة على الميت الطهارة من الحدث (1) والخبث (2). وإباحة اللباس (3)،

(1) إجماعاً، كما في الخلاف والتذكرة والذكرى وعن جملة من كتب الأصحاب. ويقتضيه جملة من النصوص، كموثق يونس ومعتبر الفضل المتقدمين عند الكلام في وجوب الدعاء بين التكبيرات، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام):" سألته عن الرجل تفجؤه الجنازة وهو على غير طهر. قال: فليكبر معهم"(1) ، وغيرها.

(2) قال في الجواهر: "وفاقاً لجماعة، بل لا أجد فيه خلافاً. نعم تردد فيه في الذكرى بعد أن اعترف بعدم الوقوف فيه على فتوى ولا نص" .لكن صرح جماعة من الأصحاب تبعاً للنصوص بجواز صلاة الحائض التي لا تنفك غالباً عن الخبث.

ويقتضيه - بعد الأصل، لقصور ما تضمن اعتبار الطهارة من الخبث في الصلاة عن صلاة الميت - النصوص المتضمنة صلاة الحائض على الجنازة، كصحيح محمد بن مسلم: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال: نعم ولا تصف [تقفٍٍٍٍٍِ] معهم" (2) وغيره.

مضافاً إلى استفادته من نصوص عدم اعتبار الطهارة من الحدث بالأولوية أو بعموم التعليل بقوله (عليه السلام) في معتبر الفضل بن شان: "إنما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود، وإنما هي دعاء ومسألة، وقد يجوز أن تدعو الله وتسأله على أي حال كنت..."(3) ، وقوله (عليه السلام) في موثق يونس:" إنما هو تكبير وتسبيح وتهليل، كما تسبح وتكبر في بيتك على غير وضوء"(4). لإشعارهما أو ظهورهما في أنه لا يعتبر في هذه الصلاة شيء كما لا يعتبر في الدعاء والثناء.

(3) لعدم اقتضاء أفعال التصرف فيه ليمتنع التقرب بها. نعم لو قيل بوجوب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7، 3.

ص: 307

وستر العورة (1). وإن كان الأحوط اعتبار جميع شرائط الصلاة (2). بل لا يترك الاحتياط وجوباً بترك الكلام في أثنائها والضحك والسكوت الطويل ونحوه من ما يكون ماحياً لصورتها (3).

ستر العورة يتجه اعتبار إباحة الساتر لو تم ما سبق من دعوى قصور إطلاق الشرط عن الفرد المحرم. لكن سبق أنه غير تام.

(1) للأصل بعد قصور ما دل على اعتبار سترها في الصلاة عن صلاة الميت، كما تقدم في نظائره. وقد يستفاد من التعليل في معتبر الفضل وموثق يونس المتقدمين.

خلافاً لما في الذكرى وعن فوائد الشرايع للكركي وكشف الغطاء من وجوب سترها فيها. ويناسبه ما في الوسيلة في صلاة العراة من أنهم يضعون أيديهم على سوءاتهم. وربما يكون لتجنب النظر المحرم، وإن ذكر في مفتاح الكرامة أنه لم يصرح به غيره.

وكيف كان فهو لا يتجه إلا بناء على ما في الذكرى قال: "والأجود ترك ما يترك في ذات الركوع، والإبطال بما تبطل به، خلا ما يتعلق بالحدث والخبث على ما تقدم" .ويأتي الكلام في ذلك.

(2) كما سبق من الذكرى. واحتاط بذلك في محكي كشف الغطاء مع استثناء الطهارة من الحدث. ويظهر عدم الملزم بالاحتياط المذكور مما تكرر من قصور أدلة اعتبار تلك الشروط في الصلاة عن صلاة الميت. ولاسيما بملاحظة نصوص عدم اعتبار الطهارة الحدثية بالتقريب المتقدم في وجه عدم اعتبار الطهار الخبيثة.

(3) كما تقدم عن كاشف الغطاء عند الكلام في اعتبار الموالاة. وتقدم الإشكال في ذلك. على أنه لم يتضح كون مطلق الكلام والضحك ماحيين لصورة الصلاة ذات الركوع والسجود، فضلاً عن هذه الصلاة. وإنما استفيد مبطليتهما لتلك الصلاة من النصوص الخاصة، التي يظهر مما سبق عدم شمولها لهذه الصلاة.

ص: 308

(309)

(مسألة 48): إذا شك في أنه صلى على الجنازة أم لا بنى على العدم (1). وإذا صلى وشك في صحة الصلاة وفسادها بنى على الصحة (2). وإذا علم ببطلانها وجبت إعادتها على الوجه الصحيح (3). وكذا لو أدى اجتهاده أو تقليده إلى بطلانها (4).

(مسألة 49): يجوز تكرار الصلاة على الميت الواحد (5).

نعم لا يبعد منافاتهما لهذه الصلاة بالنظر لمرتكزات المتشرعة. وإن كان في كفاية ذلك في البناء على مبطليتهما لها إشكال.

(1) لقاعدة الاشتغال. نعم إذا تصرف من يكون الميت تحت يده تصرفاً مترتباً على الصلاة - كالدفن - تعين عدم الاعتناء بالشك، لقاعدة التجاوز.

(2) لقاعدة الفراغ المعول عليها عند الشك بعد الفراغ. وكذا لو شك في صحة فعل الغير ولو قبل الفراغ. لقاعدة الصحة الجارية في فعل الغير مطلقاً.

(3) كما هو مقتضى الأمر بها، ولا دليل على الاجتزاء بالناقص في المقام.

(4) عملاً بمقتضى الحجة الفعلية في حقه. ولا موجب للخروج عنها باجتهاد الغير أو تقليده بعد عدم حجيته في حقه، كما هو مقتضى القاعدة في جميع موارد الاختلاف بالاجتهاد والتقليد وأولى بذلك إذا لم يكن عمل الغير عن اجتهاد أو تقليد.

ومنه يظهر ضعف ما في العروة الوثقى من الاجتزاء بفعل الغير المطابق لاجتهاده أو تقليده، إلا مع العلم الوجداني بفساده، دون ما إذا كان الفساد مقتضى اجتهاد المكلف أو تقليده. بل هو لا يخلو عن غرابة.

(5) بلا إشكال كما في الجواهر وعن المفاتيح نفي الخلاف فيه، لظهور ما يأتي من الأصحاب من الكلام في الكراهة في المفروغية عن أصل الجواز.

ص: 309

وعن مجمع البرهان والفائدة: "الذي يقتضيه النظر عدم التكرار، لأنها واجبة كفاية، فإذا فعلت سقطت عن الكل بلا خلاف، فلابد لمشروعيتها ندباً أو وجوباً من دليل، وليس هنا دليل صالح لذلك..." .وإليه يرجع ما ذكره بعض مشايخنا من أن مقتضى القاعدة عدم مشروعية التكرار.

لكن في صحيح أبي ولاد وعبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له..."(1) ، وفي حديث سؤال اليهود من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):" قال (عليه السلام): وما من مؤمن يصلي على الجنائز إلا أوجب الله له الجنة..."(2) ، وفي موثق الأصبغ بن نباتة: "قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من تبع جنازة كتب له من الأجر أربع قراريط قيراط بإتباعه وقيراط للصلاة عليها..." (3) وظاهر هذه النصوص وغيرها استحباب الصلاة على الميت لكل أحد عيناً، وإن كانت واجبة على الكل كفاية، وحينئذ فسقوط الوجوب الكفائي بالصلاة الأولى لا ينافي بقاء مشروعيتها، بل استحبابها عيناً وحمل الاستحباب العيني على الصلاة من كل أحد في ضمن صلاة جماعة واحدة يحتاج إلى دليل.

نعم يختص ذلك بغير المصلي عليه أولاً، لسقوط الوجوب الكفائي والاستحباب العيني معاً في حقه بفعله. إلا أن يستفاد من النصوص المذكورة استحباب الصلاة بنحو العموم الشمولي الاستغراقي لا البدلي، نظير استحباب الاستغفار. وهو لا يخلو عن إشكال. ومن ثم توقف شيخنا الأستاذ (قدس سره) في المشروعية في غير الإمام، وأما هو فيشرع منه التكرار للنصوص الآتية.

نعم قد يتمسك للمشروعية مطلقاً بالإجماع، لأن ظاهر اتفاقهم على الكراهة في حق المصلى مطلقاً أو إذا لم يكن إماماً المفروغية عن المشروعية والجواز مطلقاً، وأن الكلام إنما هو في الكراهة. وسيأتي تمام الكلام عند التعرض للنصوص إن شاء الله

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب دفن الميت حديث: 1.

ص: 310

لكنه مكروه (1)،

تعالى.

(1) ففي الجواهر: "وفاقاً للأكثر نقلاً وتحصيلاً، بل في المغنية الإجماع عليه، جماعة وفرادى من مصل واحد ومتعدد، كما صرح به بعضهم، وكالصريح من آخر".

لموثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على جنازة، فلما فرغ جاء قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة عليها فقال: إن الجنازة لا يصلى عليها مرتين ادعوا له وقولوا خيراً"(1). ونحوه خبر وهب بن وهب(2). وقد يستفاد من خبره الآخر، وموثق الحسين بن علوان عنه (عليه السلام)، وفيهما:" قد قضيت الصلاة عليها. ولكن ادعوا لها"(3).

نعم يعارضها جملة من النصوص، كحديث عمار الساباطي - الذي لا يخلو عن اعتبار - عن أبي عبد الله (عليه السلام): "الميت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلي عليه"(4) ، وحديث يونس بن يعقوب الذي لا يخلو عن اعتبار أيضاً عنه(5) (عليه السلام):" سألته عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر أصلي عليها؟ قال: إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها"(6) ، وخبر عمر بن شمر عنه (عليه السلام): "إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج على جنازة امرأة من بني النجار فصلى عليها فوجد الحفرة لم يمكنوا، فوضعوا الجنازة،

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 23، 24.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 13 وذيله.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 19.

(5) إذ ليس في سند هذين الخبرين من لم يوثق إلا محمد بن علي بن الزبير القرشي وهو من مشايخ الإجازة وروى كثيراً من كتب الأصحاب، ووقع في طرق الشيخ إلى كتب بني فضال. بل يأتي منّا في المسألة السابعة في فروع النية من كتاب الصوم تقريب وثاقة الرجل، وتصحيح أمثال هذين الحديثين حتى لو لم يكن ثقة في نفسه.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 20.

ص: 311

فلم يجيء قوم [أقوام] إلا قال لهم: صلوا عليها"(1).

وظاهر جماعة الجمع بينهما، بحمل الطائفة الأولى على الكراهة، والطائفة الثانية على مجرد المشروعية، بناء على ما هو التحقيق من إمكان العبادة المكروهة، وإمكان التقرب بها، على ما ذكرناه في مبحث اجتماع الأمر والنهي من الأصول.

لكن المراد إن كان هو مجرد قلة الثواب مع رجحان الفعل فهو - مع كونه خلاف ظاهر الأصحاب - لا يناسب موثق إسحاق بن عمار وخبر وهب الظاهرين في الردع عن الصلاة. بل وكذا خبر وهب الآخر وموثق الحسين بن علوان، لظهورهما في عدم رجحان الصلاة.

وإن كان المراد مرجوحية الفعل لترتب مفسدة عليه فهو لا يناسب خبر عمر بن شمر الظاهر في رجحان الصلاة. إلا أن يكون ضعف سنده مانعاً من التعويل عليه في رفع اليد عن مقتضى الجمع بين غيره من النصوص، وهو مشروعية التكرار وإن كان مرجوحاً.

هذا ولكن تضمنت جملة من النصوص تكرار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) الصلاة على حمزة وسهل بن حنيف، ففي صحيح إسماعيل بن جابر وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: "إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على حمزة سبعين صلاة، وكبر عليه سبعين تكبيرة"(2) ، وقد تقدم عند الكلام في عدد التكبيرات حمله على تكرار الصلاة عليه، وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: كبر أمير المؤمنين (عليه السلام) على سهل بن حنيف وكان بدرياً خمس تكبيرات، ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسة أخرى، فصنع به ذلك حتى كبر عليه خمساً وعشرين تكبيرة"(3) ، ونحوهما غيرهما. وذلك لا يناسب الكراهة بمعنى مرجوحية الفعل جداً.

وهي وإن تضمنت نقل قصة في واقعة لا إطلاق لها، إلا أن نقل الإمام (عليه السلام) -

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 22.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، 1.

ص: 312

لها من دون تنبيه إلى خصوصيتهما في ارتفاع الكراهة ظاهر في عدم خصوصيتهما في ذلك، لإلغاء خصوصيتهما عرفاً. بل حيث لا إشكال في عدم خصوصية سهل بن حنيف في التشريع فالمستفاد من هذه النصوص عرفاً عدم كراهة التكرار مطلقاً، وإن أمكن أن يكون لميزته في الدين هو وحمزة دخل في شدة رجحانه حتى حملهما (صلى الله عليه وآله وسلم) على القيام به.

وهو المناسب لما في خبر جعفر: "سئل جعفر (عليه السلام) عن التكبير على الجنائز فقال: ذلك إلى أهل الميت ما شاؤوا كبروا فقيل: أنهم يكبرون أربعاً فقال: ذلك إليهم. ثم قال: أما بلغكم أن رجلاً صلى عليه علي (عليه السلام) فكبر عليه خمساً حتى صلى عليه خمس صلوات يكبر في كل صلاة خمس تكبيرات. قال: ثم قال: إنه بدري عقبي أحدي وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاثنى عشر، وكانت له خمس مناقب، فصلى عليه لكل منقبة صلاة"(1).

فإن المناسبات الارتكازية تقضي بأن المناقب تقتضي تأكد رجحان التكرار، لا ارتفاع كراهته لو كان مكروهاً في نفسه أو تشريعه لو لم يكن مشروعاً في نفسه. ولاسيما بملاحظة أن تحديد المنقبة كبروياً وإحرازها صغروياً يحتاج إلى مؤنة، فيبعد جداً إناطة ارتفاع الكراهة أو المشروعية بها من دون تعرض لذلك، بخلاف إناطة تأكد الرجحان بها، كما لعله ظاهر.

بل من البعيد جداً معروفية عدم مشروعية التكرار أو كراهته ثم مطالبة الناس به في الصلاة على سهل بن حنيف، كما تضمنه خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: كبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حمزة سبعين تكبيرة، وكبر علي (عليه السلام) عندكم على سهل بن حنيف خمساً وعشرين تكبيرة. قال: كبر خمساً خمساً، كلما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل، فيضعه فيكبر عليه خمساً. حتى انتهى إلى قبره خمس مرات"(2).

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 18، 5.

ص: 313

إلا إذا كان الميت من أهل الشرف في الدين (1).

وبالجملة: هذه النصوص - كخبر عمر بن شمر - لا تناسب الكراهة بمعنى مرجوحية الفعل جداً. فلابد إما من حمل نصوص النهي على نفي الوجوب - كما احتمله في الاستبصار - لدفع توهم وجوب صلاة الميت عيناً في الجملة، وإما من البناء على استحكام التعارض بين الطائفتين، ويكون العمل على الطائفة الأخرى، لأنها أكثر عدداً وأظهر بين الأصحاب عملاً، ومطابقة للمطلقات المتقدمة الظاهرة في الاستحباب عيناً، وتحمل نصوص النهي على التقية، لموافقتها لما حكاه في الخلاف عن أبي حنيفية ومالك وجماعة من العامة من عدم جواز الصلاة بعد سقوط فرضها.

هذا ومقتضى إطلاق حديث عمار مشروعية تكرار الصلاة ولو من مصل واحد غير الإمام، وإن أشكل إثبات ذلك من المطلقات، كما سبق.

ومن جميع ما سبق يظهر ضعف تخصيص الكراهة بالمصلي الواحد، كما هو موضوع كلام الشيخ في الخلاف، ومعقد إجماعه، وعن الذكرى أنه استظهره من الأكثر. وجه الضعف: أن النصوص المتقدمة ورادة في غير المصلي، فإن عمل بها لزم البناء على عموم الكراهة، وإلا فلا دليل على الكراهة في حقه. وهناك أقوال أخر لا مجال لاستقصائها بعد ظهور ضعفها مما سبق.

والحاصل: أن المتعين ما سبق من عدم الكراهة مطلقاً، كما هو ظاهر إطلاق ما عن الحسن بن عيسى من أنه لا بأس بالصلاة على من صلي عليه مرة.

بل عن المفاتيح أن بعضهم استحب التكرار مطلقاً. ويناسبه ما في الذكرى، حيث قال بعد التعرض لكلام بعض الأصحاب وللنصوص: "فتبين رجحان الصلاة بظهور الفتوى وكثرة الأخبار" ويتضح وجهه مما سبق.

(1) العمدة فيه نصوص الصلاة على حمزة وسهل بن حنيف. وأما نصوص الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشكل الاستدلال بها، لقرب عدم كونها من صلاة الميت

ص: 314

(315)

(مسألة 50): لو دفن الميت بلا صلاة صحيحة صلى على قبره (1)

المعهودة على ما تقدم عند الكلام في اعتبار الاستقبال. ومنه يظهر ضعف إطلاق الكراهة في كلام جماعة، وحكي عن المشهور، لأنه لا يناسب هذه النصوص قطعاً.

هذا وحيث تقدم عدم الدليل على الكراهة فالمشروعية في العبادات تقتضي الرجحان. وحينئذٍ يتعين كون الشرف في الدين سبباً لتأكد الرجحان. كما أشرنا إليه آنفاً.

(1) قال في الجواهر: "بلا خلاف صريح أجده إلا من المصنف في المعتبر والمحكي عن الفاضل في بعض كتبه، ومال إليه في المدارك. ولا ريب في ضعفه للأصل. وإطلاق دليل الوجوب، وفحوى نصوص الجواز... ضرورة أنه يمكن دعوى لزوم الجواز للوجوب في الفرض، لعدم ما يصلح حينئذ مقيداً لإطلاق نحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تدعوا أحداً من أمتي بلا صلاة".

لكن مراده (قدس سره) بالأصل إن كان هو استصحاب وجوب الصلاة على الميت، نظير ما يذكر في سائر موارد تعذر بعض ما يعتبر في الواجب لإثبات وجوب الميسور منه أشكل أولاً: بأنه مختص بما تعذر نبشه والصلاة عليه خارج القبر، وإلا فلا وجه للاكتفاء بالميسور، سواءً كان دفنه بغير صلاة لعذر أم بدونه. ولا وجه لحرمة النبش بعد أن كان دليله الإجماع الذي كان المتيقن منه ما إذا كان الدفن بعد الصلاة. نعم تتجه حرمة النبش لو لزم منه هتك الميت.

وثانياً: بعدم نهوض الاستصحاب بإحراز الاكتفاء بالميسور عند تعذر المركب التام، لتبدل الموضوع إلا بناء على الاكتفاء بالتسامح العرفي في موضوع الاستصحاب الذي هو خلاف التحقيق. ولاسيما في مثل المقام مما كان اختلاف حالتي اليقين والشك معتداً بها عرفاً، بلحاظ عدم إشراف المصلى على الميت لحجب القبر له عنه، حيث لا يتضح صدق التكبير والصلاة عليه وتبدل حالة الميت من الاستلقاء إلى الاضطجاع.

وإن كان مراده (قدس سره) بالأصل أصالة البراءة من اعتبار ظهور الميت لدعوى: أن

ص: 315

المتيقن من دليل اعتباره ما إذا لم يدفن. بحيث لا يجوز الدفن قبل الصلاة، دون ما إذا تحقق الدفن لعذر أو بدونه، أشكل أولاً: بأنه مختص بما إذا أمكن النبش إذ مع تعذره يرجع الشك في اعتبار ظهور الميت إلى الشك في سقوط الصلاة، وهو مقتضى أصل البراءة.

وثانياً: بأنه لم يتضح كون المقام من موارد الشك في الخصوصية، بل ربما يكون من موارد الدوران بين التعيين والتخيير لعدم الجامع العرفي بين الصلاة على القبر والصلاة على الميت خارجه بالشروط المعهودة.

وأما الإطلاق فهو ظاهر في عموم الوجوب من حيثية أفراد الميت، لا في إطلاق الصلاة الواجبة من حيثية أحواله.

فلم يبق إلا ما ذكره أخيراً من استفادة الوجوب من الإطلاق بضميمة النصوص الدالة على جواز الصلاة ومشروعيتها. فاللازم النظر في النصوص المذكورة.

وعمدتها صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن" (1) مؤيداً بخبر مالك عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن"(2) ، وخبر عمرو بن جميع عنه (عليه السلام):" قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى على قبره "(3) ومرسلة الذكرى:" روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على قبر مسكينة دفنت ليلاً "(4) وقوله (عليه السلام) في مرسل القلانسي في المسبوق ببعض التكبيرات:" يتم التكبير وهو يمشي معها، فإن لم يدرك التكبير كبر عند القبر، فإن كان أدركهم وقد دفن كبر على القبر"(5).

لكن يعارضها جملة أخرى من النصوص، كموثق عمار المتقدم في الصلاة على

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 2، 3.

(4) سنن البيهقي ج: 4 ص: 48.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

ص: 316

من لا كفن له، وفيه: "يحفر له ويوضع في لحده، ويوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللبن وبالحجر، ثم يصلى عليه، ثم يدفن. قلت: فلا يصلى عليه إذا دفن؟ فقال: لا يصلى على الميت بعدما يدفن، ولا يصلى عليه وهو عريان حتى توارى عورته" (1) ونحوه مرسل محمد بن أسلم المتقدم هناك أيضاً، وفيه: "يصلون عليه وهو مدفون بعدما يدفن؟ قال: لا، لو جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يصلى على المدفون، ولا على العريان"(2).

ودعوى ظهورهما في النهي عن تأخير الصلاة عن الدفن، لا في عدم جواز الصلاة على المدفون مطلقاً أو إذا دفن قبل الصلاة تقصيراً أو عن عذر. ممنوعة جداً. ولاسيما بلحاظ العدول في الجواب من الجواب بالنفي إلى الجواب بالكبرى الظاهرة في العموم جداً.

وقوله (عليه السلام) في موثق عمار الآخر المتقدم عند الكلام في اعتبار أن يكون رأس الميت إلى يمين المصلي ورجليه إلى يساره:" يسوى وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن، فإن دفن فقد مضت الصلاة عليه، ولا يصلى عليه وهو مدفون"(3).

ودعوى ظهوره في إجزاء الصلاة الواقعة عليه وهو مقلوب لو دفن قبل الإعادة، فلا ينافي وجوب الصلاة أو جوازها بعد الدفن. ممنوعة، بل هو ظاهر في بطلان الصلاة عليه مطلقاً، وأن عدم الصلاة عليه بعد الدفن لمضي محلها وعدم مشروعية الصلاة حينئذ لكبرى عدم الصلاة على المدفون.

وقوله (عليه السلام) في حديثه الثالث المتقدم في تكرار الصلاة على الميت: "الميت يصلى عليه ما لم يوارَ بالتراب وإن كان قد صلي عليه" (4) وفي حديث يونس بن يعقوب المتقدم هناك أيضاً: "إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليه"(5). وكذا صحيح محمد بن

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 19، 20.

ص: 317

مسلم أو زرارة الآتي.

هذا وربما يجمع بين هذه النصوص بوجوه:

الأول: حمل نصوص الجواز على من لم يصل عليه، ونصوص المنع على من صلي عليه، كما في المختلف وجامع المقاصد. ويناسبه ما في التذكرة والمتن وعن نهاية الأحكام من الاقتصار في الصلاة على القبر على من لم يصلَّ عليه. بل ظاهر التذكرة وعن نهاية الأحكام الإجماع على أنه لا يصلى على المدفون إذا كان قد صلي عليه قبل دفنه. وإن كان هو خلاف ظاهر كلام جماعة من الأصحاب.

وفيه: أنه - مع عدم الشاهد عليه - تأباه بعض النصوص من الطائفتين معاً، لظهور خبري مالك وعمرو من نصوص الجواز في أن المعيار فوت الصلاة على من يريدها، لا فوت أصل الصلاة على الميت. وأما نصوص المنع فمن الظاهر أن كبرى عدم الصلاة على المدفون قد سيقت في موثق عمار الأول ومرسل محمد بن أسلم في مقام تعليم كيفية الصلاة على العاري الذي لم يصل عليه، فلا مجال لحمل الكبرى المذكورة على خصوص من صلي عليه. كما أن موثق عمار الثاني وارد في من لم يصل عليه، بناء على ما سبق من ظهوره في أن عدم الصلاة عليه لمضي محلها، لا لإجزاء الصلاة عليه مقلوباً. وأما حديثه الثالث فهو كالصريح في العموم لمن لم يصل عليه، كما هو مقتضى (إن) الوصلية.

الثاني: حمل الطائفة الأولى على الجواز، والثانية على نفي الوجوب، كما يناسبه ما حكي عن جماعة من الحكم بالجواز مطلقاً، بل عن المنتهى والتحرير التصريح بالاستحباب فيمن لم يصل عليه وفيمن صلي عليه إذا أراد الصلاة عليه من لم يصل عليه.

لكنه مما تأباه بعض نصوص المنع، كالحديثين الأخيرين، لصراحة حديث عمار في العموم لمن صلي عليه وقوة ظهور حديث يونس في إرادته، ومن الظاهر أن من صلي عليه لا يحتمل وجوب الصلاة عليه، بل الجواز لاغير، فالنهي فيهما لابد أن

ص: 318

يكون لبيان عدم الجواز وعدم مشروعية الصلاة.

الثالث: حمل نصوص الجواز على ما قبل مضي اليوم والليلة ونصوص المنع على ما بعد ذلك، كما احتمله في التهذيبين. وربما جعل الحدّ ثلاثة أيام. لمرسلة الخلاف قال: "ومن فاتته الصلاة جاز أن يصلي على القبر يوماً وليلة. وقد روي ثلاثة أيام... دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، أوردناه في الكتابين المقدم ذكرهما" ولم يورد في التهذيبين إلا بعض نصوص كل واحدة من الطائفتين.

لكن لا شاهد على الجمع المذكور إلا مرسلة الخلاف التي لا جابر لضعفها، لعدم ظهور عمل الأصحاب بها، قال في مفتاح الكرامة: "وقد اعترف المحقق ومن تأخر عنه بعدم العثور على المستند في هذه التحديدات. وكأنهم لم يلتفتوا إلى رواية الخلاف" .ومع أن أكثر نصوص الطائفة الثانية، أو جميعها تأبى الجمع المذكور، فإنها كالصريحة في النهي عن الصلاة بمجرد الدفن.

الرابع: حمل نصوص الجواز على الدعاء ونصوص بالمنع على الصلاة المشروعة المعهودة كما احتمله الشيخ في التهذيبين وحكي عن المحدث البحراني الميل إليه. وقد يناسبه حديث محمد بن مسلم أو زرارة: "قال: الصلاة على الميت بعدما يدفن إنما هو الدعاء. قال: قلت فالنجاشي لم يصل عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: لا إنما دعا له" (1) وفي خبر جعفر بن عيسى: "قدم أبو عبد الله (عليه السلام) مكة فسألني عن عبد الله بن أعين، فقلت: مات، قال: مات؟ قلت: نعم. قال: فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلي عليه قلت: نعم قال: لا، ولكن نصلي عليه ههنا، فرفع يديه يدعو، واجتهد في الدعاء وترحم عليه"(2).

لكن الإنصاف أنه لا يناسب أكثر نصوص الجواز، فصحيح هشام بن سالم قد تضمن الترخيص في الصلاة بعد الدفن، ولا يحتمل عدم مشروعية الدعاء حينئذ، لينبه على الترخيص فيه، وخبرا مالك مولى الحكم وعمرو بن جميع، قد تضمنا المقابلة بين

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5، 4.

ص: 319

الصلاة قبل الدفن والصلاة بعده، وهي تقتضي وحدة المراد بهما، وخبر القلانسي قد تضمن التكبير على القبر، الذي هو معتبر في الصلاة المعهودة، لا في الدعاء، كما لا يخفى.

ومثله ما احتمله في الاستبصار من حمل نصوص الجواز على ما إذا وضع في القبر ولم يوارَ في التراب، وحمل نصوص المنع على ما إذا ووري به. فإنه بعيد عن نصوص الجواز جداً. كما لعله ظاهر.

ومن هنا كان الظاهر استحكام التعارض بين النصوص. ولا ينبغي الإشكال في رجحان الطائفة الثانية، لأنها أكثر وأشهر رواية، وقد وردت في مناسبات مختلفة، فهي أبعد عن احتمال التقية. ولا أقل من تساقط الطائفتين والرجوع لأصالة البراءة من وجوب الصلاة عليه لو لم يصل عليه قبل الدفن، بل أصالة عدم مشروعيتها مطلقاً صلى عليه أم لا.

وما قيل من حمل نصوص المنع على التقية، لموافقتها للمحكي عن أبي حنيفة الذي غالب العامة على فتاواه. في غير محله فإنه وإن حكى في التذكرة عن أبي حنيفة إطلاق المنع من الصلاة على القبر فيمن دفن قبل الصلاة عليه، إلا أنه حكى عنه بعد ذلك أنه يصلي عليه الولي إلى ثلاث، ولا يصلى عليه غيره بحال.

كما حكي الصلاة عليه عن أبي موسى الأشعري وابن عمرو وعائشة والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة على اختلاف منهم في الإطلاق والتقييد والتحديد، من دون أن يظهر موافق منهم لنصوص المنع. فهي أبعد عن التقية، ولاسيما بملاحظة ما سبق.

ومثله دعوى هجر الأصحاب لنصوص المنع، لإطباقهم على الجواز إلى يوم وليلة، أو ثلاثة أيام، أو إلى أن تغيير صورته، أو مادام الميت موجوداً، أو مطلقاً، فتسقط عن الحجية، ويتعين العمل بنصوص الجواز.

لاندفاعها بأن كلام الأصحاب في غاية الاضطراب فتوى ودليلاً. فإن نصوص الجواز مطلقة، ولا يظهر منهم عامل بمضمونها من القدماء عدا الصدوق في

ص: 320

الفقيه، حيث ذكر بعضها من دون أن يعقب عليه، وحكي عن ظاهر الحسن. وبقية الأصحاب بين من فصل بين من لم يصل عليه ومن صلي عليه، ومن حكم بالجواز دون الوجوب، ومن فصل بين مضي يوم وليلة أو ثلاثة أيام وعدم مضيها، وغير ذلك مما يحتمل أن يبتني على الجمع بين النصوص، كما أشرنا إليه آنفاً، وصرح به بعضهم، من دون أن يظهر منهم هجر نصوص المنع.

بل يظهر من التذكرة إهمال نصوص الجواز والعمل بنصوص المنع بعد تقييدها بدليل التحديد بيوم وليلة أو ثلاثة أيام. قال:" ولا تجوز الصلاة بعدها، لأنه بدفنه خرج من أهل الدنيا فساوى من قُبِر في قبره، خرج المقدر بالإجماع، فيبقى الباقي على الأصل. ولقول الكاظم (عليه السلام): لا تصل على المدفون، خرج ما قدرناه بالإجماع، فيبقى الباقي ".ونحوه عن المنتهى. وربما يكون ذلك هو الوجه عند غيره. كما أنه بل تقدم من الشيخ احتمال حمل أخبار الجواز على ما إذا لم يوار بالتراب، أو على الدعاء، وهما راجعان إلى إهمالها، والعمل بنصوص المنع.

كما أنه يمكن استنادهم بعد اضطراب النصوص لوجوب الصلاة على من لم يصل عليه بعموم وجوب الصلاة، ولجوازها على من صلي عليه ومشروعيتها بقاعدة التسامح في أدلة السنن. ومع ذلك كيف يمكن دعوى انفراد نصوص الجواز بالحجية، وسقوط نصوص المنع بالإعراض؟!.

ومن هنا كان الظاهر عدم مشروعية الصلاة بعد الدفن، عملاً بنصوص المنع، أو بالأصل وهو المطابق للسيرة، المناسب للمرتكزات. وحينئذٍ لا يؤتى بها إلا برجاء المطلوبية.

هذا ولو دفن الميت بغير صلاة أصلاً - لعذر أو تقصير - أو مع بطلان الصلاة عليه، فإن تعذر نبشه، لاستلزامه محذوراً أهم من ترك الصلاة عليه، فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الصلاة على القبر، كما سبق.

أما لو أمكن نبشه فمقتضى القاعدة وجوبه، لولا ظهور بعض نصوص المنع

ص: 321

ما لم يتلاش بدنه (1).

المتقدمة في عدم وجوبه، مثل ما ورد في الصلاة على العريان، فإن المتيقن من مورد السؤال فيه ما إذا لم يصل على الميت، فعدم التنبيه فيه للنبش ظاهر في عدم وجوبه وكذا قوله (عليه السلام) في موثق عمار المتقدم:" الميت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلي عليه "فإنه كالصريح - بمقتضى (إن) الوصلية - في العموم لمن لم يصل عليه، كما تقدم. وظاهره سقوط الصلاة بالدفن، بحيث لا تجب بعده ولو بشرط النبش. وكذا موثقه المتقدم فيمن صلى عليه مقلوباً، فإن عدم الخصوصية عرفاً لمورده قريب جداً. ومن هنا يشكل وجوب النبش من أجل الصلاة. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) كما عن مجمع البرهان. قيل ولعله إليه يرجع ما عن الحسن من أنه يصلى عليه ما لم يعلم تغير صورته. وإن كان هو خلاف ظاهره. نعم قد يكون هو المراد ممن أطلق أو صرح بعدم التحديد، لأن المنصرف منه كون الصلاة على القبر بلحاظ كون الميت فيه، لتكون صلاة على الميت.

ومن ثم لا مجال لاستفادة مشروعية الصلاة بعد ذلك من إطلاق نصوص الجواز لو كانت هي المرجع. ولاسيما وأن الموضوع في بعضها الصلاة على الميت، لا الصلاة على القبر.

وأما التحديد بيوم وليله - كما عن المفيد وجماعة كثيرة، ونسبه للمشهور جماعة، بل في الغنية وظاهر التذكرة الإجماع عليه - فلا يعرف مستنده، كما صرح بذلك جماعة. نعم تقدم في مرسلة الخلاف التحديد بثلاثة أيام. وظاهره - كصريح المراسم - العمل بها. ولا يسعنا ذلك.

ص: 322

(323)

(مسألة 51): يستحب أن يقف الإمام والمنفرد (1) عند وسط الرجل وصدر المرأة (2).

(1) وأما المأموم فلا إشكال في عدم استحباب ذلك له، بل يتبع طول الصف.

(2) كما ذكره غير واحد، وفي كشف اللثام أنه قول الأكثر، وفي المدارك أنه قول المعظم، وفي المختلف وعن غيره أنه المشهور، بل في الغنية وعن ظاهر المنتهى الإجماع عليه، ونفى الخلاف فيه صريحاً في الثاني.

ويقضيه صحيح عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها، ويكون مما يلي صدرها، وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه "(1) وقريب منه خبر جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم من الرجال بحيال السرة، ومن النساء من دون ذلك قبل الصدر"(2).

ولكن في معتبر موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: "إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها، وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره"(3) ، ونحوه معتبر الجعفريات ومرسل دعائم الإسلام في بيان صلاة النبي(4) (صلى الله عليه وآله وسلم). وظاهر الاستبصار العمل بمضمونها، وحمل الحديثين الأولين عليها. وإن لم يتضح وجه الجمع الذي ذكره.

هذا وقد يكون مقتضى الجمع بينها وبين مرسل عبد الله بن المغيرة حملها على أفضلية الوقوف عند رأس المرأة وصدر الرجل، وحمل المرسل على عدم كراهة الوقوف عند صدر المرأة ولا في وسط الرجل.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 27، 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2، 3.

ص: 323

(324)

(مسألة 52): إذا اجتمعت جنائز متعددة جاز تشريكها بصلاة واحدة (1)، فتوضع الجميع أمام المصلي مع المحاذاة بينها. والأولى مع اجتماع

نعم هو مخالف لظاهر خبر جابر، لظهور مداومة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على وجه في أفضليته. لكنه ضعيف السند معارض في حكاية فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحديثي الجعفريات والدعائم المشار إليهما.

هذا وفي الخلاف:" السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل وصدر المرأة. دليلنا إجماع الفرقة "،وحكاه في المختلف عن علي بن بابويه والد الصدوق. ويشهد له خبر جابر:" سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: وإذا ماتت المرأة وقف المصلى عليها عند صدرها، ومن الرجل إذا صلى عليه عند رأسه "(1) لكنه ضعيف سنداً معارض بما سبق، ومخالف للاعتبار.

وفي الفقيه والهداية إطلاق الأمر بالوقوف عند الرأس، وفي المقنع إطلاق الأمر بالوقوف عند الصدر. ولم يعرف مستندهما.

(1) بلا إشكال ظاهر، وعن المنتهى والمفاتيح: لا نعرف خلافاً في إجزاء الصلاة الواحدة. بل ربما قيل إنه أفضل، لما فيه من التعجيل، ولموثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام):" في الرجل يصلي على ميتين أو ثلاثة موتى كيف يصلي عليهم؟ قال: إن كان ثلاثة أو اثنتين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصل عليهم صلاة واحدة..."(2).

لكن استلزامه التعجيل - خصوصاً في الدفن الذي هو مندوب - غير مطرد. والأمر في الموثق قد يكون وارداً لدفع توهم المنع.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر السؤال طلب معرفة كيفية الصلاة للجهل المطلق بها، من دون إشعار باحتمال المنع، فيكون ظاهر الأمر في الجواب الحث على التشريك

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

ص: 324

الرجل والمرأة أن يجعل الرجل أقرب إلى المصلي (1)، ويجعل صدرها محاذي

ورجحانه.

نعم لا إشكال ظاهراً في عدم وجوبه، كما صرح به غير واحد. بل في المبسوط والتذكرة وعن السرائر ونهاية الأحكام أن الإفراد أفضل. لأن صلاتين أفضل من صلاة، ولأن القصد بالتخصيص أولى منه بالتعميم. لكنهما كما ترى. ولاسيما بعدما سبق من ظهور الموثق في رجحان التشريك.

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب، وفي الخلاف أن عليه إجماع الطائفة، بل جميع الفقهاء إلا ابن المسيب، ونحوه في المعتبر، إلا أنه استثنى ابن المسيب والحسن البصري، وعن المنتهى أنه مذهب العلماء كافة.

ويشهد له النصوص، كصحيح زرارة والحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال في الرجل والمرأة كيف يصلى عليهما؟ قال: يجعل الرجل وراء المرأة، ويكون الرجل مما يلي الإمام" (1) وغيره.

لكن في موثق عبد الرحمن: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت. قال: يقدم الرجال في كتاب علي(2) (عليه السلام)، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر [أبي عبد الله] (عليه السلام):" سألته كيف يصلى على الرجال والنساء؟ قال: توضع الرجال مما يلي الرجال، والنساء خلف الرجال"(3).

ولا يبعد حملها بقرينة النصوص السابقة على تقديم الرجال لجانب الإمام، لا بلحاظ سمت القبلة، كما يناسبه ما في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): "سألته عن الرجال والنساء كيف يصلي عليهم؟ قال: الرجل أمام النساء مما يلي الإمام يصف بعضهم على أثر بعض" (4) ومرسلة الخلاف: "فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الإمام والمرأة وراءه"(5). وإن كان قد ينافيه ما يأتي في صحيح الحلبي، ويأتي

********

(1و2و3و4و5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10، 4، 9، 1، 11.

ص: 325

(326)

لوسط الرجل (1). ويجوز جعل الجنائز صفاً واحداً، فيجعل رأس كل واحد عند إلية الآخر شبه الدرج (2) ويقف المصلي وسط الصف، ويراعي في الدعاء بعد التكبير الرابع تثنية الضمير وجمعه.

الكلام فيه.

نعم لا إشكال في عدم وجوب ذلك وعن المنتهى والمفاتيح نفي الخلاف فيه. كما يشهد به صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: لا بأس أن يقدم الرجل وتؤخر المرأة، ويؤخر الرجل وتقدم المرأة. يعني في الصلاة على الميت"(1).

(1) كما ذكره غير واحد، معللين إياه بإدراك الاستحباب المذكور في المسألة السابقة بالنسبة إلى كل منها. وهو موقوف على إطلاق دليل الاستحباب المذكور لما إذا صلي على جنائز متعددة، كما ادعاه في الجواهر، وهو غير ظاهر، بل لا يناسب ما يأتي في الصورة الثانية من كون التدرج بنحو يكون رأس كل ميت عند ورك الآخر.

(2) كما في موثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام):" في الرجل يصلي على ميتين أو ثلاثة موتى كيف يصلي عليهم؟ قال: إن كان ثلاثة أو اثنتين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصل عليهم صلاة واحدة، يكبر خمس تكبيرات كما يصلي على ميت واحد. ومن [قد] صلى عليهم جميعاً يضع ميتاً واحداً ثم يجعل الآخر إلى إلية الأول ثم يجعل رأس الثالث على إلية الثاني شبه الدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا، فإذا سواهم هكذا قام في الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على ميت واحد. سئل: فإن كان الموتى رجالاً ونساءً؟ قال: يبدأ بالرجال فيجعل راس الثاني إلى إلية الأول حتى يفرغ من الرجال كلهم، ثم يجعل رأس المرأة إلى إلية الرجل الأخير، ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى إلية المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم، فإذا سوى هكذا قام في الوسط وسط الرجال، فكبر وصلى عليهم كما يصلي على ميت واحد "(2) وفي موثق

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6، 2.

ص: 326

سماعة:" سألته عن جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت. فقال: يقدم الرجل قدام المرأة قليلاً وتوضع المرأة أسفل من ذلك قليلاً عند رجليه. ويقوم الإمام عند رأس الميت فيصلي عليهما جميعاً"(1). وفي صحيح الحلبي: "سألته عن الرجل والمرأة يصلى عليهما؟ قال: يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة، فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره، ويكون رأسها أيضاً مما يلي يسار الإمام، ورأس الرجل مما يلي يمين الإمام"(2). ومقتضى صحيح الحلبي كون الأقرب للإمام عند ورك الأبعد. وبه يقيد الموثقان.

نعم هو لا يناسب ما سبق من استحباب كون الرجل أقرب للمصلي. ودعوى: أنه وارد في صورة جعل الجنائز صفاً واحداً شبه المدرج، وتلك واردة في صورة جعلها صفوفاً متحاذية. مدفوعة بأنه لا يظهر من نصوص تقريب الرجل للمصلي، ولا من فتوى الأصحاب بذلك، خصوص صورة المحاذاة، بل هي واردة لبيان حكم اجتماع موتى الرجال والنساء مطلقاً.

ومثلها دعوى: الاقتصار فيما تضمنه من تقريب المرأة للمصلي على مورده، وهو ما إذا اجتمع الرجل الواحد مع المرأة الواحدة، دون ما زاد على ذلك. لاندفاعها بأن المناسبات الارتكازية تقتضي إلغاء خصوصية المورد المذكور عرفاً. فتأمل. ومن ثم يشكل التعويل على صحيح الحلبي في ذلك.

ولعله لذا كان ظاهر التذكرة إهماله، حيث ذكر أن الأبعد يكون عند ورك الأقرب، المستلزم لكون كل منهم عند ورك الآخر مما يلي يمينه، لا كما تضمنه الصحيح من كونه مما يلي يساره. وكأنه حمل الموثقين على ذلك بضميمة ما تضمن استحباب كون الرجل أقرب، كما قد يشير إليه قوله (عليه السلام) في موثق سماعة:" ويقوم الإمام عند رأس الميت "،بحمل الميت فيه على الرجل. والأمر سهل بعد كون الحكم استحبابياً.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 8، 7.

ص: 327

(328)

(مسألة 53): يستحب في صلاة الميت الجماعة (1)

هذا والتدرج المذكور مستلزم لخروج بعض الموتى مع كثرتهم عن محاذاة المصلي، ولبعد الإمام عن الميت المحاذي له، لو تأخر عنهم جميعاً، وتقدمه على طرف الصف لو كان قريباً منه. لكن لا مجال لرفع اليد عن نصوصه لأجل ذلك، بل يتعين البناء على عدم البأس بذلك لأجلها.

ومن هنا لا يبعد البناء على لزوم تأخر المصلي عن جميعها وإن بعُد عن الميت المحاذي له، لأهمية التأخر ارتكازاً. فتأمل جيداً.

(1) قال في مفتاح الكرامة:" الإجماع على استحبابها مستفيض، بل كاد يكون متواتراً، كما يعلم ذلك من تتبع أحكام الصلاة على الجنازة جماعة".

أقول: أما شرعية الجماعة فيها فيشهد بها - بعد ظهور مفروغية الأصحاب عنها وسيرة المتشرعة المتصلة بعصور المعصومين (عليهم السلام) - سبر النصوص، مثل ما ورد في الصلاة على آدم(1) (عليه السلام)، وما ورد في الصلاة على سهل بن حنيف من طلب الناس الصلاة عليه فيصلي عليه أمير المؤمنين، حيث لا تصلح صلاته لإجابة طلبهم إلا أن يكون إماماً لهم(2) ، ونحوه ما تضمن طلب الناس من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعيد الصلاة على جنازة لم يدركوا الصلاة عليها(3) ، وما ورد في الصلاة على فاطمة بنت أسد(4) ، وعلى رسول الله(5) (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما تضمن الصلاة خلف أبي عبد الله(6) (عليه السلام)،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5، 6.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 13.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 328

وما ورد في تكبير الرجل قبل الإمام(1) ، وفي المسبوق ببعض التكبيرات(2) وفيما إذا انكشف أن الميت مقلوب بعد فراغ الإمام من الصلاة(3) وفيمن تفجأه الجنازة وهو على غير طهر من أنه يكبر معهم(4) ، وفي صلاة الحائض والجنب(5) ، وفي إمامة النساء في صلاة الجنازة(6) ، وما ورد من أن خير الصفوف في الجنائز المؤخر(7) ، وفي إجزاء صلاة المفرد(8) وفي تشريك الجنائز بصلاة واحدة(9).

وأما استحبابها فهو - مع قضاء مرتكزات المتشرعة به - مقتضى ما تضمن فضل الجماعة، لأن ذلك وإن ورد في الصلاة اليومية ونحوها، أو كان المتيقن منه ذلك، إلا أن المفهوم منه عرفاً قيام الفضيلة بخصوصية الجماعة من حيث هي. بل قد يستفاد ذلك مما تضمن أن أفضل المواضع في الصلاة على الميت المؤخر، حيث لا يبعد ظهوره في المفروغية عن فضيلة الجماعة، وأن الأمر الذي يحتاج للبيان التفاضل بين الصفوف. ولاسيما بلحاظ موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خير الصفوف في الصلاة المقدم وخير الصفوف في الجنائز المؤخر..."(10). فإن المقابلة بين الجماعتين في الخصوصية المذكورة يناسب المفروغية عن اشتراكهما في الفضيلة... إلى غير ذلك مما قد يظهر بالتأمل.

بل نسب إلى غير واحد أنه لو امتنع الولي عن الإذن فيها سقط اعتبار إذنه. قال

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب صلاة الجنازة.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 17 من أبواب صلاة الجنازة.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب صلاة الجنازة.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة.

(6) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة.

(7) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 29 من أبواب صلاة الجنازة.

(8) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 28، 33 من أبواب صلاة الجنازة.

(9) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب صلاة الجنازة.

(10) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 29 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 329

في محكي الذكرى: "لإنطباق الناس على صلاة الجنازة جماعة من عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الآن، وهو يدل على شدة الاهتمام، فلا يزول هذا المهم بترك إذنه".

لكن المراد بذلك إن كان سقوط اعتبار إذنه لو لم يأذن إلا لمن ليس أهلاً للإمامة في الصلاة أو في وقت أو مكان أو حال لا تتسنى فيها الجماعة، فهو خلاف إطلاق أدلة الولاية، كمرسلي ابن أبي عمير والبزنطي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب" (1) وخبر إسحاق بن عمار عنه (عليه السلام): "قال: الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها" (2) وغيرهما. ومجرد أهمية الجماعة لا يقتضى الخروج عن ذلك، بعد أن لم تكن واجبة.

قال في الجواهر: "واحتمال أن ولايته نظراً للميت، فمع عدم إذنه في الجماعة خيانة للميت ومناف لصلاحه، فلا يعتبر. ضعيف، بل مخالف لظاهر الأدلة" .ولم يتضح كون مبنى الولاية في المقام على مراعاة مصلحة الميت، بل لعله لتكريم الولي ومنع التشاح في تطبيق أحكام الميت.

وإن كان المراد سقوط اعتبار إذنه لو لم يأذن في الإئتمام بالمأذون له إذا كان أهلاً للإمامة أشكل بعدم وضوح عموم الولاية للائتمام حتى تسقط بالامتناع، بل المتيقن منها تقدم المصلي للصلاة فرادى أو إماماً، لأن ذلك هو المنصرف من أدلتها، كما هو مقتضى المقابلة بين صلاة الولي وصلاة من يأمره، مع وضوح غلبة مصاحبة صلاة المأموم لصلاة كل منهما. وهو المناسب للسيرة والمرتكزات جداً.

بل لا يبعد اختصاصها بالصلاة الأولى التي بها يسقط الفرض، دون المعادة على الميت أو على القبر - لو كانت مشروعة - بل هي ارتكازاً محض خير للمصلي والميت لا يرجع فيها للولي، كسائر الخير الذي يوصل به.

هذا وفي جامع المقاصد: "لا يخفى إذن الولي إنما يعتبر في الجماعة، لا في أصل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

ص: 330

(331)

ويعتبر في الإمام أن يكون جامعاً لشرائط الإمامة على الأحوط وجوباً إن لم يكن أقوى (1). بل الأحوط وجوباً اعتبار شرائط الجماعة من انتفاء

الصلاة، لوجوب ذلك على الكفاية، فكيف يناط برأي أحد من المكلفين. فلو صلوا فرادى بغير إذن أجزأ" .وهو كما ترى، لأن عدم إناطة أصل الصلاة برأي أحد المكلفين لا ينافي إناطة خصوصياتها في الجماعة والفرادى برأي الولي، كما هو مقتضى إطلاق أدلة الولاية. وجواز التقدم للصلاة فرادى من دون إذنه مناف للإطلاق المذكور. نعم إجزاؤها لو وقعت بقصد القربة غفلة عن الحرمة غير بعيد، كما هو الحال في جميع موارد مخالفة مقتضى الولاية، على ما تقدم الكلام فيه في فروع مباحث الولاية في المسألة الثانية من الفصل الثاني في الغسل.

هذا ولا إشكال في عدم شرطية الجماعة بل ادعى عليه الإجماع في التذكرة وكشف اللثام ومحكي نهاية الأحكام وغيرها. ويقتضيه إطلاق أدلة وجوبها بعد ثبوت شرعيتها فرادى. وهو صريح خبر اليسع بن عبد الله القمي: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عن الرجل يصلي على جنازة وحده، قال: نعم. قلت: فاثنان يصليان عليها؟ قال: نعم، ولكن يقوم الآخر خلف الآخر، ولا يقوم بجنبه"(1) ، وما في خبر موسى بن يحيى من قول الإمام الكاظم (عليه السلام) ليحيى:" وصل عليّ أنت وأوليائي فرادى"(2). كما أنه ظاهر بعض نصوص تكرار الصلاة قبل الدفن أو بعده، وغير ذلك.

(1) كما صرح به في الشرايع والنافع والقواعد في إمامة الولي، وظاهر جملة من شروحها المفروغية عنه، بل في الرياض نفي وجدان الخلاف فيه، وفي المعتبر والذكرى وعن المنتهى أن عليه اتفاق علمائنا. واستدل بإطلاق أدلة اعتبارها في جواز الإقتداء.

وعن الذخيرة الإشكال فيه بعدم كونها صلاة حقيقة، فلا يعتبر فيها ما يعتبر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 28 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 33 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 331

في الصلاة. على أنه لو فرض إطلاق الصلاة عليها وكونها من أفرادها الحقيقية فلا يبعد انصراف إطلاقات أحكامها عنها، كما يناسبه المقابلة بينها وبين الصلاة في بعض النصوص، كموثق السكوني المتقدم المتضمن أن أفضل الصفوف المتأخر.

ومن ثم حكي عن السيد الطباطبائي (قدس سره) في منظومته عدم اعتبار عدالة الإمام وغيرها هنا. وعن كاشف الغطاء: "وفي اشتراط قيامه لو أمّ قائمين مع عجزه عن القيام، وطهارته بالماء لو أم متطهرين به، وعدم ارتفاع مقامه بما يعتد به على المأمومين وجهان، أقواهما العدم. أما الرقية والجذام ونحوه وسلامة اللسان من الآفة فلا مانع منها بلا شبهة".

لكن هذا إنما يتجه لو كان الاستدلال بإطلاق أدلة شروط الجماعة في الصلاة، وليس هو ظاهر جامع المقاصد، بل ظاهره الاستدلال بإطلاق أدلة اعتبارها في مطلق الإقتداء، إذ لا ريب بعد النظر في نصوص مشروعية الجماعة في صلاة الجنازة المشار إليها آنفاً كونها مبنية على الإقتداء، كالصلاة اليومية، ولذا تضمنت عناوين الإمام والمأموم ونحوهما مما يتفرع على الإقتداء، لا على مجرد الاجتماع والاشتراك في أداء العمل الواحد. ويستفاد الإطلاق المذكور من معتبر الفضل عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون: "لا يقتدى إلا بأهل الولاية" (1) ونحوه حديث الأعمش عن الصادق(2) (عليه السلام) وفي خبر أبي ذر: "قال إن إمامك شفيعك إلى الله عز وجل فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً"(3) ، بناءً على أنه رواية منه عن المعصوم (عليه السلام) لا قول له، وإلا أمكن أن يكون من الآداب التي يرشد إليها ويحث عليها بعد أن لم يكن له التشريع. وخبر الأصبغ قال:" سمعت علياً (عليه السلام) يقول: ستة لا يؤمون الناس منهم شارب النبيذ والخمر "(4) ونحوه خبره الآخر(5) وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال:

********

(1) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 11.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6، 2، 11.

(5) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

ص: 332

خمسة لا يؤمون الناس على كل حال. وعدّ منهم المجنون وولد الزنا"(1).

اللهم إلا أن يدعى انصراف الإطلاقات المذكورة للإقتداء في الصلاة المعروفة، لأنها مورد الغرض المهم من الجماعة. ولاسيما بملاحظة السياق في بعضها كقوله (عليه السلام) في خبر الأعمش المتقدم إليه الإشارة: "ولا صلاة خلف الفاجر، ولا يقتدى إلا بأهل الولاية" ومشابهة ألسنتها لما ورد في الصلاة وغير ذلك. على أنها غير عامة لجميع شروط الإمامة في الصلاة.

نعم قد يتمسك بالإطلاق المقامي لنصوص الجماعة في صلاة الميت، إذ حيث كانت الجماعة متقومة بالإعتبار المخترع للشارع، ومن دون أن تؤخذ من العرف، ولم يكن لها شرح من الشارع إلا في جماعة الصلاة اليومية ونحوها كان المفهوم عرفاً من أدلتها في المقام الرجوع في تشخيصها لما ورد من الشارع في تلك الصلاة. ولاسيما مع سوقها معها في بعض نصوص المقام في مساق واحد، مثل موثق السكوني المتقدم، وصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): "قلت المرأة تؤم النساء؟ قال: لا إلا على الميت..."(2).

على أنه يكفي في ذلك الأصل، لأن الجماعة لما كانت متقومة بالاعتبار، فهو مسبوق بالعدم ومقتضى الاستصحاب عدم تحققه في غير مورد الشروط المذكورة.

نعم قد لا يناسب ذلك السيرة، لما هو المعلوم من شيوع الجماعة في الصلاة على الميت في عصور المعصومين (عليهم السلام)، فلو كان البناء على التقيد بشروط الجماعة - خصوصاً شروط الإمام وعمدتها العدالة - لكثر التوقف عنها من الشيعة وظهر. ولكثر السؤال عن ذلك وعن فروعه، كما ورد في الصلاة اليومية، مع أن نصوصها لم تتضمن شيئاً من ذلك.

بل يظهر منها الجري على المعهود من الدخول في الجماعة من دون كلفة، كم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 25 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

ص: 333

البعد والحائل، وأن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين (1)،

يظهر بأدنى سبر لها كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام):" سألته عن الرجل تفجأه الجنازة وهو على غير طهر. قال: فليكبر معهم"(1) ، وحديث اليسع المتقدم، ونصوص صلاة الحائض الآمرة بأن تقف وحدها بارزة عن الصف(2) وغيرها. بل يصعب جداً حمل نصوص صلاة الولي أو أمره من يحب على ما إذا كان جامعاً للشرائط أو يصلي منفرداً. ومن هنا كان الظاهر عدم اعتبار العدالة في الإمام في هذه الصلاة. وكذا سائر الشروط مما كان مذهب العامة وسيرتهم على عدم اعتباره.

كما أن الظاهر عدم اعتبار الطهارة بالماء لو كان المأمومون متطهرين به، وإن قيل بشرطية ذلك في الإمامة في الفرائض، لأن المناسبات الارتكازية تقضي بأن شرطيتها فيها بلحاظ شرطيتها في الصلاة، لئلا تكون صلاة الإمام دون صلاة المأمومين فريضياً، ولا يجري ذلك في المقام حيث لا تعتبر الطهارة أصلاً، وإنما هي مستحبة فالمقام نظير صلاة الملتزم ببعض آداب الصلاة خلف من لا يلتزم بها. بل إطلاق أدلة عدم اعتبار الطهارة في صلاة الأموات من دون تنبيه إلى اعتبارها في صلاة الإمام حال طهارة المأمومين مع الغفلة عنه ظاهر في عدم اعتبارها أصلاً ولو كانت ترابية.

ومثلها عدم الآفة في النطق، لعدم تحمل الإمام عن المأموم شيئاً.

نعم لا يبعد عدم صحة إمامة الجالس للقائمين، لخروجها عن المتيقن من السيرة، فلا مخرج عن استصحاب عدم انعقاد الجماعة معها. فلاحظ والله سبحانه وتعالى العالم.

(1) هذا وما قبله مقتضى الأصل المتقدم بعد عدم وضوح المخرج عنه من سيرة أو غيرها.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 25 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 5 باب: 25 من أبواب صلاة الجماعة.

ص: 334

(335)

وغير ذلك (1).

(مسألة 54): إذا حضر شخص في أثناء صلاة الإمام كبّر مع الإمام (2)،

(1) لم يذكر في شروط الجماعة زائداً على الثلاثة المتقدمة عدا عدم تقدم المأموم على الإمام، بل الأحوط عدم مساواته له. والظاهر أن ذلك مقتضى السيرة بل هو مقتضى التعبير بالتقدم في جملة من النصوص، منها: نصوص الصلاة على آدم (عليه السلام) كصحيح عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام): "أنه قال: لما مات آدم (عليه السلام) فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة الله لجبرئيل: تقدم يا رسول الله فصل على نبي الله. فقال جبرئيل: إن الله أمرنا بالسجود لأبيك، فلسنا نتقدم أبرار ولده، وأنت من أبرهم، فتقدم فكبر عليه خمساً..." (1) وغيره. وما ورد في الصلاة على النبي(2) (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما ورد في صلاة النساء من الأمر بأن تقوم أحداهن في الوسط، ولا تتقدم عليهن(3) لظهوره في ابتناء الإئتمام في الرجال على التقدم في الجملة، وصحيح اليسع المتقدم الأمر بالتقدم(4) فإن لم ينهض ذلك كله بإثبات الوجوب فلا أقل من كونه مقتضى الأصل المتقدم.

(2) لا إشكال في جواز دخوله في أثناء الصلاة، وفي الجواهر: "بلا خلاف فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه" .بل ظاهر الخلاف إجماع المسلمين عليه، وأن الخلاف بينهم في فروع ذلك. ويقتضيه النصوص الكثيرة المتضمنة قضاء ما فاته من التكبير(5) الآتي بعضها.

هذا وقد صرح في الخلاف والتذكرة وغيرهما بأن له الدخول بين التكبيرتين في أثناء الدعاء، ولا ينتظر التكبير، بل في الخلاف الإجماع عليه. واستدل له في الجواهر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 13.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 28 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 17 من أبواب الصلاة على الجنازة.

ص: 335

بإطلاق نصوص المسبوق. لكن غالب النصوص المذكورة واردة في بيان أصل القضاء أو كيفيته، لا في كيفية الدخول.

كما استدل بعض مشايخنا بصحيح العيص: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدرك من الصلاة تكبيرة. قال: يتم ما بقي" (1) بدعوى: أنه من البعيد حمله على الدخول عند التكبيرة الخامسة، بل لابد من حمله على الدخول قبلها عند الدعاء.

ويشكل - مضافاً إلى أنه لا يختص بالصحيح المذكور، فقد تضمن صحيح الحلبي الآتي وخبر القلانسي(2) فرض إدراك تكبيرة أو تكبيرتين - بأن التعبير بإدراك التكبيرة ظاهر في الدخول حينها، فإن أمكن حمله على الأخيرة فهو وإن استبعد بلحاظ كونها ختام الصلاة فليحمل على الدخول في الرابعة، ولا يتضح الوجه في حملها على الدخول في أثناء الدعاء الأخير، ليكون كالنص في المطلوب.

نعم في خبر الدعائم عن جعفر بن محمد (عليهما السلام): "من سبق ببعض التكبيرات في صلاة الجنازة فليدخل معهم فليكبر، وليجعل ذلك أول صلاته" (3) ونحوه خبره الآخر عن علي(4) (عليه السلام) وإطلاقهما وافٍ بالمطلوب. إلا أن ضعف سندهما وعدم ظهور اعتماد الأصحاب عليهما مانع من الاستدلال بهما.

ومثله ما في كشف اللثام والجواهر من الاستدلال بإطلاق دليل الجماعة ولعله إليه يرجع ما في جامع المقاصد من الاستدلال بإطلاق الشرعية. لعدم وضوح الدليل المذكور، بعد أن لم يكن في غالب الصلوات التي تشرع فيها الجماعة إلا تكبيرة الإحرام وهي التكبيرة الأولى، التي لا إشكال في جواز الدخول بعدها ها هنا، وإنما الإشكال في موضع الدخول. نعم صلاة العيدين مشتملة على التكبيرات. إلا أن حمل صلاة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 17 من أبواب الصلاة على الجنازة حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 17 من أبواب الصلاة على الجنازة حديث: 1، 5.

(3) دعائم الإسلام ج: 1 ص: 282.

(4) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

ص: 336

وجعله أول صلاته (1)، وتشهد الشهادتين بعده، وهكذا يكبر مع الإمام ويأتي بما هو وظيفة نفسه، فإذا فرغ الإمام أتى ببقية التكبيرات (2)

الميت عليها قياس. وكذا تنزيل التكبيرات هنا منزلة الركعات في الفرائض. فالعمدة في الدليل عليه السيرة. ولاسيما مع ما هو المعلوم من أن كثرة المصلين كثيراً ما تستلزم عدم دخول بعضهم في التكبيرة الأولى إلا بعد مضي زمان معتد به من تكبيرة الإمام الأولى، كما أشار إليه في التذكرة.

(1) كما تضمنه خبرا الدعائم المتقدمان وهو المستفاد من صحيح العيص المتقدم وصحيح الحلبي وحديث على بن جعفر الآتيتين المتضمنة إتمام وقضاء ما بقي. وحينئذ يتعين التشهد في الأولى والمحافظة على ترتيب الأدعية على الوجه السابق، بناءً على اعتبار الترتيب المذكور في صلاة الميت.

نعم في خبر زيد الشحام: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة على الجنائز إذا فات الرجل منها التكبير أو الثنتان أو الثلاث قال: يكبر ما فاته"(1) ، ونحوه خبر جابر(2) ومقتضاهما قضاء ما فات أولاً ومتابعة الإمام في الأخيرة. لكن ضعف سندهما مانع من رفع اليد بهما عن الصحيحين. ولاسيما مع إمكان الجمع بحملهما على قضاء الفائت من حيثية عدد التكبير، لا من حيثية الدعاء بين التكبيرات.

بل لعل ذلك هو المتعين في جميع النصوص، لأن الترتيب إنما هو بين الأدعية لا بين التكبيرات، ويكون الوجه في المحافظة على الترتيب بين الأدعية حينئذ هو إطلاق أدلته الشامل للمقام، لا نصوص المقام.

هذا وأما بناءً على عدم اعتبار الترتيب بين الأدعية - كما تقدم - فلا موضوع لاختلاف النصوص.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب، بل في الخلاف والتذكرة ومحكي المعتبر

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، 4.

ص: 337

وغيرها الإجماع عليه. ويقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح العيص المتقدم وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام):" أنه قال: إذا أدرك الرجل التكبيرة أو التكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعاً "(1) وغيرها. وعن الذكرى نسبة ذلك للأشهر.

وظاهره وجود قول بعدم إتمام التكبيرات، ولم يعرف القائل بذلك. نعم قد يشهد له موثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام):" أن علياً (عليه السلام) كان يقول: لا يقضى ما سبق من تكبير الجنازة"(2). لكنه - مع عدم صراحته فيما نحن فيه

لا يصلح لمعارضته النصوص الأول التي هي أكثر عدداً، وأصح سنداً ومشهورة بين الأصحاب معول عليها عندهم.

ولعله وارد للتقية، لموافقته لجماعة من العامة، وإن لم يصلح ذلك للترجيح، لاختلافهم، بل الأشهر بينهم القضاء، وذلك يقتضي ترجيح الموثق، لولا هجره في نفسه، وكون الترجيح بشهرة الرواية مقدماً على الترجيح بمخالفة العامة.

هذا ولا يبعد ظهور الأمر في النصوص المتقدمة بالإتمام في الإرشاد لبيان مشروعية إكمال الصلاة، وعدم مشروعية الصلاة الناقصة. ولا أقل من احتمال ذلك، بحيث لا ظهور لها في وجوب الإتمام تعبداً بعد سقوط الفرض الكفائي بفراغ الإمام، بل قبله لو كانت صلاته معادة. وإلا فمن البعيد جداً وجوب إكمال الصلاة بالشروع فيها تعبداً.

لكن في كشف اللثام بعد أن تعرض لعموم وجوب القضاء: "ولا يعارض العموم سقوط الصلاة بفعل السابقين، فإن المسبوق لما ابتدأ كانت صلاته واجبة، ووجوبها مستمر إلى آخرها، وإلا لم يجب إتمام ما بقي من التكبيرات" .وظاهره حمل نصوص المقام على وجوب الإكمال وقد يستفاد من غيره وهو ممنوع لما سبق.

وأشكل منه ما في التذكرة من الاستدلال على وجوب الإتمام بأنه دخل في فرض فوجب إكماله. إذ فيه - بعد تسليم عموم وجوب إتمام الفرض -: أن مقتضى

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 6.

ص: 338

بلا دعاء (1). وإن كان الدعاء أحوط.

كون فرض الصلاة على الميت كفائياً سقوطه عن الكل بفراغ الأسبق وحينئذٍ يحتاج وجوب الإتمام للدليل.

وأشكل من الكل ما في الجواهر من أنه وإن لم يجب الإتمام، لسقوط فرض الكفاية، إلا أن العمل لا يخرج عن كونه من أفراد الواجب التي بها امتثاله. فراجع.

(1) كما عن الصدوق والشيخ وجماعة كثيرة، ونسبه في محكي المعتبر للأصحاب. ويشهد له صحيح الحلبي المتقدم المتضمن للقضاء متتابعاً. وبه يرفع اليد عن إطلاق أدلة اعتبار الدعاء بين التكبيرات.

لكن قيده العلامة وجماعة ممن تأخر عنه بما إذا خاف الفوت برفع الجنازة أو تغير هيئتها المعتبرة، ونسبه في محكي البحار للأكثر. وكأنه لحمل الصحيح على الغالب، من خوف الفوت، والرجوع في غيره لإطلاق دليل اعتبار الدعاء بين التكبيرات. لكنه لا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح الغلبة بالنحو الصالح لتقييد الإطلاق.

نعم قد يستدل له بصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام): "سألته عن الرجل يدرك تكبيرة أو تكبيرتين على ميت كيف يصنع؟ قال: يتم ما بقي من تكبيره، ويبادر رفعه، ويخفف"(1) ، بحمله على صورة إمكان الدعاء، وحمل صحيح الحلبي على صورة خوف الفوت. لكنه بلا شاهد.

وقد حمل بعضهم التخفيف على التتابع وترك الدعاء. وربما عكس الأمر، فحمل التتابع على تخفيف الدعاء. وكلاهما خلاف الظاهر.

والأولى حمل صحيح الحلبي على جواز التتابع، وحمل صحيح بن جعفر على استحباب الدعاء، مع التخفيف فيه إذا خيف رفع الجنازة. بل السكوت في بقية نصوص المقام عن التنبيه لترك الدعاء موجب ظهورها في مشروعيته، بنحو يناسب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 7.

ص: 339

(340)

(مسألة 55): لو صلى الصبي على الميت أجزأت صلاته إذا كانت صحيحة على الأقوى (1).

(مسألة 56): إذا كان الولي للميت امرأة جاز لها مباشرة الصلاة والإذن لغيرها، ذكراً كان أم أنثى (2).

حمل صحيح الحلبي على الجواز دون الوجوب.

(1) عملاً بالأصل. إذ بناء على ما هو الظاهر في حقيقة الوجوب الكفائي من أنه عبارة عن تكليف الكل بصرف الوجود للماهية الحاصل بفعل كل منهم، فاحتمال اعتبار كون المباشر للصلاة بالغاً راجع لاحتمال شرط زائد في المكلف به مدفوع بالأصل.

بل ربما يدفع بإطلاق ما تضمن الأمر بالصلاة على الميت، مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تدعوا أحداً من أمتي بلا صلاة" (1) وقوله (عليه السلام): "صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله"(2) ، أو إطلاق ما تضمن شرح صلاة الميت، وأنها خمس تكبيرات(3) وغيرها. لكنه لا يخلو عن إشكال، لورود الأول في مقام العموم من حيثية الميت الذي يصلي عليه، والثاني لبيان أجزاء الصلاة دون شروطها. فتأمل. فالعمدة الأصل بالتقريب المتقدم.

نعم بناءً على أن حقيقة الوجوب الكفائي هو تكليف الكل بالعمل مع سقوط التكليف عنهم بفعل بعضهم، فالشك في المقام راجع للشك في سقوط تكليف البالغين بفعل الصبي، وهو خلاف الأصل، لكن التحقيق الأول كما ذكرناه في محله من الأصول.

(2) فقد صرح غير واحد بجواز صلاة المرأة، كما ذكروا جواز إمامة المرأة،

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2، 5 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 340

(341)

(مسألة 57): لا يتحمل الإمام في صلاة الميت شيئاً عن المأموم (1).

وفي الجواهر:" بلا خلاف أجده فيه، بل في التحرير الإجماع عليه "ويقتضيه - مضافاً إلى ذلك - ما تقدم في صلاة الصبي. ولاسيما بعد دلالة النصوص على شرعية صلاة المرأة(1).

هذا وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):" قلت: المرأة تؤم النساء؟ قال: لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم في وسطهن في الصف معهن، فتكبر ويكبرن"(2). وقد يظهر منه اعتبار كونها هي الولي. ولا يظهر منهم العمل به في ذلك.

على أنه إنما يدل على اعتبار ذلك في إمامتها، لا في أصل صلاتها. مع أن ما تضمنه الحديث من نفي إمامة المرأة للنساء في غير صلاة الميت لما كان محمولاً عندهم على الكراهة كان الشرط المذكور شرطاً لارتفاع الكراهة، لا لأصل المشروعية. نعم اعتبر في السرائر في صلاة المرأة عدم الرجال. وقد يستدل له بخبر جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): "قال: إذا لم يحضر الرجل الميت تقدمت امرأة وسطهن..."(3).

لكنه - مع ضعفه في نفسه، وظهور إعراض الأصحاب عنه، ومعارضته بصحيح زرارة المتقدم الظاهر في أن المدار على عدم وجود من هو أولى منها - غير صريح في المطلوب، بل هو ظاهر في شرطية إمامتها بذلك. على أنه لا يبعد وروده لبيان إمكان سدّ الحاجة بصلاتها مع عدم حضور الرجل، لدفع توهم عدم شرعية صلاتها مطلقاً، فاشتراط عدم حضور الرجل مسوق لتحقيق الموضوع وهو الحاجة، لا لشرطيته في شرعية صلاتها أو إمامتها، وإلا فمن البعيد جداً توقف صحة صلاتها على عدم حضور الرجل حتى لو أمكن إحضاره للصلاة. فلاحظ.

(1) بلا إشكال ظاهر، وإن لم يكثر النص عليه في كلماتهم، لأن التحمل يحتاج

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22، 25، 29، 39 من أبواب صلاة الجنازة.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 4.

ص: 341

(342)

(مسألة 58): قد ذكروا للصلاة على الميت آداباً (منها): أن يكون المصلي على طهارة (1). ويجوز التيمم مع وجدان الماء إذا خاف فوت الصلاة إن توضأ أو اغتسل (2).

للتنبيه عليه منهم، فعدمه ظاهر في مفروغيتهم عن عدمه. ومن ثم حكي عن بعضهم استظهار الإجماع عليه.

ويقتضيه إطلاق دليل اعتبار الأدعية بين التكبيرات بعد اختصاص دليل التحمل بالقراءة في الصلاة. مضافاً إلى ظهور ما ورد في الصلاة على المنافق في المفروغية عن قراءة المصلين خلف الإمام(1). وكذا صحيح علي بن جعفر المتقدم في المسبوق ببعض التكبيرات.

(1) إجماعاً كما في الخلاف والغنية وظاهر التذكرة. ففي معتبر عبد الحميد بن سعد:" قلت لأبي الحسن (عليه السلام): الجنازة يخرج بها ولست على وضوء، فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة، أيجزيني أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ فقال: تكون على طهر أحب إليّ"(2). ويستفاد أيضاً مما تضمن الأمر بالتيمم له، حيث يستفاد منه أنه من أجل ترتب الطهارة عليه. بل ظاهره المفروغية عن استحباب الوضوء.

(2) الظاهر عدم الإشكال فيه، بل الظاهر الإجماع عليه. ويقتضيه إطلاق دليل البدلية، وخصوص صحيح الحلبي: "سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء، فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة قال: يتيمم ويصلي"(3). ولا يبعد كون المراد به فوت الصلاة الأولى، لأن المتعارف الاجتماع لها والاهتمام بها، لا فوت ما يعمّ المعادة، لغفلة المتشرعة عنها أو إغفالهم لها لو كانت مشروعة في نفسها. بل هو داخل في المتيقن من موثق سماعة الآتي، كما يأتي التنبيه له.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 4 من أبواب صلاة الجنازة.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

ص: 342

بل مطلقاً (1).

(1) ففي الجواهر:" على المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب، والتذكرة إلى علمائنا، وظاهره الإجماع، كما في المنتهى ذلك أيضاً، بل في الخلاف دعوى الإجماع صريحاً...".

واستدل له بإطلاق موثق سماعة:" سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال: يضرب بيديه على حائط اللبن فليتيمم به"(1) ، وموثقه الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام): "عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة. فقال: تتيمم وتصلي عليها، وتقوم وحدها بارزة عن الصف"(2). ومرسل حريز عنه (عليه السلام):" قال: الطامث تصلي على الجنازة، لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود، والجنب يتيمم ويصلى على الجنازة"(3) ، فإن الطامث وإن كانت مستمرة الحدث، إلا أن الظاهر أن تشريع التيمم لها ليس تعبدياً محضاً، بل بلحاظ تخفيفه للحدث وإحداثه مرتبة من الطهارة، لارتكاز عموم مطهريته المستفاد مما تضمن أن التراب أحد الطهورين ونحوه، نظير تشريع الوضوء لها في أوقات الصلاة. وحينئذ يقرب جداً عدم خصوصيتها في ذلك، كما يناسبه الرضوي: "وإن كنت جنباً وتقدمت للصلاة عليها فتتيمم أو توضأ وصل عليه"(4).

خلافاً لما عن ظاهر المرتضى في الجمل والشيخ في جملة من كتبه وأبي علي وسلار والقاضي والراوندي والشهيد في الدروس والبيان، فاقتصروا على صورة خوف الفوت، ومال إليه في محكي المعتبر والمدارك.

وقد يوجه بانصراف موثق سماعة لصورة خوف الفوت، لظهور قوله:" كيف يصنع؟ "في التحير، ولا وجه له مع تيسر الوضوء. ودعوى: أن التحير من جهة الجهل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2، 5.

(4) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 20 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 343

(ومنها): رفع اليدين عند التكبير (1).

بالحكم، لا من جهة عدم تيسر الوضوء. ممنوعة، بل لا تناسب الجواب، إذ لو كان التحير من جهة الجهل بالحكم لكان المناسب الجواب بالتخيير بين الوضوء والتيمم.

نعم يكفي في التحير محاولة إدراك الصلاة الأولى جماعة، لشدة الاهتمام بها في الصدر الأول، وتعارف الاجتماع لها، فهو داخل في المتيقن من الموثق، فيكفي في مشروعية التيمم استلزام الوضوء فوتها، وإن تيسر معه تكرار الصلاة عليه. نظير ما تقدم في صحيح الحلبي.

وبذلك يظهر قرب انصراف موثق سماعة و مرسل حريز والرضوي، لصورة تعذر إدراك الصلاة الأولى بالطهارة المائية، لما هو الظاهر من صعوبة الغسل في حق من تحضره الجنازة بل حتى الوضوء في حق المرأة.

على أنه حيث لا إشكال في مشروعية الغسل فالاقتصار على التيمم في هذه النصوص كما يمكن أن يحمل على أنه أحد طرفي التخيير، يمكن أن يحمل على أنه البدل الاضطراري المتعين لتعذر الغسل، ولا طريق مع ذلك لإحراز مشروعية التيمم مع تيسر الطهارة المائية وإدراك الصلاة الأولى بها. ولاسيما مع ضعف مرسل حريز، وورود موثق سماعة في الطامث التي يتعذر في حقها الطهارة. بل غاية ما يمكن في حقها تخفيف الحدث. نعم لا بأس بالإتيان بالتيمم حينئذ برجاء المطلوبية.

(1) بلا إشكال في الأولى، وفي الجواهر:" إجماعاً محصلاً ومنقولاً مستفيضاً إن لم يكن متواتراً، بل لعله إجماع أهل العلم، كما عن التذكرة والمنتهى وظاهر المعتبر. بل لا خلاف في النصوص كالفتاوى".

وأما في البواقي فهو المصرح به في كلام جماعة كثيرة، وعن كشف الالتباس أنه المشهور، وعن الروض أن عمل الطائفة عليه الآن.

ويقتضيه صحيح عبد الرحمن العزرمي:" صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) على

ص: 344

جنازة، فكبر خمساً، برفع يديه في كل تكبيرة"(1). ونحوه خبر محمد بن خالد(2) ، ومعتبر يونس: "سألت الرضا (عليه السلام) قلت: جعلت فداك إن الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى، ولا يرفعون فيما بعد ذلك، فأقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون، أو أرفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال: ارفع يدك في كل تكبيرة"(3).

خلافاً لما عن جماعة فخصوا استحباب رفع اليدين بالأولى، بل عن المختلف أنه الأشهر، وفي الذكرى والروضة والمدارك نسبته للأكثر، وفي كشف اللثام والكفاية والحدائق أنه المشهور، بل عن الغنية ومحكي شرح الجمل الإجماع عليه.

ويشهد له حديث غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام):" عن على أنه كان لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة يعني في التكبير "(4) وحديث إسماعيل عنه عن أبيه (عليه السلام):" قال: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يرفع يده في أول التكبير على الجنازة، ثم لا يعود حتى ينصرف"(5).

وربما يجمع بين الطائفتين تارة: بحمل الأولى على مجرد الجواز، والأخيرة على نفي الاستحباب. وأخرى: بحمل الأخيرة على جواز الترك لدفع توهم الوجوب. ويشكل الأول بمخالفته لظاهر نصوص الطائفة الأولى، وخصوصاً معتبر يونس. والثاني بمخالفته لظاهر الطائفة الثانية لظهورهما في استمرار أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن هنا كان الظاهر استحكام التعارض بين الطائفتين.

ودعوى: سقوط الطائفة الأولى عن الحجية بإعراض قدماء الأصحاب، فإن المشهور بينهم الثاني، ونسبه في الذكرى لجمهور الأصحاب، وذكر أن الخروج عن جمهورهم بخبر الواحد فيه ما فيه.

ممنوعة، لعدم كفاية ذلك في الإعراض المسقط للحديث عن الحجية بعد حكاية مضمونها عن الصدوق الأول، والشيخ في جملة من كتبه، والمحقق. بل هو ظاهر

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 2، 3.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 10 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4، 5.

ص: 345

(ومنها): أن يرفع الإمام صوته بالتكبير والأدعية (1).

الكليني، حيث اقتصر على ذكر الطائفة الأولى. ولاسيما مع تسامحهم في المستحبات كثيراً.

بل الظاهر ترجيح الأولى بمخالفتها لمذهب أبي حنيفة ومالك والثوري، وإن خالفت مذهب الشافعي وأحمد وجماعة من التابعين فيما حكي عنهم جميعاً. لظهور خبر يونس في أن مذهب أبي حنيفة وجماعته هو الذي عليه عمل العامة.

ولاسيما مع كون مذهبه في ذلك متفرعاً على مذهبه في الصلاة اليومية، وقد ورد في بعض النصوص ما يدل على التقية فيها، ففي رسالة أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) المشهورة لأصحابه: "دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين يفتتح الصلاة، فإن الناس قد شهروكم بذلك. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله"(1). بل من القريب أن يكون اقتصار أمير المؤمنين (عليه السلام) على رفع اليدين في التكبيرة الأولى - لو تم

لكون ذلك مقتضى سيرة من سبقه من أئمة الجور ولم يرَ (عليه السلام) صلاحاً في إعلان خلافهم.

(1) لم أعثر عاجلاً على نص يشهد به. بل ولا فتوى للأصحاب قبل الجواهر، فذكر استحباب الجهر في الجميع، لوجوه ضعيفة. بل صرح في التذكرة باستحباب الإسرار على الدعاء، ونحوه حكي عن المحقق. لأنه أقرب للقبول، لبعده عن الرياء. ويناسبه إطلاق ما تضمن استحباب الإسرار بالدعاء(2).

نعم قد يستدل على استحباب إسماع الإمام من خلفه بعموم ما دل على ذلك في الإمام، كصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي لم خلفه أن يسمعه شيئاً مما يقول"(3). وربما يدعى انصرافه إلى الصلاة ذات الركوع والسجود. لكنه لا يخلو عن إشكال، لقضاء مناسبة الحكم والموضوع بالعموم، لما هو المرتكز من كون ذلك من شؤون الإمامة، ومقتضى نظم الجماعة.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 4 باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 9.

(2) وسائل الشيعة ج: 4 باب: 22 من أبواب الدعاء.

(3) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 53 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

ص: 346

(ومنها): اختيار المواضع التي يكثر فيها الاجتماع (1).

وأما الاستدلال بالإطلاق المقامي لأدلة الجماعة نظير ما تقدم في وجه اعتبار شروط الجماعة في المقام من المسألة الثالثة والخمسين. فلا يخلو عن إشكال. بل الظاهر اختصاص ذلك بما يعتبر في انعقاد الجماعة، لأن بيان أحكامها في المقام من دون بيان المعيار في تحققها ظاهر في الاتكال في بيانه على ما هو المعهود من الشارع بعد أن لم يكن له معيار عرفي، وإلا كان لاغياً، بخلاف أحكام الجماعة، حيث قد تختص ببعض مواردها، فلا ملزم بالبناء على عمومها لغير ما تضمنته أدلتها.

(1) لما هو المرتكز وتقتضيه بعض النصوص من اهتمام الشارع الأقدس بكثرة المصلين على الميت. ففي صحيح أبي ولاد وعبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته، ويصلون عليه، ويستغفرون له، فيكتسب لهم الأجر ويكتسب [ويكتب] للميت الاستغفار، ويكتسب هو الأجر فيهم، وفي ما اكتسب له من الاستغفار"(1). ولعله إليه يرجع ما ذكره غير واحد، ونسبه في الذكرى للأصحاب، من استحباب اختيار المواضع المعتادة للصلاة. وإلا فلا وجه له إلا ما في الجواهر من التبرك بها بسبب كثرة المصلين فيها. وهو كما ترى.

نعم صرح جماعة بكراهة الصلاة في المساجد، بل في الخلاف الإجماع عليه بعد استثناء مكة المكرمة. ويقتضيه خبر أبي بكر بن عيسى بن أحمد العلوي:" كنا في المسجد وقد جيء بجنازة، فأردت أن أصلي عليها، فجاء أبو الحسن الأول (عليه السلام) فوضع مرفقه في صدري فجعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد، ثم قال: يا أبا بكر إن الجنائز ل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 347

(ومنها): أن تكون الصلاة بالجماعة (1).

(ومنها): أن يقف المأموم خلف الإمام (2).

(ومنها): الاجتهاد في الدعاء للميت وللمؤمنين (3).

يصلى عليها في المسجد"(1).

ولابد من حمله على الكراهة، لظهور الإجماع على الجواز، كما هو ظاهر الخلاف، بل صرح به في محكي المنتهى، ولصحيح الفضل: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل يصلى على الميت في المسجد؟ قال: نعم" ونحوه معتبر محمد بن مسلم(2).

هذا وأما استثناء مكة فهو داخل في معقد إجماع الخلاف المتقدم، ونحوه إجماع مجمع البرهان، وظاهر ما في جامع المقاصد وعن الروض من نسبته للأصحاب. ولم يظهر وجهه عدا ما عن المنتهى من أن مكة كلها مسجد، فلو كرهت الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع. وهو كما ترى!.

(1) كما تقدم في المسألة الثالثة والخمسين. وتقدم وجهه.

(2) ولو كان المأموم واحداً، بخلاف المكتوبة. كما نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر. لخبر اليسع بن عبد الله القمي: "سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي على جنازة وحده؟ قال: نعم قلت: فاثنان يصليان عليها؟ قال: نعم، ولكن يقوم الآخر خلف الأخر، ولا يقوم بجنبه"(3). ولا إشكال ظاهراً في أن المراد به الإئتمام لا صلاتهما معاً منفردين أو ما يعم ذلك. كما أن الظاهر عدم الإشكال بينهم في حمله على الاستحباب، ولذا قلّ تنبيههم عليه.

(3) لقوله (عليه السلام) في صحيح الفضلاء:" وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن"(4) ،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 30 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 30 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1 وذيله.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 28 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 348

(349)

(ومنها): أن يقول قبل الصلاة: الصلاة، ثلاث مرات (1).

(مسألة 59): أقل ما يجزئ من الصلاة أن يقول: الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. ثم يقول: الله أكبر. اللهم صل على محمد وآل محمد، ثم يقول: الله أكبر. اللهم اغفر للمؤمنين. ثم يقول: الله أكبر. اللهم اغفر لهذا. ويشير إلى الميت. ثم يقول: الله أكبر (2).

بناءً على حمله على استحباب الإكثار من الدعاء له، كما سبق عند الكلام في وجوب الدعاء للميت في الصلاة عليه. مضافاً إلى ما تضمن استحباب الدعاء للمؤمن(1) ، الظاهر في العموم الشمولي لا البدلي.

(1) كما في العروة الوثقى. ولم أعثر عاجلاً على من تعرض له، ولا على نص به في المقام عدا ما ورد في صلاة العيدين(2). ووهن الاستدلال به هنا ظاهر.

(2) مما تقدم في المسألة السادسة والأربعين يظهر عدم وجوب ذلك، بل ولا ما كان بهيئته. فراجع. والله سبحانه وتعالى العالم.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 4 باب: 41، 42، 43 من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.

(2) وسائل الشيعة ج: 5 باب: 7 من أبواب صلاة العيدين حديث: 1.

ص: 349

ص: 350

(351)

(351)

الفصل الثامن: في التشييع (1)

يستحب إعلام المؤمنين (2)

(1) قال في لسان العرب: "وشيعه وشايعه كلاهما: خرج معه عند رحيله ليودعه ويبلغه منزله. وقيل: هو أن يخرج معه يريد صحبته وإيناسه إلى موضع ما" .ومقتضى ذلك كون المتيقن من التشييع الخروج مع الميت لإيصاله إلى قبره الذي هو منزله بعد الموت، فلا يشمل الخروج معه لغير ذلك، كنقله من محل موته للمغتسل، أو لموضع الصلاة عليه من دون أن ينتهي به إلى قبره.

لكن الظاهر عموم الأحكام الآتية لجميع ذلك. ولاسيما وأن النصوص لم تقتصر على عنوان التشييع، بل تضمنت أيضاً إتباع الجنازة والخروج معها والمشي معها، ونحو ذلك مما يصدق على الجميع. مضافاً إلى صريح بعض النصوص كمعتبر أبي بصير: "سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من مشى مع جنازة حتى يصلي عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر، فإذا مشي معها حتى تدفن كان له قيراطان..." (1) ونحوه غيره.

(2) قال في الجواهر: "بلا خلاف أجده في استحباب ذلك سوى ما عن الجعفي من أنه يكره النعي. إلا أن يرسل صاحب المصيبة إلى من يختص به. ولعله غير ما نحن فيه. وإلا كان محجوجاً بالإجماع عن الخلاف عليه. مضافاً إلى النصوص...".

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3.

ص: 351

بموت المؤمن (1)، فيشيعوه. ويستحب لهم تشييعه (2). وقد ورد في

ويقتضيه صحيح أبي ولاد وعبد الله بن سنان(1) المتقدم قريباً في آداب الصلاة على الميت. مضافاً إلى ما فيه من تكريم الميت وسرور أهله. بل قد يكون فيه ترويج للدين وإعزاز له. قد يستدل له - مع ذلك - بصحيح ذريح المحاربي: "سألته عن الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال: نعم"(2). لكنه لا يخلو عن إشكال، لاحتمال كون منشأ السؤال احتمال مرجوحية الإعلام أو حرمته لمنافاته للتعجيل أو لغير ذلك، فلا يدل الجواب على أكثر من الجواز. ولأجله قد يشكل أيضاً الاستدلال بمرسل القاسم عنه (عليه السلام):" قال: إن الجنازة يؤذن بها الناس"(3) ، حيث يحتمل سوق الجملة الخبرية لبيان الجواز بعد احتمال توهم المنع. فتأمل.

(1) أما غيره فلا دليل على استحباب الإعلام بموته بعد قصور ما سبق عنه.

(2) وفي الجواهر: "استحبابه إجماعي إن لم يكن ضرورياً. والأخبار به مستفيضة إن لم تكن متواترة" .وموضوع بعض النصوص وإن كان هو المسلم، بل مطلق الجنازة، إلا أن ارتكاز كون التشييع لتكريم الميت يقضي بانصرافه لخصوص المؤمن.

نعم ورد في جملة من النصوص الأمر بحسن معاشرة العامة في جملة من الأمور، منها حضور الجنائز. ففي صحيح معاوية بن وهب: "قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ فقال: تؤدون الأمانة إليهم، وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم"(4) ، ونحوه غيره من النصوص الكثيرة.

لكن ذلك بملاك آخر غير الملاك المتقدم. ولعله يختص بمن تقتضي الظروف مخالطته و معاشرته من فرق المسلمين، بل مطلق الناس، ولا يعم جميع أهل الخلاف،

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 3، 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 8 باب: 1 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

ص: 352

(353)

فضله أخبار كثيرة. ففي بعضها:" من تبع جنازة أعطي يوم القيامة أربع شفاعات، ولم يقل شيئاً إلا وقال الملك: ولك مثل ذلك"(*). وفي بعضها: أن أول ما يتحف المؤمن في قبره أن يغفر لمن تبع جنازته(**). وله آداب كثيرة مذكورة في الكتب المبسوطة. مثل أن يكون المشيع ماشياً (1)

فضلاً عن غير المسلمين. على أنه إنما يقتضي استحباب التشييع لا استحباب الإعلام بالموت.

(1) كما صرح به غير واحد. ويقتضيه - مضافاً إلى ما هو المعلوم من أن أفضل الأعمال أحمزها - النصوص، فإنه وإن كان التعبير في جملة منها بتشييع الجنازة، أو بتبعيتها أو الخروج فيها، إلا أن جملة منها قد تضمنت المشي، كمعتبر أبي بصير: "سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من مشى مع جنازة حتى يصلي عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر، فإذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان. والقيراط مثل جبل أحد" (1) وقوله (عليه السلام) في معتبر زرارة: "إنما هو فضل فبقدر ما يمشي مع الجنازة الذي يتبعها"(2). ومقتضى الجمع العرفي حمل الثانية على الفضل، فإنه أولى عرفاً من إلغاء خصوصية المشي فيها عملاً بإطلاق الأولى. ولاسيما بملاحظة ارتكاز أن أفضل الأعمال أحمزها.

بل الظاهر كراهة الركوب من غير عذر، كما صرح به في النهاية والمعتبر والتذكرة والدروس وغيرها وعن المنتهى أنه قول العلماء كافة. لصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمشي، فقال له بعض أصحابه: ألا تركب يا رسول الله؟ فقال: إني أكره أن أركب والملائكة يمشون"(3) ، ومرسل بن أبي عمير

********

(*) ،

(**) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 4.

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3، 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 353

خلف الجنازة (1)

عنه (عليه السلام): "قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوماً خلف جنازة ركباناً فقال: ما استحيى هؤلاء أن يتبعوا صاحبهم ركباناً وقد أسلموه على هذه الحال؟!"(1) ، وحديث غياث بن إبراهيم عنه (عليه السلام) عن أبيه عن علي (عليه السلام):" أنه كره الركوب مع الجنازة في بدائه إلا من عذر. وقال: يركب إذا رجع"(2). ومنه يظهر ارتفاع الكراهة بالعذر، كما صرح به جماعة، وفي التذكرة وعن نهاية الأحكام الإجماع عليه.

(1) كما في المقنع والخلاف، وفي الثاني أن عليه إجماع الفرقة وأخبارهم. ويشهد به صحيح إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها"(3) ، وموثق السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام:" قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: اتبعوا الجنازة، ولا تتبعكم. خالفوا أهل الكتاب "(4) ونحوه معتبر الجعفريات(5) وخبر جابر عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: مشى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف جنازة، فقيل: يا رسول الله مالك تمشي خلفها؟ فقال: إن الملائكة رأيتهم يمشون أمامها، ونحن تبع لهم"(6). وفي مرسل الصدوق في المقنع: "روي اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، فإنه من عمل المجوس" (7) وغيرها.

لكن صرح غير واحد بإلحاق المشي بجانبي الجنازة في الفضل بالمشي خلفها، فخيروا بينهما في مقابل المشي أمامها، من دون تنبيه لأفضلية الأول، وفي المعتبر والتذكرة وجامع المقاصد دعوى إجماع علمائنا عليه. ولا يبعد رجوع الإجماع في كلمات الكل لمرجوحية التقدم. وأن إهمالهم التنبيه لرجحان التأخر على المشي من الجانبين ليس

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 4 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 4 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

(5و6) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 4 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5، 2.

(7) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 6.

ص: 354

لخلافهم فيه، بل لاهتمامهم ببيان مرجوحية التقدم.

نعم في خبر سدير عن أبي جعفر (عليه السلام): "قال: من أحب أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير" (1) وتعرض في الرضوي لمضمونه(2). ومقتضاه أفضلية الجنبين من الخلف. لكنه لا يناسب خبر جابر. وربما يجمع بينهما بحمل خبر سدير على مجرد بيان كيفية مشي الملائكة، وخبر جابر على أفضلية التأخر عنهم تأسياً بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فتأمل.

هذا ومما سبق في موثق السكوني وغيره. يظهر كراهة التقدم، كما صرح به غير واحد، وعن الذكرى نسبته لكثير من الأصحاب. بل قد يستفاد من محكي المنتهى دخوله في معقد الإجماع، وإن لم يخل عن إشكال.

لكن صرح في المعتبر ومحكي الذكرى بعدم الكراهة، وهو ظاهر النهاية والمبسوط وعن موضع من المنتهى. وكأنه لموثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): "سأل كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة؟ أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها؟ فقال: إن كان مخالفاً فلا تمش أمامه، فإن ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب"(3) ، ونحوه موثق أبي بصير(4) ، وخبر يونس بن ظبيان(5) ، وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام):" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا لقيت جنازة مشرك فلا تستقبلها، خذ عن يمينها وعن شمالها "(6) وفي مرسل الصدوق في المقنع:" وروي إذا كان الميت مؤمناً فلا بأس أن يمشي قدام جنازته، فإن الرحمة تستقبله، والكافر لا تتقدم أمام جنازته، فإن ملائكة العذاب تستقبله"(7). لظهورها في اختصاص الكراهة بغير المؤمن.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 4 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3، 5.

(5و6و7) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4، 8، 7.

ص: 355

خاشعاً متفكراً (1)،

وفيه: أن اختصاص الكراهة بالملاك المذكورة في هذه النصوص بغير المؤمن لا ينافي ثبوتها في المؤمن بملاك آخر أخف، كما يستفاد من النصوص السابقة.

هذا وفي كشف اللثام: "وقال أبو علي: يمشي صاحب الجنازة بين يديها والقاضون حقه وراءها. ولعله لما في خبر الحسين بن عثمان أن الصادق (عليه السلام) تقدم سرير ابنه إسماعيل بلا حذاء ولا رداء" .ومقتضاه استحباب التقدم لصاحب الجنازة. لكن الخبر المذكور(1) لا ينهض بتقييد ما تقدم بعد كون مضمونه قضية في واقعة.

وبذلك يخرج عن ظاهر التخيير في بعض النصوص، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): "سألته عن المشي مع الجنازة. فقال: بين يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها" (2) وقريب منه صحيحه الآخر(3) فيحمل على مجرد الترخيص، أوعلى التقية.

(1) كما صرح به بعضهم ويقتضيه عموم استحبابها ومناسبتهما لأمثال المقام من موارد التذكرة والاعتبار. وفي صحيح عجلان أبي صالح: "قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا صالح إذا حملت جنازة فكن كأنك أنت المحمول، وكأنك سألت ربك الرجوع إلى الدنيا ففعل، فانظر ماذا تستأنف. قال: ثم قال: عجب لقوم حبس أولهم عن آخرهم، ثم نودي فيهم الرحيل وهم يلعبون"(4). وفي خبر حديث أبي ذر:" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا ذر اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن. يا أبا ذر إذا اتبعت جنازة فليكن عملك فيها التفكر والخشوع. واعلم أنك لاحق به"(5). وعن دعوات القطب الراوندي قال: "وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا تبع جنازة غلبته

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب الاحتضار وما يناسبه حديث: 7.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 2.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 59 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(5) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 50 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 356

حاملاً للجنازة (1)

كآبة، وأكثر حديث النفس، وأقل الكلام"(1).

(1) فقد تظافرت النصوص بالحث على حمل الجنازة، ولاسيما تربيعها وذلك بحملها من جوانبها الأربع، كخبر جابر عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع، وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع"(2) ، وفي حديث صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمساً وعشرين كبيرة، فإذا ربّع خرج من الذنوب" (3) وغيرهما.

هذا ومقتضى إطلاق التربيع فيما تقدم غيره استحبابه بأي وجه كان، وهو صريح صحيح الحسين بن سعيد: "أنه كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله عن سرير الميت يحمل، له جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربعة، أو ما خفّ على الرجل يحمل من أي الجوانب شاء؟ فكتب أيها شاء"(4).

غاية الأمر أنه صرح الأصحاب - تبعاً للنصوص - بأن الأفضل فيه كيفية خاصة، تبتني على البدء بالجانب من المقدم، ثم الانتقال منه للمؤخر من ذلك الجانب ثم للمؤخر من الجانب الثاني، والختم بالمقدم من الجانب المذكور، بنحو الاستدارة، لا بنحو الانتقال من المقدم للمؤخر ثم للمقدم من الجانب الثاني ثم للمؤخر. نعم اضطربت كلماتهم في تعيين المبدأ، وأنه يمين الميت أو يساره. ولعل منشأه اضطراب النصوص.

ولا يبعد كون مقتضى الجمع بينها البدء بيمين الميت، كما هو صريح خبر الفضل بن يونس عن أبي إبراهيم (عليه السلام) حيث قال (عليه السلام) فيه:" فإن تربيع الجنازة الذي جرت به السنة أن تبدأ باليد اليمنى، ثم بالرجل اليمنى، ثم بالرجل اليسرى، ثم باليد

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 50 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2، 8.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 8 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 357

اليسرى حتى تدور حولها"(1). وقريب منه معتبر علي بن يقطين عنه (عليه السلام): "قال: سمعته يقول: السنة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن، فتلزم الأيسر بكفك الأيمن، ثم تمر عليه إلى الجانب الآخر، وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير، ثم تمر إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك"(2).

فإن البدء بلزوم السرير بالكف الأيمن ملزم بحمل جانب السرير الأيسر على جانبه المسامت ليسار من يمشي خلفه، والذي يكون عليه يمين الميت، فيطابق خبر الفضل. وأما حمله على جانب الميت الأيسر بحمل لزوم المشيع له بكفه الأيمن على كون المشيع تحت السرير، لا في جانبه فهو من أبعد البعيد، لعدم تعارفه ولا تيسره غالباً بل هو لا يناسب التعبير بالدوران. وقريب منه خبر الدعائم(3). ومن ثم كانا كالنص فيما يطابق خبر الفضل. ومن هنا لا يهم ضعف خبري الفضل والدعائم بعد اعتبار حديث علي بن يقطين.

وحينئذ يمكن تنزيل بقية النصوص عليها. ففي معتبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: السنة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن، وهو مما يلي يسارك، ثم تصير إلى المؤخرة، وتدور عليه حتى ترجع إلى مقدمه"(4) ، فيحمل جانبها الأيمن على يمين الميت، بتنزيل قوله (عليه السلام): "وهو مما يلي يسارك" على كونه مما يلي اليسار حين استقبال الجنازة، لا حين حملها، ليطابق الحديثين المتقدمين. أما لو حمل على كونه مما يلي اليسار حين حمل الجنازة فلابد من حمل يمين الجنازة على يمين السرير المسامت ليمين من يمشي خلفه، والذي يكون عليه يسار الميت، فيخالف النصوص المتقدمة.

وفي معتبر العلاء بن سيابة عنه (عليه السلام): "قال: تبدأ في حمل السرير من الجانب الأيمن ثم تمر عليه من خلفه إلى الجانب الآخر، ثم تمر عليه حتى ترجع إلى المقدم

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 8 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3، 4.

(3) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 8 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 8 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

ص: 358

(359)

على الكتف (1). قائلاً حين الحمل: بسم الله وبالله، وصلى الله على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات (2). ويكره الضحك (3)، واللعب،

كذلك دوران الرحى عليه"(1). فيحمل جانب السرير الأيمن على موضع يمين الميت، فيطابق الأحاديث المتقدمة. أما لو حمل على ما يسامت يمين الماشي خلف السرير والذي عليه يسار الميت - نظير ما تقدم في معتبر علي بن يقطين - فيخالف الأحاديث السابقة.

وبذلك ظهر أن النصوص بين ما هو نص أو كالنص في البدء بيمين الميت، وما يمكن تنزيله على ذلك، فيتعين العمل عليه.

(1) لم أعثر عاجلاً على ما يشهد به من النصوص، بل سبق في معتبر علي بن يقطين قوله (عليه السلام):" فتلزم الأيسر بكفك الأيمن... "،من دون أن يشير إلى وضع الجنازة على الكتف. لكن ذكر بعضهم في بيان كيفية التربيع حمل الجنازة على العاتق. وقال في العروة الوثقى في آداب التشييع:" أن يحملوها على أكتافهم، لا على الحيوان".

ولا ينبغي التأمل في استحباب مباشرة حمل الجنازة وعدم الاكتفاء بحملها على الحيوان. كما لا يبعد بملاحظة النصوص والسيرة استحباب حمل المشيع للجنازة بنحو تعلوا عليه عرفاً، سواء كان بوضعها على الكتف أو العاتق، أم برفعها بالكف إلى أعلى. ولا يكفي رفع الجنازة باليد مع إسبالها إلى الأسفل، بحيث تكون الجنازة محاذية لإلية حاملها.

(2) ففي موثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام):" سألته عن الجنازة إذا حملت كيف يقول الذي يحملها؟ قال: يقول: بسم الله... "،وذكر الدعاء(2).

(3) لعدم مناسبته للمقام من موارد التذكرة والاعتبار. وفي نهج البلاغة عن

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 8 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 9 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

ص: 359

واللهو (1)، والإسراع في المشي (2).

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أمير المؤمنين (عليه السلام):" وتبع جنازة فسمع رجلاً يضحك فقال: كأن الموت فيها على غيرنا كتب..."(1).

(1) لعدم مناسبتهما للمقام أيضاً. وقد تقدم عند الكلام في استحباب كون حامل الجنازة خاشعاً متفكراً قوله (عليه السلام) في صحيح عجلان: "عجب لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودي فيهم الرحيل وهم يلعبون".

(2) كما صرح به غير واحد. واستدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة وعملهم. ويقتضيه - مضافاً إلى أنه أقرب لاحترام الميت - ما في خبر مجالس الشيخ (قدس سره) بسنده عن أبي بردة بن أبي موسى قال: "مروا بجنازة تمخض كما يمخض الزق، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): عليكم بالسكينة، عليكم بالقصد في المشي بجنازتكم"(2). وذكر بعضه في الوسائل(3).

وفي الجواهر:" وعن الجعفي أن السعي بها أفضل، وعن ابن الجنيد يمشي بها خبياً. قيل: والسعي العدو، والخبب ضرب منه. وهما موافقان للمحكي عن العامة. وربما يشهد له ما عن الصدوق روايته عن الصادق (عليه السلام): إن الميت إذا كان من أهل الجنة نادى: عجلوني، وإذا كان من أهل النار نادى: ردوني"(4).

ولعل الأولى الاستدلال له بما تضمن الحث على تعجيل الميت إلى قبره، كخبر جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر الناس لا ألقين [ألفين] رجلاً مات له ميت ليلاً فانتظر به الصبح، ولا رجلاً مات له ميت نهاراً فانتظر

********

(1) نهج البلاغة باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) رقم: 122. ومستدرك الوسائل ج: 2 باب: 53 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 54 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 64 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(4) من لا يحضره الفقيه ج: 1 ص: 123 طبع النجف الأشرف.

ص: 360

وأن يقول: أرفقوا به واستغفروا له (1)، والركوب، والمشي قدام الجنازة (2)، والكلام بغير ذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار (3). ويكره

به الليل. لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها، عجلوا بهم إلى مضاجعهم يرحمكم الله"(1) ، وغيره.

لكن لا يبعد انصراف التعجيل إلى ما يقابل الانتظار والتراخي، لا بنحو يقتضي الإسراع بالجنازة حين حملها، خصوصاً إذا كان بالنحو المنافي لتوقير الميت واحترامه.

(1) ففي موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام):" قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرماً: الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء، أو الذي يقول: قفوا، أو الذي يقول: استغفروا له غفر الله لكم "(2) كذا رواه في التهذيب. ورواه الصدوق في الخصال هكذا:" أو الذي يقول: أرفقوا به، أو الذي يقول: استغفروا... "وفي خبر عبد الله بن الفضل الهاشمي عنه (عليه السلام):" ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرماً: الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء، والذي يضرب على فخذه عند المصيبة، والذي يقول: أرفقوا وترحموا عليه يرحمكم الله"(3). ولعل كراهة الأمر بالاستغفار والترحم بلحاظ إشعاره بكون الميت مذنباً، أو بلحاظ كون الإعلان بذلك نحواً من الضجيج المنافي للوجوم والخشوع المناسبين للمقام. فلا ينافي رجحان الاستغفار له والترحم عليه بنحو الإسرار في جملة ما يستحب من الذكر، كما يأتي.

(2) يظهر الوجه فيهما مما تقدم في استحباب المشي خلف الجنازة.

(3) كأنه لمناسبته للمقام، ولما سبق عند الكلام في استحباب كون حامل الجنازة خاشعاً متفكراً، ولما تضمن نهي الماشي مع الجنازة عن التسليم، ففي مرفوع محمد بن الحسين: "كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاثة لا يسلمون: الماشي مع الجنازة، والماشي

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 47 من أبواب الاحتضار وما يناسبه حديث: 1، 2، 3.

ص: 361

وضع الرداء (1) من غير صاحب المصيبة، فإنه يستحب له ذلك (2)،

إلى الجمعة وفي بيت حمام"(1).

(1) كما ذكره غير واحد. لحديثي السكوني وعبد الله بن الفضل الهاشمي المتقدمين، ومرسل الصدوق: "قال (عليه السلام): ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره" (2) وغيرها(3).

وأما ما تضمن وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رداءه في جنازة سعد بن معاذ، وتعليله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بأنه تأسى بالملائكة(4). فهو حكاية عن قصة خاصة ذات علة خاصة لا مجال للتعدي عنها. وما في الجواهر من أنه قد يستفاد منه استحباب نزعه في جنازة الأعاظم من الأولياء والعلماء. تخرص ولا شاهد له، بل لا يناسبه التعليل المذكور.

(2) كما صرحوا بذلك في الجملة. ويقتضيه معتبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): "قال: ينبغي لصاحب الجنازة أن لا يلبس رداءً، وأن يكون في قميص حتى يعرف"(5). وقريب منه مرسل ابن أبي عمير(6). وصحيح الحسين بن عثمان، قال:" لما مات إسماعيل ابن أبي عبد الله (عليه السلام) خرج أبو عبد الله (عليه السلام)، فتقدم السرير بلا حذاء ولا رداء "(7) ونحوه مرسل الفقيه(8) ، بل لعله عينه.

هذا وفي المبسوط:" يجوز لصاحب الميت أن يتميز عن غيره بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها "ونحوه عن ابن الجنيد. وعن أبي الصلاح أنه يتخلى ويحل أزراره. وكأنه لأن مقتضى تعليل وضع الرداء في الحديثين السابقين بأن يعرف أنه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 8 باب: 42 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب الاحتضار وما يناسبه حديث: 2.

(3) راجع مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 19 من أبواب الاحتضار وما يناسبه.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب الاحتضار وما يناسبه حديث: 4، 1.

(6و7و8) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب الاحتضار وما يناسبه حديث: 8، 7، 3.

ص: 362

وأن يمشي حافياً (1).

صاحب المصيبة كون المدار على تميز صاحب المصيبة بما يعرف الناس به ولو بأمر غير وضع الرداء. أما لو أرادوا خصوصية الأمور التي ذكروها فلا مجال لذلك بعد عدم الدليل عليها.

ومثله ما في المبسوط وعن ابن الجنيد من اختصاص ذلك بما إذا كان الميت أباً وأخاً، وما عن أبي الصلاح من اختصاصه بما إذا كان أباً أو جداً. حيث لا شاهد على ذلك، بل صريح ما تقدم عن الإمام الصادق (عليه السلام) جريان ذلك في الولد. ومقتضى إطلاق النصوص الرجوع في تحديد صاحب المصيبة للعرف.

(1) فقد ذكر في الجواهر أنه يستفاد من النصوص استحباب الحفاء لصاحب المصيبة. وكأنه لما تقدم من خروج الإمام الصادق (عليه السلام) في جنازة ولده إسماعيل بلا حذاء. لكنه قضية في واقعة لا مجال لاستفادة الاستحباب - فضلاً عن عمومه - منها.

ص: 363

ص: 364

(365)

(365)

الفصل التاسع: في الدفن

تجب كفاية مواراة الميت في الأرض (1) بحيث يؤمن على جسده

(1) وهو المراد بالدفن الذي لا إشكال في وجوبه قال في الجواهر:" إجماعاً منّا بل من المسلمين إن لم يكن ضرورياً، كما حكاه جماعة منهم الفاضلان ".ويقتضيه - مضافاً إلى ذلك، والى السيرة المعلوم ابتناؤها على الوجوب - النصوص.

منها: ما تضمن دفن ما يسقط من الميت من شعر وغيره(1) ، وما تضمن دفن السقط(2). ومنها: ما ورد في دفن الميت العاري(3). ومنها: ما ورد فيما إذا وجد بعض الميت(4). ومنها: ما ورد فيما إذا مات المسلم في بئر محرج، من أنها تجعل قبراً، وإن أمكن إخراجه غسل ودفن(5).

ومنها: خبر مرة في حديث قال:" لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سمعنا صوتاً في البيت إن نبيكم طاهر مطهر، فادفنوه ولا تغسلوه. قال: فرأيت علياً (عليه السلام) رفع رأسه فزعاً، فقال: اخسأ عدو الله، فإنه أمرني بغسله وكفنه ودفنه. وذا سنة... "(6) وظاهر

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 11 من أبواب غسل الميت.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب غسل الميت.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 51 من أبواب الدفن وما يناسبه.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 365

من السباع وإيذاء رائحته للناس (1) ولا يكفي وضعه في بناء أو -

الأمر المذكور الوجوب ولا ينافيه قوله:" وذا سنة "،لأن المراد به ما سنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كان واحداً.

ومنها: معتبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام):" قال: إنما أمر بدفن الميت لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير رائحته، ولا يتأذى الأحياء بريحه وما يدخل عليه من الآفة والفساد، وليكون مستوراً عن الأولياء، والأعداء فلا يشمت عدوه، ولا يخزن صديقه "(1) ومرسل الاحتجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام):" وكانت المجوس ترمي موتاها في الصحارى والنواويس، والعرب تواريها في قبورها وتلحدها. وكذلك السنة على الرسل"(2). وقد يستفاد من قصة ابني آدم التي تضمنها الكتاب المجيد، لظهورها في كونه من الأمور اللازمة للميت التي تحتاج للتنبيه والتعليم وغير ذلك.

وأما الاستدلال بقوله تعالى: (ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً)(3) ، وقوله سبحانه: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم)(4) ونحوه فلا يخلو عن إشكال، حيث لا يبعد حمل ذلك على بيان أمر تكويني، بلحاظ رجوع أجزاء الجسد بعد انحلالها إلى الأرض، لا لبيان قضية تشريعية، لعدم مناسبته للسياق، ولا لنسبة الفعل له تعالى.

(1) قال في المدارك: "وقطع الأصحاب وغيرهم بأن الواجب وضعه في حفيرة يستر عن الناس ريحه وعن السباع بدنه، بحيث يعسر نبشها غالباً، لأن فائدة الدفن إنما يتم بذلك" .ولعله راجع إلى أن دفن الميت لما كان معروفاً عند العرف المحيط بالتشريع، وكان الغرض منه عندهم ذلك، فظاهر أمر الشارع الأقدس به كونه بالنحو

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل الجنابة حديث: 14.

(3) سورة المرسلات آية: 25.

(4) سورة طه آية: 57.

ص: 366

الذي عند العرف.

ولعل ذلك هو الذي جعل صاحب المدارك ينسبه إلى قطع الأصحاب. وإلا فقد تأمل في الجواهر في دعوى الإجماع، قال: "لخلو كثير من كلمات الأصحاب عن التعرض لذلك، ومن هنا لم أعثر على من ادعاه قبل سيد المدارك".

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من أن ذلك مقتضى إطلاق الدفن، لظهوره في أن المراد هو الدفن من جميع الجهات، بالستر عن النظر، وعن انتشار الرائحة وعن التعرض للسباع. فهو كما ترى لأن الدفن لغة وعرفاً ليس إلا وضع الشيء في بطن الأرض وستره بها، والأمور المذكورة خارجة عنه وإن كانت من فوائده.

ومثله دعوى: أن ذلك مقوم لمفهوم الدفن الشرعي. لعدم ثبوت حقيقة شرعية للدفن خارجة عن مفهومه العرفي. فالعمدة ما ذكرنا.

كما يناسبه أيضاً ما تقدم في معتبر الفضل بن شاذان، فإن العلة المذكورة فيه وإن كانت من سنخ الحكمة التي لا يدور الحكم مدارها، إلا أنها كاشفة عن أن المراد بالدفن ما يحقق ذلك. وإن كان قد يستغنى عنه، لعدم وجود السباع في المكان، أو عدم مرور الناس به.

اللهم إلا أن يستشكل في تحقق الإطلاق لتلك الأدلة يقتضي اعتبار الأمرين في مثل ذلك. ولعله لذا مال في الجواهر إلى عدم وجوب كون الحفيرة بالنحو المذكور مع الأمن من الأمرين. وأظهر من ذلك ما لو كان الاستدلال بما تضمن أن حرمة المؤمن ميتاً لحرمته حياً، كما هو ظاهر. فتأمل جيداً.

هذا وقد ذكر شيخنا الأستاذ (قدس سره) أنه ينبغي التحفظ على الميت من بعض الحيوانات التي تعيش في باطن الأرض والتي قد تأكل جسده، كالجرذان - على ما يحكى عن بعض البلاد - فيلزم إحكام القبر. وما ذكره (قدس سره) قريب جداً، لعدم الفرق ظاهراً بين الحيوانات المذكورة والحيوانات الظاهرة التي سبق وجوب التحفظ منها.

ص: 367

تابوت (1)، وإن حصل فيه الأمران. ويجب وضعه على الجانب الأيمن موجهاً وجهه للقبلة (2).

نعم لا يجب التحفظ من الحشرات التي تسكن بطن الأرض كالديدان والحيات ونحوها مما يتعارف وجوده وتعرض القبر له، حتى صارت من لوازم القبر العرفية، التي يذكر بها المذكرون، ويعتبر بها المعتبرون.

(1) كما صرح به غير واحد، لعدم صدق الدفن عليه.

(2) قال في الجواهر: "كما نص عليه جماعة من الأصحاب، بل لا أعرف فيه خلافاً محققاً بين المتقدمين والمتأخرين، عدا ابن حمزة في وسيلته..." .بل عن شرح الجمل للقاضي نفي الخلاف فيه، وفي الغنية وعن إرشاد الجعفرية الإجماع عليه.

أما أصل الاستقبال فيقتضيه ما في معتبر العلاء بن سيابة الوارد في المقتول المقطوع رأسه من قوله (عليه السلام): "وكذلك إذا صرت إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجهته إلى القبلة"(1). مضافاً إلى ما يأتي.

وأما كون الاستقبال بنحو الاعتراض بحيث يكون رأسه ليمين المستقبل فيقتضيه صحيح يعقوب بن يقطين:" سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الميت كيف يوضع على المغتسل، موجهاً وجهه نحو القبلة، أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال: يوضع كيف تيسر، فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره "(2) فإنه ظاهر في اختصاص القبر بهيئة للميت خاصة، وحيث لا إشكال في جواز الهيئة المذكورة في القبر، ولو لأنها مقتضى السيرة، دلّ الصحيح على وجوبها.

نعم لا مجال لاستفادة وجوب الاضطجاع منه، لما هو المعلوم من عدم وجوبه بين التغسيل والدفن، فلابد أن يكون التشبيه بلحاظ غير هذه الجملة.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 5 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 368

ولا يبعد استفادته من حديث العلاء، لأن توجيه الرأس إلى القبلة عرفاً إما أن يكون بجعل الناصية إلى القبلة، أو بجعل الوجه إليها، وحيث كان الأول غير مناسب للاعتراض، تعين الثاني.

وأظهر منه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام):" كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة، وإنه حضره الموت، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس، فأوصى البراء أن يجعل وجهه إلى تلقاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنه أوصى بثلث ماله، فجرت به السنة"(1) ، بناءً على أن المراد بالسنة الطريقة الثابتة، لتكون كناية عن الوجوب، كما هو غير بعيد. بل في بعض طرقه: "فأوصى البراء أن يجعل وجهه إلى رسول الله إلى القبلة، وإنه أوصى بثلث ماله، فنزل به الكتاب وجرت به السنة"(2).

وفي معتبر الحسين بن مصعب في قصة موت البراء:" فلما حضرته الوفاة كان غائباً عن المدينة، فأمر أن يحول وجهه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأوصى بالثلث من ماله، فنزل الكتاب بالقبلة، وجرت السنة بالثلث"(3).

ويؤيد ذلك خبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السلام): "أنه قال: يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي..."(4). فتأمل. ومرسل الصدوق في الهداية:" قال الصادق (عليه السلام): إذا وضعت الميت في لحده فضعه على يمينه مستقبل القبلة، وحلّ عقد كفنه، وضع خده على التراب "(5) ومرسل الدعائم:" شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة رجل من بني عبد المطلب فلما أنزلوه قبره قال: أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولا تكبوه لوجهه ولا تلقوه لظهره "(6) والرضوي:

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 61 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 1 باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

(5) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 19 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

(6) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 19 من أبواب الدفن وما يناسبه.

ص: 369

وإذا اشتبهت القبلة عمل بالظن على الأحوط (1). ومع تعذره يسقط وجوب الاستقبال (2) إن لم يمكن التأخير (3). وإذا كان الميت في البحر ولم يمكن دفنه

"ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة"(1).

ومنه يظهر ضعف ما عن الجامع، حيث قال:" الواجب دفنه مستقبل القبلة. والسنة أن تكون رجلاه شرقياً ورأسه غربياً على جانبه الأيمن ".وأشكل منه ما في الوسيلة من استحباب الكل حتى الاستقبال. قال في الجواهر" وإن احتمل ذلك بعض عباراتهم أيضاً، كما لعله الظاهر من حصر الشيخ في جُمله الواجب في واحد، وهو دفنه، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين".

(1) بل الأظهر لعموم حجية الظن بالقبلة المستفاد من مثل صحيح زرارة:" قال أبو جعفر (عليه السلام): يجزي التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة"(2).

هذا ومقتضى إطلاق الصحيح الاجتزاء بالظن ولو مع إمكان التأخير بحيث يتيسر العلم بالقبلة أو يحتمل تيسره. ولا وجه لقياس المقام على الأبدال الاضطرارية، حيث تقتضي المناسبات الارتكازية حمل إطلاق أدلة تشريعها على الاضطرار في تمام الوقت، بل هو يبتني على التعبد ظاهراً بالمجهول، ومقتضى إطلاق دليله الاكتفاء بالجهل في كل آن.

نعم مع احتمال حصول العلم في الوقت القريب قد يكون مقتضى التحري الانتظار، كتحري أسباب الظن. كما أنه لو انكشف الخلاف بعد الدفن فالأمر كما لو انكشف الخلاف مع القطع حين الدفن بالقبلة.

(2) بلا إشكال، وإن قل من تعرض له، حيث لا إشكال في عدم بقاء الميت بلا دفن.

(3) أما للزوم الضرر على الميت بهتك حرمته، أو للزوم الضرر على المكلف

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 19 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب القبلة حديث: 1.

ص: 370

(371)

في البر ولو بالتأخير (1) غسل وحنط وصلي عليه (2)، ووضع في خابية (3)،

بتأخير دفنه.

(1) ولو للزوم الضرر على الميت أو على المكلف بتأخير دفنه، نظير ما سبق. أما لو لم يلزم ذلك فيتعين الانتظار والدفن، وفي الجواهر: "بلا خلاف أجده، ولا حكاه أحد، عن أحد سوى ما في المدارك من أن ظاهر المفيد في المقنعة والمصنف في المعتبر جواز ذلك ابتداءً وإن لم يتعذر البر. وفيه أنه لا ظهور فيهما بذلك. سيما الأول، فإنه قيد الحكم المذكور بما إذا لم يوجد أرض يدفن فيه...".

ويقتضيه عموم وجوب الدفن بعد كون المنساق من نصوص المقام كونه بدلاً اضطرارياً عن الدفن. ويناسبه أيضاً ظهور صحيح ابن الحرّ الآتي في تحير السائل، مع أنه لا منشأ لتحيره لو أمكن الدفن في البر، لعدم كون الموت في السفينة مثيراً لاحتمال عدم وجوب الدفن عند العرف. بل ظهور نصوص المقام في تعين الإلقاء في البحر ملزم بحملها على المفروغية عن تعذر الدفن في البر، حيث لا يحتمل وجوب الإلقاء في البحر مع إمكانه.

ومنه يظهر لزوم التربص مع احتمال القدرة على الدفن في البر، لأن التعذر لما كان من سنخ العذر المسقط للواجب فاللازم إحرازه ووجوب الاحتياط مع الشك. خلافاً لما قد يظهر من الذكرى وغيرها من عدم وجوب التربص.

(2) بلا إشكال ظاهر. وظاهرهم بل صريح بعضهم المفروغية عنه. لعموم أدلة وجوب الأمور المذكورة وخصوص الأخبار الآتية. ولا ينافي ذلك خلوّ الصحيح الآتي عنه، لوروده لبيان الحكم من حيثية الدفن، لأن تعذره هو الذي أوجب التحير والسؤال. ولا أقل من كون ذلك مقتضى الجمع بينه وبين العموم المذكور وبقية أخبار المقام.

(3) أما وجوب إلقائه في البحر وعدم إبقائه معرضاً للهتك فالظاهر عدم

ص: 371

الإشكال فيه بينهم، بل في الجواهر: "إجماعاً محصلاً ومنقولاً. ويقتضيه النصوص الآتية، وما هو المعلوم من اهتمام الشارع بحرمة الميت وعدم هتكه".

وأما كيفية إلقائه فيه فقد اختلفت فيها النصوص ففي صحيح أيوب بن الحرّ: "سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال: يوضع في خابية ويوكى رأسها وتطرح في الماء"(1).

وفي خبر أبي البحتري عنه (عليه السلام):" قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا مات الميت في البحر غسل وكفن وحنط، ثم يصلى عليه، ثم يوثق في رجليه حجر، ويرمى به في الماء"(2) ، ونحوه مرسل أبان عنه (عليه السلام)، إلا أن فيه: "يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى به في البحر" (3) ومرفوع سهل بن زياد عنه (عليه السلام)، إلا أن فيه: "يكفن ويخيط في ثوب [ويصلى عليه] ويلقى في الماء"(4).

وقد يستشكل في الثلاثة الأخيرة بضعف السند. لكن لا مجال له مع ظهور عمل الأصحاب بها، فهم بين من اقتصر على مضمونها - كما في المقنعة والمبسوط والنهاية والوسيلة والسرائر وعن الإرشاد - ومن خيّر بينه وبين مضمون صحيح أيوب بن الحر، كما هو ظاهر الكافي والفقيه، وصرح به جماعة، وفي الجواهر:" على المشهور بين الأصحاب على ما حكاه بعض، بل نسبه آخر إلى الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه. ولعله كذلك".

نعم في الخلاف:" يجعل في خابية إن وجدت، فإن لم توجد يثقل بشيء، ثم يطرح في البحر... دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ".واستجوده في الرياض وفي المدارك أن الاقتصار على العمل برواية الخابية أولى. ومع ذلك كيف يمكن إهمال النصوص المذكورة.

ولاسيما مع تأيدها أو اعتضادها بمعتبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث دفن زيد (عليه السلام):" أولا كنتم أوقرتموه حديداً وقذفتموه في الفرات، وكان

********

(1و2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 40 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 2، 3، 4.

ص: 372

أفضل "(1) ونحوه خبره الآخر(2). وموضوعهما وإن لم يكن هو الميت في البحر، بل من يتعرض بدفنه للاعتداء، إلا أن من البعيد جداً خصوصية أحد الأمرين في الحكم. بل لا يبعد لأجل ذلك دعوى استفاضة النصوص بالتثقيل.

ومن هنا يتعين النظر في وجه الجمع بينها وبين الصحيح. وظاهر من سبق منه التخيير بين الوجهين الجمع به بين النصوص. لكنه بعيد جداً، لأن الوضع في الخابية لما كان مشتملاً على التثقيل، ومحتاجاً لعناية ومزيد كلفه، ومختصاً بفائدة مهمة، وهي حفظ الميت زائداً على تغييبه في الماء، فمن البعيد جداً حمله على مجرد بيان أحد فردي التخيير، بل يتعين حمله على بيان رجحان مضمونه تعييناً، إما لكونه أفضل الأفراد - كما صرح به في الاستبصار - أو لكونه الفرد اللازم الاختيار مع الإمكان، كما هو ظاهر ما تقدم من الخلاف.

والأول وإن كان أنسب بخلوّ النصوص الأخر عن التنبيه لذلك، مع قوة ظهورها في بيان تمام الواجب، إلا أن الثاني أنسب بأهمية الفائدة المترتبة على الخابية، وهي حفظ جسد الميت من حيوانات البحر والتحلل فيه، المعلوم اهتمام الشارع به جداً، بل هو يؤدي تمام فائدة الدفن. ومن هنا يقرب البناء على ذلك. ولاسيما بلحاظ قرب كون ترك التنبيه عليه في بقية النصوص لقلة تيسر الخابية التي تستوعب الميت، بنحو لا يحتاج ستره فيها للتصرف في جسده بكسر ونحوه مما ينافي حرمته. ولعله لذا كان ظاهر الخلاف فهمه من النصوص.

ولا أقل من التوقف والتردد بين وجهي الجمع، حيث يلزم معه الاحتياط بموافقة الوجه المذكور، لمطابقته لقاعدة وجوب احترام الميت ولزوم حفظه عن الحيوانات والتحلل في الماء بالمقدار الممكن.

ومما سبق يظهر عموم الكلام لكل من يتعذر دفنه أو يخشى عليه بعد الدفن من التعرض للاعتداء، كما في كشف اللثام حاكياً عن المنتهى، لما أشرنا آنفاً من إلغاء

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 41 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 2.

ص: 373

(374)

وأحكم رأسها (1)، وألقي في البحر، أو ثقّل بشدّ حجر أو نحوه برجليه (2)، ثم يلقى في البحر. والأحوط استحباباً الأول.

(مسألة 60): لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكافرين (3). وكذ

خصوصية كل من القسمين في الحكم. ويناسبه ما تقدم في حديثي سليمان بن خالد. ولا ينافيه قوله (عليه السلام) في أولهما:" وكان أفضل "إذ لم يعلم أن المراد به بيان الحكم الشرعي، ليكون نصاً في الاستحباب وعدم الوجوب، كما في الجواهر، بل بلحاظ ما ترتب على الدفن خارجاً من هتك زيد (عليه السلام) وصلبه، فلا ينافي الوجوب.

هذا وفي الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام وجوب الاستقبال بالميت حين الإلقاء في البحر، وحكي عن ابن الجنيد والشهيدين والميسي وغيرهم. قال في الذكرى:" لأنه دفن للميت، لحصول مقصود الدفن به ".وهو كما ترى!، لظهور عدم كونه دفناً، بل هو بدل عن الدفن، ولا ملزم بمشاركة البدل للمبدل في الشروط والأحكام. مع أن الواجب في الدفن الاستقبال بالميت حال استقراره في قبره، لا عند إنزاله فيه. بل خلوّ نصوص المقام عنه - مع شدة الحاجة لبيانه لو كان معتبراً، للغفلة عنه - يجعلها كالصريحة في عدم وجوبه.

(1) لا يخفى أن مقتضى إطلاق صحيح أيوب بن الحر الاكتفاء بمطلق سد رأس الخابية، ولو دون إحكام. ولزوم الإحكام إنما يستفاد من اهتمام الشارع بحرمة جسد الميت وحفظه من التحلل والحيوانات، وذلك يناسب وجوب الصورة الأولى عيناً، لا تخييراً بينها وبين الصورة الثانية، كما لعله ظاهر.

(2) الظاهر أن الغرض رسوبه في الماء، فلو تحقق دون تثقيل أجزأ، كما في الجواهر. نعم لابد من استقراره تحت الماء، ولا يكفي رسوبه موقتاً. ومن البعيد حصوله من دون تثقيل.

(3) الظاهر عدم الإشكال فيه، وإن لم أعثر عاجلاً على من نصّ عليه قبل

ص: 374

العكس (1).

السيد الطباطبائي في العروة الوثقى، وإنما يستفاد منهم مما يأتي في دفن الكافرة الحامل من المسلم، حيث يظهر منهم المفروغية عنه، ولذا تدفن هي في مقبرة المسلمين من أجل حرمة دفن ولدها - المحكوم بإسلامه تبعاً لأبيه - معها في مقبرتهم. ولا يبعد ابتناء المفروغية المذكورة والإجماع المستفاد منهم على ارتكاز كون دفن المسلم في مقبرة الكفار هتكاً له، فينافي حرمته. ومن ثم كان المتيقن منه ما إذا تعارف امتياز المقبرتين، دون ما إذا صار البناء على عدم اختصاص كل من الطرفين بمقبرة له.

(1) إجماعاً ادعاه جماعة قال غير واحد في وجهه:" لئلا يتأذى المسلمون بعذابهم ".وهو كما ترى. فإن الله عز وجل أعدل من ذلك. كيف؟! ولازمه حرمة دفن المسلم في جوار الكافر ولو في غير مقبرة إحدى الطائفتين، وحرمة تجاور المقبرتين، ولا يظن منهم البناء عليه، وإلا لزمهم تحديد البعد المعتبر. بل لازمه حرمة دفن المؤمن بجوار المنافق، وغير ذلك مما يعلم بعدم التزامهم به. فالعمدة في المقام الإجماع. لكن المتيقن منه ما إذا كان الدفن في مقبرة المسلمين مبنياً على تكريمه واحترامه.

هذا وفي مفتاح الكرامة:" قال في روض الجنان: لكن يجب مواراتهم - لدفع التأذي بجيفتهم، لا بقصد الدفن - في مقابر المسلمين. وظاهره أنه يجوز ذلك في مقابر المسلمين لا بقصد الدفن، بل ذلك صريحه. وناقشه في ذلك صاحب المجمع. وهي في محلها".

لكن الموجود في المطبوع من روض الجنان:" لكن يجب مواراتهم - لدفع تأذي المسلمين بجيفتهم، لا بقصد الدفن - في غير مقابر المسلمين "والظاهر أن الصحيح ذلك، وإن ما سبق من صاحبي مفتاح الكرامة والمجمع ناشئ من خطأ النسخة التي أخذا منها. كيف؟! ومقتضاه وجوب دفنه في مقابر المسلمين لا مجرد جوازه، ولا منشأ لتوهم ذلك.

ص: 375

(376)

(مسألة 61): إذا ماتت الحامل (1) الكافرة (2) من مسلم دفنت في مقبرة المسلمين (3)

(1) كما هو مقتضى إطلاق الخلاف والشرايع والقواعد وغيرها. وقيد جماعة الحمل بما إذا كان بنكاح أو ملك يمين أو شبهة. وظاهرهم عدم عمومه للحمل من الزنا. والنص الآتي مختص بملك اليمين وفهم عدم الخصوصية منه لبقية أقسام الحمل المشروع قريب جداً. نعم هو يقصر عن الحمل من الزنا. لكن الظاهر عدم الفرق بلحاظ الوجه الآتي، دون النص، لعدم كونه دليلاً في المسألة.

(2) كما هو مقتضى إطلاق الشرايع وصريح بعضهم. ويناسبه التعبير بالمشركة في الخلاف. لكن مقتضى ظاهر القواعد وعن الأكثر الاختصاص بالذمية، لاقتصارهم في الاستثناء من الحكم السابق عليه. ومورد النص الآتي اليهودية والنصرانية. لكن الظاهر عدم الفرق، بلحاظ ما يأتي من الوجه بعد عدم كون النص دليلاً في المسألة، كما سبق.

(3) كما هو المعروف بين الأصحاب، ونفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر. بل في الخلاف وظاهر التذكرة الإجماع عليه. واستدل له بخبر يونس:" سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يكون له الجارية اليهودية أو النصرانية، فيواقعها فتحمل، ثم يدعوها أن تسلم فتأبى عليه، فدنى ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها، ومات الولد، أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب: يدفن معها"(1).

لكنه - مع وقوع أحمد بن أشيم في سنده وهو لم يوثق - قاصر الدلالة جداً، لعدم التعرض فيه لموضع الدفن. بل قد يستفاد منه بقرينة المقابلة في السؤال بين الدفنين كون دفنه معها على النصرانية في مقبرة النصارى. وإن كان الظاهر عدم تمامية ذلك، وأن الملحوظ في المقابلة كيفية الدفن، لا ما يعم موضعه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 39 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

ص: 376

على جانبها الأيسر مستدبرة للقبلة (1)،

نعم لا يبعد ظهوره في تبعية الطفل لأمه في الدفن، المناسب لدفنه معها في الموضع المناسب لها. بل لو وجب دفنها في مقبرة المسلمين لاحتاج ذلك للتنبيه عليه في النص، فعدم التنبيه فيه عليه ظاهر في عدم وجوبه جداً. فتأمل.

وأما ما في جامع المقاصد من استفادته من الخبر، لأن الأصل في الدفن الحقيقة شرعاً. فيشكل بعدم ثبوت حقيقة شرعية الدفن، بل الظاهر بقاؤه على المفهوم العرفي، فيحمل في النصوص عليه، واستفادة الشروط في كل مورد يحتاج إلى الدليل.

والذي ينبغي أن يقال: أما عدم وجوب إخراجه منها، فيقتضيه - مضافاً إلى الأصل - الخبر المذكور المنجبر بعمل الأصحاب، بل ظهور الإجماع منهم. على أن فيه هتكاً للجنين بل قد يستلزم المثلة به. ومن ذلك يظهر حرمة إخراجه منها.

وأما جواز دفنها في مقبرة المسلمين، دون مقبرة الكفار، فهو مقتضى الأصل بعد قصور الإجماع الذي هو الدليل على حرمة دفن الكافر في مقبرة المسلمين عن المورد، وظهور كون دفنها فيها لا يبتني على تكريمها، بل تكريم جنينها المحكوم بإسلامه.

نعم يشكل إثبات وجوب ذلك بعد قصور النصّ عنه، بل قد يظهر بدواً في عدمه، كما سبق حيث ينحصر حينئذٍ الدليل عليه بالإجماع، الذي يشكل بلوغه حدّ الحجية بعد عدم شيوع الابتلاء بالمسألة، وعدم ورود النصوص بها، ليمكن معرفة رأي قدماء الأصحاب فيها. ومن القريب جداً ابتناء دعوى الإجماع فيها على الحدس، وتخيل استفادته من النص المتقدم الذي يظهر من رواية الأصحاب له عملهم عليه وفتواهم بمضمونه، أو من كونه مقتضى تغليب حرمة الإسلام في الحمل، أو نحو ذلك مما لا يبلغ مرتبة الحجية، ولا ينهض بإثبات حكم شرعي.

(1) فقد صرح باستدبارها القبلة غير واحد، وحكي عن الأكثر، بل هو معقد

ص: 377

(378)

وإن كان الحمل لم تلجه الروح (1)، على الأحوط وجوباً.

(مسألة 62): لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته (2)، كالمزبلة والبالوعة، ولا في المكان المملوك بغير إذن المالك (3)، أو الموقوف

إجماع الخلاف المتقدم، وعن المنتهى نسبته إلى علمائنا. وفي التذكرة: "يستدبرها القبلة على جانبها الأيسر، ليكون وجه الجنين إلى القبلة إلى جانبه الأيمن. وهو وفاق".

لكن عموم وجوب الاستقبال للجنين ممنوع، لأن المتيقن من دليله المتقدم غيره. كما أن ملازمة الصورة المذكورة للاستقبال به غير ظاهرة، لعدم وضوح اطراد مخالفة الجنين في الاتجاه لأمه. فلم يبق إلا الإجماع ولا ينهض بالحجية لنظير ما سبق في الاستدلال به على الحكم السابق. بل خلوّ الخبر المتقدم عن التنبيه لذلك موجب لقوة ظهوره في عدم وجوبه.

(1) كما هو مقتضى إطلاق جماعة. وإن كان تعبير بعضهم - كما في الخلاف - بموت الولد قاصر عنه، كالنص. ويظهر مما تقدم في وجه المسألة عدم الفرق من هذه الجهة.

(2) بلا إشكال ظاهر، لأن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً، إرتكازاً ونصوصاً(1).

(3) بلا إشكال ظاهر، ويستفاد من ذكرهم جواز النبش لو دفن حينئذ المفروغية عنه. ويقتضيه عموم حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه. ووجوب الدفن كفاية لا يقتضي وجوب بذل الأرض من المالك له بلحاظ أنه أحد المكلفين - فضلاً عن جواز الدفن بغير إذنه، ولاسيما مع عدم الانحصار - لأن المراد به وجوب الفعل من دون استتباعه بذل المال، كما يظهر مما ذكروه في مؤن التجهيز من أنها تخرج من أصل المال، ولا يجب على أحد بذلها.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 19 باب: 24 من أبواب ديات الأعضاء.

ص: 378

لغير الدفن (1)، كالمدارس والمساجد (2). والحسينيات المتعارفة في زماننا،

نعم لو انحصر المكان الذي يمكن فيه الدفن بالمملوك تعين على المالك بذله ولو بالقيمة مع تيسرها. لما في امتناعه من هتك للميت المؤمن يعلم بعدم رضا الشارع الأقدس به، بحيث يخرج به عن قاعدة السلطنة على المال.

بل لو لم تتيسر القيمة تعين على الكل الدفن وحفظ المؤمن من الهتك، ولو ببذل القيمة. لكن ذلك لا ينافي وجوب استئذان المالك. إلا أن يمتنع مع الانحصار، فيلزم مراجعة الحاكم الشرعي، اقتصاراً في الخروج عن عموم الحرمة على المتيقن. فتأمل.

(1) لأن الوقوف كما أوقفها أهلها، فمع تعيين الوقف لجهة معينة يتعين لها، ولا يجوز إشغاله بغيرها.

(2) الظاهر أن وقف المساجد يبتني على تعنونها بعنوان المسجد من دون نظر لخصوص جهة أو عمل، كالعبادة ونحوها، ولذا لا يكون وقف المكان على العبادة ونحوها كافياً في صدق المسجد على العين الموقوفة، بل تكون مباينة للمسجد. وإنما يجوز إيقاع العبادة في المساجد، لأنها غير منافية للمسجدية، بل مناسبة لها في عرف المتشرعة.

هذا والظاهر أنه يشاركها في ذلك وقف المشاهد والحضرات المشرفة. وكذا المقامات التي تعارف تشييدها في محال حلول المعصومين (عليهم السلام) ونزولهم أو صلواتهم وعباداتهم، فإن الظاهر ابتناء وقفها على حفظها للعنوان الخاص من دون تعيين لجهة أو تصرّف خاص.

ومقتضى ذلك جواز إيقاع كل ما لا ينافي العنوان من الأعمال والتصرفات عند المتشرعة وإنما لا يجوز الدفن في المساجد لمنافاته للمسجدية عندهم ولاسيما مع ما قد يسببه من تنجس المسجد عند تحلل جسد الميت في قبره، بخلاف الحضرات والمشاهد المقدسة، فإنها شيدت للتذكير بعظمة المشهد ومشرفه، وللحث على التعلق

ص: 379

(380)

والخانات الموقوفة، وإن أذن الولي (1).

(مسألة 63): لا يجوز الدفن في قبر ميت قبل اندراسه (2) وصيرورته

به والالتجاء إليه، والدفن فيه من أظهر مظاهر ذلك. ولذا جرت السيرة عليه قديماً وحديثاً.

(1) لأن وظيفة الولي حفظ الوقف وإعماله في الجهة التي وقف عليها، لا الخروج عن ذلك. نعم لو شك في دخول التصرف الخاص في الجهة الموقوف عليها جاز الرجوع للولي في ذلك إذا احتمل علمه بها، لقبول قول الإنسان في ماله الولاية عليه، كقول الأب في شؤون ولده، وقول الوكيل فيما وكل عليه ونحوهما.

أما لو لم يعلم بعموم الوقف للجهة المشكوكة ولم يمكن استعلامه من غيره، لم يبعد عدم جواز استغلال الوقف فيها، كما يظهر مما تقدم في المسألة الرابعة من مبحث أحكام الخلوة. فراجع.

(2) قال في النهاية: "ويكره أن يحفر قبر مع العلم به فيدفن فيه ميت آخر، إلا عند الضرورة إليه" .ونحوه في المبسوط. لكن قال فيه بعد ذلك: "ومتى دفن في مقبرة مسبلة لا يجوز لغيره أن يدفن فيه إلا بعد اندراسها ويعلم أنه صار رميماً... فإن بادر الإنسان فنبش قبراً فإن لم يجد فيه شيئاً جاز أن يدفن فيه، وإن وجد فيه عظاماً أو غيرها ردّ التراب فيه ولم يدفن فيه" وظاهره الحرمة. ومن ثَم قد تحمل الكراهة في كلامه الأول عليها، كما في المعتبر. وذهب إلى الحرمة فيه وفي التذكرة وحكي عن غير واحد.

وقد استدل عليه تارة: باستلزامه النبش المحرم. وأخرى: بأن القبر قد صار حقاً للأول بدفنه فيه، فلم تجز مزاحمته بالثاني.

وقد يدفع الأول بأن الكلام في حرمة الدفن في نفسه، لا في حرمة النبش مقدمة له. مضافاً إلى ما عن الذخيرة من أن الدليل على حرمة النبش الإجماع، وإجراؤه في

ص: 380

محل النزاع مما لا وجه له.

كما قد يدفع الثاني، بعدم وضوح كون الدفن موجباً لحقٍ للميت يمنع من دفن الثاني فيه. غاية الأمر أن يكون دفنه موجباً لاستحقاق إبقاءه في القبر، وعدم جواز إخراجه عنه، أو مزاحمته فيه.

لكن الظاهر أن مبنى دفن الميت في المكان عرفاً على اتخاذه قبراً له، لا على مجرد وضعه فيه، كما يوضع على الأرض قبل الدفن، أو في بطنها بلا قصد الدفن. وحينئذٍ يكون وضع الميت في المكان بقصد الدفن موجباً لتعنون المكان بعنوان خاص، وهو كونه قبراً له، فيكون من سنخ الصدقة أو الوقف لجهة خاصة ذات عنوان خاص، حيث يحرم استعماله في غير تلك الجهة وإن لم تكن منافية ولا مزاحمة لها، فضلاً عما إذا كانت كذلك.

من دون فرق في ذلك بين الدفن في أرض مملوكة بإذن المالك، والدفن في أرض موقوفة للدفن، والدفن في أرض مباحة. لاشتراك الكل فيما ذكرناه من ابتناء عملية الدفن عرفاً على جعل الموضع قبراً للميت، فالإذن فيه من قبل المالك، والوقف عليه من قبل الواقف، والحيازة له من قبل المتولي للدفن، كلها تقتضي ترتبه ونفوذه بتحقق عملية الدفن، فلا يجوز استغلال الموضع لدفن ميت آخر كما لا يجوز استغلاله لغير ذلك من وجوه الانتفاعات، كاتخاذه حرزاً للمال، أو مخبأ للحراس على ما هو الحال في جميع الوقوف والصدقات لجهات معينة. ولعل هذا هو مراد من سبق من كونه حقاً للميت. وإلا فلا دليل على ثبوت حق للميت زائداً على ذلك.

نعم لو ابتنى الإذن أو الوقف أو حيازة المكان للقبر على اشتراط أمر خاص - من دفن ميت آخر، أو غيره - ولو ضمناً جاز. ولا محذور في النبش، لعدم الدليل على حرمته في مثل الفرض مما كان مبنياً على مقتضى الإذن أو الوقف. ولعله إليه يرجع ما في التذكرة من أنه لو دفن في أزج يتسع لجماعة كثيرة جاز. حيث لا يبعد في مفروض كلامه ابتناء وضع الأزج وتعيينه للدفن على تعدد الدفن. أما لو لم يبتن على ذلك، بل

ص: 381

قصد جعله بتمامه قبراً لميت واحد أشكل جوازه بما سبق.

وكذا يجوز النبش ودفن ميت آخر لو كان اتخاذ القبر بالنحو الخاص منافياً لمقتضى الإذن أو الوقف، كما لو خرج في سعته عن المتعارف بنحو يخرج عن مقتضى إطلاق الإذن أو الوقف.

هذا ولو اندرس الميت أو نقل وخرج الموضع عن كونه قبراً له، تعين جواز دفن ميت آخر فيه، كسائر الصدقات والوقوف التي يرتفع موضوعها، حيث يجوز صرفها فيما هو الأقرب إلى الجهة المعينة لها بلا إشكال ظاهر.

إلا أن يمنع منه عنوان ثانوي، كما لو صار القبر رمزاً دينياً، بحيث يكون التصرف فيه انتهاكاً لحرمة دينية، أو ابتنى وقفه على بقائه منتسباً للميت الخاص، كما هو غير بعيد في الجملة في القبور الخاصة. فلاحظ.

هذا وقد يستدل على حرمة دفن ميت في قبر ميت سابق بحديث الأصبغ ابن نباتة: "قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من جدد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج [من] عن الإسلام" (1) بناءً على روايته بالجيم والدال المضعفة بعدها دال مفردة من التجديد، كما عن الصفار، وأن المراد به اتخاذه قبراً مرة أخرى، أو روايته بالجيم والدال المضعفة بعدها ثاء مثلثة من الجدث كما عن البرقي، وأن المراد اتخاذه قبراً لميت آخر.

لكن الظاهر أن المراد بالأولى هو تجديد القبر ببنائه بعد تقادم العهد به وتعرضه للخلل، كما فهمه الصفار فيما حكي عنه. وأما الثانية فهي غير ظاهرة في المعنى المذكور، بل هي للإجمال أقرب، كما عن البرقي.

على أنه روي بالحاء والدالين المضعفة والمفردة من التحديد، كما عن سعد بن عبد الله، وحمل على تسنيم القبر، وبالخاء المعجمة مع الدالين من الخدّ في الأرض، وهو شقها، كما عن المفيد، فيكون مناسباً لحرمة النبش. بل قد يدعى ظهوره فيه، وإن لم يخل عن إشكال، لعدم وضوح تعارف التعبير عنه بذلك. ومع هذا الاختلاف في متنه ل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 43 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 382

(383)

تراباً. نعم إذا كان القبر منبوشاً جاز الدفن فيه على الأقوى (1).

(مسألة 64): يستحب حفر القبر قدر قامة، أو إلى الترقوة (2).

رجال للاستدلال به على شيء.

ولاسيما مع اشتمال سنده على أبي الجارود الذي وردت فيه روايات ذامة. وإن كان قد يهون ذلك بقرب وثاقة الرجل، لضعف سند الروايات، وعدم منافاتها لوثاقته المستفادة من توثيق المفيد له، وظهور كلام الغضائري في الاعتماد على حديثه، وكونه من رواة كامل الزيارات.

هذا كله من حيثية دفن الميت في قبر ميت سابق. وأما من حيثية النبش فيتضح الكلام فيه مما يأتي في المسألة الثامنة والستين إن شاء الله تعالى.

(1) مقتضاه عدم حرمة دفن الميت الآخر بالأصل، بل تبعاً بلحاظ استلزامه النبش المحرم، فلو تحقق النبش - ولو عصياناً - جاز الدفن. ويظهر ضعفه مما تقدم. ولولاه فلا دليل على حرمة النبش في الفرض، كما تقدم عن الذخيرة. ويأتي توضيحه في المسألة الثامنة والستين إن شاء الله تعالى.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب، وادعي عليه الإجماع في كلام غير واحد. ولا يبعد كون مرادهم عدم النقيصة عن المقدار المذكور لا عدم الزيادة عليه، كما يناسبه ما في الخلاف من عمل الفرقة وإجماعهم على استحباب حفر القبر قدر قامة، وأقله إلى الترقوة، وما في الغنية من الاقتصار في الفتوى وفي معقد الإجماع على كونه قدر قامة، إذ يبعد إهماله الأفضل.

أما النصوص فهي لا تناسب ذلك. ففي موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إن النبي نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع"(1). ونحوه معتبر الجعفريات بسنده

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 383

وأن يجعل له لحد (1)

عنه(1) (عليه السلام). وفي مرسل بن أبي عمير عنه (عليه السلام): "قال: حد القبر إلى الترقوة. وقال بعضهم: إلى الثدي. وقال بعضهم: قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر. وأما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس. قال: ولما حضر علي بن الحسين الوفاة قال: احفروا لي حتى تبلغوا الرشح"(2).

وظاهر ابن أبي عمير كون الأقوال الأخر لغير المعصوم. ومن الظاهر أن الثلاثة أذرع تقارب الترقوة، فيكون مقتضى الجمع بين النصوص بيان الحدّ الذي لا ينبغي الزيادة عليه، ولازم ذلك كراهة بلوغه القامة.

هذا وأما ما تضمنه ذيل المرسل من الحفر حتى يبلغ الرشح، فهو - مع وروده في قضية خاصة، وغرابة مضمونه، لتضرر القبر برشح الماء - قابل للتنزيل على ما سبق، لعدم تحديده للعمق الذي يحصل به الرشح. بل قيل إنه يبلغ في أرض البقيع بالمقدار المذكور.

نعم في صحيح أبي الصلت الهروي في حديث وصية الرضا:" أنه قال له: سيحفر لي في هذا الموضع، فتأمرهم أن يحفروا سبع مراقي إلى الأسفل... "(3) وظاهره في التخيير بين السبع مراقي وما زاد على ذلك، ومقتضى إطلاقه عدم كراهة الزيادة على الترقوة، بل على القامة. لكنه وارد في قضية خاصة.

(1) وهو الشق الذي يكون في جانب القبر ويوضع فيه الميت. وقد صرح باستحبابه الأصحاب، بل ادعي الإجماع عليه صريحاً وظاهراً في كلام جماعة. ويقتضيه مرسل الاحتجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث:" قال: العرب في الجاهلية كانت أقرب إلى الدين الحنفي من المجوس... وكانت المجوس ترمي بالموتى في الصحاري

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 14 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبوب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

ص: 384

مما يلي القبلة (1) في الأرض الصلبة،

والنواويس، والعرب تواريها في قبورها وتلحدها، وكذلك السنة على الرسل أن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر وألحد له لحد..."(1) ، والنبوي العامي: "اللحد لنا والشق لغيرنا"(2).

ويؤيده ما تضمن اتخاذه للنبي(3) (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولولده إبراهيم(4). وأظهر منهما المرسل عن أبي همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام):" قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) حين أحضر: إذا أنا مت فاحفروا لي أو شقوا لي شقاً. فإن قيل لكم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحَّد له فقد صدقوا"(5) ، بضميمة ما في صحيح الحلبي: "قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن أبي كتب في وصيته... وشققت له الأرض من أجل أنه كان بادناً" (6) حيث لا يبعد ظهورهما في كون السنة هو اللحد، وأن كون الإمام الباقر (عليه السلام) بادناً هو السبب في عدم الجري على مقتضى السنة في قبره.

نعم في صحيح أبي الصلت الهروي في حديث وصية الرضا (عليه السلام): "وأن يشق لي ضريحة، فإن أبوا إلا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً..."(7). وظاهره أن الشق أفضل. لكنه وارد في قضية خاصة.

(1) قال في الجواهر:" كما نص عليه جماعة، بل ربما يظهر من بعضهم خصوصاً الفاضل في التذكرة دخوله في مسمى اللحد، كما أنه يظهر منه دخوله في معقد إجماعه، وفي جامع المقاصد وعن الروض أنه قاله الأصحاب ".وكأن المراد به كون الشق معترضاً باتجاه القبلة، ليمتد الميت بامتداده، لا باتجاه آخر، ليكون امتداد الميت فيه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 1 باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 14.

(2) كنز العمال ج: 8 ص: 88 رقم: 1681.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 2.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 25 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

(5و6و7) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2، 3، 4.

ص: 385

بقدر ما يمكن فيه الجلوس (1)، وفي الرخوة يشق وسط القبر شبه النهر، ويجعل فيه الميت ويسقف عليه (2)، ثم يهال عليه التراب وأن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة (3).

على خلاف امتداده. والوجه فيه أن ذلك هو المنصرف من الأمر به. ولذا كان العمل عليه.

(1) كما هو معقد إجماع الخلاف. ويشهد به ما تقدم في مرسل ابن عمير، بناء على أنه من كلام الإمام (عليه السلام). لكن تقدم في صحيح أبي الصلت الأمر بجعل اللحد ذراعين وشبراً. وهو أكثر من ذلك. فيحمل على الأفضل، أو على خصوصية مورده، لأنه وارد في قضية خاصة، كما سبق.

(2) فقد قيد في معقد إجماع الخلاف استحباب اللحد بما إذا كانت الأرض صلبة. وعن جماعة التصريح بأن الشق أفضل في الأرض الرخوة خوف الانهدام. وعن الكاتب أنه إذا كانت الأرض رخوة يعمل له شبه اللحد من بناء تحصيلاً للفضيلة. وظاهره أن المستحب هو جعل الميت في مكان متسع في مقابل طمّه بالتراب، وأن اختيار اللحد في الصلبة ليس لخصوصية فيه، بل لتحقيق ذلك. غايته أنه حيث كان أيسر وأقل مؤنة يكتفي به، وحيث لا يمكن ذلك في الرخوة أو يخشى منه الانهدام يتعين لتحصيل الفضيلة الشق والتسقيف.

لكن الظاهر أن استحباب وضع الميت في مكان متسع في مقابل طمّه بالتراب يستفاد مما سبق من استحباب اتساع اللحد، فإن المناسبة الارتكازية تقضي برجحانه للميت مطلقاً ولو في غير اللحد. كما أن ترجح اللحد على الشق المذكور يستفاد مما سبق. فالمستحب أمران، وتعذر الثاني أو صعوبته في الأرض الرخوة، أو إذا كان الميت بديناً - كما سبق - لا يوجب سقوط الأول.

(3) كما في المعتبر وعن ابن الجنيد والمفيد. ويقتضيه خبر جعفر بن كلاب:

ص: 386

والذكر عند تناول الميت (1) وعند وضعه في اللحد (2).

" سمعت جعفر بن محمد يقول: يغشى قبر المرأة بالثوب، ولا يغشى قبر الرجل. وقد مدّ على قبر سعد بن معاذ ثوب والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهد، فلم ينكر ذلك"(1). قال في المعتبر: "وروي عن علي (عليه السلام): أنه مرّ بقوم دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: إنما يصنع هذا بالنساء"(2). وأطلق الشيخ في الخلاف ولم يخصه بالمرأة. وكأنه لذيل خبر جعفر المتقدم. لكنه لو كان من كلام الإمام (عليه السلام) لا من كلام الراوي لا يدل على الاستحباب.

(1) ففي موثق سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: إذا وضعت الميت على القبر قلت: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به. فإذا سللته من قبل الرجلين ودليته قلت: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله. اللهم إلى رحمتك لا إلى عذابك. اللهم أفسح له في قبره، ولقنه حجته، وثبته بالقول الثابت، وقنا وإياه عذاب القبر. وإذا سويت عليه التراب قل: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين، وألحقه بالصالحين"(3). ونحوه في ذلك غيره(4).

ومنه يظهر استحباب الدعاء عند وضعه على القبر قبل تناوله لإنزاله، وبعد دفنه وإهالة التراب عليه. ومثله في الثاني غيره.

(2) كما تضمنته النصوص الكثيرة. ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه، فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي، وقل: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم أفسح له في قبره، وألحقه بنبيه. وقل كما قلت في الصلاة عليه مرة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 50 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) المعتبر ص: 91.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3.

ص: 387

والتحفي (1).

واحدة من عند: اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فاغفر له وتجاوز عنه. واستغفر له ما استطعت. قال: وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا أدخل الميت القبر قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وصاعد عمله، ولقه منك رضواناً" (1) ونحوه غيره.

كما يستحب الدعاء عند سدّ اللحد باللبن، وبعد سدّه به، وعند الخروج من القبر، وعند حثو التراب عليه. ففي صحيح إسحاق بن عمار عنه (عليه السلام): "ثم تضع الطين واللبن فما دمت تضع اللبن والطين تقول: اللهم صل وحدته، وآنس وحشته، وآمن روعته، وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك، فإنما رحمتك للظالمين. ثم تخرج من القبر وتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم ارفع درجته في أعلى عليين، وأخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين"(2).

وفي خبر سالم:" فإذا وضعت عليه اللبن فقل: اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته، وآمن روعته، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان يتولاه. ومتى زرت قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على القبر. فإذا خرجت من القبر فقل: وأنت تنفض يدك من التراب: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرات، وقل: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك. هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله..."(3).

(1) بل ظاهر النصوص كراهة لبس شيء في الرجلين ففي صحيح علي بن يقطين: "سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) يقول: لا تنزل في القبر وعليك العمامة والقلنسوة، ولا الحذاء، ولا الطيلسان. وحلّل أزرارك. وبذلك سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 6، 5.

ص: 388

(389)

وحل الأزرار وكشف الرأس للمباشر لذلك (1). وأن تحل عقد الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس (2).

جرت. قلت: فالخفّ. قال: فلا أرى به بأساً. قلت: لم يكره الحذاء؟ قال: مخافة أن يعثر برجليه فيهدم" (1) وفي خبر ابن أبي يعفور عنه (عليه السلام): "قال: لا ينبغي لأحد أن يدخل القبر في نعلين ولا خفين، ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة"(2). وظاهره كراهة الخف أيضاً.

وربما يجمع بينهما بحمل الأول على حال التقية، كما يناسبه ما في الخبر الحضرمي عنه (عليه السلام):" قلت: والخف؟ قال: لا بأس بالخف، في وقت الضرورة والتقية "(3) وفي خبر سيف بن عميرة عنه (عليه السلام):" قلت: فالخف؟ قال: لا بأس بالخف، فإن في خلع الخف شناعة"(4). نعم لا يبعد كونه أخف كراهة من غيره. هذا والحذاء النعل، والخف - على الظاهر - ما يستوعب ظاهره ظاهر القدم من دون شراك.

(1) لما تقدم من النصوص. وتقدم فيها أيضاً نزع الطيلسان والرداء. وظاهرها كراهة ترك ذلك.

(2) بل والرجلين كما في النهاية والمبسوط والشرايع والتذكرة والقواعد. وادعى عليه الإجماع في المدارك. بل مطلقاً، كما في الغنية والمعتبر، مدعيين عليه الإجماع. ويقتضيه صحيح أبي حمزة: "قلت لأحدهما (عليه السلام): يحلّ [عقد] كفن الميت؟ قال: نعم ويبرز وجهه"(5). وصحيح إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: إذا وضعته في لحده فحل عقده [عقدته]..."(6). و المرسل عن أبي بصير: "سألت أبا عبد

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 2.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3، 4، 5.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 9 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4، وباب: 21 منه حديث: 6.

ص: 389

وأن يحسر عن وجهه (1)، ويجعل خده على الأرض (2)، ويعمل له وسادة

الله (عليه السلام) عن عقد كفن الميت. فقال: إذا أدخلته القبر فحلها"(1). وخبر سالم عنه (عليه السلام) قال:" ...ويحل عقد كفنه كلها ويكشف عن وجهه "(2) وغيرها. ولم أعثر على ما يتضمن التخصيص بالرأس والرجلين، فضلاً عن الرأس وحده.

نعم في صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عنه (عليه السلام):" قال: يشق الكفن عند رأس الميت إذا أدخل قبره"(3) ، ونحوه صحيح حفص(4) قال في المعتبر: "وهذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب. ولأن ذلك إفساد للمال على وجه غير مشروع".

وفي المدارك: "وقد يقال: إن مخالفة الخبر لما عليه الأصحاب لا يقتضي ردّه إذا سلم السند من الطعن. والإفساد غير ضائر، فإن الجميع ضايع، خصوصاً مع إذن الشارع فيه. وأجاب عنه في الذكرى بإمكان أن يراد بالشق الفتح ليبدو وجهه، فإن الكفن كان منضماً قال: وعلى هذا فلا مخالفة ولا إفساد. وهو غير بعيد، فإن مثل هذا الإطلاق مستعمل عند أهل العرف" .لكن ما في الذكرى خلاف ظاهر النص. إلا أن يتعين بلحاظ الجمع بين النصوص، مؤيداً بفتوى الأصحاب.

(1) كما تضمنه جملة من النصوص، منها صحيح أبي حمزة وخبر سالم المتقدمان. واقتصر في نصوص كثيرة على كشف خده(5). وهو محمول على أهميته من سائر الوجه، مع كون كشف تمام الوجه أفضل.

(2) كما في النهاية وتضمنه جملة من النصوص، كصحيح علي بن يقطين: "سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول:... وإن قدر أن يحسر عن خده ويلصقه بالأرض فليفعل..."(6). لكن في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: البرد

********

(1و2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3، 5، 6، 2.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب الدفن وما يناسبه.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 390

من تراب (1). وأن يوضع شيء من تربة الحسين (عليه السلام) معه (2).

لا يلفّ به، ولكن يطرح عليه طرحاً، فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه ".ويتعين حمله على مجرد الجواز وإلا فلا مجال للخروج به عن النصوص الكثيرة المتضمنة استحباب وضع الخدّ على التراب. ولاسيما مع قرب اتحاد الصحيح المذكور مع صحيح ابن سنان وأبان عنه (عليه السلام):" قال: البرد لا يلفّ به... فإذا أدخل القبر وضع تحت جنبه "(1) وغيره.

(1) ففي خبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السلام):" أنه قال: يجعل له وسادة من تراب..."(2).

(2) كما ذكره غير واحد، بل في الجواهر: "على ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه" .ويقتضيه - مضافاً إلى ما تضمن أنها أمان من كل خوف(3) - صحيح عبد الله جعفر الحميري: "كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب - وقرأت التوقيع، ومنه نسخت -: توضع مع الميت ويخلط بحنوطه إن شاء الله"(4). وهو وإن تضمن الجواز إلا أن الظاهر أن المراد به المشروعية بنحو الاستحباب، لأنه هو الداعي لتعمد الوضع في القبر. ومرسل المصباح عن جعفر بن عيسى:" أنه سمع أبا الحسن (عليه السلام) يقول: ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين. ولا يضعها تحت رأسه"(5).

ويؤيده ما عن المنتهى مرفوعاً قال: "إن امرأة كانت تزني وتوضع أولادها وتحرقهم بالنار خوفاً من أهلها، ولم يعلم به غير أمها. فلما ماتت دفنت فانكشف

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 6 وذيله.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 19 من أبواب التكفين حديث: 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 70 من أبواب المزار وما يناسبه.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 1، 3.

ص: 391

(392)

وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة (عليهم السلام) (1).

التراب عنها ولم تقبلها الأرض، فنقلت من ذلك المكان إلى غيره، فجرى لها ذلك. فجاء أهلها إلى الصادق (عليه السلام) وحكوا له القصة. فقال لأمها: ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟ فأخبرته بباطن أمرها. فقال الصادق (عليه السلام): إن الأرض لا تقبل هذه، لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله. اجعلوا في قبرها شيئاً من تربة الحسين (عليه السلام) ففعل ذلك بها، فسترها الله تعالى"(1).

هذا ومقتضى إطلاق الأول والثالث وضعها في أي موضع من القبر، كما هو مقتضى إطلاق جماعة وصريح المختلف بل حتى في الكفن، كما عن حاشية الفاضل الميسي. وكأنه لضعف مرسل المصباح، حيث لا ينهض بتقييد الإطلاق. فليحمل على الفضل، بناءً على قاعدة التسامح في أدلة السنن. ولعله لذا حكي عن الشيخ الاقتصار على مفاده. وقد يرجع إليه ما عن الغرية والاقتصاد من جعلها في وجه الميت.

وأما ما في السرائر وحكاه عن المفيد من أن الأقوى وضعها تحت خده، وما في المعتبر والذكرى من أن ذلك الأحسن. فلم يتضح وجهه.

(1) الظاهر أن مراد تلقينه بهذه الأمور بعد وضعه في لحده قبل تشريج اللبن، كما صرح به بعضهم، وفي الجواهر:" بلا خلاف أعرفه فيه، بل في الغنية الأجماع عليه. والأخبار به كادت تكون متواترة، كما في الذكرى. وهو كذلك".

ففي صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه فقل: الله ربك، والإسلام دينك، ومحمد نبيك، والقرآن كتابك، وعلي إمامك"(2).

وفي صحيح زرارة: "قال: إذا وضعت الميت في لحده قرأت آية الكرسي،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب التكفين حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3.

ص: 392

واضرب يدك على منكبه الأيمن، ثم قل: يا فلان قل: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبياً، وبعلي إماماً. وسم [حتى] إمام زمانه" (1) وفي صحيح إسحاق بن عمار: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا أنزلت الميت في قبر فقل: بسم الله وبالله... ثم تضع يدك اليسرى على عضده وتحركه تحريكاً شديداً، ثم تقول: يا فلان بن فلان، إذا سئلت فقل: الله ربي، ومحمد نبيي، والإسلام ديني، والقرآن كتابي، وعلي إمامي، حتى تسوق الأئمة (عليهم السلام)، ثم تعيد عليه القول، ثم تقول: أفهمت يا فلان؟ قال (عليه السلام): فإنه يجيب، ويقول: نعم. ثم تقول: ثبتك الله بالقول الثابت، وهداك الله إلى صراط مستقيم. عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر من رحمته..."(2).

وفي خبر سالم عنه (عليه السلام):" ثم تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن، وتضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر، وتحركه تحريكاً شديداً، وتقول: يا فلان بن فلان، الله ربك، ومحمد نبيك، والإسلام دينك، وعلي وليك وإمامك، وتسمي الأئمة (عليهم السلام) واحداً واحداً إلى آخرهم أئمتك أئمة هدى أبرار، ثم تعيد عليه التلقين مرة أخرى. فإذا وضعت عليه اللبن..."(3) ، وفي خبر محفوظ الإسكاف عنه (عليه السلام): "ويدني فمه إلى سمعه ويقول: اسمع افهم - ثلاث مرات - الله ربك، ومحمد نبيك، والإسلام دينك، وفلان إمامك، اسمع، وافهم. وأعدها عليه ثلاث مرات. هذا التلقين"(4). ومثلها في ذلك غيرها.

وصريح الثالث والرابع إعادة التلقين مرتين، وقد يظهر من الخامس استحباب إعادته ثلاثاً، كما عن محكي الاقتصاد. وربما يحمل ذيله على أن الذي يعاد ثلاثاً هو:" اسمع وافهم "،كما تضمه صدره.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 6، 5، 4.

ص: 393

(394)

وأن يسد اللحد باللبن (1)،

(1) قال في الجواهر:" ولا نعلم في استحبابه خلافاً، كما اعترف به في المنتهى، وفي الغنية والمدارك والمفاتيح الإجماع عليه، وفي المعتبر: مذهب فقهائنا ".وكأنه لظهور النصوص في تعارف ذلك. ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام):" فإذا وضعت عليه اللبن فقل..."(1). ونحوه في ذلك خبر سالم بن مكرم(2). وفي صحيح إسحاق بن عمار: "ثم تضع الطين واللبن. فمادمت تضع اللبن والطين تقول..."(3). لكن ذلك بمجرده لا يكفي في إثبات أصل استحباب سدّ اللحد، فضلاً عن كونه باللبن.

نعم يمكن استفادة استحباب سد اللحد من ظهور كون اتخاذ اللحد من أجل جعل الميت في بيت متسع غير متعرض للطمّ، فإن ذلك يقتضي حفظ اللحد بتمامه من ذلك بسد بابه. كما قد يستفاد أيضاً مما تضمن الاهتمام بسدّ الخلل والفرج، كما يأتي في حديث عبد الله بن سنان.

وأما استحباب اللبن بخصوصه فيشكل إثباته جداً. لقرب كون تعارفه سابقاً لأنه الأيسر الذي شاع البناء به.

ولاسيما مع ما في حديث عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث:" إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل حتى لحَّد سعد بن معاذ، وسوى اللبن عليه، وجعل يقول: ناولني حجراً ناولني تراباً رطباً يسد به ما بين اللبن. فلما أن فرغ وحثا التراب عليه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلاء [البلى. علل]، ولكن الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه"(4). حيث تضمن سدّ الخلل بالحجر. وحمله على اللبن خلاف الظاهر. كما أن مقتضى ذيله استحباب إحكام القبر فلو حصل بغير اللبن

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2، 5، 6.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 60 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

ص: 394

وأن يخرج المباشر من طرف الرجلين (1). وأن يهيل الحاضرون التراب بظهور الأكف (2)،

كفى. بل لو اقتضى شدة إحكامه كان أفضل بمقتضى ذلك.

ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر وعن المنتهى من أن اللبن أولى من غيره، لأنه المنقول عن السلف المعروف في الاستعمال. ولعله لذا عمم في الغنية لكل ما يقوم مقام اللبن. بل ظاهر مفتاح الكرامة كون ذلك مراد الأصحاب، وداخل في معاقد الإجماعات في المقام.

(1) كما صرح به غير واحد، بل لعله لا خلاف فيه في الجملة. ويقتضيه - مضافاً إلى ما تضمن أن باب القبر من قبل الرجلين(1) - موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال من دخل القبر فلا يخرج منه إلا من قبل الرجلين"(2). وقريب منه مرفوع سهل(3) ومقتضاهما بل المستفاد من جميع ذلك كراهة الخروج من جانب الرأس.

هذا ومقتضى إطلاق النصوص - كأكثر الأصحاب، بل صريح بعضهم

عدم الفرق بين الرجل والمرأة. لكن عن الكاتب أنه قال في المرأة يخرج من عند رأسها، لإنزالها عرضاً، وللبعد عن العورة. لكن لم نقف له على أثر، كما في المدارك، وإطلاق النص يدفعه، كما في كشف اللثام. وما ذكره من الوجه لا ينهض بالخروج عن الإطلاق.

(2) قال في المدارك:" وذكر الأصحاب استحباب الإهالة بظهور الأكف، والترجيع في تلك الحالة. ولم أقف فيهما على أثر ".وقد يستدل لاستحباب الإهالة بظهر الكف بما في خبر سالم:" ثم أحث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرات، وقل:

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب الدفن وما يناسبه.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 23 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1، 2.

ص: 395

غير ذي الرحم (1).

اللهم إيماناً بك... "(1) إلى آخر ما تقدم عند الكلام في استحباب الذكر. وفي حديث محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا:" رأيت أبا الحسن (عليه السلام) وهو في جنازة، فحثا التراب على القبر بظهر كفيه"(2).

لكن الثاني - مع ضعفه - لا يدل على الاستحباب. والاستدلال بالأول موقوف على كونه من تتمة الخبر، كما هو ظاهر الوسائل، لا من كلام الصدوق، كما استظهره في الجواهر.

هذا وفي صحيح عمر بن أذينة: "رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يطرح التراب على الميت، فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه، ولا يزيد على ثلاثة أكف. قال: فسألته عن ذلك، فقال: يا عمر كنت أقول: إيماناً بك وتصديقاً ببعثك. هذا ما وعد الله ورسوله إلى قوله: وتسليماً. هكذا كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبه جرت السنة"(3). وقد يحمل على استحباب كيفية أخرى من أجل الدعاء عند قبض التراب بالكف.

وأما الاسترجاع فلم أعثر على نص به، وإنما تضمن خبر سالم المتقدم الاسترجاع عند الخروج من القبر عند نفض اليد من التراب قبل حثوه على الميت. بناء على أن ذلك من تتمة الخبر، على ما أشرنا إليه آنفاً.

(1) ففي صحيح عبيد بن زرارة:" مات لبعض أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) ولد فحضر أبو عبد الله (عليه السلام)، فلما ألحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب، فأخذ أبو عبد الله بكفيه، وقال: لا تطرح عليه التراب، ومن كان ذا رحم فلا يطرح عليه التراب،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 29 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

(3) الكافي ج: 3 ص: 198 باب من حثا على الميت وكيف يحثا حديث: 4. ورواه عنه في وسائل الشيعة ج: 2 باب: 29 من أبواب الدفن حديث: 2. لكن هكذا: "هذا ما وعد [نا] الله ورسوله وصدق الله ورسوله. اللهم زدنا إيماناً إلى قوله: وتسليماً. هكذا كان يفعل..." ولا يخلو عن اضطراب.

ص: 396

وطمّ القبر (1)، وتربيعه (2) لا مثلثاً ولا مخمساً ولا غير ذلك. ورش الماء عليه (3) دوراً، يستقبل القبلة،

فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب. فقلنا: يا ابن رسول الله أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال: أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم، فإن ذلك يورث القسوة في القلب، ومن قسا قلبه بعد من ربه"(1). ومنه يظهر أن استثناء ذي الرحم من أصل طرح، لا من كونه بظهر الكف. كما أن مقتضاه كراهة طرح الرحم التراب - كما يأتي منه (قدس سره) في المسألة الآتية - لا مجرد عدم استحبابه.

(1) إن كان المراد به ما يقابل بقاءه محفوراً منكشفاً فلا يبعد وجوبه، لعدم وضوح صدق الدفن بدونه، وإن كان المراد ما يقابل ستره بغير التراب من باب أو سقف أو نحو ذلك أشكل استفادة استحبابه من النصوص. فإنها وإن كانت ظاهرة في المفروغية عن الطمّ حتى تضمنت جملة من آدابه، إلا أنه لا يبعد إبتناؤها على تعارف اختياره ومألوفيته، لا على استحبابه تعبداً بخصوصيته.

(2) إجماعاً، كما في الغنية والمعتبر والتذكرة والمدارك وعن المفاتيح. ويقتضيه ما في حديث الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث شرايع الدين: "والقبور تربع ولا تسنم"(2) ، وفي حديث وصية الإمام الباقر (عليه السلام):" وأن يربع قبره"(3) ، ومرسل الحسين بن الوليد عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قلت: لأي علة يربع القبر؟ قال: لعلة البيت، لأنه نزل مربعاً"(4) ، وغيره.

(3) إجماعاً، كما في الغنية ومجمع البرهان وظاهر المعتبر والمنتهى وجامع المقاصد، وفي المدارك نفي الخلاف عنه. كذا في مفتاح الكرامة. وتقتضيه النصوص

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 30 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 31 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 9، 12.

ص: 397

ويبتدئ من عند الرأس (1)، فإن فضل شيء

المستفيضة، كصحيح زرارة قال أبو عبد الله (عليه السلام): "إذا فرغت من القبر فانضحه..." (1) وفي مرسل بن أبي عمير عنه (عليه السلام): "في رش الماء على القبر قال: يتجافى عنه العذاب مادام الندى في التراب" (2) وفي معتبر طلحة بن زيد عنه (عليه السلام): "قال: كان رش القبر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)" (3) وغيرها.

هذا ومقتضى هذه النصوص استحباب الرش مرة واحدة بعد إكمال الدفن. لكن في حديث محمد بن الوليد: "أن صاحب المقبرة سأله عن قبر يونس بن يعقوب وقال: من صاحب هذا القبر؟ فإن أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أمرني أن أرش قبره أربعين شهراً، أو أربعين يوماً، في كل يوم مرة"(4). وقد يناسبه ما تقدم في مرسل ابن أبي عمير من أنه يتجافى عنه العذاب مادام الندى في التراب. لكن في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) الوارد في الجريدتين:" إنما العذاب والحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة، قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم، وإنما جعلت السعفتان لذلك، فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله"(5).

(1) كما ذكره غير واحد من الأصحاب. ويشهد له صحيح موسى بن أكيل عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: السنة في رش الماء على القبر أن تستقبل القبلة، وتبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل، ثم تدور على القبر من الجانب الآخر، ثم يرش على وسط القبر. فكذلك السنة" (6) ونحوه في ذلك خبر سالم(7) إلا أن فيه: "فإن فضل من الماء شيء فصبه على وسط القبر" ،بناءً على أن ذلك كله من تتمة الخبر، كما يظهر من

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2، 3.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 6.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب التكفين حديث: 1.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(7) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

ص: 398

صب على وسطه (1). ووضع الحاضرين أيديهم عليه غمزاً بعد الرش (2)،

الوسائل، لا من كلام الصدوق استظهره في الجواهر ومقتضى الجمع بينه وبين النصوص السابقة حمله على تعدد المطلوب، لا على التقييد، كما قد يظهر من المتن وجملة كلمات الأصحاب.

(1) ذكره غير واحد من الأصحاب، بل نسبه في المعتبر إليهم مشعراً بدعوى الإجماع عليه. وينحصر وجهه بما تقدم في خبر سالم بناء على أنه من تتمة الخبر. أما صحيح موسى فقد تضمن الأمر برش الوسط مطلقاً من دون تقييد بما إذا فضل من الماء شيء.

(2) لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: "قال: وإذا حثى عليه التراب وسوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه، وفرج أصابعك واغمز كفك عليه بعدما ينضح بالماء"(1) ، بناءً على ما هو الظاهر من أن قوله (عليه السلام):" بعدما ينضح... "متعلقاً بقوله:" فضع كفك "لا بقوله:" وفرج... "،حيث يبعد جداً نضح الماء بعد وضع المشيع يده على القبر قبل غمزه له. وهو صريح صحيحه الآخر:" قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا فرغت من القبر فانضحه، ثم ضع يدك عند رأسه وتغمر كفك عليه بعد النضح"(2) ، ونحوه غيره.

ولا يبعد حملها على تأكد استحباب الغمز مع استحباب مطلق الوضع أيضاً ولو بلا غمز، كما هو مقتضى إطلاق جماعة من الأصحاب. ولا أقل من كونه مقتضى الجمع بين الصحيحين وغيرهما من النصوص. ففي موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله: "سألته عن وضع الرجل يده على القبر ما هو، ولم صنع؟ فقال: صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ابنه بعد النضح. قال: وسألته: كيف أضع يدي على قبور المسلمين.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 33 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 32 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

ص: 399

فأشار بيده إلى الأرض ووضعها عليها ثم رفعها، وهو مقابل القبلة"(1).

بل لا يبعد ذلك في النضح أيضاً، فيستحب وضع اليد مطلقاً ولو مع عدم النضح - وإن كان بعد النضح أفضل - كما هو مقتضى إطلاق جماعة، وإطلاق ما يأتي من النصوص. نعم ما تضمن خصوصية بني هاشم ظاهر في اختصاص الاستحباب لخصوصيتهم بالغمز بعد النضح. كما أن مقتضى موثق عبد الرحمن الاستقبال حين وضع اليد أيضاً.

هذا ومقتضى الصحيح الأول استحباب كون الأصابع مفرجات، وهو المحكي عن جماعة منهم الشيخ، بل عنهم أيضاً استحباب تأثير الأصابع في القبر، ومن الظاهر أنه ملازم للغمز في التراب. بل هو الظاهر مما يأتي في بني هاشم.

وأما استحبابه مطلقاً ولو في غير التراب فلا يخلو عن إشكال وإن كان قد يناسب الإطلاق ما في مرسل الدعائم:" عن علي (صلوات الله عليه) أنه لما مات إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرني... ثم سوى قبره ووضع يده عند رأسه وغمزها حتى بلغ الكوع، وقال: باسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك"(2). لظهور أن الختم من الشيطان مرغوب فيه مطلقاً. فتأمل.

كما أن مقتضاه ومقتضى الصحيحين استحباب كون الوضع عند رأس الميت. وهو محمول على تأكد الاستحباب مع كون أصل الوضع مستحباً، كما هو مقتضى إطلاق جماعة ويقتضيه الجمع مع بقية نصوص المسألة، منها موثق عبد الرحمن المتقدم.

هذا وفي خبر سالم: "ثم ضع يدك على القبر وادع للميت واستغفر له"(3). وقد يظهر منه أن وضع اليد من أجل الاستغفار. لكنه - مع احتمال كونه من كلام

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 33 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 31 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

ص: 400

ولاسيما إذا كان الميت هاشمياً (1) أو الحاضر لم يحضر الصلاة عليه (2).

الصدوق، نظير ما أشرنا إليه آنفاً - لا ينافي استحباب الوضع في نفسه ولو مع عدم الدعاء، كما هو مقتضى إطلاق النصوص السابقة.

(1) ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئاً لا يصنعه بأحد من المسلمين، كان إذا صلى على الهاشمي ونضح قبره بالماء وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين. فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله (عليه السلام)، فيقول: من مات من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)"(1). لكن لا ظهور له في استحباب ذلك لكل أحد من بني هاشم.

وأشكل من ذلك ما عن العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم قال: "إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا مات الرجل من أهل بيته يرش قبره ويضع يده على قبره، ليعرف أنه قبر العلوية وبني هاشم من آل محمد (عليهم السلام). فصارت بدعة في الناس كلهم، ولا يجوز ذلك"(2).

إذ فيه: أن فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بقبور بني هاشم من أجل التعريف بها لا ينافي عموم استحباب وضع اليد على القبر، كما يستفاد من النصوص الكثيرة المتقدمة وغيرها.

(2) لحديث إسحاق بن عمار:" قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): إن أصحابنا يصنعون شيئاً إذا حضروا الجنازة ودفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر، أفسنة ذلك أم بدعة؟ فقال: ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه "(3) وحديث محمد بن إسحاق:" قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): شيء يصنعه الناس عندنا، يضعون أيديهم على القبر إذا دفن الميت. قال: إنما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه، فأم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 33 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

(2) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 31 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3، وبحار الأنوار ج: 82 ص: 22 باب الدفن وآدابه وأحكامه حديث: 6.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 33 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

ص: 401

والترحم عليه (1) بمثل: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين، وألحقه بالصالحين (2). وأن يلقنه الولي بعد

من أدرك الصلاة [عليه] فلا"(1).

وهما محمولان على تأكد الاستحباب في حق من لم يحضر الصلاة عليه، لإطلاق النصوص ولاسيما صحيحي زرارة المتقدمين، حيث يصعب حملهما على خصوص من لم يحضر الصلاة عليه.

بل حديث إسحاق قد يظهر في عموم المشروعية، لأن السؤال فيه لما كان عن كونه سنة أو بدعة فالجواب بأنه واجب على من لم يحضر الصلاة لا يصلح عرفاً لبيان كونه بدعة على غيره. غاية الأمر أنه لا يتأكد استحبابه مع حق غيره، وإن كان سنة فيه أيضاً، ليكون الجواب مستوفياً لمورد السؤال. نعم هو مختص بمسح اليد على القبر، لا مجرد وضعها عليه، الذي هو محل الكلام. إلا أن يحمل على إرادة أصل الوضع، لأنه المعروف، كما يظهر من بقية النصوص.

(1) كما ذكره غير واحد. ويقتضيه ما في خبر سالم: "ثم ضع يدك على القبر وادع للميت واستغفر له"(2) ، بناءً على أنه من تتمة الخبر، كما أشرنا إلى نظيره آنفاً. وظاهره استحباب الدعاء حال وضع اليد، لا أنه مستحب مستقل. لكن لا ينبغي التأمل في استحباب الدعاء للميت مطلقاً ولو مع عدم وضعها، كما هو مقتضى إطلاق بعض النصوص الآتية. بل تضمن بعضها الدعاء له بعد الخروج من القبر قبل إكمال الدفن، كما تقدم عند الكلام في استحباب الذكر عند تناول الميت.

(2) كما تضمنه موثق سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: وإذا سويت عليه التراب قل: اللهم..."(3). وفي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): "ثم بسط

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 33 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5، 4.

ص: 402

انصراف الناس (1)

كفه على القبر، ثم قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وأصعد إليك روحه، ولقّه منك رضواناً، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك"(1).

(1) إجماعاً محصلاً ومنقولاً مستفيضاً، بل كاد يكون متواتراً، كذا في الجواهر. ويقتضيه صحيح إبراهيم بن هاشم عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: ينبغي أن يتخلف عند قبر الميت أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه، ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفيع صوته. فإذا فعل ذلك كفي الميت المسألة في القبر"(2).

وخبر يحيى بن عبد الله قال: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما على أهل الميت منكم أن يدرؤوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير. قال: قلت: كيف يصنع؟ قال: إذا أفرد الميت فليستخلف [فليتخلف] عنده أولى الناس به، فيضع فمه عند رأسه ثم ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن فلان، أو يا فلانة بنت فلان، هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله سيد النبيين، وأن علياً أمير المؤمنين وسيد الوصيين، وأن ما جاء به محمد حقّ، وأن الموت حقّ، والبعث حقّ، [وأن الساعة آتية لا ريب فيها] وأن الله يبعث من في القبور. قال: فيقول منكر لنكير: انصرف بنا عن هذا، فقد لقن حجته"(3).

وفي خبر جابر عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: ما على أحدكم إذا دفن ميته وسوى عليه، وانصرف عن قبره، أن يتخلف عند قبره، ثم يقول: يا فلان بن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به، من شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) إمامك، وفلان وفلان، حتى يأتي على آخرهم. فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه: قد كفينا الوصول إليه ومسألتنا إياه، فإنه قد لقن حجته، فينصرفان عنه، ولا يدخلان عليه"(4).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 29 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 35 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3، 1، 2.

ص: 403

رافعاً صوته (1). وأن يكتب اسم الميت على القبر، أو على لوح أو حجر

وصريح الأولين أن الذي يقوم بذلك هو الولي، بل هو الظاهر في الجملة من الثالث، لأن نسبة الميت للشخص ظاهر في اختصاصه به، وهو مناسب لإرادة الولي جداً. وإن كان قد يعمّ غيره ممن يقاربه في الانتساب للميت والاختصاص به.

لكن استظهر في الجواهر الاكتفاء بمن يأمره الولي، ونسبه لمعقد إجماع الذكرى. وكأنه لكونه حينئذ بمنزلة الولي، كما هو مقتضى الوكالة المستفادة من الأمر. ويشكل بعدم وضوح قابلية المورد للوكالة، بل هو خلاف ظاهر النصوص والفتاوى.

وأشكل من ذلك ما في المقنعة من أن الذي يقوم بذلك بعض إخوان الميت، وما عن الجامع من أن الذي يقوم به الولي أو غيره. فإنه مبني على إلغاء خصوصية الولي في النصوص. وهو بعيد عن ظاهرها جداً. نعم يحسن عند عدم قيام الولي بذلك قيام غيره برجاء ترتب الفائدة المطلوبة.

(1) بل بأرفع صوته كما عبر به جماعة. ويقتضيه خبر يحيى بن عبد الله المتقدم. بل لعله الظاهر من قوله (عليه السلام) في حديث إبراهيم "برفيع صوته" .لظهور الإضافة في العهد، ولا يبعد انصرافه في المشكك للأعلى المراتب. نعم قد يحمل الأمر به على تعدد المطلوب من دون أن يكون قيداً في التلقين، جمعاً بين الحديثين وخبر جابر المتقدم. وكذا الحال في وضع الملقن فمه عند رأس الميت الذي تضمنه خبر يحيى بن عبد الله، وقبض الملقن التراب بكفيه الذي تضمنه حديث إبراهيم.

وإن كان الأولى المحافظة مهما أمكن على شدة رفع الصوت، وكون النداء في جهة الرأس، حيث لا يبعد أن يكون لهما الأثر في إسماع الميت. ولاسيما بملاحظة ما ورد في التلقين في القبر من ضرب منكب الميت(1) ، ووضع الملقن فمه على أذنه أو

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

ص: 404

(405)

(405)

وينصب على القبر (1).

(مسألة 65): يكره دفن الميتين في قبر واحد (2). ونزول الأب في قبر

إدنائه من سمعه(1). فلاحظ.

هذا وفي الجواهر: "ثم إن المنساق إلى الذهن من الأخبار والتعليل الذي فيها اختصاص هذا الحكم ونظائره بالكبير دون الصغير. لكنه صرح في جامع المقاصد بعدم الفرق كالجريدتين. ولا بأس به لو كان هناك عموم واضح يتناوله".

(1) ففي معتبر يونس بن يعقوب: "لما رجع أبو الحسن موسى (عليه السلام) من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها، وأمر بعض مواليه أن يجصّص قبرها، ويكتب على لوح اسمها، ويجعله في القبر"(2). وفي خبر الخيراني عن جارية لأبي محمد (عليه السلام):" أن أم المهدي (عليه السلام) ماتت في حياة أبي محمد (عليه السلام). وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: هذا قبر أم محمد(3)"(عليه السلام).

لكن يشكل استفادة عموم الاستحباب الشرعي منهما لاحتمال كونه بلحاظ تعلق الغرض بتعليم القبر في الموردين المذكورين بخصوصياتهما. مع أنهما إنما تضمنا الكتابة على لوح يجعل في القبر، دون الكتابة على نفس القبر.

(2) قال في الجواهر:" بلا خلاف أجده بين من تعرض له... عدا ابن سعيد في الجامع، فنهى. ولعله يريدها للأصل، وضعف المرسل عنهم (عليهم السلام): لا يدفن في قبر واحد اثنان، عن إفادة غير الكراهة ".لكن لم أعثر عاجلاً على المرسل المذكور في الوسائل ومستدركه والبحار وغيرها.

وربما يستدل على الكراهة بفحوى ما تضمن النهي عن جمعهما في جنازة واحدة، وهو مكاتبة الصفار:" كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام): أيجوز أن يجعل الميتين على

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 20 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3، 4.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2، 3.

ص: 405

ولده (1)، وغير المحرم في قبر المرأة (2). وإهالة الرحم التراب (3)، وفرش القبر بالساج (4)

جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس. وإن كان الميتان رجلاً وامرأة، يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما؟ فوقع (عليه السلام): لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد"(1).

لكنه كما ترى، إذ - مع اختصاص النص بالرجل والمرأة - لا يتضح وجه الأولوية. وأوهن من ذلك الاستدلال باحتمال تأذي أحدهما بالآخر وافتضاحه عنده. ولعله لذا أهمله جماعة كثيرون.

(1) للنصوص المستفيضة ففي صحيح حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: يكره للرجل أن ينزل في قبر ولده"(2). ونحوه غيره، معللاً في بعضها بخوف الجزع المحبط للأجر، كما تضمن بعضها أنه مقتضى التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في موت ولده إبراهيم (عليه السلام).

(2) ففي موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): مضت السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها"(3). هذا مع قطع النظر عن حرمته عرضاً لو استلزم النظر المحرم أو غيره من المحرمات.

(3) كما يظهر مما سبق عند الكلام في استحباب إهالة غير الرحم التراب بظهر الكف.

(4) قال في الجواهر: "بلا خلاف أجده، بل في الذكرى ومجمع البرهان وعن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 42 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 25 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 26 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 406

جامع المقاصد وروض الجنان نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع" .ولا يتضح وجهه عدا ما قد يشعر به السؤال في مكاتبة علي بن بلال إلى أبي الحسن (عليه السلام): "أنه ربما مات عندنا الميت وتكون الأرض ندية، يفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، فهل يجوز ذلك؟ فكتب ذلك جائز"(1). وكذا التعليل في مرسل الدعائم عن علي (عليه السلام):" أنه فرش في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطيفة، لأن الموضع كان ندياً سبخاً"(2).

لكن ذلك قد يكون لبيان الداعي للفعل المذكور، لا لبيان ارتفاع الكراهة به، ليدل على الكراهة بدونه. بل تضمن بعض الأخبار أن أمير المؤمنين عليه السلام وضع على ساجة ادخرها له نوح عليه السلام(3) ، مع أن موضع قبره (عليه السلام) مرتفع يبعد أن يكون ندياً. وفي مرسل الفقيه: "وقد روي عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) إطلاق في أن يفرش القبر بالساج ويطبق على الميت بالساج"(4). وروي عن علي بن أحمد الدلال قال:" دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان - يعني: وكيل مولانا المهدي صلوات الله عليه يوماً - لأسلم عليه، فوجدت بين يديه ساجة، ونقاش ينقش عليها، ويكتب عليها آيات من القرآن وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على جوانبها. فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها، أو قال: أسند إليها"(5). فإن ذلك لا يناسب الكراهة. وكذا الصحيح المتقدم عند الكلام في استحباب وضع خدّ الميت على التراب المتضمن وضع البرد تحت جنب الميت.

ومنه يظهر ضعف ما عن الشهيد الثاني وشيخه الميسي من حرمة فرش القبر بما له قيمة من الثياب. حيث لا وجه له إلا دعوى كونه تبذيراً، والتي ينهض ما سبق بمنعها.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) و مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 27 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 27 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2، 3.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 27 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 3.

(5) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 27 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 4.

ص: 407

من غير حاجة (1) وتجصيصه (2)

(1) وأما معها فلا كراهة، كما عن بعضهم وظاهر آخرين. ويقتضيه ما سبق.

(2) للإجماع المحكي في صريح المبسوط والتذكرة وعن نهاية الأحكام والمفاتيح وظاهر المنتهى عليه. كذا في الجواهر. ويقتضيه صحيح علي بن جعفر: "سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ قال: لا يصلح البناء عليه، ولا الجلوس، ولا تجصيصه، ولا تطيينه" (1) ونحوه غيره. ويناسبه ما تضمن النهي عن أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه، أو أن يطين بغير طينه(2). ولا إشكال عندهم في حمل جميع ذلك على الكراهة، كما يناسبه السيرة.

نعم هو لا يناسب ما تقدم في معتبر يونس بن يعقوب: "لما رجع أبو الحسن موسى (عليه السلام) من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنة بفيد، فدفنها، وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها..."(3).

وربما يجمع بينه وبين ما سبق تارة: بحمل النصوص الأول على التجديد، دون التجصيص ابتداء، كما نسب للشيخ في كلام جماعة، وإن لم يتضح من كلامه. وأخرى: بحملها على ما إذا كان القبر في المواضع المباحة دون المملوكة، كما قد يناسبه تخصيص الشيخ في المبسوط الكراهة بها. وثالثة: بحمل معتبر يونس على التطيين دون التجصيص. ورابعة: بحمل النصوص الأول على غير أهل الشرف، وحمل معتبر يونس عليهم، كما يظهر من المتن.

والكل كما ترى. للإشكال في الأول بأن المهم عند الناس هو التجصيص الأول، فحمل إطلاق النصوص الأول على غيره بعيد جداً. وفي الثاني بأنه تبرعي بلا شاهد. بل حمل معتبر يونس على الأرض المملوكة بعيد جداً، لأن فيد منزل في الطريق

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 44 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 36 من أبواب الدفن وما يناسبه.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 37 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

ص: 408

فمن البعيد جداً كون الدفن فيه في الأرض المملوكة. وفي الثالث بأنه تأويل لمعتبر يونس بلا شاهد. مع أن بعض نصوص الكراهة قد اشتمل على التطيين أيضاً. وأما الرابع فهو وإن كان لا يأباه معتبر يونس، إلا أنه لا يأبى أيضاً الحمل على خصوص من له شرف ديني، أو خصوص الهاشمي، أو العلوي من أولاد الأئمة (عليهم السلام) أو غير ذلك. بل من البعيد جداً أن يكون مطلق الشرف في الدنيا مصححاً لتمييز القبر.

هذا وقد حمل الشيخ معتبر يونس على بيان الرخصة من دون أن ينافي الكراهة. لكن من البعيد جداً اهتمام الإمام (عليه السلام) وأمره بما هو مكروه. خصوصاً مثل هذه الكراهة، لما هو المرتكز من عدم مناسبة البناء والعمران للموت والقبر. ولاسيما مع كثرة النصوص المتقدمة الدالة على الكراهة، وفي بعضها أن كل ما جعل على القبر من غير ترابه فهو ثقل على الميت.

نعم لا يبعد ارتفاع الكراهة أو مزاحمتها بوجود غرض ديني كتعظيم الشعائر الدينية ونحوه، كما هو المناسب لمورد معتبر يونس.

ومن هنا لا يبعد استثناء مطلق من كان في تشييد قبره والبناء عليه تعظيم للدين، من الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم) والعلماء والصالحين. بل يستحب تشييد قبورهم وتعظيمها، كما عليه سيرة الطائفة، بل المسلمين عموماً، عدا من شذ من أهل البدع والضلالات.

ويناسبه ما ورد في عمارة قبور الأئمة (عليهم السلام). مثل ما في خبر أبي عامر واعظ أهل الحجاز:" أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت: ما لمن زار قبره - يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) - وعمّر ترتبته؟ فقال: يا أبا عمارة حدثني أبي عن أبيه عن جده الحسين بن علي (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها. قلت: يا رسول الله: ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ قال لي: يا أبا الحسن إن الله قد جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم، وتحتمل الأذى والمذلة فيكم، فيعمرون قبوركم يكثرون زيارتها...

ص: 409

وتطيينه (1).

أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي... يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس..."(1). وما في خبر صفوان في حديث زيارته لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "وأعطاني دراهم وأصلحت القبر"(2).

وفي مرفوع علي بن أسباط:" قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين: قبراً كبيراً وقبراً صغيراً. وأما الكبير فقبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وأما الصغير فرأس الحسين (عليه السلام)"(3). فإن تميز القبرين بالصغر والكبر يناسب تحديدهما بالبناء، لا بمجرد جمع التراب الذي يتعرض للانتشار والاضمحلال في المواضع المكشوفة بهبوب الرياح.

بل ما تضمن استحباب زيارة قبور المعصومين (عليهم السلام) وأولادهم يناسب المفروغية عن رجحان تحديدها بالبناء ونحوه، لأن معالم القبر بدون ذلك تندرس وتضمحل بمرور الزمان، بل بقاؤها كومة من التراب لا يناسب احترامها وتعظيمها الذي يستفاد من رجحان زيارتها.

ومن ثم جرت سيرة الطائفة على الاهتمام بعمارتها من عصور المعصومين (عليهم السلام) وبمرأى منهم ومسمع. بل الأمر أوضح من ذلك وأظهر.

نعم لا يبعد عدم جريان ذلك فيمن ورد الأمر بزيارته لا بلحاظ كونه تعظيماً للشعار، بل لمجرد صلته، كالأبوين والإخوان المؤمنين، لما هو المعلوم من عدم ابتناء ذلك على الاستمرار بتعاقب الأيام والأعوام، وعدم ابتناء الزيارة على تعظيم القبر واحترامه بلحاظ من فيه، فلا مخرج فيه عما تضمنته النصوص السابقة من الكراهة.

(1) للنصوص المتقدمة. لكن في موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال:

********

(1) وسائل الشيعة ج: 10 باب: 26 من أبواب المزار وما يناسبه حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 10 باب: 29 من أبواب المزار وما يناسبه حديث: 7.

(3) وسائل الشيعة ج: 10 باب: 32 من أبواب المزار وما يناسبه حديث: 7.

ص: 410

إلا أن يكون الميت من أهل الشرف (1). وكذا تسنيمه (2)،

لا تطينوا القبر من غير طينه"(1). وقد يجمع بينه وبينها تارة: بحمل الإطلاق على خصوص التطيين بغير طين القبر، حيث لا يبعد انصرافه له. وأخرى: باختلاف مرتبة الكراهة.

هذا وفي المبسوط: "ويكره تجديد القبور بعد اندراسها. ولا بأس بتطيينها ابتداء" .ولا يتضح وجهه بعد إطلاق النصوص المتقدمة. بل حمل الإطلاق على خصوص ما عدا التطيين الأول بعيد، كما ذكرنا نظيره في التجصيص.

نعم في حديث الأصبغ بن نباتة: "قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من جدد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج عن الإسلام"(2). ومقتضاه الحرمة بناءً على روايته بالجيم. لكن تقدم في المسألة الثالثة والستين أنه روي بوجوه مختلفة، فلا ينهض بالاستدلال. ولاسيما مع ظهور مخالفته لفتوى الأصحاب وعمل الطائفة.

(1) تقدم أن المتيقن من ذلك أهل الشرف في الدين ممن يكون حفظ قبره تعظيماً لشعائره.

(2) لحديث شرايع الدين المروي في الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال:" والقبور تربع ولا تسنم"(3). ومرسل تحف العقول عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون: "ويربع قبر الميت ولا يسنم"(4). وحديث الأصبغ" قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من حدد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج عن [من] الإسلام "(5) بناء على قراءته بالحاء والدالين، لأن تحديد القبر تسنيمه وإن تقدم قريباً أنه روي بوجوه مختلفة.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 36 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 43 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب الدفن حديث: 5.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 9 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 43 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 411

والبناء عليه (1)،

هذا وربما يستفاد مما تقدم في استحباب تربيع القبر(1) ، إما لأن المراد من التربيع التسطيح، أو لاستفادته تبعاً منه. لكن الأول غير ظاهر، بل هو لا يناسب مرسل الحسين بن الوليد المتقدم عند الكلام في التربيع. والثاني غير ظاهر الوجه.

قال في الجواهر:" إلا أنا في غنية عن ذلك بما في صريح الخلاف والتذكرة وجامع المقاصد - كظاهر غيرها - من الإجماع عليه، ومع معروفية ذلك عند الشيعة. بل عن ابن أبي هريرة أنه قال: السنة التسطيح، إلا أن الشيعة استعملته، فعد لنا عنه إلى التسنيم ".وحكي نظير ما عن ابن أبي هريرة عن جماعة ففي كتاب الغدير عن كتاب الرحمة في اختلاف الأمة:" وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: التسنيم أولى، لأن التسطيح صار شعار الشيعة. وقال الغزالي والماوردي: أن تسطيح القبور هو المشروع، لكن لما جعلته الرافضة شعاراً لهم عدلنا عنه إلى التسنيم"(2).

هذا وفي الجواهر: "بل الظاهر كراهة التسنيم، لما في التذكرة من الإجماع عليه، كالغنية: لا يسنم. والنهي في خبر الأعمش المتقدم...".

(1) على المشهور، كما في الذكرى. بل إجماعاً، كما في المبسوط والتذكرة، وإن خصه في أولهما بما إذا كان في الأرض المباحة. ويقتضيه صحيح علي بن جعفر المتقدم عند الكلام في التجصيص وخبر يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه"(3). ونحوهما غيرهما. والظاهر أن المراد به بناء الظل ونحوه على القبر.

خلافاً لما عن ابن الجنيد من أنه لا بأس بالبناء عليه، وضرب الفسطاط، يصونه ومن يزوره، وهو محجوج بما سبق.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 31 من أبواب الدفن وما يناسبه.

(2) كتاب الغدير ج: 10 ص: 209.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 44 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2.

ص: 412

والمشي عليه (1)

نعم يستثنى من الكراهة القبور التي يكون الاهتمام بها وزيارتها تعظيماً للشعائر، كقبور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) والأولياء، كما يناسبه السيرة المتصلة بعصور المعصومين (عليهم السلام)، حيث لا إشكال ظاهراً في قيام البناء في عصورهم على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين والحسين (عليهما السلام) وغيرها.

وقد تضمنت ذلك النصوص في الجملة. ففي معتبر الحسين بن ثوير عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: وعليك التكبير والتهليل... حتى تصير إلى باب الحائر... "(1) وفي معتبر أبي حمزة عنه (عليه السلام)" قال: فإذا أتيت الباب الذي يلي المشرق... ثم ادخل الحاير [الحير]... ثم تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء... "(2) وفيه أيضاً عنه:" قال الصادق (عليه السلام) إذا أردت زيارة قبر العباس بن علي (عليه السلام) وهو على شط الفرات بحذاء الحائر فقف على باب السقيفة"(3). ونحوها غيرها، كما يظهر بمراجعة نصوص زيارة قبورهم الشريفة.

مضافاً إلى بعض النصوص الدالة على استحباب عمارة قبورهم (صلوات الله عليهم)(4). بل التأكيد في النصوص على زيارة قبورهم (عليهم السلام) قد يظهر في المفروغية عن رجحان عمارتها، لمناسبتها للزيارة ولو بلحاظ الحال الطبيعي لمواضع التجمع المقصودة. فلاحظ.

(1) كما في الخلاف وغيره، ونسب إلى العلماء في المعتبر والى علمائنا في التذكرة. ولم يتضح الوجه فيه عدا ما رواه العامة عن النبي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "لأن أمشي

********

(1) تهذيب الأحكام ج: 6 ص: 54.

(2) كامل الزيارات ص: 222.

(3) كامل الزيارات ص: 256.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 10 باب: 26 من أبواب المزار وما يناسبه.

ص: 413

(414)

والجلوس (1) والإتكاء (2).

(مسألة 66): يكره نقل الميت من بلد موته إلى بلد آخر (3) إلا إلى

على جمرة أو سيف أو خصف ونعلي برجلي أحب إلي أن أمشي على قبر مسلم" (1) وقال: "لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم" (2) وغيرهما.

لكن في مرسل الصدوق: "قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): إذا دخلت المقابر فطأ القبور، فمن كان مؤمناً استراح إلى ذلك، ومن كان منافقاً وجد ألمه"(3). ولعله لذا حكي عن بعض متأخري المتأخرين إهماله.

(1) كما في الخلاف وغيره ونسب إلى العلماء في المعتبر والى علمائنا في التذكرة. ويقتضيه صحيح علي بن جعفر المتقدم عند الكلام في كراهة التجصيص، وخبر يونس المتقدم عند الكلام في كراهة البناء عليه.

(2) كما في الخلاف وغيره ونسب إلى العلماء في المعتبر والى علمائنا في التذكرة. ولم نعثر له على شاهد سوى خبر يونس المتقدم، فإنه وإن رواه في موضعين من التهذيب(4) كما سبق خالياً عن ذكر الإتكاء، إلا أنه رواه في الاستبصار بنفس السند هكذا:" نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصلى على قبر أو يقعد عليه، أو يتكأ عليه، أو يبنى عليه"(5). وكذلك رواه في الوسائل(6). والظاهر تعارض الوجهين في الحديث وتساقطهما. ولعله لذا حكي عن بعض المتأخرين إهماله.

(3) بلا خلاف أجده فيه، بل في المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وعن

********

(1) كنز العمال ج: 8 ص: 98 رقم: 1869.

(2) كنز العمال ج: 8 ص: 98 رقم: 1868.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 62 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(4) تهذيب الأحكام ج: 1 ص: 461، وج: 3 ص: 201.

(5) الاستبصار ج: 1 ص: 482.

(6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 18 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

ص: 414

المشاهد المشرفة (1)، والمواضع المحترمة، فإنه يستحب.

نهاية الأحكام وغيرها الإجماع عليه. كذا في الجواهر. ويشهد به معتبر الجعفريات: "إن رجلاً مات بالرستاق على رأس فرسخ من الكوفة، فحملوه إلى الكوفة، فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأنهكهم عقوبة. ثم قال: ادفنوا الأجساد في مصارعهم، ولا تفعلوا كفعل اليهود، فإن اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس"(1). ونحوه مرسل الدعائم، وزاد فيه عنه (عليه السلام):" وقال: لما كان يوم أحد أقبلت الأنصار لتحمل قتلاها إلى دورها فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منادياً فنادى: ادفنوا الأجساد في مصارعها "(2) وغيرهما.

وربما يستدل عليه أيضاً بمنافاته للتعجيل، الذي ورد الأمر به في النصوص(3) بنحو يظهر في كراهة التأخير. لكنه لا يدل على كراهة النقل بنفسه. على أنه قد لا ينافي التعجيل.

(1) قال في الجواهر:" فلا يكره بل يستحب، بلا خلاف فيه أيضاً. بل في المعتبر أنه مذهب علمائنا خاصة. وفيه أيضاً والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وعن غيرها أن عليه عمل الإمامية من زمن الأئمة (عليهم السلام) إلى الآن من غير تناكر. قال في الذكرى: فكان إجماعاً. قلت: بل هو أقوى منه بمراتب. وهو كافٍ في ثبوت الحكم المذكور".

وما ذكره غير بعيد، فإن عمل الإمامية في عصر أئمتهم في مثل ذلك، مما يبتني على التقرب لهم وشدة التعلق بهم، لا يكون عادة مخالفاً لرأيهم (عليهم السلام) ومجانباً لتعاليمهم. إلا أن الشأن في ثبوت عمل الإمامية في عصور أئمتهم، حيث لا يتسنى لهم ذلك غالباً، بسبب جور الظالمين فلابد من إثبات ذلك.

ولم نعثر على شاهد له إلا قصة اليماني المروية عن إرشاد القلوب وفرحة الغري،

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 13 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 12.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 15.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 47 من أبواب الاحتضار وما يناسبه.

ص: 415

فعن الأول:" روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه إذا أراد الخلوة بنفسه أتى طرف الغري. فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف فإذا رجل قد أقبل من البرية راكباً على ناقة وقدامه جنازة، فحين رأى علياً (عليه السلام) قصده حتى وصل إليه وسلم عليه، فرد عليه السلام فقال: من أين؟ قال: من اليمن. قال: وما هذه الجنازة التي معك؟ قال: جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض. فقال له علي (عليه السلام): لِمَ لا دفنته في أرضكم؟ قال: أوصى بذلك، وقال: إنه يدفن هناك رجل يدعى في شفاعته مثل ربيعة ومضر. فقال (عليه السلام) له: أتعرف ذلك الرجل؟ قال: لا قال: أنا والله ذلك الرجل، ثلاثاً، فادفن، فقام ودفنه"(1). والقبر قائم حتى اليوم حسبما هو المتسالم عليه.

ويناسبه دفن أمير المؤمنين منفرداً في الغري، فإنه من مصاديق النقل عن بلد الموت إلى غير مقبرته، لأن مقبرة الكوفة الثوية، وهي أقرب للكوفة من الغري، والغري يبعد عن الكوفة أكثر من فرسخ، ولا يظهر له وجه إلا شرف البقعة أو تشريفها.

ويقتضيه أيضاً ما عن الذكرى عن الغرية للمفيد: "وقد جاء حديث يدل على رخصته في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إن أوصى الميت بذلك"(2). وما عن المصباح:" لا ينقل الميت من بلد إلى بلد. فإن نقل إلى المشاهد كان فيه فضل ما لم يدفن. وقد رويت بجواز نقله إلى بعض المشاهد رواية. والأول أفضل"(3). وما في النهاية: "فإذا دفن في موضع فلا يجوز تحويله من موضعه. وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة (عليهم السلام) سمعناها مذاكرة. والأصل ما قدمناه"(4). وفي المبسوط:" وقد رويت رخصته في جواز نقله إلى بعض المشاهد. سمعناها مذاكرة. والأول أفضل"(5). وقريب من ذلك ما عن مختصر المصباح والجامع وغير ذلك مما يأتي.

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 13 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 7.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5، 3، 4.

(5) المبسوط ج: 1 ص: 187.

ص: 416

وقد يستأنس لعموم استحباب النقل للمواضع المحترمة بذلك وبما ورد في الدفن في الحرم. ففي صحيح هارون بن خارجة: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر فقلت: من برّ الناس وفاجرهم؟ قال: من برّ الناس وفاجرهم"(1). وفي خبر علي بن سليمان:" كتبت إليه أسأله عن الميت يموت بعرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم؟ فأيهما أفضل؟ فكتب: يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل "(2) وقريب منه خبره الآخر إن لم يكن عينه. وذلك بإلغاء خصوصية مواردها. فتأمل.

وربما يستدل بما تضمن نقل يوسف (عليه السلام) ليعقوب (عليه السلام) إلى أرض الشام ودفنه في بيت المقدس(3) ونقل موسى (عليه السلام) لعظام يوسف (عليه السلام) من مصر ودفنه في أرض الشام(4) ، وأن ذلك هو سبب دفن اليهود موتاهم في بيت المقدس، ونقل نوح (عليه السلام) عظام آدم (عليه السلام) من مكة ودفنه في الغري(5).

لكنه لا يخلو عن إشكال، لأنها قصص في واقعة في شرايع سابقة لا إطلاق لها، ولم يبين وجهها. ولم ترد مورد الحثّ على الفعل أو الاستدلال به، ليكون ظاهراً في استحباب النقل. نعم تصلح شاهداً على أن نقل اليهود لموتاهم إلى بيت المقدس ليس ابتداعاً منهم، بل تأسياً بأنبيائهم (عليهم السلام)، فينافي معتبر الجعفريات والدعائم المتقدمين الظاهرين في الإنكار على اليهود في سيرتهم المبنية على النقل بقصد التبرك بالمكان.

هذا مضافاً إلى ظهور بعض النصوص في أن شرف الأرض مرغب في الدفن فيها، مثل قول أمير المؤمنين (عليه السلام):" إن الله لم يقبض نبيه إلا في أطهر البقاع فينبغي أن

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 9 باب: 44 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 9.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 13 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 2، 7.

(5) وسائل الشيعة ج: 10 باب: 27 من أبواب المزار وما يناسبه حديث: 1. مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 13 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 5.

ص: 417

يدفن في البقعة التي قبض فيها"(1). وقريب منه غيره(2). وقوله (عليه السلام) لما نظر إلى ظهر الكوفة: "ما أحسن منظرك وأطيب قعرك. اللهم اجعله قبري"(3). وما تضمن اهتمام الإمام الحسن (عليه السلام) بأن يدفن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو محاولة الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك(4). فإن ذلك وإن لم يناف كراهة النقل، إلا أنه يصلح لمزاحمتها.

هذا وفي الجواهر بعد أن قرب جواز النقل لأجل ذلك بل رجحانه استشكل في جواز النقل مع لزوم هتك بدن الميت بظهور رائحته وتغيره قال:" ولم أعثر على من نصّ على جواز حمله، إلا أنه كان يفتي به الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر تغمده الله برحمته، حتى ترقى إلى أنه قال: إنه لو توقف نقله على تقطيعه إرباً إرباً جاز. ولا هتك فيه للحرمة إذا كان بعنوان النفع له ودفع الضرر كما يصنع مثله في الحي".

لكنه كما ترى لعدم الإشكال ظاهراً في حرمة تأخير الدفن بنحو يلزم هتك البدن بالوجه المذكور، عملاً بمرتكزات المتشرعة المؤيدة بما تضمن تقديم صلاة الجنازة على صلاة الفريضة إذا كان الميت مبطوناً أو نفساء أو نحو ذلك(5). وبأن الحكمة من الدفن تجنب الهتك. وحينئذ لا مجال لمزاحمة الحرمة المذكورة باستحباب النقل للمشاهد، لعدم صلوح الحكم غير الإلزامي لمزاحمة الحكم الإلزامي بحيث يرفعه.

وأما الاستدلال على الجواز بقصة اليماني فيدفعه - مع عدم ثبوتها بطريق معتبر - أنها قضية في واقعة. ولعله لم يلزم الهتك بالنحو المذكور فيها ولو بنحو من الإعجاز خص به الرجل المذكور كما خص بعلم ذلك، من أجل التنبيه لأهمية الدفن في هذه البقعة، أو لغير ذلك مما يعلمه الله تعالى. وهناك وجوه أخر ظاهرة الضعف ل

********

(1) بحار الأنوار ج: 22 ص: 525.

(2) بحار الأنوار ج: 22 ص: 534.

(3) بحار الأنوار ج: 100 ص: 232.

(4) بحار الأنوار ج: 44 ص: 141، 142، 150.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 31 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 418

ولاسيما الغري والحائر (1). وفي بعض الروايات أن من خواص الأول إسقاط عذاب القبر، ومحاسبة منكر ونكير (2).

(مسألة 67): لا فرق في جواز النقل بين ما قبل الدفن وما بعده. إذا اتفق تحقق النبش (3).

مجال لإطالة الكلام فيها تراجع في الجواهر.

(1) قال في البحار:" وقد وردت أخبار كثيرة في فضل الدفن في المشاهد المشرفة، لاسيما الغري والحائر على مشرفهما الصلاة والسلام ".ويناسبه ما تضمن شرف البقعتين المذكورتين(1) ، حيث تقدم أن ذلك من المرغبات في الدفن فيها.

وأما ما تضمن أنه يحشر من الغري سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب(2). فهو لا يدل على شرف البقعة، بل على شرف بعض من دفن فيها. هذا وكان المناسب له (قدس سره) ذكر الحرم أيضاً. لما تقدم من النصوص.

(2) فعن إرشاد القلوب للديلمي أنه قد وردت بذلك الأخبار الصحيحة عن أهل البيت(3) (عليهم السلام). قال في الجواهر:" وفي بالي أني سمعت من بعض مشايخي ناقلاً له عن المقداد أنه قال: قد تواترت الأخبار أن الدفن في سائر مشاهد الأئمة (عليهم السلام) مسقط لسؤال منكر ونكير".

(3) لأصالة البراءة من حرمة النقل حينئذ. بل قد يستفاد استحبابه من الوجوه السابقة، ولو بتنقيح المناط. هذا ويأتي في المسألة الآتية الكلام في جواز النقل بعد الدفن ولعل مرادهم به ما إذا توقف على النبش، دون محل الكلام، على ما قد يتضح.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 10 باب: 27، 68 من أبواب المزار وما يناسبه وغيرهما.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1. ومستدرك الوسائل ج: 2 باب: 12 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

(3) بحار الأنوار ج: 100 ص: 232.

ص: 419

(420)

بل لا يبعد جواز النبش لذلك (1) إذا كان بإذن الولي (2)، ولم يلزم هتك حرمته الميت (3).

(مسألة 68): يحرم نبش قبر (4)

(1) لما يأتي في المسألة الآتية.

(2) لما يأتي من اعتبار إذنه في جواز النبش.

(3) لما يأتي من حرمة النبش معه. واستحباب النقل - لو تم - لا ينهض بمزاحمة الحرمة المذكورة، لما أشرنا إليه آنفاً من أن الحكم غير الإلزامي لا يصلح لمزاحمة الحكم الإلزامي.

(4) قال في مفتاح الكرامة:" بإجماع المسلمين، كما في المعتبر ونهاية الأحكام. وبإجماع العلماء، كما في كشف الالتباس. وهو إجماعي، كما في التذكرة وجامع المقاصد ومجمع البرهان والمفاتيح. ولا أعرف فيه خلافاً، كما في الكفاية ".نعم أطلق في الوسيلة كراهة نقله إلى قبر آخر. ومقتضاه عدم حرمة النبش من أجل النقل مطلقاً.

وكيف كان فقد يستدل على حرمة النبش. بأمور:

الأول: النصوص الكثيرة المتضمنة ثبوت الحدّ على النباش(1) وغيره.

لكنها غير واردة لبيان حرمة النبش، وإنما يستفاد منها المفروغية عن حرمته من دون أن يكون لها إطلاق في ذلك. والمتيقن منها ما إذا كان في مقام سرقة الكفن من أجل أن القبر حرز للمسروق الذي هو شرط في ثبوت حدّ السرقة، كما هو المناسب لظهور الصيغة فيمن عمله النبش، ولا غرض عرفي في اتخاذ النبش عملاً ومهنة إلا أخذ الكفن والتمول به.

ولذا كان ظاهر الأصحاب أن الحدّ المذكور من فروع السرقة. بل هو الظاهر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 19 من أبواب حد السرقة.

ص: 420

من بعض النصوص، كقوله (عليه السلام):" هو سارق وهتاك للموتى "(1) وقوله (عليه السلام):" إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا"(2). لوضوح أن القطع للأحياء إنما يكون في السرقة منهم، لا في مجرد الدخول لبيوتهم. وغير ذلك.

ولذا لا إشكال ظاهراً في عدم ثبوت الحد المذكور فيمن ينبش لغرض آخر، كدفن الميت، أو إصلاح القبر أو غير ذلك مما لا يتعلق بالسرقة. وحينئذ لا تنهض النصوص بحرمة ذلك.

الثاني: قوله (عليه السلام) في حديث الأصبغ: "من خدد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج عن [من] الإسلام"(3). بناءً على روايته بالخاء المعجمة والدال المشددة بعدها دال مخففة، من الخدّ وهو الشق. لكن سبق عند الكلام في حرمة الدفن في قبر ميت اختلاف رواية الحديث على وجوه، بحيث لا مجال للتعويل على شيء منها. مضافاً إلى ما سبق من الإشكال في دلالته حينئذ.

الثالث: ما في الجواهر من أن في النبش هتكاً للميت ومثلة له، وتعرضاً للإطلاع على بعض ما صنع به في القبر. ويشكل بعدم وضوح ملازمة النبش للهتك، بل هو يختص بما إذا ابتنى على الاستهوان بالميت، دون ما إذا كان لغرض عرفي أو شرعي. كما لا يلزم منه المثلة بالميت من نفس النبش، بل مما قد يتبعه من التصرف بجسد الميت، وهو خارج عن محل الكلام. وأما الإطلاع على بعض ما صنع به في القبر، فهو غير معلوم، ولم يتضح كونه محذوراً مانعاً من النبش.

الرابع: أن المراد من أدلة وجوب الدفن لما لم يكن هو المسمى ولو آناماً، أو إلى أمد خاص بحيث يجوز إخراج الميت بعده وإبقاؤه غير مدفون، تعين حملها على وجوب استمرار الدفن بعد وقوعه وعدم جواز كشف الميت بعد دفنه. وكأنه إلى

********

(1) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 19 من أبواب حد السرقة حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 19 من أبواب حد السرقة حديث: 8، 12.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 43 من أبواب الدفن وما يناسبه حديث: 1.

ص: 421

هذا نظر في الجواهر، حيث قال:" الظاهر كون المراد منها بعد تحقق الدفن إنما إبقاؤه مدفوناً".

وأما ما ذكره قبل ذلك من ظهور أدلة الدفن في وجوبه في جميع الأزمنة، ومنها زمان النبش. فهو غير ظاهر، لأن لازمه وجوب المبادرة العرفية للدفن بمجرد الموت، لأنه أول أزمنة التكليف بالدفن، ومن المعلوم عدمه واستحباب التعجيل لا غير، والتزام خروج ذلك تخصيصاً فيقتصر فيه على المتيقن بعيد جداً. فالأولى ما تضمنه كلامه المتقدم الراجع لما ذكرناه.

لكنه يشكل بأن مجرد عدم إرادة المسمى من الدفن، ولا التحديد بأمد خاص، لا يلزم بكون الواجب هو الدفن بنحو الاستمرار الحقيقي، بنحو ينافي النبش ثم الدفن، لإمكان أن يكون المراد منه الدفن بالنحو الذي يجنب الميت الهتك، بظهور رائحته، وتغير صورته، وتحلل جسده، ويمنعه من التعرض للسباع ونحوها مما يوجب ابتذاله وانتهاك حرمته، فالواجب أن يكون في قبر يمنعه من ذلك، وهو لا ينافي جواز نبشه وظهوره في وقت قصير، ثم إعادة دفنه من دون أن يلزم شيء من ذلك.

هذا ويظهر من بعض مشايخنا عدم كون هذه الأمور محذوراً، لعدم كونها علة لوجوب الدفن يدور مدارها وجوداً وعدماً، بل حكمة لا غير. ولذا يجب الدفن لو أمنت هذه الأمور بتحنيط ونحوه، أو بعد تحققها بالدفن. ما لم يلزم هتك الميت، فإن هتك المؤمن حرام، ومع كون النبش لغرض عقلاني خصوصاً إذا كان لمصلحة الميت لا يلزم الهتك.

وهو غريب جداً، فإن كونها حكمة للدفن لا ينافي استفادة اهتمام الشارع بها ولو بضميمة المرتكزات. كيف ولازم ذلك جواز تأخير الدفن ولو حدث شيء من ذلك للميت، لوضوح عدم وجوب المبادرة للدفن في نفسه، مع إباء مرتكزات المتشرعة عنه، كما سبق.

ومن هنا يتعين الاقتصار في حرمة النبش في نفسه على ما إذا ابتنى على هتك

ص: 422

الميت والاستهوان به - كما أشرنا إليه في الوجه الثالث - أو استلزم الإخلال بغرض الدفن من حفظ الميت ومنع ظهور رائحته وتغير صورته للناس، لأن الغرض المذكور كما يقتضي إرتكازاً وجوب التعجيل بالدفن يقتضي الاستمرار عليه وعدم النبش المنافي له، وهو المتيقن من الإجماع المتقدم، لا بمعنى عموم الإجماع الحجة لجميع أفراد ذلك، لما يأتي من الخلاف من بعضهم فيه. ومن ثم كان الدليل ما سبق دون الإجماع. بل بمعنى عدم وضوح إجماع حجة في غير ذلك، ليعمل عليه في المورد بعد قصور ما سبق عنه.

نعم لما كان النبش مستلزماً للتصرف في القبر، الذي تقدم في المسألة الثالثة والستين أنه من قسم الصدقات، تعين عدم جوازه إلا بإذن ولي الصدقة المذكورة، خاصاً كان، أو عاماً، كالحاكم الشرعي.

كما أنه لو استتبع التصرف في بدن الميت احتاج التصرف المذكور لمراجعة الولي، لما تقدم في المسألة الثانية من فصل أحكام الاحتضار من أصالة حرمة التصرف في بدن الميت بغير إذن الولي.

وحينئذ إن كان وليه حين موته موجوداً تعين الرجوع إليه، عملاً بإطلاق أدلة ولايته، حتى مثل: الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها، لأن المستفاد منه عموم ولايته عليها، وذكر الوضع في القبر لأنه غالباً منتهى الحاجز لأعمال الولاية، ولذا لا إشكال ظاهراً في أنه لو وضعها في القبر، ثم بدا له نقلها لقبر آخر قبل إكمال دفنها، لم ينازع في ذلك.

وإن فقد وليه حين موته تعين ولاية الأقرب للميت حين النبش، الذي يكون هو الأولى بالميت لو حصل الموت حينئذٍ، لعين الوجه المذكور لولايته حين الموت. فهو نظير ما إذا مات ولي الميت قبل إكمال تجهيزه، حيث لا إشكال ظاهراً في انتقال الولاية على إكمال تجهيز الميت لمن هو الأقرب للميت حينئذٍ. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم.

ص: 423

المؤمن (1)، على نحو يظهر جسده (2). إلا مع العلم باندراسه وصيروته تراباً (3).

(1) لم يتضح الوجه في قصره (قدس سره) الحكم على المؤمن مع ما سبق منه من عموم أحكام التجهيز للمسلم، لأن الظاهر أن حرمة النبش من شؤون احترام الميت كالدفن، وجميع أحكام التجهيز، كما يظهر بملاحظة ما تقدم في وجهه. بل بعض الوجوه السابقة لو تمت تقضي العموم للمسلم المحترم وإن لم يثبت احترامه من حيثية أحكام التجهيز، كنصوص حدّ النباش. بل بعضها يقتضي العموم لكل قبر ولو لم يكن لمسلم، كحديث:" من خدد قبراً...".

نعم لو كان الوجه في حرمة النبش لزوم هتك الميت لا غير اتجه اختصاصه بالمؤمن. لكن لازم ذلك كون الواجب في المسلم غير المؤمن مسمى الدفن ولو آناماً، لأنه إذا جاز نبشه بعد الدفن فلا دليل على وجوب دفنه ثانياً إلا ما سبق منا من منافاة ذلك لغرض الدفن، فإذا فرض عدم تماميته، وأن الوجه في حرمة النبش لزوم الهتك لا غير الذي هو ليس محذوراً في غير المؤمن، تعين عدم الوجه لوجوب دفنه ثانياً.

هذا ويظهر مما تقدم منّا في التغسيل والصلاة اختصاص أحكام التجهيز بالمؤمن، وهو يقتضي اختصاص حرمة النبش به. فراجع وتأمل جيداً.

(2) أما مع عدم ظهوره فلا يصدق النبش. نعم يشكل التصرف في القبر بعد كونه من سنخ الصدقة من دون إذن وليه. أما إذا لم يستلزم التصرف في القبر وفي بنائه ونحوه فلا إشكال.

ومن ذلك يظهر أنه لو كان القبر عميقاً وبناؤه في العمق لا غير، جاز الحفر في موضعه ودفن ميت آخر أعلى منه. إلا أن تكون الأرض مملوكة أو موقوفة، فيجب استئذان المالك أو ولي الوقف. فلاحظ.

(3) اتفاقاً، كما في جامع المقاصد لعدم الموضوع للوجه المتقدم للحرمة، وهو

ص: 424

الإخلال بغرض الدفن. وحتى بعض الوجوه الأخرى، كما يظهر بمراجعتها.

نعم إذا صار القبر من مشاعر الدين المؤهلة للتكريم والتعظيم - كقبور المعصومين (عليهم السلام) وقبور أولادهم وخواص صحابتهم، وقبور بعض الشهداء والعلماء والصالحين مما شيد بلحاظ ذلك واتخذ مزاراً ومقصداً - حرم نبشه مطلقاً، ولو فرض العلم باندراس الميت، لا لحرمة الميت بل لحرمة الدين. بل قد يحرم ما دون النبش من التصرف في القبر، أو فيما جاوره مما يعد بنظر المتشرعة انتهاكاً للحرمة.

ولو اضطر لذلك لزم التستر به بالقدر الممكن، وعدم جعله في متناول العامة وتحت نظرهم، وغير ذلك مما تقتضيه خصوصيات الموارد والأزمنة. لكن هذا خارج عن محل الكلام من الحرمة من حيثية النبش المنافي لغرض الدفن.

هذا وأما التصرف في القبر مع اندراس الميت في محل الكلام فهو كسائر التصرف في الصدقات التي يرتفع موضوعها، لما سبق منا من أن القبر من قسم الصدقات.

هذا وقد قال في العروة الوثقى: "وإن بقي عظماً فإن كان صلباً ففي نبشه إشكال. وأما مع كونه مجرد صورة - بحيث يصير تراباً بأدنى حركة - فالظاهر جوازه".

لكن لم يتضح الوجه في عدم جزمه بحرمة النبش مع صلابة العظم، حيث لا ينبغي التأمل في عموم غرض للدفن للعظم، بل تضمنت بعض النصوص عموم أحكام التجهيز لمن يأكله السبع أو الطير حتى تبقى عظامه بلا لحم. ولعله لذا جزم في المبسوط بأنه لو بادر إنسان فنبش قبراً فإن وجد فيه عظاماً رد التراب فيه ولميدفن فيه.

وأما ما ذكره فيما إذا صار العظم صورة، فإن أراد به استحالته تراباً عرفاً فله وجه. وإن أراد به مجرد هشاشته مع كونه عرفاً جزءاً للميت فهو غير ظاهر، لعين ما سبق. وكذا لو تفتت ولم يستحل تراباً.

ثم إن ظاهر المتن توقف جواز النبش ظاهراً على العلم باندراس الميت، ول

ص: 425

يكفي الظن، فضلاً عن الشك. وكأنه لاستصحاب عدم اندراس الميت.

لكنه موقوف على أن يكون مفاد القضية الشرعية حرمة فتح القبر إلا مع الإندراس، ولم يتضح ذلك، بل لعل مفادها حرمة كشف الميت في قبره، فاستصحاب بقاء الميت وعدم اندراسه لا يقتضي حرمة النبش إلا بالملازمة، فيبتني على الأصل المثبت.

هذا وقد استدل بعض مشايخنا بأن النبش مع الشك في الحال هتك للميت، لما فيه من عدم الاعتناء بشأنه.

ويشكل بأن الهتك بمعنى الاستهوان بالميت - الذي هو المعيار في الحرمة عنده - لا يتحقق بالنبش إذا كان لغرض عقلاني، ومنه رجاء اندراسه وإمكان الانتفاع بالمكان بوجه آخر، خصوصاً مع الظن بذلك. والهتك بمعنى هتك بدنه بظهور رائحته وتغير صورته - الذي هو المعيار في الحرمة عندنا - إنما يكون بكشف الميت، فمع الشك في بقائه يشك في الهتك الذي هو موضوع الحرمة، ومقتضى الأصل البراءة.

إلا أن يثبت اهتمام الشارع الأقدس باحتمال الهتك وإيجابه الاحتياط، فيكون النبش منافياً للاحتياط الواجب، من دون أن يعلم كونه هتكاً للميت. لكنه يحتاج إلى دليل.

نعم قد يدعى أن لما كان الغالب عدم الإطلاع على حال الميت لعامة الناس، فلو جاز النبش بمجرد الشك لزم كثرة التصرف لكشف الميت وهتكه، ومخالفة غرض الدفن، بنحو يعلم بعدم رضا الشارع الأقدس به وإيجاب الاحتياط لأجله. ومن هنا يشكل جواز النبش بمجرد الشك.

هذا وقد صرح في جامع المقاصد بالرجوع إلى أهل الخبرة. فإن كان مراده تحصيل العلم من قولهم فلا إشكال. وإن كان مرده حجية قولهم أشكل بعدم حجية قولهم في الأمور الحسية.

ص: 426

(427)

من دون فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون (1). ويستثنى من ذلك موارد:

(منها): ما إذا كان النبش لمصلحة الميت، كالنقل إلى المشاهد (2)،

إلا أن يقال: عدم حجية قولهم في الأمور الحسية إنما هو مع تيسر الإطلاع عليها نوعاً من طريق الحسّ، لا مع تعذره، بل هي حينئذ كالأمور الحدسية، لا طريق لمعرفتها نوعاً إلا بالرجوع إليهم. ومنه المقام، لأن العلم بحال الميت من طريق الحسّ إنما يكون بعد النبش، وهو ليس مورداً للأثر والعمل، بل ليس موردهما إلا معرفة حاله قبله، وهو متعذر من طريق الحسّ. ولاسيما وأنه لا إطلاق لدليل وجوب الاحتياط مع الشك في الاندراس، بحيث يشمل صورة إخبار أهل الخبرة به. ومن هنا يقوى الرجوع إليهم. نعم لا مجال للاكتفاء بالظن من دون الرجوع إليهم، لعدم الدليل على حجيته. فتأمل.

(1) كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب. ويقتضيه عموم وجوب الدفن لهم، لما سبق من أن حرمة النبش من توابع ذلك.

(2) فقد قرب جواز النقل إليها بعد الدفن في جامع المقاصد ومحكي فوائد الشرايع وحاشية الإرشاد وشرح الجعفرية، بل عن الموجز والجعفرية الجزم به. وهو مقتضى إطلاق ما سبق من الوسيلة من كراهة تحويله إلى قبر آخر، وما عن ابن الجنيد من إطلاق نفي البأس عن التحويل لصلاح يراد بالميت. وقد تقدم من النهاية وعن المصباح - عند الكلام في استحباب النقل للمشاهد المشرفة - الإشارة للرواية الدالة على ذلك.

لكن في السرائر والشريع والقواعد وعن غيرها المنع، وعن غير واحد أنه المشهور. وفي السرائر أنه بدعة في شريعة الإسلام.

وكأنه لعدم الدليل على استثنائه من حرمة النبش عدا الرواية التي أشير

ص: 427

إليها في كتابي الشيخ، وهي مرسلة لا تنهض بالحجية. وما ورد في نقل عظام آدم ويوسف (عليهما السلام) مما تقدم في حكم النقل للمشاهد، الذي هو - مع ضعفه - خاص بمورده، غير وارد مورد الاستدلال به، أو الحثّ على العمل عليه، ليتعدى عنه. ومن هنا حكى في الجواهر قولاً بعدم جواز النبش لأجل النقل، وإن جاز النقل مع قطع النظر عنه.

لكنه موقوف على ثبوت عموم حرمة النبش. وقد عرفت عدمه، لانحصار الدليل عليه بالإجماع، وبمنافاته للغرض من الدفن. والمتيقن من الإجماع لا يشمل المقام بعد ثبوت الخلاف ممن تقدم. بل ظاهر ما سبق من الشيخ من المذاكرة بالرواية المتضمنة لجواز النقل بعد الدفن عدم وضوح الحكم بالحرمة في عصره الذي هو مقارب لعصورهم (عليهم السلام).

وأما منافاته للغرض من الدفن فقد سبق أنه غير مطرد، بل يمكن مراعاة الغرض المذكور بانتظاره مدة حتى يجف، ولعله إليه يرجع ما في جامع المقاصد وعن الروض وشرح الجعفرية من الاقتصار على ما إذا لم يبلغ الميت حالة يلزم من نقله وهتكه ومثلته، بأن يصير متقطعاً ونحوه. وربما يكون هو مراد الكل. لما سبق من إباء المرتكزات عن جواز ذلك.

هذا وأما لو كان المدار في حرمة النبش على هتك الميت، بمعنى هتك كرامته وتوهينه - كما سبق عن بعض مشايخنا - لا هتك جسده - كما سبق منا -، فالمورد خارج عن ذلك موضوعاً، لأن النبش والنقل لما كان لصلاحه فهو غير منافٍ لكرامته، ولا هتك فيه. بل قد يكون تكريماً له وإن استلزم مخالفة غرض الدفن بظهور رائحته وتغير صورته.

ومن ثم ذهب بعض مشايخنا لجوازه مطلقاً وهو المناسب لما سبق عن كاشف الغطاء (قدس سره) من جواز تأخير الدفن وإن استلزم المحذور المذكور من أجل النقل للمشاهد. لكن يظهر ضعفهما مما سبق.

ص: 428

كما تقدم. أو لكونه مدفوناً في موضع يوجب مهانة عليه، كمزبلة أو بالوعة أو نحوهما. أو في موضع يتخوف على بدنه (1) من سيل أو سبع أو عدو.

(ومنها): ما لو عارضه أمر راجح أهم (2)، كما إذا توقف دفع مفسدة على رؤية جسده.

(ومنها): ما لو لزم من ترك نبشه ضرر مالي، كما إذا دفن في ملك غيره

ومن ذلك يظهر الحال في غير النقل للمشاهد المشرفة مما يعود لمصلحة الميت. فإنه إن كان بنحو لا يبلغ مرتبة الوجوب - كنقله لمكان أقرب لعائلته، أو لمكان أيسر لزيارته وذكره بالخيرات والمبرات - تعين فيه المحافظة على الشرط المذكور.

وإن كان بنحو يبلغ مرتبة الوجوب - كما لو كان بقاؤه مستلزماً لهتك كرامته - فإن أمكن الجمع بينه وبين الشرط المذكور تعين، وإلا لزم الترجيح بالأهمية. واللازم مراجعة الولي، على النحو المتقدم عند التعرض لاشتراطه في جواز النبش.

(1) الظاهر أهمية المحذور المذكور من محذور النبش ولو استلزم هتك جسده بظهور ريحته وتغير صورته مؤقتاً، كما قد يناسبه ما ورد في زيد (عليه السلام) من أنه كان الأولى رميه في الفرات من دفنه مع تعرضه لما صنع به الأمويون من الصلب والحرق(1). فتأمل.

(2) إنما يحتاج للأهمية إذا لزم من النبش الإخلال بغرض الدفن، أما إذا لم يلزم فلا ملزم بمراعاة الأهمية، بل يكفي رجحان المزاحم، لعدم وضوح حجية الإجماع على حرمة النبش في ذلك وإن تمّ إطلاق معقده. نعم لا بد من مراجعة الولي، على ما تقدم. كما لابد من جري الولي على مقتضى ولايته العامة أو الخاصة من مراعاة مصلحة الجهة التي هو ولي عليه.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 41 من أبواب الدفن وما يناسبه.

ص: 429

بغير إذنه (1)،

(1) حيث لا إشكال في حرمة الدفن حينئذٍ. ووجوب الدفن كفاية على كل أحد لا يقتضي وجوب بذل الأرض له، كما لا يقتضي وجوب التكفين عليهم وجوب بذل الكفن. بل لو فرض وجوب البذل فليس هو لثبوت حقّ في الأرض يوجب قصور سلطنة المالك بنحو يحق لكل أحد استيفاؤه بالدفن من غير إذنه، بل بمعنى وجوب بذله عليه تكليفاً، كما يجب عليه الدفن، فمع عدم بذله لا يحل لغيره استيفاؤه.

وحينئذ إن وقع الدفن جاز النبش للمالك، كما صرح به جماعة وفي الجواهر: "بل لا أعرف فيه خلافاً، بل قد يظهر من كشف اللثام وغيره أنه مقطوع به" .بل يجب النبش على الغاصب لو لم يرض المالك ببقاء الميت في أرضه، للتخلص من تبعة استمرار إشغال ملك الغير بغير إذنه المستند لفعله.

بل حكم بعض مشايخنا بوجوب النبش على كل أحد، تحصيلاً للدفن الواجب، لأن حرمة الدفن في المغصوب تمنع من كونه مصداقاً للدفن الواجب. وهو مبني على مختاره في مسألة اجتماع الأمر والنهي من أن المجمع مع تقديم النهي خارج تخصيصاً عن موضوع الأمر، بنحو لا يحرز فيه ملاكه.

لكن الظاهر عدم تمامية المبنى المذكور، وأن المجمع واجد لملاك الأمر، سواءً قيل بامتناع اجتماع الأمر مع النهي في المجمع أم بإمكانه، فيتعين إجزاؤه مطلقاً وإن قيل بالإمتناع. غاية الأمر أنه لا يمكن التقرب مع الإلتفات للنهي به، وهو غير لازم مع الجهل بالحرمة، ولا مهم في مثل الدفن من التوصليات. كيف! ولازم ما ذكره عدم إجزائه لو رضي المالك بعد الدفن ببقاء الميت في أرضه.

إلا أن يدعى أن الواجب في الحقيقة ليس هو الدفن بالمعنى المصدري الذي لا ينقلب عما وقع عليه من الحرمة برضا المالك ببقاء الميت في أرضه، بل هو الدفن بالمعنى الاسم المصدري الراجع لصيرورة الميت مدفوناً، وهو ينقلب برضا المالك إلى

ص: 430

الحلية، فلا مانع من دخوله في الواجب وإجزائه.

وكيف كان فالظاهر إجزاء الدفن بغير رضا المالك وإن كان محرماً، ومن ثم لا يجب النبش على كل أحد لتحصيل الدفن الواجب، بل يجب على الغاصب لا غير للتخلص من تبعة الغصب، ويحل للمالك لتخليص أرضه بمقتضى عموم سلطنته عليها. ولا محذور في النبش. لقصور دليل حرمته - وهو الإجماع - عن الفرض بعد ما عرفت.

نعم يلزم المحافظة على غرض الدفن المتقدم إذا لم يلزم منه ضرر معتد به على المالك. وإلا سقط، لعدم وضوح الدليل على وجوب المحافظة عليه مع ذلك.

هذا كله مع إمكان دفن الميت في مكان آخر بعد النبش. أما لو تعذر فالظاهر وجوب القبول عليه ولو بالعوض، لأهمية دفن الميت ارتكازاً من سلطنة المالك. والذي يتحمل العوض هو المباشر للدفن لاستناد النقص الحاصل على الأرض لفعله.

كما يجب على المالك بذل الأرض للدفن ولو بالعوض لو تعذر الدفن بغيرها. والذي يتحمل العوض كافة الناس. والذي يتولى المعاملة ولي المسلمين. هذا إذا لم يتبرع بالعوض شخص خاص. وإلا كان هو المتولي للمعاملة.

هذا وفي المبسوط: "ومتى دفن الميت في القبر، ثم بيعت الأرض، جاز للمشتري نقل الميت عنها..." .وكأنه لاختصاص الإذن بالبايع، ولا إذن من المشتري ليلزم بمقتضاها. وبذلك افترق عما ذكره قبل ذلك من أن من استعار أرضاً فدفن فيها فليس للمالك الرجوع، لأن العارية على حسب العادة، والدفن فيه يكون مؤبداً إلى أن يبلى الميت.

لكنه يشكل بأنه إذا لم يكن للمالك الأول الرجوع لاستحقاق بقاء الميت عليه في الأرض فالأرض تنتقل للمشتري على النحو الذي كانت عليه عند البايع. ومن هنا أنكر عليه ذلك غير واحد ممن تأخر عنه. بل سبق في المسألة الثالثة والستين أن دفن الميت في الأرض يرجع إلى جعل موضعه قبراً له الذي هو نحو من الصدقة، ولا دليل

ص: 431

أو دفن معه مال غيره (1)، من خاتم ونحوه، فينبش لدفع ذلك الضرر المالي.

على بطلانها بالبيع. ومنه يظهر أنه لا يجوز له نقل الميت وإن لم يستلزم النبش، كما لو ظهر الميت بسيل أو نحوه.

والحاصل: أن المانع ليس هو حرمة النبش، ليدعى قصور الإجماع عنه في المورد مع خلاف الشيخ (قدس سره)، وإن كان هو خلاف الظاهر أيضاً. بل هو قصور حقّ المشتري، لما سبق.

(1) كما صرح به في محكي المعتبر والتذكرة وغيرهما، بل في الجواهر: "بلا خلاف أجده فيه" .وهو مقتضى الأصل بعد عدم وضوح عموم دليل حرمة النبش - من الإجماع وغيره - لذلك. من دون فرق بين المال الكثير والقليل، كما عن بعضهم التصريح به.

كما لا فرق بين لزوم مخالفة غرض الدفن المتقدم وعدمه، لعدم وضوح حرمة مخالفة الغرض المذكور موقتاً في مثل ذلك. نعم لو استلزم هتك كرامة الميت لم يبعد الترجيح بالأهمية. فتأمل.

هذا ولم يتضح الوجه في تخصيص المال في المقام بما إذا كان مملوكاً لغيره، لوضوح أن المال المملوك له يصير بموته ملكاً لوارثه.

ومن هنا يشكل الحال فيما تعارف في زماننا من جبر كسر الإنسان بمعادن ثمينة بعملية جراحية، فإن هذه المعادن تنتقل بموته للوارث. وإذا لم يجز له انتزاعها منه قبل دفنه، لما قد يستلزمه من التصرف المحرم بجسده، فلا أقل من جواز نبش القبر من أجلها إذا لم يلزم من انتزاعها المحذور المذكور، لتحلل جسد الميت بعد الدفن وإن لم يندرس ويضمحل.

اللهم إلا أن يبتني جبر الكسر بها على رفع يد مالكها عنها، وتعيينها للانتفاع الخاص، بحيث تخرج عن ملك مالكها، وتكون صدقة معينة للجهة الخاصة، فل

ص: 432

(ومنها): ما إذا دفن بلا غسل (1)،

يرثها وارث الباذل لها بموته، بل تبقى تابعة للجسد، على النحو الذي وضعت له من أول الأمر، ولا يحق لأحد أخذها والتصرف فيها، فضلاً عن أن ينبش القبر من أجلها. وأظهر من ذلك ما إذا لم تكن مملوكة لأحد، كما لو كانت تابعة للدولة غير الشرعية.

نعم لو فرض انفتاح القبر وظهور المال المذكور، وانفصاله عن جسد الميت بحيث لا يلزم من أخذه تصرف فيه، جرى عليه حكم المباح الأصلي أو مجهول المال أو الصدقة التي يرتفع موضوعها. والأمر محتاج لمزيد من التأمل.

(1) كما عن المنتهى محافظة على الغسل الواجب الذي يمكن تداركه. بل محافظة على الدفن الواجب، وهو الدفن بعد الغسل. ولا دليل على إجزاء الدفن في المقام بعد فقده للشرط. اللهم إلا أن يدعى أن ترتب الدفن على الغسل، طبعي، وليس لشرطيته فيه شرعاً وكيف كان فيكفي في وجوب النبش المحافظة على الغسل الواجب.

لكن صرح في الخلاف بعدم جواز النبش حينئذ. مستدلاً بالأخبار الناهية عن النبش. وتبعه غير واحد. لكن لم يتضح المراد بالأخبار المذكورة، كما لم يتضح عمومها لما إذا كان الدفن في غير محله كما هو محل الكلام.

هذا وينبغي ابتناء المسألة على تحديد زمن تعذر الغسل الذي يسوغ معه الدفن بلا غسل، لوضوح أنه لا يراد بأدلة وجوب الغسل وجوبه فوراً بعد الموت، بحيث يسقط مع الإخلال بالفور، ولا على وجوبه مطلقاً بحيث لو تعذر الغسل وجب انتظار التمكن منه مهما طال الزمان، بل الظاهر - تبعاً للمرتكزات المشار إليها آنفاً - وجوب الانتظار حتى يتعرض جسد الميت للهتك بظهور رائحته وتغير صورته، ثم يتعين الدفن بدون غسل، وحينئذ يتعين التفصيل في وجوب النبش في المقام بين ما إذا بلغ الميت حداً يتعرض للهتك المذكور بنبشه، وما إذا لم يبلغ ذلك. فيجب النبش ثم

ص: 433

أو بلا تكفين (1)، أو تبين بطلان غسله أو بطلان تكفينه (2)، أو لكون دفنه على غير الوجه الشرعي (3)، لوضعه في القبر على غير القبلة، أو دفن بغير إذن الولي (4)،

الغسل في الثاني، سواءً وقع الدفن عمداً أم جهلاً بتخيل تحقق الغسل أو تعذره. ولا يجب في الأول في الصورتين معاً، إذ لا معنى لوجوب المبادرة بالدفن وترك الغسل من أجل تعرض جسد الميت للهتك، ثم وجوب النبش من أجل الغسل مع لزوم المحذور المذكور.

بل الظاهر عدم الوجوب بعد ذلك لو ارتفع المحذور المذكور، كما لو جف الميت، للأصل بعد عدم وضوح عموم دليل الوجوب لمثل ذلك. بل لعله مقتضى السيرة الارتكازية في أمثال ذلك، فتأمل جيداً. وقد تقدم في الفرع الثالث من فروع تعذر الخليطين في الغسل، في ذيل المسألة الثامنة من بحث تغسيل الميت، وفي المسألة الواحدة والعشرين منه، ما ينفع في المقام.

(1) كما في المدارك وعن البيان، لعين ما سبق. وما عن غير واحد من أن القبر يغني عن الكفن لستره الميت، كما ترى. وأما لو دفن بلا صلاة فقد تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) في المسألة الخمسين وجوب الصلاة على القبر، وتقدم منا الإشكال في ذلك، وفي وجوب النبش من أجل الصلاة. فراجع.

(2) لعين ما سبق بعد عدم الدليل على إجزاء الناقص في ذلك.

(3) الظاهر أن الكلام فيه كما سبق. فيتعين فيه التفصيل المتقدم بين لزوم محذور مخالفته غرض الدفن وعدمه. فتأمل.

(4) سبق منّا في التنبيه الثامن من مبحث الولاية الإشكال في بطلان الدفن بغير إذن الولي. بل عدم الإشكال في الاجتزاء به لو رضي الولي به بعد وقوعه. نعم صحة الدفن لا تنافي جواز النبش إذا كان صلاحاً بنظر الولي، لخروجه عن المتيقن من

ص: 434

(435)

أو في مكان أوصى بالدفن في غيره (1) أو نحو ذلك، فيجوز نبشه في هذه الموارد إذا لم يلزم هتك لحرمته (2)، وإلا ففيه إشكال (3).

(مسألة 69): لا يجوز التوديع (4) المتعارف عند بعض الشيعة (أيدهم الله تعالى) بوضع الميت في موضع والبناء عليه، ثم نقله إلى المشاهد الشريفة. بل اللازم أن يدفن بمواراته في الأرض مستقبلاً بوجهه القبلة على الوجه الشرعي ثم ينقل بعد ذلك بإذن الولي على نحو لا يؤدي إلى هتك حرمته.

دليل حرمة النبش، وهو الإجماع المدعى في المقام. غاية الأمر أنه لابد من عدم تعرض بدن الميت للهتك.

(1) بناءً على نفوذ الوصية في مثل ذلك. وقد تقدم تفصيل الكلام فيه في المسألة الخامسة من فصل تغسيل الميت. نعم يجوز النبش مراعاة لها وإن لم تنفذ، لخروجه عن المتيقن من دليل حرمة النبش. لكن بشرط عدم لزوم مخالفة الغرض من الدفن، نظير ما سبق.

(2) مما سبق يظهر أن المعيار في الهتك هنا مخالفة غرض الدفن بظهور رائحته وتغير صورته. وأما هتك كرامته فقد سبق عدم لزومه مع كون النبش لغرض عقلائي. نعم قد يلزم في خصوص بعض الأشخاص والأحوال بما لا ضابط له.

(3) عرفت أن الظاهر عدم جواز النبش. وهو ظاهره (قدس سره) في مبحث تغسيل الميت في المسألة الواحدة العشرين. إلا أن يكون مراده الإشكال في جميع المسوغات المتقدمة، لا خصوص المسوغ الأخير. وقد سبق بيان الحال في كل منها.

(4) كأنه لعدم صدق الدفن عليه. لكن ذلك لا يكفي في تحريم التوديع بعد أن لم يكن المراد الاكتفاء به عن الدفن، بل إتباعه بالدفن بعد ذلك، فليس محذوره إلا تأخير الدفن الذي لا دليل على حرمته، بل غايته استحباب التعجيل.

ص: 435

(436)

(مسألة 70): إذا وضع الميت في سرداب جاز فتح بابه وإنزال ميت آخر فيه إذا لم يظهر جسد الأول (1)، إما للبناء عليه أو لوضعه في لحد داخل السرداب. وأما إذا كان بنحو يظهر جسده ففي جوازه إشكال (2).

(مسألة 71): إذا مات ولد الحامل دونها، فإن أمكن إخراجه صحيح

نعم يتجه ما ذكره بناءً على ما تقدم منا من وجوب المبادرة للدفن قبل حصول ما ينافي غرضه من ظهور الرائحة وتغير الصورة حيث يتعين عدم الاكتفاء بالتوديع لتجنب ذلك، بعد عدم صدق الدفن عليه. وهذا بخلاف مثل التثليج المتعارف في عصورنا المانع من حدوث الرائحة وتغير الصورة، لعدم الدليل على حرمته في نفسه، ولا على وجوب المبادرة للدفن معه.

(1) الظاهر أن المراد بظهور الجسد ما يعم ظهور الكفن الذي عليه.

(2) كأنه لصدق النبش. لكنه لا يخلو عن إشكال، لأن المتيقن من النبش حفر القبر ورفع ترابه، ولا يتضح صدقه بمجرد فتح السرداب.

إلا أن يقال: بعد أن لم يكن تحريم النبش مستفاداً من أدلة لفظية قد تضمنت أخذه بعنوانه، وإنما استفيد من الإجماع، فالظاهر أن مرادهم ما يعم ذلك. ولاسيما بملاحظة ما هو المعلوم من ابتناء التحريم على حرمة الميت والاهتمام بعدم ظهور تغيره، كما سبق. ومن هنا فالظاهر أن المعيار في جوازه ما سبق من عدم لزوم مخالفة غرض الدفن من ظهور الرائحة وتغير الصورة.

نعم لابد من عدم ابتناء دفن الميت الأول على كون تمام الموضع قبراً له، وإلا لحقه ما تقدم في المسألة الثالثة والستين. ويناسب ذلك ما في التذكرة من أنه لو دفن الميت في أزج(1) جاز فتحه ودفن ميت آخر فيه على كراهية.

********

(1) الأزج: بيت يبنى طولاً. لسان العرب مادة: (أزج).

ص: 436

وجب (1)، وإلا جاز تقطيعه (2). ويتحرى الأرفق فالأرفق (3). وإن ماتت هي دونه شق بطنها (4) من الجانب الأيسر إن احتمل دخله في حياته (5)،

(1) كما في المعتبر وجامع المقاصد وغيرهما. بل الظاهر عدم الخلاف فيه لحرمة تقطيع الميت كالحي، ولذا يثبت فيه الدية. ولا ينافي النص الآتي، لانصرافه إلى صورة التعذر، كإطلاق بعض الأصحاب.

(2) إجماعاً، كما في الخلاف. وفي كشف اللثام والمدارك نسبته للأصحاب. لأهمية وجوب حفظ الأم من حرمة تقطيع الميت. مضافاً إلى رواية وهب بن وهب المروية عن الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك يشق بطنها ويخرج الولد. وقال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها. قال: لا بأس بأن يدخل الرجل يده، فيقطعه ويخرجه"(1). ورواها في موضع آخر إلا أنه قال في صدرها:" يتحرك فيتخوف عليه "وزاد في آخره:" إذا لم ترفق به النساء ".وروي ذيلها عن قرب الإسناد. وضعفها غير مهم بعد مطابقتها للقاعدة المتقدمة، حيث لا يحتاج حينئذٍ للكلام في انجبارها بالعمل وعدمه.

(3) كما في المعتبر. اقتصاراً على مورد المزاحمة. نعم إنما يجب ذلك إذا لم يتخوف على الأم من التروي والتثبت من ذلك. ولعله لذا أهمل التنبيه عليه في الرواية المتقدمة. ومثله ما في المعتبر. قال:" ويتولى ذلك النساء، فإن تعذر النساء فالرجال المحارم، فإن تعذر جاز أن يتولاه غيرهم، دفعاً عن نفس الحي".

(4) إجماعاً كما في الخلاف وظاهر التذكرة. ويقتضيه النصوص الكثيرة كصحيح علي بن يقطين:" سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن المرأة تموت وولدها في بطنها. قال: شق [يشق] بطنها، ويخرج ولدها"(2) ، وخبر وهب المتقدم، وغيرهما.

(5) لوجوب الاحتياط في حفظ الولد، في حق كل أحد، ومنهم المباشر.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 46 من أبواب الاحتضار وما يناسبه حديث: 3، 2.

ص: 437

وإلا فمن إي جانب كان (1)، وأخرج، ثم يخاط بطنها (2)، وتدفن.

(1) كما هو مقتضى إطلاق الخلاف والقواعد، بل هو ظاهر المعتبر. لإطلاق النصوص في المقام. ومن ثم توقف في التقييد بالأيسر في ظاهر كشف اللثام والمدارك.

خلافاً للفقيه والمقنعة والمبسوط والنهاية والسرائر والتذكرة وعن غيرها. فقيدوا بالجانب الأيسر. بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا. ولم يتضح وجهه عدا ما في الفقه الرضوي من قوله: "شق بطنها من الجانب الأيسر وأخرج الولد"(1). ولم يثبت كونه رواية، فضلاً عن أن تكون معتبرة. وربما كان الوجه في التقييد في كلامهم استيضاح كونه أحرى بسلامة الولد، فيخرج عن محل الكلام من كونه قيداً تعبدياً.

(2) كما صرح به جماعة كثيرة، ونسبه في التذكرة لعلمائنا. ويقتضيه صحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام):" في المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويخرج الولد؟ قال: فقال: نعم، ويخاط بطنها"(2) ، وفي مرسلة الكليني عن ابن أبي عمير: "يخرج الولد ويخاط بطنها"(3).

وفي رواية الشيخ بإسناده عن أبي عمير عن ابن أذينة:" قال: يخرج الولد ويخاط بطنها"(4). وإليها نظر في المعتبر، حيث قال: "وإنما قلنا: وفي رواية ويخاط الموضع. لأنها رواية ابن أبي عمير عن ابن أذينة، موقوفة عليه، فلا يكون حجة ولا ضرورة إليه لأن مصيرها البلاء [البلى. ظ]".

وكأن مراده أن الرواية مضمرة لا يعلم بإسنادها للإمام، أو أنها ظاهرة في أن القائل هو ابن أذينة. لكنه كما ترى لا مجال له بعد ظهور إيداع الأصحاب للرواية في كتب الحديث في كونها مروية عن الإمام (عليه السلام). بل لا يبعد كون مقتضى الجمع بينه

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 35 من أبواب الاحتضار وما يناسبه حديث: 1.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 46 من أبواب الاحتضار وما يناسبه حديث: 1، 5، 7.

ص: 438

(439)

(مسألة 72): إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر غسل وحنط وكفن وصلي عليه ودفن (1).

وبين المرسلتين الأوليين كون الواسطة بين الإمام (عليه السلام) وابن أبي عمير فيها هو ابن أذينة.

ومثله ما ذكره بعض مشايخنا من ضعف الرواية المذكورة، وأنها مقطوعة. للإشكال فيه بأن سند الشيخ لابن أبي عمير صحيح، كما اعترف به هو دامت بركاته.

ومن هنا لا مجال للتوقف في الحكم. ولاسيما مع اعتضادها بالمرسلتين الأوليين، حيث يتعين حجية الأولى، لما تكرر منا من حجية مراسيل ابن أبي عمير خصوصاً بعد ظهور انجبارها في المقام بعمل الأصحاب.

هذا مضافاً إلى أمرين:

الأول: أنه الأنسب بحرمة الميت. وقد يتوقف عليه تغسيلها.

الثاني: ما في معتبر العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) الوارد في مقطوع الرأس من قوله (عليه السلام): "ويربط جراحاته بالقطن والخيوط. وإذا وضع عليه القطن عصب. وكذلك موضع الرأس، ويجعل له من القطن شيء كثير... وإن استطعت أن تعصبه فافعل"(1). فإن الأمر بالقطن والتعصيب منعاً لخروج الدم يناسب الأمر بالخياطة هنا جداً.

(1) كما ذكره غير واحد، ونسب للمشهور، بل ربما أدعي عدم الخلاف فيه. وإن كانت كلمات الأصحاب لا تخلو من اختلاف. وكيف كان فقد يستدل عليه بوجوه:

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 15 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 439

الأول: قاعدة الميسور. لكنها ممنوعة كبروياً، لعدم وضوح الدليل على عمومها - كما حقق في محله من الأصول - وصغروياً، لأن موضوعها بعض الواجب، لا بعض متعلقه، فهي لا تتم في الصلاة، وإن تمت في بقية الواجبات.

والثاني: الاستصحاب، إما بلحاظ الوجوب الضمني الثابت للعضو قبل التقطيع، أو بلحاظ الوجوب الاستقلالي الثابت للميت بناء على كفاية التسامح العرفي في بقاء موضوع المستصحب.

ويشكل الأول بأن المجعول الذي هو مورد الأثر والعمل ليس إلا الوجوب الاستقلالي دون الضمني، بل هو مبني على التحليل العقلي، الذي ليس هو مورداً للأثر ولا العمل.

كما يشكل الثاني بعدم التعويل على التسامح العرفي في بقاء موضوع الاستصحاب. على أنه لا يتم فيما إذا كان البعض قليلاً، كالصدر وحده. مع أن الاستصحاب موقوف على اليقين بسبق ثبوت أحكام الميت، وهو إنما يتم مع كون التقطيع بعد الموت، أما لو كان قبله فلا يقين بذلك إلا معلقاً على الموت، فيبتني على جريان الاستصحاب التعليقي، الذي هو خلاف التحقيق.

الثالث: النصوص وليس فيها ما يتضمن الصدر إلا صحيح الفضل بن عثمان عن الإمام الصادق عن أبيه (عليه السلام):" في الرجل يقتل، فيوجد رأسه في قبيلة، ووسطه وصدره ويداه في قبيلة، والباقي منه في قبيلة. قال: ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه، والصلاة عليه"(1).

ومقتضى الجمود على لسان الجواب فيه اعتبار كون القطعة مشتملة على الصدر واليدين، كما جرى عليه في المعتبر، إلا أن مقتضى التطابق فيه بين الجواب والسؤال حمل ما في الجواب على الإشارة لتمام ما تضمنه السؤال، وهو القطعة المشتملة على الصدر والوسط واليدين، الذي هو عبارة أخرى عن البدن المقطوع الرأس والرجلين، فل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

ص: 440

يكفي الصدر واليدين فضلاً عن مطلق ما اشتمل على الصدر، كما في المتن. ولاسيما مع ما في موثق طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: لا يصلى على عضوٍ: رجلٍ أو يد أو رأس منفرداً، فإن كان البدن فصلي عليه وإن كان ناقصاً من الرأس واليد والرجل"(1).

هذا وفي صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال:" سألته عن الرجل يأكله السبع والطير ويبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال: يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، فإذا كان الميت نصفين صلي على النصف الذي فيه القلب"(2). ومقتضى الجمع بين هذه النصوص الاكتفاء في إجراء تمام أحكام الميت بأحد أمور:

الأول: العظام المجردة من اللحم، كما تضمنه صدر صحيح علي بن جعفر الذي روي بطريق آخر رواية مستقلة(3) ، ونحوه خبر خالد القلانسي(4).

وقريب منه في ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أبي مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): "قال: إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه، وإن وجد عظم بلا لحم فصلي عليه" (5) بناءً على أن المراد تمام عظامه، لا بعضها ولو واحداً، ولو لاتفاقهم على عدم الصلاة على العظم الواحد، كما هو مقتضى فحوى ما تضمن عدم الصلاة على العضو التام، كموثق طلحة المتقدم، مع أنه لحم وعظم. نعم لا يبعد عدم قادحية نقص بعض العظام مما لا ينافي صدق عظام الميت عرفاً على الباقي، لغلبة تلف شيء من عظام أكيل السبع والطير.

الثاني: البدن الذي هو عبارة عما عدا الأطراف الرأس واليدين والرجلين، كما هو مقتضى موثق طلحة وصحيح الفضل المتقدمين.

الثالث: النصف الذي فيه القلب، كما تضمنه ذيل صحيح علي بن جعفر وخبر خالد القلانسي المتقدمين. ومرسل عبد الله بن الحسين(6).

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 8، 7.

(3و4و5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 6، 9، 11.

ص: 441

أما إطلاق جريان الأحكام المذكورة على ما اشتمل على الصدر فلا ينهض به ما سبق، فضلاً عن الاكتفاء بالصدر.

نعم قد يستدل عليه بإطلاق صحيح إسحاق بن عمار عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام): "أن علياً (عليه السلام) وجد قطعاً من ميت، فجمعت، ثم صلى عليها ثم دفنت"(1) ، ومرسل محمد بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: إذا وجد الرجل قتيلاً فإن وجد له عضو تام صلي عليه ودفن، وإن لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه ودفن"(2) ، ومرسل ابن المغيرة: "بلغني عن أبي جعفر (عليه السلام): أنه يصلى على كل عضو رِجلاً كان أو يداً. والرأس جزء فما زاد. فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه"(3) ، وحديث الجعفريات:" إن علياً (عليه السلام) كان إذا وجد اليد أو الرجل لم يصل عليها، ويقول: لعل صاحبها حي "(4) فإن مقتضى التعليل فيه وجوب الصلاة عليه لو علم بموت صاحب العضو، ومرسل الصدوق:" وسئل الصادق (عليه السلام) عن رجل قتل ووجدت أعضاؤه متفرقة كيف يصلى عليه؟ قال: يصلى على الذي فيه قلبه"(5) ، ومرفوع البزنطي: "المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى على العضو الذي فيه القلب"(6).

لكنه يندفع بأن صحيح إسحاق قد تضمن حكاية في واقعة لا إطلاق لها، إذ لعل القطع كانت مشتملة على الجسد أو النصف الذي فيه القلب.

ومرسلا محمد بن خالد وابن المغيرة - مع ضعفهما - معارضان بموثق طلحة، وبما تضمن عدم الصلاة على النصف الذي ليس فيه القلب، ومهجوران عند الأصحاب، حيث لم ينقل الفتوى بمضمونهما إلا عن الاسكافي. وربما حملا على الاستحباب، كما عن المنتهى. مضافاً إلى عدم صدق العضو على الصدر وحده، كما يأتي.

ومن ذلك يظهر حال حديث الجعفريات فإن سنده وإن لم يخل عن اعتبار

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2، 10، 13.

(4) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 31 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

(5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 31 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3، 12.

ص: 442

- كما أوضحناه في آخر الكلام في المكاسب المحرمة عند الكلام في حرمة حلق اللحية من هذا الشرح - إلا أن معارضته للنصوص المذكورة وهجره ملزمان بطرحه أو حمل التعليل فيه على الحكمة، أو عدم كون العلة منحصرة.

وأما مرسل الصدوق ومرفوع البزنطي فهما - مع ضعفهما - قد تضمنا تقطيع أعضاء الميت، وظاهره الأعضاء التامة، كالرأس واليدين والرجلين، وحينئذ فالعضو الكامل الذي فيه القلب هو تمام البدن، عدا الأطراف، نظير ما تقدم في موثق طلحة. نعم لو كان المفروض فيهما مطلق تقطيع الميت أو تقطيعه قطعاً، كان مقتضى إطلاقهما الصلاة على القطعة التي فيها القلب، وإن كانت بعض الصدر. لكنه ليس كذلك. ومن هنا يشكل الحكم المذكور.

اللهم إلا أن يقال: مقتضى الجمود على ما تضمن الصلاة على النصف الذي فيه القلب وإن كان هو اعتبار تمامية النصف المذكور، باتصال أطرافه من الرأس واليدين إن كان التنصيف عرضياً، ونصف الرأس ويد ورجل إن كان طولياً، إلا أنه لا يبعد شموله لما إذا قطعت الأطراف لعدم توقف موضوع الصلاة عليها ارتكازاً ولاسيما بملاحظة موثق طلحة، فموضوع التنصيف المذكور هو البدن الذي تضمن موثق طلحة الصلاة عليه، لا البدن التام، وهو يقتضي الاكتفاء بالصدر مع التنصيف العرضي وبنصفه ونصف الوسط مع التنصيف الطولي، فيتم ما ذكره المشهور في الجملة. وإن كان الأمر لا يخلو عن إشكال.

وكيف كان فلا ينبغي التأمل في وجوب الصلاة على النصف العرضي التام الذي فيه الصدر، وعلى النصف الطولي التام الذي فيه القلب، وإنما الإشكال في النصف الناقص بعض الأطراف أو تمامها.

هذا وأما الاستدلال بالإجماع في المقام فلا يخلو عن إشكال، بل منع، لاضطراب كلمات الأصحاب، واقتصار بعضهم على مضمون النصوص كالصدوقين، والعلم أو الوثوق بأن لا مستند لهم إلا النصوص المتقدمة، وابتناء فتاواهم على ما يستفيدونه

ص: 443

وكذا إذا كان الصدر وحده أو بعضه (1) على الأحوط وجوباً.

منها، فلا مجال للخروج عن مفادها بفتواهم، والمتعين ما ذكرنا.

ثم أنه لم يتضمن شيء من النصوص المتقدمة وجوب تمام أحكام الميت إلا ما ورد في أكيل السبع، وأما الباقي فقد اقتصر فيها على الصلاة. إلا أن المستفاد منها وجوب تمام الأحكام، لكون الجميع بملاك الاحترام للميت، بل الصلاة ارتكازاً أحرى بأن يراعى فيها تمامية الميت. ومن ثم قد يستفاد ثبوت غيرها بالأولوية العرفية. فتأمل. ولاسيما بملاحظة أن التغسيل والتحنيط والتكفين شرط في صحة الصلاة، وأنه لا يحتمل وجوب الصلاة عليه ثم لا يدفن. ومن ثم كان ظاهرهم المفروغية عن وجوب الكل، وإن اقتصر بعضهم على التصريح بالصلاة.

نعم لابد في التحنيط من وجود موضعه، كما صرح به بعضهم. لكن استشكل في اعتبار ذلك في التذكرة والقواعد ومحكي نهاية الأحكام. قال في التذكرة ونهاية الأحكام:" ينشأ من اختصاصه بالمساجد. ومن الحكم بالمساواة ".وظاهره عدم الإشكال في وجوبه مع وجود موضعه، وإنما الإشكال مع عدم وجود موضعه. وهو كما ترى! إذ لا مجال لاحتمال وجوبه حينئذ. وعموم المساواة - مع عدم ثبوته من النصوص، ولا من غيرها - لا يقتضيه، إذ ليس من أحكام الميت تحنيط الموضع المذكور، ليكون مقتضى المساواة تحنيطه مع انفصاله. ولذا قال في محكي حواشي الشهيد:" لا وجه لهذا الإشكال، إذ مع وجود محلّ الحنوط لا إشكال في وجوبه، ومع الفقد لا إشكال في العدم ".ونحوه كلام غيره.

(1) مما سبق يظهر الإشكال في جريان جميع الأحكام على الصدر وحده. وأشكل منه البعض، بل لا مجال للبناء على ذلك إذا لم يشتمل على القلب، لدلالة النصوص المتقدمة على عدم وجوب الصلاة عليه. فلاحظها.

ص: 444

وفي الأخيرتين يقتصر في التكفين على القميص والأزار (1)، وفي الأول يضاف إليهما المئزر إن وجد له محل (2). وإن وجد غير عظم الصدر - مجرداً كان أو مشتملاً عليه اللحم - غسل (3)

(1) لعدم الموضع للمئزر، ولا دليل على وجوب وضعه في غير موضعه من القطعة المذكورة، بل مقتضى الأصل البراءة، والاقتصار على ما يعلم بوجوبه، وهو الذي يوجد موضعه. لكنه مبني على أن الثوب الثالث من الكفن المفروض هو المئزر بالمعنى المشهور، وقد تقدم الإشكال فيه في مبحث الكفن، وقرب كونه ثوباً شاملاً لتمام البدن أو ما عدا الرأس منه. فراجع. وحينئذ يكون موضعه موجوداً فيجب كغيره.

(2) بأن اشتمل على ما هو أسفل من السرة، لأن المئزر عندهم يبدأ من السرة فما دونها.

(3) إجماعاً كما في الخلاف والغنية وعن المنتهى نفي الخلاف فيه، وفي الجواهر:" ولم أعثر فيه على مخالف من الأصحاب، فما عساه يشعر بوجوده من نسبته إلى الشهرة في كلام جماعة في غير محله. نعم ربما وقع فيه تردد من بعض متأخري المتأخرين...".

وقد يستدل له تارة: بقاعدة الميسور. وأخرى: بالاستصحاب. وثالثة: بما روي:" ان طائراً ألقى بمكة في وقعة الجمل يداً، فعرفت بالخاتم، وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فغسلها أهل مكة"(1).

ورابعة: بما تقدم من النصوص المتضمنة تغسيل أكيل السبع أو الطير إذا بقيت عظام بلا لحم، لصدق العظام على التامة وعلى الناقصة. ولاسيما بملاحظة غلبة النقصان فيها، وحينئذ فوجوب تغسيل العظم المجرد مستلزم لتغسيل القطعة ذات العظم بالأولوية العرفية.

********

(1) الخلاف ج: 1 ص: 109، الإصابة ج: 2 ص: 72.

ص: 445

وخامسة: بصحيح أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه"(1) ، بناءً على ملازمة وجوب الغسل بمسه لوجوب تغسيله - كما استظهره الذكرى - لأن غسل الميت فرع وجوب التغسيل، لأنه من شؤون حدث الموت الذي يجب رفعه بالتغسيل.

ولما في الحدائق من أن الحكم فيه بأن القطعة ميتة لا يراد به إلا أنها ميتة الإنسان ذات الأحكام الخاصة، ومنها التغسيل. ولذا صح تفريع وجوب غسل المسّ عليه، إذ هو من أحكام مسّ الميت الإنسان، لا مسّ كل ميتة.

والكل كما ترى! لظهور ضعف الأولين مما سبق في صدر المسألة. واندفاع الثالث - مضافاً إلى ما حكاه في السرائر عن البلاذري أنها سقطت باليمامة - بعدم حجية فعل أهل مكة. ولاسيما مع ما في الخلاف من أنهم صلوا عليها أيضاً، مع أنه قد تقدم عدم وجوب الصلاة عليها.

كما يظهر ضعف الرابع مما تقدم من عدم صدقه إلا ببقاء أكثر عظام الميت، ولذا تضمن الأمر بالصلاة، مع عدم وجوبها هنا، كما سبق.

وأما الخامس فيشكل بعدم وضوح الملازمة المذكورة. لأن غسل المس وإن كان من شؤون حدث الموت، إلا أنه إنما يرتفع عن مجموع الميت بغسله بتمامه بنحو الارتباطية، والمفروض تعذر ذلك، وليس هو انحلالياً، بحيث يرتفع الحدث عن كل جزء من الميت بغسله وحده، ليجب في المقام.

وأما الحكم بأنه ميتة فلا يراد به إلا تنزيل القطعة من الحي منزلة الميت، والتفريع بلحاظ ذلك، لأنه إذا كان ميتة تحقق موضوع التفصيل المذكور. على أنه لو تم حمله على إرادة أنه ميت الإنسان فليس معنى ذلك أنه ميت كامل للإنسان، بحيث تترتب عليه تمام أحكامه، بل بالمعنى الأعم من التام والناقص، ولذا فصل في وجوب الغسل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 446

بمسه بين ذي العظم وغيره، فإذا كان التغسيل من أحكام خصوص التام، أو ما يعمّ ما فيه القلب مثلاً، فلا وجه لتعميمه لمطلق ما فيه عظم، ولذا لا يجب فيما لا عظم فيه قطعاً، مع أنه مشمول للحكم بأنه ميتة.

فلم يبق إلا الإجماع، حيث يبعد الخطأ فيه في مثل هذه المسألة التي هي مورد للابتلاء والعمل. وإن كان في بلوغ ذلك حداً يصلح للاستدلال، والخروج عن مقتضى أصل البراءة، إشكال. بل حيث كان ظاهرهم المفروغية عن أن الغسل المذكور من شؤون تغسيل الميت، فهو رافع لحدث الموت، فلا يجب الغسل بالمس بعده ومطهر للقطعة، كان الأمر أشكل، لمنافاتهما لإطلاق نصوص الحكمين التي مقتضاها عدم ارتفاعهما إلا بتغسيل الميت بتمامه. بل الثاني مناف للاستصحاب أيضاً. ومن ثم يشكل الحال وطريق الاحتياط واضح.

هذا وأما التعميم في المتن للعظم المجرد فهو المحكي عن ابن الجنيد. وفي الجواهر أنه ظاهر بعض عبارات الأصحاب، بل ربما حمل عليه عبارات الكل قال:" ومن هنا لم نجد أحداً ممن أوجب تغسيل القطعة ذات العظم صرح بعدم الوجوب فيه. وكأن ما نقله بعض المتأخرين من القول به أراد من أنكر وجوب التغسيل للقطعة ذات العظم".

وقد يستدل له - مضافاً إلى الوجه الأول والثاني والرابع التي عرفت الإشكال فيها - بأن دوران تغسيل القطعة وعدمه مدار اشتمالها على العظم وعدمه يقتضي أن يكون موضوع التغسيل هو العظم واللحم تابع له. لكنه - كما ترى - تحكم وتخرص لا شاهد له. ولعله لذا تردد فيه في جامع المقاصد. فتأمل جيداً. والله سبحانه وتعالى العالم.

هذا وأما القطعة المبانة من الحي فقد صرح في المعتبر بعدم وجوب تغسيلها، قال:" لأنها من جملة لا يغسل ".وتبعه جماعة في ذلك. ولا يخفى ضعف التعليل المذكور، لأن عدم تغسيل الجملة لعدم الموت لا ينافي تغسيل القطعة بموتها، كما هو

ص: 447

وحنط (1)، ولفت بخرقة (2)،

الحال في الحكم بالنجاسة.

خلافاً للسرائر والتذكرة والدروس والذكرى ومحكي المنتهى وغيرها، فيجب التغسيل. وهو متجه بناء على نهوض حديث أيوب بن نوح المتقدم بإثبات وجوب التغسيل. وقد أيده في الجواهر بأنه لو لم يجب تغسيلها لم يجب تغسيل من قُطّع حياً إذا وجدت قطعه متفرقة، لأن كل قطعة لا يتعلق بها الوجوب. وبإمكان استفادته من مساق أخبار المقام، حيث لم يراع فيها احتمال اقتطاع الأعضاء منه وهو حي في أكيل السبع والطير وغيره.

لكن سبق المنع من نهوض حديث أيوب بإثبات وجوب التغسيل. وأما ما في الجواهر فهو وإن لم يخل من وجه، إلا أن وجوب تغسيل كل قطعة في ضمن المجموع مع موت من قطعت منه لا يستلزم وجوب تغسيلها وحدها مع عدم موته، وإلا جرى ذلك في الصلاة، كما نبه له في جامع المقاصد. ومن ثم يشكل الخروج عن مقتضى الأصل.

(1) كما في المقنعة والمبسوط والنهاية والمراسم والتذكرة وعن نهاية الأحكام، مع التصريح في الأخيرين باختصاصه بما إذا كان أحد المساجد. ولعله مراد الكل. وكأن الوجه فيه قاعدة الميسور والاستصحاب، اللذين عرفت الإشكال في الاستدلال بهما في نظير المقام، وهو التغسيل.

(2) كما في الشرايع والتذكرة وعن التحرير ونهاية الأحكام واستظهره في كشف اللثام. وصرح بالتكفين في المقنعة والمبسوط والنهاية والسرائر ومحكي المنتهى والتبصرة والجامع وغيرها. واحتمل رجوع الأول للثاني، كالعكس.

وعن فوائد الشرايع:" ينبغي أن يكفن بالثلاث إن كان موضعها موجوداً وإلا ففي الاثنين ".واحتمله في جامع المقاصد. لكن حيث سبق ضعف الاستدلال بقاعدة

ص: 448

ودفن (1)، على الأحوط وجوباً. ولم يصل عليه (2). وإن لم يكن فيه عظم لف بخرقة (3)

الميسور والاستصحاب، فلو تم الإجماع على أصل اللفّ فلا إجماع على خصوصية الكفن، ويتعين الرجوع فيه للأصل.

(1) بلا خلاف ظاهر، بل ظاهرهم المفروغية عنه، حيث لا يحتمل وجوب الأمور المتقدمة دونه. وينحصر الدليل عليه بالإجماع المطابق للمرتكزات المتشرعية على اهتمام الشارع بحرمة الميت وستره بالدفن. ويقتضيه في الجملة مرسل محمد بن خالد المتقدم(1).

(2) كما صرح به جماعة، بل ربما يستظهر من بعض عباراتهم الإجماع عليه، وإن حكى عن ابن الجنيد وجوب الصلاة عليه. وقد يستدل له بمرسلي محمد بن خالد وابن المغيرة وحديث الجعفريات المتقدمة في صدر المسألة. ويظهر ضعفه مما تقدم.

مضافاً إلى اختصاصها بالعضو التام. ومثلهما في ذلك مرسل الكليني:" وروي أنه يصلى على الرأس إذا أفرد من الجسد "(2) مضافاً إلى معارضته بمرسل الصدوق:" وإن لم يوجد منه إلا الرأس لم يصل عليه"(3).

(3) كما في الشرايع والقواعد والدروس وظاهر المسالك وعن النافع وبقية كتب العلامة والشهيدين والصيمري. وفي المختلف وعن الكفاية أنه المشهور. وصرح بعدم وجوب لفها في المعتبر، وتبعه جماعة. ولعله يرجع إليه ما في السرائر والمراسم من عدم وجوب التكفين وإن نسب في المعتبر للثاني وجوب اللفّ.

وكيف كان فلا يظهر الوجه فيه بعدما عرفت من المناقشة في قاعدة الميسور

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 10.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة ملحق حديث: 10.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة ملحق حديث: 10.

ص: 449

(450)

ودفن (1) على الأحوط وجوباً.

(مسألة 73): السقط إن تم له أربعة أشهر غسل (2)،

والاستصحاب، وبعد عدم قيام شبهة الإجماع. ومن هنا لا مخرج عن الأصل.

هذا ولا إشكال ظاهراً في عدم وجوب الصلاة عليه - كما تضمنته بعض النصوص المتقدمة - بل ظاهرهم المفروغية عنه. وكذا لا يجب التغسيل كما صرح جماعة، بل في الخلاف والغنية والحدائق دعوى الإجماع عليه.

(1) كما ذكره غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات. ويقتضيه ما تقدم في القطعة المشتملة على العظم.

(2) كما هو المعروف، وادعى الإجماع عليه في الخلاف وجامع المقاصد، وعن ظاهر الذكرى والتنقيح، ونسبه في المعتبر على علمائنا، وفي محكي المنتهى إلى أكثر أهل العلم. وفي كشف اللثام: "ولا نعرف فيه خلافاً إلا من العامة".

ويقتضيه خبر زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): "قال: السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل"(1). ونحوه حديث أحمد بن محمد عمن ذكره:" قال: إذا تمّ للسقط أربعة أشهر غسل. وقال: إذا تمّ له ستة أشهر فهو تام. وذلك أن الحسين بن علي ولد وهو ابن ستة أشهر"(2). وضعف السند - لجهالة الحسين بن موسى في سند الأول وإرسال الثاني - مجبور بقبول الأصحاب كما في المعتبر، وبإطباقهم على الحكم كما في جامع المقاصد. وتوقف المدارك في الانجبار في غير محله. وبه يخرج عن إطلاق خبر محمد بن الفضيل: "كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أسأله عن السقط كيف يصنع به؟ فكتب إليّ: السقط يدفن بدمه في موضعه"(3) ، فيحمل على من لم يتم له أربعة أشهر.

هذا وقد روى الشيخ بسنده الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام):" سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال: نعم. كل ذلك

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 4، 2، 5.

ص: 450

يجب عليه إذا استوى"(1). وكذا رواه الكليني، إلا أنه أسقط قوله: "إذا استوى".

قال في المدارك: "لا يخفى أن الحكم في الرواية الثانية وقع معلقاً على استواء الخلقة، لا على بلوغ الأربعة. اللهم إلا أن يدعى التلازم بين الأمرين. وإثباته مشكل" .وقد منع في الحدائق من الإشكال في ذلك للنصوص المتضمنة أن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً، ثم تصير علقة أربعين يوماً، ثم تصير مضغة أربعين يوماً، فإذا أكمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين فيقولان: يا رب ما تخلق ذكراً أم أنثى(2) ، قال: "وهذه الأخبار كما ترى صريحة في أنه بتمام الأربعة أشهر تمت خلقته".

لكن استئذان الملكين في ذلك بعد الأربعة أشهر لا يستلزم تمامية خلقة الجنين بها، لو لم يدل على العدم، كما نبه له غير واحد.

كما لا مجال للاستدلال على ذلك بالرضوي: "وإذا أسقطت المرأة وكان السقط تاماً غسل وحنط وكفن ودفن. وإن لم يكن تاماً فلا يغسل ويدفن بدمه. وحدّ إتمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر"(3). لعدم وضوح كونه رواية عن معصوم، بل ربما كان فتوى - كفتوى الصدوق في الفقيه - تبتني على الجمع المتراءى بين النصوص.

وكذا لا مجال لاستفادة عدم تحقق التمامية من ذيل مرفوع أحمد بن محمد. ونحوه خبر زرارة(4). لأن التمامية فيهما بمعنى أوان الاستقلال عن الأم، بحيث يمكن ولادته وبقاؤه حياً، بقرينة الاستشهاد بولادة الحسين (عليه السلام) لا بمعنى تمامية الخلقة واستوائها.

ومن هنا فقد حمل سيدنا المصنف (قدس سره) استواء الخلقة على المقدار الحاصل بالأربعة أشهر، جمعاً بين النصوص. لكنه لا يخلو عن إشكال، ولاسيما مع وقوع

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الكافي ج: 6 ص: 12 باب: 6 من أبواب كتاب العقيقة.

(3) مستدرك الوسائل ج: 2 باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 451

وحنط (1)، وكفن (2)،

استواء الخلقة في كلام السائل، حيث يبعد جداً إرادته منه غير معناه العرفي.

ولعل الأولى توجيه النصوص بالتلازم بين الأمرين خارجاً. ولو ثبت عدمه يتعين رفع اليد عن المفهوم في كلتا الشرطيتين، والبناء على وجوب التغسيل بكل واحد من الأمرين. ولاسيما مع عدم ثبوت اشتمال الجواب في الموثق على الشرطية، لخلوّ رواية الكليني عنها. ومجرد اشتمال السؤال عليها لا يقتضي التحديد. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم.

(1) كما في الفقيه والمقنعة والنهاية والمبسوط والمراسم وعن الشهيد ومن تأخر عنه. ويقتضيه - مضافاً إلى الرضوي المتقدم - إطلاق بعض نصوص التحنيط. ففي صحيح زرارة عنهما (عليهما السلام):" إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور، فمسحت به آثار السجود... "(1) وفي موثق عمار المتضمن السؤال عن غسل الميت قال (عليه السلام):" ثم تكفنه واجعل الكافور في مسامعه واثر سجوده..."(2). على أنه لا يبعد استفادته تبعاً من الأمر بالتكفين في موثق سماعة، لظهور جملة من النصوص في أنه من شؤون التكفين ولواحقه. ومنه يظهر الإشكال في إهمال غير واحد له.

(2) كما صرح به من تقدم منه التصريح بالتحنيط، وحكي عن العلامة في جملة من كتبه. ويقتضيه موثق سماعة السابق نعم لو لم يثبت التلازم بين استواء الخلقة وبلوغ الأربعة أشهر أشكل استفادة وجوبه فيمن بلغ الأربعة أشهر ولم تستو خلقته.

هذا والظاهر حمل التكفين في النص والفتوى على التكفين المعهود بالقطع الثلاث، كما حكي عن الشهيد ومن تأخر عنه التصريح به. وأما الاقتصار على اللف في خرقة في الشرايع ومحكي التحرير فلا يتضح وجهه بعدما سبق.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التكفين حديث: 4.

ص: 452

ولم يصل عليه (1). وإن كان لدون ذلك لف بخرقة (2) ودفن (3) على الأحوط وجوباً. لكن لو ولجته الروح حينئذ فالأحوط إن لم يكن أقوى

(1) إجماعاً كما في الخلاف والمعتبر. بل في التذكرة: "لا يستحب الصلاة على السقط ميتاً عند علمائنا" .ويقتضيه - مضافاً إلى الأصل - ما تقدم في الصلاة على الطفل من النصوص المتضمنة عدم الصلاة على الطفل الذي لم يستهل، فضلاً عن غيرها مما يظهر منه عدم مشروعية الصلاة على من لم يبلغ ست سنين.

(2) ولا يغسل إجماعاً، كما في الخلاف وفي الغنية والمعتبر. بل قال فيه: "وهو مذهب العلماء خلا ابن سيرين" ،ونحوه في التذكرة. ويقتضيه النصوص المتقدمة.

نعم لو فرض تمامية خلقته فمقتضى صحيح زرارة وجوب تغسيله. ولا يقدح مخالفته لإطلاق معاقد الإجماعات المتقدمة. لقوة احتمال ابتنائها على ملازمة تمامية الخلقة لمضي الأربعة أشهر، كما يظهر من استدلال بعضهم على التفصيل المذكور بموثق سماعة.

هذا وأما اللفّ بخرقة فقد ذكره غير واحد. ولم يتضح وجهه. نعم تضمنه معقد إجماعي المعتبر والتذكرة. لكن في نهوضهما بالاستدلال إشكال. ولاسيما مع احتمال كون معقدهما حقيقة هو عدم الصلاة عليه، أو عدم وجوب غسله، كما قد يناسب الأول استثناء ابن سيرين الذي حكى عنه في التذكرة القول بوجوب الصلاة عليه، ويناسب الثاني ما في المعتبر من استدلاله على معقد الإجماع بأن المعنى الموجب للغسل هو الموت، وهو مفقود هنا، وبخبر محمد بن الفضيل المتقدم المقتصر فيه على أنه يدفن بدمه. بل نسب فيه معقد الإجماع للمبسوط والنهاية مع أنه لم يذكر فيهما اللفّ بخرقة، كما لم يذكره غير واحد، على ما حكي. ومن هنا يشكل وجوبه. ولاسيما مع عدم ذكره في خبر محمد بن الفضيل المتقدم.

(3) الظاهر عدم الخلاف فيه. ويقتضيه خبر محمد بن الفضيل المتقدم.

ص: 453

جريان حكم الأربعة أشهر عليه (1).

(1) لم أعثر عاجلاً على من صرح بذلك. نعم في الخلاف: "يجب غسل السقط إذا ولد وفيه حياة. فأما الصلاة عليه فعندنا لا يجب الصلاة عليه إلا بعد أن يصير له ستة سنين... دليلنا إجماع الفرقة" .وقد يوجه - مضافاً إلى الإجماع المدعى فيه - بإطلاق دليل وجوب تغسيل الميت.

لكن الإجماع المذكور لا يبلغ مرتبة الحجية. ولاسيما مع قرب ابتنائه على استلزام الحياة لبلوغ الأربعة أشهر، كما قد يستفاد من بعض النصوص(1). ويناسبه ما ذكره بعد ذلك من جعلها معياراً في وجوب الغسل، ومع احتمال رجوع الإجماع لحكم الصلاة عليه الذي حكى فيه الخلاف عن العامة.

وأما الإطلاق فهو - لو تم - لا ينهض في قبال التفصيل الذي تضمنته النصوص المتقدمة بين بلوغ الأربعة أشهر وعدمه. على أنه - كالإجماع المدعى - يختص بمن ولد حياً، لا مطلق من ولجته الروح، كما هو إطلاق مقتضى المتن، لانصراف الميت عن السقط الذي يموت في بطن أمه قطعاً. فلاحظ والله سبحانه وتعالى العالم. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

انتهى الكلام في أحكام الأموات ليلة الأربعاء، التاسع والعشرين من شهر شعبان المعظم، من السنة الثانية عشرة بعد الألف والأربعمائة للهجرة النبوية، على صاحبها وآله أفضل الصلاة والتحية. بقلم العبد الفقير إلى الله تعالى (محمد سعيد) عفي عنه نجل سماحة آية الله السيد (محمد علي) الطباطبائي الحكيم، دامت بركاته. في داره في النجف الأشرف ببركة الحرم المشرف، على مشرفه الصلاة والسلام. ومنه سبحانه وتعالى نستمد العون والتوفيق. وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 19 باب: 19، 20 من أبواب ديات الأعضاء.

ص: 454

(455)

المقصد السادس: في غسل المس

اشارة

يجب الغسل بمس الميت (1)

(1) على المعروف من مذهب الأصحاب المنسوب للأكثر تارة، وللمشهور أخرى في كلام جماعة. بل ادعى في كتاب الجنائز من الخلاف الإجماع عليه قال: "ومن شذ منهم لا يعتد بقوله" .ويقتضيه النصوص الكثيرة الآمرة به، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): "قلت: الرجل يغمض الميت أعليه غسل؟ قال: إذا مسه بحرارته فلا. ولكن إذا مسه بعدما يبرد فليغتسل..."(1) ، وغيره من النصوص الكثيرة المستفيضة أو المتواترة، الواردة في ذلك وفي فروعه، ومنها ما تضمن تغسيل المغسل للميت(2).

ويظهر التردد فيه من المراسم لنسبته فيه إلى إحدى الروايتين، وحكي عن المرتضى عدم وجوبه، بل قد يظهر من الخلاف وجود قائل به غيره.

ويستدل له - بعد الأصل - بأن وجوبه نفسياً مما لا يقول به أحد، وغيرياً مما لا دلالة في النصوص عليه، بل يشعر بعدمه التوقيع الذي رواه الشيخ في كتاب الغيبة مسنداً بطريق معتبر والطبرسي في الاحتجاج مرسلاً عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، أنه كتب إليه:" فروي لنا عن العالم (عليه السلام): أنه سئل عن إمام قوم يصلي بهم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل المس حديث: 1.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل المس.

ص: 455

بعض صلاتهم، وحدثت عليه حادثة، كيف يعمل من خلفه؟ فقال: يؤخر، ويتقدم بعضهم، ويتم صلاتهم، ويغتسل من مسه. التوقيع: ليس على من مسه إلا غسل اليد، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمم صلاته عن [مع] القوم"(1). بل يدلّ عليه حصر نواقص الوضوء بغيره.

لكن يجب الخروج عن الأصل بالنصوص المشار إليها. كما يتعين البناء على وجوبه غيرياً، كسائر الطهارات لمثل عموم: "لا صلاة إلا بطهور" (2) بعد كون وجوبه مسبباً عن الحدث، كما هو المنسبق في سائر الأغسال، لأنها ارتكازاً طهارات. ويشهد به في خصوص المقام معتبر الفضل عن الإمام الرضا (عليه السلام): "إنما أمر من يغسل الميت بالغسل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت، إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته" (3) ونحوه معتبر محمد بن سنان عنه (عليه السلام)، وزاد فيه: "فلذلك يتطهر منه ويطهر"(4).

وأما التوقيع فهو لا يدل على عدم وجوبه غيرياً، بل على عدم وجوبه أصلاً، وهو محمول على المسّ قبل البرد، كما هو المناسب لمورده. ويشهد بذلك ما في سياق التوقيع الأول:" روي عن العالم أن من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الميت في هذه الحال لا يكون إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ ولعله ينحيه بثيابه، ولا يمسه، فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع: إذا مسه على [في] هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده"(5).

وأما نصوص نواقض الوضوء فبناء على ما هو الظاهر من أن أسباب الحدث الأكبر نواقض للوضوء يتعين حمل الحصر فيها على الحصر الإضافي، ولذا لم يذكر في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 4. كتاب الغيبة للشيخ ص: 230 طبع النجف الأشرف.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 1 باب: 1، 2 من أبواب الوضوء.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل المس حديث: 11، 12.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 5. واللفظ له. كتاب الغيبة للشيخ ص: 230 طبع النجف الأشرف.

ص: 456

كثير منها شيء من أسباب الغسل.

ومثل ذلك الاستدلال بذكره في سياق الأغسال المسنونة(1) وخصوصاً ما تضمن منها التصريح بأن غسل الجنابة فريضة(2). إذ فيه: أن ذلك قد يمنع من حمل الأمر به في تلك النصوص على الوجوب، من دون أن ينافي وجوبه لو استفيد الأمر به من نصوص أخر. وتخصيص غسل الجنابة بأنه فرض لابد أن يحمل على إرادة المفروض بظاهر القرآن، وإلا لجرى ذلك في سائر الأغسال الواجبة غير الجنابة ولم يختص بغسل المس، خصوصاً غسل الميت الذي عدّ في بعض تلك النصوص في سياق غسل المس.

نعم قد يستدل بمكاتبتي الحسين بن عبيد والقاسم الصيقل: "كتبت إلى الصادق (عليه السلام): هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السلام) حين غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند موته؟ فأجابه: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طاهر مطهر، ولكن فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجرت به السنة"(3) ، وموثق زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام): قال: الغسل من سبعة: من الجنابة - وهو واجب - ومن غسل الميت وإن تطهرت أجزأك"(4) ، بحمل التطهير فيه على الوضوء، أو غسل اليد. وأما احتمال حمله على الغسل، وأن المراد بإجزائه إجزاؤه عن الوضوء - كما في الوسائل - فيوافق المختار. فهو بعيد جداً.

لكن المكاتبتين - مع ضعفهما - ظاهرتان في وجوب الغسل بالمس، وأن عدم وجوبه في غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه طاهر مطهر لا يوجب مسه للماس الحدث، ويراد من جريان السنة به جريانها باستحباب الغسل مع طهارة الميت وعدم ثبوت الحدث له بالموت له ولا لمن يمسه.

هذا بناءً على أن جريان السنة بفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) له. أما بناءً على أن

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4، 5، 8، 11.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل المس حديث: 7، 8.

ص: 457

الإنساني (1)

جريانها مع قطع النظر عن فعله بل فعله (عليه السلام) متفرع عليها، فلا مانع من حمل السنة على ما يعم الوجوب، ويكون المراد بقوله:" فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طاهر مطهر "بيان أن وجوب الغسل بتغسيله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس لعدم طهارته، بل لجريان السنة به.

وأما موثق زيد فهو بظاهره شاذ مهجور عند الأصحاب، موافق للعامة، فلا يعارض النصوص المستفيضة المعول عليها عند الأصحاب، بل لابد من تأويله أو طرحه.

(1) فلا يجب الغسل بمس غيره من الميتات. وفي المنتهى أنه لا يعرف فيه خلافاً. بل في كشف اللثام أن عليه الإجماع. ويقتضيه - مضافاً إلى الأصل بعد قصور النصوص السابقة عنه، لظهور عنوان" الميت "أو انصرافه للإنسان، ويناسبه كونه مشروطاً بعدم التغسيل الذي لا يشرع لغير الإنسان - صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام):" في رجل مس ميتة أعليه الغسل؟ قال: لا إنما ذلك من الإنسان"(1) ، ونحوه غيره. بل هو مقطوع به من السيرة لشيوع الابتلاء به، فلو وجب لظهر وبان.

نعم في معتبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام): "قال: إنما لم يجب الغسل على من مس شيئاً من الأموات غير الإنسان - كالطيور والبهائم والسباع وغير ذلك - لأن هذه الأشياء كلها ملبسة ريشاً وصوفاً وشعراً ووبراً، وهذا كله ذكي لا يموت، وإنما يماس منه الشيء الذي هو ذكي من الحي والميت"(2). ومقتضى التعليل فيه وجوب الغسل بمس الجزء الذي طرأت عليه الحياة منها.

لكن لا مجال للخروج به عما تقدم. ولاسيما السيرة، حيث لا مجال لحملها على خصوص مماسة ما تحله الحياة مع شيوع مسّ ما تحله الحياة في مثل الميتة المسلوخة ورجلي الطيور وسائر جسمه مع نتفه. فيحمل على الغَسل بالفتح لا الغُسل بالضم

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 6 من أبواب غسل المس حديث: 1، 5.

ص: 458

بعد برده (1)، وقبل إتمام غسله (2).

الذي هو محل الكلام، أو تحمل العلة فيه على الحكمة، أو يطرح.

(1) فلا يجب قبله، للإجماع هنا بقسميه عليه، بل في المنتهى أنه مذهب علماء الأمصار. كذا في الجواهر. ويقتضيه النصوص المستفيضة، كصحيح محمد بن مسلم المتقدم في أول الفصل وغيره مما تقدم بعضه.

(2) فقد صرحوا بعدم وجوب الغسل بالمس بعد الغسل، وفي الجواهر:" إجماعاً بقسميه، بل في المنتهى أنه مذهب علماء الأمصار ".وتقتضيه جملة من النصوص، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):" قال: مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس "(1) ونحوه حديث عبد الله بن سنان(2) وفي مكاتبة الصفار:" إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل"(3).

نعم مقتضى تعليل نفي الغسل على من يدخله القبر بأنه إنما يمسه من وراء الثياب(4) وجوب الغسل بمسّ جسده. بل هو كالصريح من موثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): "وقال يغتسل الذي غسل الميت، وكل من مس ميتاً فعليه الغسل وإن كان الميت قد غسل"(5).

ولعل الأولى حملها على الاستحباب، كما ذهب إليه الشيخ في التهذيبين، خصوصاً بملاحظة ما تقدم في مكاتبتي الحسين بن عبيد والصيقل من احتمال حملهما على استحباب الغسل مع طهارة الميت.

هذا وظاهر النص والفتوى لزوم إتمام الغسل. لكن في التذكرة والقواعد وعن غيرهما أنه لو تمّ غسل الرأس، فمسّه قبل إتمام الغسل، فلا غسل. واستدل له

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل المس حديث: 5.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل المس حديث: 10، 14، وباب: 4 منه حديث: 4.

(5) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل المس حديث: 3.

ص: 459

مسلماً كان أو كافراً (1)،

بانصراف الإطلاق عن مثله ولطهارة الممسوس بغسله.

وفيه: أن الانصراف ممنوع أو بدوي لا يعتد به. مع إن انصراف إطلاق وجوب الغسل بالمس قبل الغسل لا ينفع، إذ يكفي إطلاق وجوب الغسل بمس الميت مطلقاً أو بعد برده.

وأما طهارة العضو الممسوس من الخبث بتمام غسله، فهي ممنوعة، بل ظاهر ما تضمن طهارة الميت بتغسيله(1) توقفها على تمام الغسل وهو مقتضى الاستصحاب أيضاً.

ودعوى: أن الطهارة الخبثية انحلالية، فيطهر كل جزء من النجس بغسله وإن لم يغسل الباقي. ممنوعة في المقام حيث أنيط فيه الحكم بتغسيل الميت الظاهر في تمامه. ولاسيما مع كون مطهريته تعبدية لا عرفية، لكونه نجس العين، ولاعتبار خصوصيات في الغسل لا تعتبر في التطهر من سائر النجاسات شرعاً ولا عرفاً.

على أن طهارة العضو المغسول من الخبث لو تمت لا تستلزم عدم وجوب الغسل بالمس، لعدم وضوح التلازم بين الأمرين، ولذا لا إشكال في عدم وجوب غسل المس قبل البرد، مع نجاسة الميت حينئذ.

هذا وأما لو أريد بالوجه المذكور طهارة كل عضو من الحدث بغسله، فهو أشكل لعدم معهودية الانحلال في الطهارة الحدثية، وعدم مساعدة الأدلة عليها.

(1) كما هو صريح جماعة ويقتضيه إطلاق النص والفتوى بوجوب الغسل بميت الإنسان، ولو اختص بالمسلم لكان الأولى أخذه في الموضوع. ولاسيما بملاحظة تعليله في معتبري الفضل بن شاذان ومحمد بن سنان بأنه مسبب عن حدث الموت المشترك بينهما. بل قد يدعى الأولوية في الكافر. وإن كانت محل إشكال، لعدم وضوح أولويته في الحدث الذي هو العلة لوجوب الغسل بالمس كما تقدم. وأولويته في الخبث

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 1.

ص: 460

حتى السقط إذا ولجته الروح (1)،

لو تمت - لا تنفع بعد عدم كونها معياراً في الحكم، خصوصاً مع كون أولويته بلحاظ خبث الكفر، لا خبث الموت.

هذا وفي المنتهى وعن نهاية الأحكام والتحرير احتمال العدم، وقربه في الحدائق. لجعل الغاية له التطهير بالغسل، والكافر لا يقبل ذلك. ولأنه لا يزيد على مس البهيمة والكلب.

والأخير - كما ترى - قياس لا يخرج به عن الإطلاق. وأما الأول فهو قد يتجه لو كان عدم قبول الكافر للتغسيل بسبب عدم سببية موته للحدث كالحيوان. لكنه - مع بعده ارتكازاً - لا يناسب إطلاق دليل سببية الموت للحدث، كنصوص وجوب غسل المس، ولاسيما معتبري الفضل وابن سنان المتقدمين. وكذا نصوص تعليل وجوب غسل الميت(1). بل الظاهر أن عدم قبوله له لعدم مشروعية تطهيره من الحدث، فلا ينافي وجوب الغسل بمسه.

(1) قطعاً كما في الجواهر. لإطلاق الأدلة، وإن أمكن دعوى انصرافها عن موت مثله، خصوصاً إذا مات في بطن أمه، لأن الإنصراف المذكور بدوي بعد كون المفهوم من الأدلة أن وجوب الغسل بالمس إنما هو لحدث الموت، وهو حاصل إرتكازاً في موت الجنين.

وأما إذا لم تلجه الروح فالظاهر عدم وجوب الغسل بمسه، كما في المقنعة والمنتهى. لعدم الموضوع. وأما حمل الميت في الأدلة على مطلق غير الحي من يقبل الحياة، فهو خروج عن الظاهر، خصوصاً بعد تقييد الحكم بما إذا برد الميت، لوضوح كون المراد به برودته بعد حرارته بالحياة. وبعد تعليله في المعتبرين المتقدمين في الاستدلال لوجوب الغسل بالطهارة مما أصابه من نضج الميت. فلاحظه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1، 3 من أبواب غسل الميت.

ص: 461

(462)

وإن لم يتم له أربعة أشهر (1)، على الأحوط. ولو يمم الميت للعجز عن تغسيله (2)

وأما الاستدلال على وجوب الغسل بمسّه بالإجماع على نجاسته، حيث يشهد ذلك بأن المراد بالميت ما يعمه، وهو غير الحي القابل للحياة. فهو مندفع بعدم التلازم بين نجاسته ووجوب الغسل بمسه، حيث لا مانع من كون المراد بالميت في موضوع النجاسة ما يعم ذلك، وفي موضوع غسل المس ما ذكرنا لما سبق. على أن نجاسته قد لا تكون لصدق الميت عليه، بل لإلحاقه به في الحكم المذكور، وهو لا يستلزم إلحاقه به فيما نحن فيه.

(1) للإطلاق المتقدم. ولم يتضح منشأ توقف سيدنا المصنف (قدس سره) في الحكم. نعم يتجه الاحتياط فيمن لم يتم له أربعة أشهر، بناءً على عدم ولوج الروح قبلها، للشبهة المتقدمة. لكنه حينئذ احتياط استحبابي، كما صرح به في العروة الوثقى، وجرى عليه سيدنا المصنف (قدس سره) في مستمسكه.

(2) فقد صرح في القواعد والمنتهى والدروس بوجوب الغسل بمسّه، وحكي عن جماعة كثيرة، بل في الجواهر: "بل لا أجد فيه خلافاً مما عدا شيخنا في كشف الغطاء".

والعمدة فيه إطلاق ما تضمن وجوب الغسل بمس الميت قبل غسله. وأما بقاء النجاسة فهو - لو تم - لا ينفع بعد عدم التلازم بين الأمرين، كما سبق التنبيه له.

واستدل لكاشف الغطاء بإطلاق دليل البدلية. لكن المراد به إن كان هو بدلية التيمم عن غسل الميت، فينحصر الدليل عليه بخبر زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام): "قال: إن قوماً أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور، فإن غسلناه انسلخ، فقال: يمموه"(1). وهو - مع ضعف سنده - غير ظاهر في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 462

إطلاق بدلية التيمم عن غسل الميت بلحاظ جميع آثاره. بل في مجرد وجوبه عند تعذره ولو لقيامه ببعض أثره، اجتزاء بالميسور.

ومثله في ذلك معتبره عنه (عليه السلام):" قال: أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفر فقالوا: إن امرأة توفيت منا، وليس معها ذو محرم... فقال: أفلا يمموها"(1). وإن سبق في محله حمله على الاستحباب.

وإن كان هو بدلية التراب عن الماء المستفادة من مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "يكفيك الصعيد عشر سنين" (2) وقولهم (عليهم السلام): "إن رب الماء رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين"(3). أشكل أولاً: بأنه لا إطلاق للبدلية المذكورة بنحو يشمل المقام بعد أن كان الأثر غير مستند للماء وحده، بل مع الخليطين، من دون فرق بين اعتبار إطلاق الماء في الغسلين الأولين المشتملين على الخليطين وعدمه، كما هو الأظهر، على ما تقدم. إذ على الأول لا يستند الأثر لمطلق الماء، بل لخصوص الحصة الخاصة منه، ومقتضى البدلية قيامه مقام الماء في الآثار الثابتة لمطلق الماء، لا لخصوص حصة خاصة منه، كما أشرنا إليه عند الكلام في مشروعية التيمم للميت مع تعذر الغسل، ونبه له بعض مشايخنا (قدس سره) هنا. ومن ثم سبق أن مشروعية التيمم مستفادة مما تضمن وجوب الغسل بالماء عند تعذر الخليطين، حيث يكشف ذلك عن استقلال الماء بالمطهرية - ولو ببعض مراتبها - في فرض تعذر الغسل التام، وذلك كاف في مشروعية التيمم.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من أن المفهوم من قولهم (عليهم السلام):" التراب أحد الطهورين "و:" التيمم أحد الطهورين "قيام التراب مقام الغسل الطهور، ولو اعتبر فيه أمر غير الماء، كالخليطين في المقام. ففيه: أن التعبير الأول راجع إلى بدلية التراب عن الماء وقيامه مقامه، لأنه طهور مثله، فيجري فيه ما سبق.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(2) ،

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 12، 15.

ص: 463

وأما التعبير الثاني فلم أعثر عليه عاجلاً إلا في صحيح زرارة:" قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة. قال: فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته، فإن التيمم أحد الطهورين"(1). ومقتضى الجمود عليه تنزيل التيمم منزلة الوضوء، لا منزلة الغسل، خصوصاً غسل الميت. على أنه يقرب رجوعه إلى ما سبق من بدلية التراب عن الماء، فيجري فيه ما سبق.

وثانياً: بأن المتيقن من طهورية التراب وبدليته عن الماء مطهريته من الحدث لا من الخبث، فعدم وجوب غسل المس بالتيمم موقوف إما على إحراز أن وجوب غسل المس من آثار حدث الموت وحده، دون خبثه، أو إحراز أن الخبث من آثار الحدث، فارتفاع حدث الموت بالتيمم - بمقتضى إطلاق البدلية - مستلزم لارتفاع موضوع غسل المس. ولا طريق لإحراز أحد الأمرين.

وأما ما ذكره سيدنا المصنف من أن مقتضى إطلاق طهورية التيمم مطهريته من الحدث والخبث، والخروج عنه في الخبث غير الملازم للحدث بظهور التسالم على ذلك لا يستلزم الخروج عنه في الخبث الملازم له، كما في المقام، فيتعين البناء على مطهريته من الحدث والخبث معاً في المقام.

فيشكل بعدم وضوح إطلاق طهورية التيمم عدا صحيح زرارة المتقدم الذي سبق قصوره عن إثبات مطهريته من الحدث الأكبر، فضلاً عن مطهريته من الخبث. وأما الآيتان الشريفتان(2) فهما لا تنهضان إلا بمطهريته من الحدثين كما لا يخفى.

نعم قد يستفاد ذلك من إطلاق مطهرية الأرض، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"(3) ، وما تقدم دليلاً على إطلاق بدلية الصعيد عن الماء.

لكنه يشكل أولاً: بأن الإطلاق المذكور منصرف للحدث، لأنه الذي تضمنته

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 1.

(2) سورة النساء آية: 34، وسورة المائدة آية: 6.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 7 من أبواب التيمم.

ص: 464

أو غسله الكافر (1)،

الآيتان الشريفتان، اللتان هما الأصل في تشريع طهورية الأرض، وفي كيفية مطهريتها، كما يناسبه مفروغيتهم المشار إليها. وأما التفصيل الذي ذكره (قدس سره) فهو حمل الدليل الطهورية بالإضافة إلى الخبث على الفرد النادر، وقصور دليل إطلاق الطهورية عن الخبث رأساً أهون منه عرفاً، ولذا كان مغفولاً عنه جداً.

وثانياً: أن الدليل المذكور غير متعرض لكيفية مطهرية التراب من الخبث، ودليل مطهرية التيمم مختص بالحدث. وحمل الخبث عليه قياس بعد أن كانت مطهريته من الحدث تعبدية لا عرفية، ليمكن فهم عدم الخصوصية له، ويتعدى للخبث.

هذا وأما ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) في وجه عدم سقوط غسل المس بعد الاعتراف بعموم بدلية التيمم عن الغسل للمقام من اختصاص أدلة مطهرية التيمم بالمتيمم - وهو الميت في المقام - دون غيره كالماس.

فيشكل بأن الطهارة وإن كانت مختصة بالمتيمم، إلا أنه كما يجوز له ترتيب آثارها يجوز لغيره ترتيبها، ولذا يجوز له الإئتمام به في الجملة، والبناء على صحة عمله المترتب على طهارته، فلا يقضي عنه وليه ونحو ذلك، ومن الظاهر أن سقوط غسل المس في المقام من آثار طهارة الميت الممسوس التابعة لغسله، فإذا فرض قيام التيمم مقام الغسل في مطهريته للميت تعين سقوط غسل الميت به. فالعمدة ما ذكرنا من عدم الدليل على بدليته عن غسل الميت، ولا على إطلاق مطهريته بحيث تشمل الميت في المقام.

(1) فقد صرح في القواعد وجامع المقاصد والروض ومحكي غيرها بوجوب الغسل بمس من غسله الكافر. إما لاختصاص الغسل المسقط لغسل المسّ بالغسل الاختياري، أو لعدم كونه غسلاً حقيقياً، بل صورياً.

لكن الأول مخالف لإطلاق النصوص في المقام. والثاني ممنوع، لمخالفته لظاهر

ص: 465

أو غسل بالقراح لفقد الخليطين (1)، أو أقل من ثلاثة أغسال لعوز الماء (2) فالأقوى عدم وجوب الغسل بمسه في غير التيمم. أما فيه فلا يخلو عن تأمل (3).

أدلته، كما تقدم عند الكلام في تغسيل الكافر للميت. فراجع.

(1) فقد صرح في جامع المقاصد بوجوب الغسل بمسه، لدعوى اختصاص سقوط الغسل بالمس بمن غسل غسلاً صحيحاً اختيارياً. وهي ممنوعة كما سبق. ومن ثم قرب في الجواهر وغيرها سقوط غسل المس به.

نعم هو موقوف على ظهور دليل مشروعيته في بدليته عن المقام في حال الاضطرار. وهو ممنوع في المقام بعد اختصاص دليله بالإجماع، والمتيقن منه مشروعيته في الجملة، ولو لتحصيل بعض الطهارة به، اكتفاء بالميسور. وحينئذ يشكل دخوله في إطلاق سقوط غسل المس بعد غسل الميت، لقرب كون المراد به الغسل التام وإن كان اضطرارياً. فتأمل جيداً.

(2) الكلام فيه هو الكلام في سابقه. ولا ينفع تيممه بدلاً عن الغسل الفائت، لما سبق من عدم الاجتزاء بالتيمم في سقوط غسل المس.

(3) قد يدعى أن ما تقدم منه (قدس سره) من سقوط غسل المس بتغسيل الميت بالماء القراح وحده لفقد الخليطين مستلزم لسقوطه بتيمم الميت، لما سبق من أن وجوب التيمم حينئذ مستفاد من إطلاق أدلة بدلية التيمم عن الغسل، ومقتضى إطلاق أدلة البدلية ترتب جميع الأثار ومنها سقوط غسل المسّ.

لكنه يندفع بما تقدم في الوجه الثاني للإشكال على الاستدلال بأدلة البدلية في المقام من اختصاص البدلية برفع الحدث مع احتمال دخل الخبث في وجوب غسل المس، وحينئذ لو ثبتت مطهرية الغسل بالماء القراح وحده في الفرض للميت من الخبث فلا طريق لإثبات مطهرية التيمم له منه، ليرتفع غسل المس به.

بقي في المقام أمور لم يتعرض لها سيدنا المصنف (قدس سره):

ص: 466

الأول: قال في كشف اللثام: "أما المعصوم فلا امتراء في طهارته. ولذا قيل بسقوط الغسل عمن مسه. لكن لي فيه نظر للعمومات، وخصوص خبر الحسين بن عبيد" ومراده بخبر الحسين مكاتبته المتقدمة في أول المسألة المتضمنة غسل أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد تغسيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحوها مكاتبة الصيقل. ومما تقدم هناك يظهر وجه الاستدلال بهما، وأنه غير تام، لاحتمال معنى آخر يقتضي استحباب الغسل. فالعمدة العمومات.

ولا ينافيها التعليل في معتبري الفضل بن شاذان ومحمد بن سنان المتقدمين، المتضمن للتطهر به مما أصاب الماسّ من الميت. لقرب كون التعليل المذكور من سنخ الحكمة التي لا يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، ولذا ورد نظيره في تعليل تغسيل الميت، مع عدم الإشكال في وجوب تغسيل المعصوم. والكلام في ذلك وإن لم يكن عملياً، إلا أنه ينفع فيما يأتي.

الثاني: صرح في التذكرة والمنتهى والقواعد بعدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد، وهو ظاهر الدروس، وحكي عن جماعة. واستدل له تارة: بطهارته وعدم تأثير الموت فيه ما يوجب الحدث والخبث. ولعله إليه يرجع ما في الجواهر من استفادته من نصوص سقوط غسله، لظهورها في مساواته للميت المغسل. ولاسيما مع عدم اشتمالها - على كثرتها - على التنبيه لغسل المس، مع تحقق المس غالباً بالدفن ونحوه. وأخرى: بأن اشتراط وجوب غسل المس بعدم تغسيل الميت ظاهر في أن موضوعه الميت الذي يغسل.

ويشكل الأول - مضافاً إلى ما سبق من عدم وضوح اختصاص غسل المس بغير الطاهر - بعدم وضوح طهارة الشهيد. ومجرد عدم وجوب تغسيله قد لا يكون لعدم المقتضي، بل قد يكون لوجود المانع، وهو المصلحة الملزمة ببقائه على حاله التي قتل عليها وبدمائه، ولذا يدفن بثيابه ولا يحنط. وظهور النصوص في مساواته للمغسل غير ظاهر المنشأ.

ص: 467

(468)

(مسألة 74): لا فرق في الماس والممسوس بين أن يكون من الظاهر والباطن (1)، وكونه مما تحله الحياة (2)،

ومجرد عدم الأمر بالغسل لمسّه مع كثرة وقوعه لا يشهد بعدمه لإمكان الاتكال فيه على العمومات. ولذا لم يؤمر به فيمن يموت بعد المعركة مع كثرة الابتلاء به وبمسه أيضاً.

ومنه يظهر الإشكال في الثاني، لأن الاشتراط المذكور إنما يقتضي القصور عمن لا يغسل إذا كان عدم التغسيل لعدم الموضوع - كالحيوان - لا لوجود المانع، كما تقدم نظيره في مسّ الكافر.

الثالث: صرح في التذكرة والقواعد وجامع المقاصد بأن من وجب عليه تقديم الغسل على قتله، فاغتسل وقتل لا يجب الغسل بمسّه، وهو ظاهر الدروس، وحكي عن جماعة.

وتنظر فيه في المنتهى وتردد في محكي الذخيرة، بل صرح في السرائر والحدائق بوجوب الغسل بمسّه. لإطلاق وجوب الغسل بالموت قبل التغسيل، الظاهر في إرادة التغسيل بعد الموت غير الحاصل في المقام.

لكنه يشكل بحكومة دليل وجوب تقديم الغسل على الإطلاق المذكور، لظهوره في كونه من أفراد غسل الميت، وقيامه مقام الغسل بعد الموت في غيره، ووفائه بملاكه، فيترتب عليه أثره، ومنه سقوط غسل المسّ.

(1) كما هو مقتضى إطلاق النص والفتوى لصدق المس فيه. والانصراف للظاهر بدوي لا يعتد به، نظير ما تقدم في السقط. ومثله التعليل بأن الباطن لا يغسل. لعدم التلازم بين الأمرين.

(2) لإطلاق المس الشامل للجميع والانصراف لخصوص ما تحله الحياة لا يخلو عن إشكال، بل ربما كان بدوياً غير معتد به.

وقرب شيخنا الأعظم (قدس سره) - تبعاً للروض - اعتبار كون الممسوس مما تحله

ص: 468

عدا الشعر (1) ماساً وممسوساً.

الحياة. لظاهر التعليل في معتبر الفضل بن شاذان المتقدم في ميت غير الإنسان بأن الممسوس منه ذكي من الحي والميت، المؤيد بمفهوم صحيحي عاصم والصفار(1) المتضمنين تعليق غسل المسّ على مسّ جسد الميت، الظاهر فيما تحله الحياة منه. ولاسيما مع التنصيص على اعتبار برودته في الأول.

ويشكل بأن التعليل - لو تم سوقه للغُسل بالضم، لا للغَسل بالفتح، على ما سبق الكلام فيه - لما لم يمكن الالتزام بظاهره من وجوب الغسل بمسّ ما تحله الحياة من غير الإنسان فلا مجال للتعويل عليه في رفع اليد عن الإطلاق.

وأما الصحيحان فالاستدلال بهما موقوف على عدم صدق مسّ الجسد بمس ما لا تحله الحياة، وهو ممنوع في غير الشعر، كالظفر والسن. ولاسيما مع قرب أن يكون ذكر الجسد في مقابل المس من وراء الثياب، الذي اشتمل عليه السؤال في الثاني. ولا اقل من الإجمال، فيرجع لإطلاق ما تضمن وجوب الغسل بمس الميت الصادق بمس ما لا تحله الحياة قطعاً. وأما التوصيف بالبرودة فلا أثر له في المقام، حيث لا يراد به برودة موضع المس، بل برودة الجسد وإن كان الممسوس منه ما لا تطرأ عليه البرودة، لعدم حمله لحرارة الحياة. على أن عدم طروء حرارة الحياة والبرودة على مثل الظفر غير ظاهر.

هذا وقد وقع التردد من بعضهم في خصوص بعض الأمور، كالسن، أو الظفر، أو العظم. ولم يتضح خصوصيتها. ومثله في الإشكال ما عن الروض من اعتبار الحياة في الماس. حيث لا وجه له إلا دعوى الانصراف الذي سبق الإشكال فيه.

(1) كما ذكره غير واحد، لانصراف الإطلاق عنه قطعاً، خصوصاً إذا كان

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 1 من أبواب غسل المس حديث: 3، 5. قال (عليه السلام) في الأول: "إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل" وقال الصفار في الثاني: "كتبت إليه: رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقع (عليه السلام): إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل" .

ص: 469

(470)

(مسألة 75): لا فرق بين العاقل والمجنون والصغير والكبير (1)، والمس الاختياري والاضطراري (2).

(مسألة 76): إذا مس الميت قبل برده لم يجب الغسل بمسه (3). نعم يتنجس العضو الماس (4) بشرط الرطوبة المسرية في أحدهما.

طويلاً متهدلاً.

(1) للإطلاق في الكل. وحديث رفع القلم لا ينهض برفع مثل سببية المس للغسل، بل يختص برفع التكليف ونحوه مما يبتني على الكلفة والتبعة، على ما أوضحناه في المسألة الثامنة والخمسين من كتاب الخمس، وفي المسألة الأولى من فصل شروط المتعاقدين من كتاب التجارة.

(2) للإطلاق. والكلام في حديث رفع الاضطرار هو الكلام في حديث رفع القلم عن الصبي والمجنون.

(3) كما تقدم.

(4) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب فيه وفي كل ملاق للنجس، على ما يأتي في مبحث النجاسات إن شاء الله تعالى. وذلك لنجاسة الميت بمجرد الموت ولا يتوقف على البرد، كما هو مقتضى إطلاقات نجاسة الميتة التي يأتي الكلام فيها في محله إن شاء الله. ولخصوص التوقيعين الواردين في إمام حدثت عليه حادثة وهو في الصلاة المتقدمين في أول هذا المقصد. خلافاً لما في الذكرى والدروس من أن الأقرب المنع، إما لعدم القطع بالموت قبل البرد، أو لعدم القطع بالنجاسة حينئذٍ، أو للتلازم بين النجاسة والغسل بالمسّ، فمع عدم وجوب الغسل لا نجاسة.

وفيه: أن التفصيل في النصوص بين البرد وعدمه شاهد بإمكان القطع بالموت قبل البرد. كما أن ما سبق هنا شاهد بتنجس الميت قبل البرد وبعدم التلازم بينه وبين الغسل بالمسّ.

ص: 470

وإن كان الأحوط تطهيره مع الجفاف أيضاً (1).

ثم إن ظاهرهم بل صريح بعضهم إرادة النجاسة المعهودة، التي تسري للطاهر بملاقاته.

لكن في السرائر أنها لا تسري. قال: "وكذلك إذا لاقى جسد الميت من قبل غسله إناء ثم أفرغ في ذلك الإناء قبل غسله مايع، فإنه لا ينجس ذلك المايع وإن كان الإناء يجب غسله، لأنه لاقى جسد الميت، وليس كذلك المايع الذي حصل فيه، لأنه لم يلاق جسد الميت".

فإن رجع ما ذكره إلى دعوى عدم نجاسة الميت - أو مطلق الميتة - وإن وجب غسل ملاقيه، أو عدم نجاسة الملاقي للنجس وإن وجب غسله تعبداً، أو عدم تنجيس المتنجس مطلقاً، فالكلام فيه يأتي في محله من مسألة نجاسة الميتة ومبحث أحكام النجاسات إن شاء الله تعالى. وإن رجع إلى خصوصية في ملاقي الميت أشكل بعدم وضوح الفرق بينه وبين غيره من النجاسات بعد تشابه السنة الأدلة في الكل.

(1) فقد صرح في القواعد بنجاسة ملاقي الميت مطلقاً ولو مع اليبوسة، وجعله الأقرب في المنتهى. ومراده بالميت إما مطلق الميتة، أو خصوص الإنسان الميت، كما نسب كل منهما لبعض، على إشكال في النسبة. بل عن محكي الموجز نجاسة الملاقي مع اليبوسة في ميتة غير الإنسان، دون ميتة الإنسان، وإن قال في الجواهر: "وهو غريب لم أجد له موافقاً فيه".

وكيف كان فقد يستدل له بإطلاق ما تضمن الأمر بغسل ما أصاب ميت الإنسان وغيره، كالتوقيعين المشار إليهما آنفاً، وموثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): "اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً سبع مرات" (1) وخبر قاسم الصيقل: "كتبت إلى الرضا (عليه السلام): إني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأصلي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 53 من أبواب النجاسات والأواني والجلود حديث: 1.

ص: 471

فيها. فكتب إليّ: اتخذ ثوباً لصلاتك"(1).

لكن ذلك لا يختص بميت الإنسان ولا بمطلق الميتة، بل يجري في غيرها من النجاسات ففي صحيح محمد بن مسلم:" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل؟ قال: تغسل المكان الذي أصابه "(2) ونحوه غيره.

ويلزم الخروج عنه في الجميع بما تضمن عدم سراية النجاسة مع اليبوسة من النصوص الكثيرة المذكورة في محلها(3) الواردة في النجاسات المتفرقة، بنحو يظهر منها بيان القاعدة العامة، على ما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

ولاسيما مع إطلاق موثق عبد الله بن بكير:" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يبول ولا يكون عنده الماء، فيمسح ذكره بالحائط. قال: كل شيء يابس زكي"(4) ، بناءً على أن المراد به الكناية عن عدم سريان النجاسة من الذكر، لا طهارته بنفسه، كما عن بعض العامة، إذ لا قائل بالعموم المذكور حتى من العامة، وإنما خصوه بخصوص بعض النجاسات، بخلاف ما لو حمل على إرادة الكناية عن عدم التنجيس مع الجفاف. ومن ثم لا يبعد إرادة ذلك، كما فهمه غير واحد. وحينئذ فالعدول فيه عن بيان حكم الواقعة المسؤول عنها إلى بيان القضية الكلية موجب لقوة ظهوره في العموم، وبذلك يكون حاكماً على جميع أدلة الانفعال ومقدماً على مطلقاتها ومنها المقام. فتأمل.

ويناسب ذلك في المقام ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: "سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال: يغسل ما أصاب الثوب"(5) ، ونحوه حديث إبراهيم بن ميمون(6). حيث لم يتضمن غسل الثوب، بل وغسل ما أصابه، وحيث لا يراد به الميت تعين حمله على أثره العالق بالثوب، وذلك لا يكون إل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 49 من أبواب النجاسات والأواني والجلود حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 12 من أبواب النجاسات والأواني والجلود.

(3) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 26 من أبواب النجاسات.

(4) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(5و6) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2، 1.

ص: 472

(473)

(مسألة 77): يجب أيضاً الغسل بمس القطعة المبانة من الحي أو الميت إذا كانت مشتملة على العظم (1)،

مع الرطوبة. ومن ثم لا ينبغي التوقف في الحكم.

هذا وقد يظهر من كلمات من تقدم. بل هو صريح القواعد أن نجاسة الملاقي مع عدم الرطوبة لا تسري منه لما يلاقيه برطوبة. ولم يتضح الوجه في ذلك، إلا أن يبتني على عدم تنجس الملاقي للميت وإن وجب غسله تعبداً، أو على عدم تنجيس المتنجس، أو خصوص هذا المتنجس فيجري فيه ما سبق عند التعرض لكلام ابن إدريس.

(1) كما صرح به في المبسوط والنهاية والنافع والتذكرة والمنتهى والدروس وحكي عن غيرها، ونسب للمشهور والأكثر والأشهر في كلام غير واحد. بل في الخلاف دعوى الإجماع عليه. ولعله مراد محكي المصباح والسرائر، وإن نسب للأول الاقتصار على ما قطع من الحي، وللثاني الاقتصار على ما قطع من الميت. كما اقتصر عليه في الفقيه والشرايع والقواعد. وعن شرح المفاتيح نسبته للأصحاب. وعن مجمع البرهان أن عمدة الدليل عليه الإجماع.

وكيف كان فالأصل في المسألة من النصوص صحيح أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام):" قال: إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكلما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه"(1).

وهو وإن كان ظاهراً فيما قطع من الحي، لأنه المنصرف من (الرجل)، ولتفريع كونه ميتة على القطع، إلا أنه يستفاد منه الحكم في المقطوع من الميت بالأولوية العرفية. بل تفريع وجوب غسل المسّ على كونه ميتة ظاهر في أن التفصيل المذكور من أحكام

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل المس حديث: 1.

ص: 473

الميتة، التي يراد بها في المقام خصوص ميتة الإنسان، بقرينة النصوص والإجماع على عدم وجوب الغسل بمس غيرها من الميتات، وتكون موسعة لموضوع غسل المس من الإنسان الميت إلى ميتة الإنسان ذات العظم.

نعم استشكل في المعتبر في ذلك. قال: "والذي أراه التوقف في ذلك، فإن الرواية مقطوعة، والعمل بها قليل، ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع لم يثبت".

لكن الرواية - وإن كانت مقطوعة - منجبرة بظهور اعتماد قدماء الأصحاب عليها في الجملة، كما يتضح من الشيخ، ويظهر من الكليني، حيث أودعها في الكافي، بل هو الظاهر من الصدوق وابن إدريس، إذ لولاها لم يكن وجه للتفصيل بين ما اشتمل على العظم وغيره في المقطوع من الميت. بل تقدم منهم التفصيل في وجوب تغسيل العضو بين ما إذا اشتمل على عظم وغيره. والظاهر انحصار المنشأ له بهذه الرواية. بل من القريب جداً ابتناء رواية الأصحاب لها على عملهم بها، فإنها رواية مخالفة للقاعدة، فلو كان بناؤهم على إهمالها لما خفي على من تأخر عنهم ولم يفتوا بمضمونها، خصوصاً في مثل هذا الحكم الشايع الابتلاء. وذلك بمجموعه موجب للوثوق بصدور الرواية، وكاف في الحجية.

هذا وقد استدل في الجواهر لوجوب غسل المس في المقطوع من الميت - مع قطع النظر عن الرواية - تارة: بالاستصحاب. وأخرى: بفحوى وجوب جريان أحكام الميت على القطعة، من التغسيل والتكفين والدفن. وثالثة: بأنه لولا ذلك لزم عدم وجوب غسل المسّ مع تقطيع الميت بحيث لا يصدق على كل قطعة أنها الميت، ولا يمكن البناء على ذلك، إذ ليس التقطيع من المطهرات.

ويندفع الأول بأن الاستصحاب تعليقي، وهو لا يجري على التحقيق. مع أنه لو تمّ يجري حتى مع عدم اشتمال القطعة على العظم. وأضعف من ذلك تعميم الحكم معه للمقطوع من الحي بعدم الفصل، إذ لو تم عدم الفصل فالاستصحاب لا ينهض بإثبات لازم مؤداه.

ص: 474

كما يندفع الثاني بمنع الفحوى. على أن عمدة الدليل عندهم على جريان الأحكام المذكورة هو الرواية المتقدمة، بدعوى: استفادة ثبوت هذه الأحكام منها تبعاً، فإذا لم يعمل بها في موردها لا مجال لاستفادة ترتب تلك الأحكام.

ويندفع الثالث بأنه لا محذور في البناء على عدم وجوب غسل المس مع تقطيع الميت، حيث لا يصدق بمس كل قطعة مسه، وهو لا يرجع إلى كون التقطيع من المطهرات، بل إلى كون الاتصال شرطاً في صدق مس الميت الذي هو موضوع الغسل.

نعم لو قطع من الميت قطعة لا تنافي صدق الميت على الباقي تعين وجوب الغسل بمسه عملاً بالإطلاقات من دون حاجة للرواية. ولعله خارج عن محل كلامهم.

ومثله ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) من الاستدلال لوجوب الغسل بمس ما قطع من الميت بإطلاق ما تضمن وجوب الغسل بمس الميت، بدعوى: إن المفهوم منها عدم خصوصية الاتصال. قال: "إذ لو أثر اتصال أجزاء الميت في الحكم لأثر في الحكم بنجاسة الميت، لأن الأخبار إنما دلت على نجاسة الميتة، وهي لا تصدق على جزء منها، وفي الحكم بوجوب تغسيله لو لم نجد الميت تام الأجزاء".

لاندفاعه - مضافاً إلى أن لازمه وجوب الغسل بمس ما لا عظم فيه - بأن عدم خصوصية الاتصال في الحكم بالنجاسة بوجوب التغسيل لا يستلزم عدم خصوصيته في وجوب الغسل بالمسّ. ولاسيما مع صدق عنوان الميت مع تقطيعه على مجموع القطع، وعدم صدق مسه بمسها، فضلاً عن مسّ بعضها.

على أن وجوب التغسيل مع عدم تمامية أجزاء الميت إن أريد به وجوبه في المقدار الذي يصدق عليه عنوان الميت الناقص فهو مقتضى الإطلاقات، وخصوص ما تضمن وجوب الصلاة على ما فيه الصدر. وإن أريد به وجوبه في كل ما اشتمل على العظم، فهو أول الكلام، بل هو أخفى من وجوب غسل المسّ، كما يظهر بمراجعة المسألة الثانية والسبعين من فروع أحكام الميت. ومن هنا كان الظاهر انحصار دليل

ص: 475

دون الخالية منه، ودون العظم المجرد من الحي (1). أما العظم المجرد من الميت أو السن منه فالأحوط الغسل بمسه (2).

المسألة بالرواية المتقدمة. والله سبحانه وتعالى العالم.

بقي شيء وهو أن الظاهر اعتبار كون المس بعد البرودة في وجوب الغسل في المقطوع من حي أو ميت، لأن الرواية وإن كانت مطلقة، إلا أن تفريع الحكم فيها على كون القطعة ميتة ظاهر في كون الغسل بمسها من صغريات وجوب الغسل بمس الميت بعد تعميمه للقطعة التي فيها عظم، فيلحقها شروطه.

كما أن الظاهر في المقطوع من الميت عدم وجوب الغسل لو غسلت القطعة مع الميت، لعدم الإشكال ظاهراً في مشروعية تغسيل الميت المقطع.

أما تغسيلها وحدها - سواءً كانت من حي أو ميت - فسقوط غسل المس به موقوف على مشروعية تغسيل القطعة، وهي محل إشكال، كما يظهر مما تقدم في المسألة الثانية والسبعين.

هذا وعن الاسكافي عدم وجوب الغسل بمس القطعة من الحي بعد السنة. ولم يتضح وجهه بعد إطلاق النص المتقدم والاستدلال عليه بالخبر الآتي في العظم المجرد من الميت ضعيف جداً.

(1) فقد أطلق في التذكرة وعن غيرها عدم وجوب الغسل بمس العظم المجرد. ووجهه قصور الرواية المتقدمة عن ذلك. خلافاً لما يظهر من إطلاق جماعة من وجوب الغسل بمس العظم المجرد، معللاً بدوران الحكم مداره. وفيه: أن المستفاد من الرواية كونه شرطاً في وجوب الغسل بمس القطعة، وهو لا يستلزم وجوب الغسل بمسّه.

(2) كما في الدروس، وهو مقتضى إطلاق المحكي عن غيره. ولا وجه لتخصيصه إلا اختصاصه بجريان الاستصحاب، الذي لا مجال له في العظم المقطوع من الحي. ومجرد عدم الفصل بينهما - لو تم - لا ينهض بتسرية الحكم بعد عدم حجية

ص: 476

(477)

(مسألة 78): إذا قلع السن من الحي وكان معه لحم يسير لم يجب الغسل بمسه (1).

الاستصحاب في لازم مؤاداه، كما سبق نظيره. هذا حيث كان الاستصحاب تعليقياً فلا مجال للتعويل عليه حتى في العظم المفصول من الميت.

نعم في خبر إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "سألته عن مسّ عظم الميت قال: إذا جاز سنة ليس به بأس"(1). وعن الفقيه ومحكي المقنع الفتوى بمضمونه.

لكن نفي البأس قد يكون بلحاظ عدم تنجس اليد، لخلوه عن اللحم بعد السنة، ولا دلالة فيه على إرادة غسل المسّ، ليتجه الاستدلال بمفهومه على وجوب الغسل مع المسّ قبل السنة.

ولاسيما مع ضعفه وعدم ظهور عامل به غير المحكي عن الصدوق، وإن لم أعثر على كلامه في الكتابين المذكورين.

هذا ولو قيل بوجوب الغسل بمس العظم المجرد مطلقاً أو قبل السنة فالظاهر سقوطه بتغسيل الميت، لنظير ما سبق في القطعة المشتملة على العظم.

ومن ذلك يظهر عدم وجوب الغسل بمسّ العظام التي توجد في المقابر حتى لو احتمل - ولو بعيداً - عدم مرور سنة عليها، لأنها حيث كانت مسبوقة بالدفن فمقتضى قاعدة التجاوز البناء على تغسيل الميت التي هي منه.

نعم لا مجال لذلك في مقابر غير المسلمين. بل حتى في مقابر المخالفين، بناء على عدم مشروعية تغسيلهم، بل مطلقاً، لبطلان تغسيلهم ولو لعدم كون المغسل مؤمناً. إلا أن يحتمل وقوع التغسيل بالنحو المشروع الصحيح. فتأمل جيداً.

(1) كما عن كاشف الغطاء. لظهور حديث أيوب المتقدم في الاعتداد بالقطعة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب غسل المس حديث: 2.

ص: 477

(478)

(مسألة 79): يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيه وقراءة العزائم (1). نعم لا يجوز له مس كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث (2). ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة

بالإضافة للعظم بحيث يصدق أنه فيها، وذلك لا يصدق في مفروض المسألة، ولا في نظائرها مما كان اللحم قليلاً غير معتد به. بل لا يبعد انصراف العظم عن السن، فلا يجب الغسل بمس القطعة المشتملة عليه وحده وإن كانت معتداً بها بالإضافة إليه.

(1) كما صرح به غير واحد. لاختصاص دليل الكل بالجنب والحائض. وغاية الأمر أن تلحق بها النفساء. ولذا تقدم عدم حرمتها على المستحاضة حتى مع عدم قيامها بالوظائف المقررة لها. ومنه يظهر ضعف ما عن جماعة من المنع.

(2) لأن المنصرف من وجوب الغسل للمس كون المس موجباً للحدث، بل هو صريح معتبري الفضل بن شاذان ومحمد بن سنان المتضمنين تعليل غسل المس بأنه ناشئ من إصابة أثر الموت، والظاهر عدم الإشكال فيه بينهم.

هذا وحيث كان الحدث الموجب للوضوء وحده أخف من الحدث الموجب للغسل كان ثبوت تحريم الفعل على من ليس على وضوء مستلزماً لتحريمه على من عليه بالأولوية. بل هو مقتضى ما تقدم في فصل أسباب الوضوء من انتقاض الوضوء بكل ما يوجب الغسل.

نعم لم يثبت حرمة مسّ اسمه تعالى على كل محدث، أو على كل من ليس على وضوء، لينفع فيما نحن فيه. والنص لو تم الاستدلال به مختص بالجنب، ولا مجال للتعدي منه لكل من عليه غسل.

كما لا مجال لاستفادة حرمة مسّ الاسم الشريف على المحدث مما تضمن حرمة مس من ليس على وضوء للكتاب المجيد، على ما تقدم في مبحث الوضوء، ولذا ذكرنا هناك أن حرمة مسه على غير المتوضي محل إشكال. فراجع.

ص: 478

- كالصلاة - إلا بالغسل (1). والأحوط ضم الوضوء إليه (2).

(1) لإطلاق ما تضمن اعتبار الطهارة في الأمور المذكورة. ومنه يظهر ضعف ما في المدارك من عدم الوقوف على ما يقتضي اشتراطه لشيء من العبادة، ولا مانع من أن يكون واجباً لنفسه.

(2) وإن كان الأظهر إجزاء هذا الغسل كغيره من الأغسال المشروعة عن الوضوء، على ما تقدم في مبحث الحيض. فراجع. والله سبحانه وتعالى العالم.

انتهى الكلام في غسل مس الميت ضحى الجمعة التاسع من شهر جمادى الثانية سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة للهجرة بقلم السيد الفقير (محمد سعيد) الطباطبائي الحكيم. والحمد لله رب العالمين.

ص: 479

ص: 480

فهرست تفصيلى

(5)في التكفين5

(6)التكفين بثلاثة أثواب6

(10)(الأول): المئزر والكلام فيه10

(23)(الثاني): القميص والكلام فيه23

(25)وجوب كون القميص ساتراً لما تحته25

(26)(الثالث): الأزار والكلام فيه26

(27)الكلام في تحديد الأزار27

(31)الكلام في لزوم كون كل واحد من الثياب ساتراً لما تحته31

(35)اعتبار إذن الولي في التكفين وعدم اعتبار نية القربة35

(37)الكلام في صورة تعذر القطعات الثلاث37

(43)الكلام في التكفين بما لا تجوز الصلاة فيه للرجال اختياراً43

(45)عدم جواز التكفين بالحرير45

(49)عدم جواز التكفين بما لا يؤكل لحمه49

(55)(الأول): الكلام في التكفين بالذهب والمذهب55

(56)(الثاني): الكلام في لزوم كون الكفن من القطن الأبيض56

ص: 481

(56)الكلام في جواز الكفن بكل ما لا تجوز الصلاة فيه اضطراراً56

(62)عدم جواز التكفين بالمغصوب62

(64)الاشكال في التكفين بجلد الميتة64

(65)الكلام في جواز التكفين بالحرير غير الخالص65

(66)إذا تنجس الكفن بنجاسة من الميتة أو من غيره66

(68)الكلام في تطهير الكفن ولو بعد وضعه في القبر بقرض ونحوه68

(73)خروج المقدار الواجب من الكفن من التركة قبل الدين والوصية73

(75)بقي شيء. (الأول): الكلام في تقديم الكفن على حق المرتهن75

(79)(الثاني): الكلام في تقديم الكفن على حق غرماء المفلس79

(80)(الثالث): الكلام في تقديم الكفن على حق الجناية80

(84)الكلام في خروج سائر مؤن التجهيز من التركة84

(86)الكلام في كفن الزوجة86

(88)(الأول): الاستدلال على وجوب كفن الزوجة على الزوج بثبوت الزوجية إلى حين الوفاة88

(90)(الثاني): أنها لو تركت مالاً ورثه الزوج90

(91)الكلام في وجوب كفن الزوجة على الزوج إذا كانت صغيرة91

(92)الكلام في وجوب كفن الزوجة على الزوج إذا كانت مجنونة أو أمة92

(92)الكلام في وجوب كفن الزوجة على الزوج إذا كانت منقطعة92

(95)الكلام في وجوب كفن الزوجة على الزوج إذا كانت غير مدخول بها95

(95)عدم الفرق في الزوج بين الصغير والكبير95

(100)الكلام في اشتراط يسار الزوج في وجوب كون الكفن من ماله100

(101)الكلام في اشتراط كون الزوج غير محجور عليه بفلس101

(102)الكلام في اشتراط عدم تعلق ماله بحق102

(103)الكلام في اشتراط عدم اقتران موت الزوجة بموته وغيرها من الشروط103)

(108)الكلام في سائر مؤن التجهيز108

ص: 482

(110)عدم جواز اخراج الزائد على مقدار الكفن الواجب وسائر المؤن من أصل المال110

(113)تنبيه: فيما لو تعذر اخراج الكفن أو أجحف بالورثة هل يقتصر على ما يستره؟113

(114)الكلام فيما لو كان في الورثة صغيراً وغير رشيد114

(118)الكلام في كفن المملوك وكفن الأقارب118

(119)الكلام في كفن واجب النفقة من الأقارب119

(121)الكلام إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن الواجب يدفن عارياً ولا يكفنه المسلمون121

(128)بقي شيء. أن ما يدفع من الزكاة لتجهيز الميت يملكه الورثة128

(131)تكملة: في مستحبات الكفن العمامة للرجل131

(134)استحباب المقنعة للمرأة134

(136)الكلام في استحباب الخرقة التي يشد بها وسط الميت رجلاً كان أم امرأة136

(140)الكلام في استحباب اللفافة للميت فوق الأزار140

(146)الكلام في استحباب البردة اليمانية146

(149)بقي شيء. وهو أنه ذكر الأصحاب استحباب عدم تطريز الحبرة بالذهب149)

(151)استحباب وضع القطن بين رجلي الميت يستر به عورته151

(152)استحباب وضع شيء من الحنوط عليه وسائر مستحبات الكفن152

(172)مستحبات المباشر للتكفين: الكلام في استحباب كونه على طهارة من الحدث172

(176)في سائر مستحبات المباشر للتكفين176

(178)في مكروهات الكفن178

(187)استحباب تهيئة الكفن لكل أحد قبل موته187

(189)الفصل الخامس في التحنيط في واجبات التحنيط189

(191)في وجوب امساس المساجد السبعة191

(195)وجوب كون التحنيط بالكافور195

ص: 483

(197)بقي شيء. صرح باستحباب خلط الكافور بتربة الحسين عليه السلام197

(200)في كيفية وضع الحنوط ومقداره200

(207)في استحباب سحق الحنوط باليد207

(208)في استحباب مسح مفاصل الميت بالحنوط208

(212)الكلام في محل الحنوط وأنه بعد الغسل وقبل التكفين212

(214)يشترط في الكافور أن يكون طاهراً214

(215)في كراهة إدخال الكافور في عيني الميت وأنفه وأذنه215

(221)الفصل السادس في الجريدتين221

(227)بقي في المقام أمران (الأول): في تعريف الجريدتين227

(228)(الثاني): في مقدار طول الجريدتين228

(231)في كيفية وضع الجريدتين231

(236)بقي في المقام أمران (الأول): الكلام في الاكتفاء بوضع الجريدتين جانب اليمين والشمال كما يظهر من بعض النصوص وعدمه236

(236)(الثاني): صريح بعض النصوص استحباب ادخال جريدة رطبة في قبر الميت236

(237)استحباب كون الجريدتين من النخل237

(239)الكلام فيما لو لم يتيسر النخل فمن السدر239

(240)الكلام فيما لو لم يتيسر فمن الخلاف أو الرمان وإلّا فمن كل عود رطب240

(242)الكلام فيما لو نسيت الجريدتان توضع فوق القبر242

(243)الكلام فيما يكتب على الجريدتين243

(245)الفصل السابع في الصلاة عليه245

(247)الكلام في وجوب الصلاة على الميت المسلم مطلقاً247

ص: 484

(248)في الصلاة على الطفل إذا بلغ ست سنين248

(255)في الصلاة على من وجد ميتاً في بلاد الإسلام وكذا اللقيط255

(257)الكلام في كيفية الصلاة على الميت257

(257)وينبغي الكلام في أمور (الأول): في وجوب خمس تكبيرات257

(264)(الثاني): الكلام في وجوب الدعاء بين التكبيرات264

(269)(الثالث): وجوب الكيفية المذكورة في المتن269

(273)وينبغي الكلام في أمور (الأول): الكلام في اعتبار شهادة التوحيد أو الشهادتين273

(274)(الثاني): صرح بعضهم باعتبار الصلاة على النبي (ص) والكلام فيه274)

(275)(الثالث): ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب الدعاء للميت والكلام فيه275

(281)الكلام في أنه لاقراءة في صلاة الميت281

(283)فيما يجب في الصلاة على الأموات283

(284)وجوب النية القربة وحضور الميت284

(287)شرطية استقبال المصلي القبلة287

(289)كون رأس الميت إلى جهة يمين المصلي289

(290)اشتراط كون الميت مستلقياً على قفاه290

(290)اشتراط وقوف المصلي خلف الميت290

(292)اشتراط أن لا يكون الصلي بعيداً292

(293)اشتراط عدم وجود الحائل293

(295)اشتراط كون المصلي قائماً295

(297)اعتبار الموالات بين التكبيرات والأدعية297

(299)الكلام في كون الصلاة بعد التغسيل والتحنيط والتكفين299

(303)اشتراط كون الميت مستور العورة303

(305)اشتراط إباحة المكان للصلاة على الميت305

ص: 485

(306)اشتراط إذن الولي في الصلاة على الميت306

(307)عدم اعتبار الطهارة من الحدث والخبث وإباحة اللباس307

(309)الكلام في جواز تكرار الصلاة على الميت309

(315)لو دفن الميت بلا صلاة صحيحة315

(323)استحباب وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة323

(324)الكلام في تشريك الجنائز المتعددة بصلاة واحدة324

(326)الكلام في كيفية الصلاة على الجنائز المتعددة326

(328)في استحباب الصلاة الميت جماعة328

(331)في شروط الجماعة في الصلاة على الميت331

(335)في الالتحاق بالجماعة في الأثناء335

(340)الكلام في مباشرة المرأة للصلاة إذا كانت ولياً340

(341)لا يتحمل الإمام في صلاة الميت شيئاً من القراءة341

(342)في آداب الصلاة على الميت342

(349)أقل ما يجزئ في صلاة الميت349

(351)الفصل الثامن في التشييع351

(351)في استحباب إعلام المؤمنين351

(353)في فضل تشييع المؤمن353

(359)في مكروهات التشييع359

(365)الفصل التاسع في الدفن365

(365)في وجوب مواراة الميت الأرض365

(371)الكلام في فرض عدم إمكان دفنه371

(374)عدم جواز دفن المؤمن في مقابر الكفار374

(376)الكلام في دفن الحامل الكافرة من المسلم376

ص: 486

(378)عدم جواز دفن المسلم في مواضع الهتك378

(380)دفن الميت في قبر غيره380

(383)في مستحبات كيفية القبر383

(389)في مستحبات الدفن389

(392)في مستحبات التلقين وكيفيته392

(394)في سائر المستحبات بعد وضع الميت في القبر394

(405)في مكروهات الدفن405

(405)كراهة دفن الميتين في قبر واحد405

(414)الكلام في جواز نقلا الميت إلى بلد آخر إلا المشاهد المشرفة414

(420)الكلام في حرمة نبش القبر420

(427)مستثنيات حرمة نبش القبر427

(435)عدم جواز التوديع المتعارف عند بعض الشيعة435

(436)الكلام في موت ولد الحامل436

(439)إذا وجد بعض أعضاء الميت439

(450)في حكم السقط450

(455)المقصد السادس) غسل المس455

(462)الكلام في وجوب في غسل مس الميت لو يمم للعجز عن تغسيله462

(468)الكلام في إطلاق الماس والممسوس468

(470)الكلام في مس الميت قبل برده470

(473)الكلام في مس القطعة المبانة من الحي أو الميت473

(477)عدم وجوب الغسل بمس السن إذا قلع من الحي477

(478)في جواز من وجب عليه غسل المس المكث في المساجد والمشاهد المشرفة478

ص: 487

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.